قراءة مفتوحة في أفق مؤتمر الحوار الوطني الشامل
د. فاضل القعود

د. فاضل القعود –
يشكöل مفهوم الحوار واحدا من أبرز المفاهيم التي ذاعت شهرتها في العقدين الأخيرين من القرن الماضي وكان لها – وما يزال – من الجاذبية والسحر مالها في الأوساط الثقافية والفكرية والأكاديمية والدوائر السياسية وصناع القرار. ويبدو أن هذا المفهوم قد تعاظم صيته وتكرس مدلوله عندما جاء كردة فعل طبيعية لتنامي مفهوم آخر مناقض له تماما ونعني بذلك مفهوم الصراع أو الصدام الذي برز في الغرب لاسيما في الولايات المتحدة الأمريكية وبالذات في أجواء ما عرöف بالعولمة تلك الموجة المتوحشة التي تتأسس على ابتلاع الحضارة الغربية لسائر حضارات العالم على كافة الأصعدة والتي روج لها- بشكل خاص- النظام العالمي الجديد ممثلا بإمبراطورية العم توم ودول أوروبا الغربية خاصة بعد نشر المفكر الأمريكي صامويل هنتنجتون كتابه ذائع الشهرة الموسوم بöصدام الحضارات “إعادة صنع النظام العالمي” هذا الكتاب الذي ما هو- حسب تعبير د.صلاح قنصوه – إلا تذكير ملöح على واجب المواطنين في مختلف بلدان العالم في التشبث بالخصومة بين البشر حتى يفرغ أصحاب المصالح لشئونهم وإدارة العالم الممزق أو بتعبير أدق إن نظرة هنتنجتون للصدام الحضاري ليست أكثر من ثوب قشيب لفكرة أو ممارسة عتيقة جدا هي “فرöق تسد” .
وأيا ما كان الأمر فإن من المهم ونحن بصدد الحديث عن الحوار مفهومه وأبعاد دلالته وهو – كما عرفنا منذ قليل – المصطلح الشديد الحضور في العلاقات الإنسانية والدولية نقول من المهم أن نتطرق إلى دلالته اللغوية في المعاجم العربية التي من مهامها الاعتناء بالأبعاد التجذيرية والتأصيلية للمكونات اللغوية حيث جاء تحت مادة (حور) – كما في القاموس المحيط – التالي: يقال تحاور القوم تراجعوا الكلام بينهم والتحاور التجاوب وحاورته راجعته الكلام وتحاورا وأحار الرجل الكلام رده. على أن من المفيد الإشارة إلى أن علماء العربية يحرصون غاية الحرص على التفريق بين مفهوم الحوار والجدال فإذا كان الحوار أو المحاورة: هو مراجعة الكلام والمادة تدور حول الرجوع فإن الجدال أو المجادلة تدور حول معنى اللدد والخصومة والعداء والقدرة على ذلك.
من هنا نفهم بأن الحوار يخلو من معنى الخصومة ويغلب عليه معنى الكلام المتبادل بين طرفين وفي جو لا يخلو من الحميمة والوئام وهو ما يعني سيادة الطابع الإيجابي في فاعلية الحوار في حين تهيمن دلالة الخصومة على مفهوم الجدال وهو ما يعني سيادة الطابع السلبي الشيء الذي يعكس – على نحو من الأنحاء – جوا من التوتر والحöدة وغياب الوئام والانسجام.
وفي سبيل مزيد من الإضاءة لهذا المفهوم وأبعاد دلالته وانطلاقا من قلب معطيات تراثنا العربي الإسلامي والتي على رأسها القرآن الكريم نقول إنه لما كان الحوار وسيلة حاسمة في الانتهاء إلى الحق وتجن
