بمناسبة الأمطار في وادي حضرموت

علي أحمد بارجاء

 - من حöكمة الأسلاف أن يجعلوا أقوالهم مرتبطة بأفعالهم كقولهم: (سيل جثúمöة مرúزحة قدامه ومرزحة قفاه) وهذا مثل من الأمثال الشعبية في مدينة سيئون ويضرب للأمر العظيم الذي يت
علي أحمد بارجاء –
من حöكمة الأسلاف أن يجعلوا أقوالهم مرتبطة بأفعالهم كقولهم: (سيل جثúمöة مرúزحة قدامه ومرزحة قفاه) وهذا مثل من الأمثال الشعبية في مدينة سيئون ويضرب للأمر العظيم الذي يتسبب في إحداث جلبة قبله وبعده. و(المرúزحة) فن من فنون الرقص الشعبي يرقصه الفلاحون في مواسم الخير وفي مناسبات الأعياد والأفراح ويؤدى على شكل صفوف يسير فيها الراقصون في موكب متماسكي الأيدي وهم يردöدون أبياتا من الشعر على لحن مخصوص بإيقاع ضرب الأرض بأرجلهم ضربا موحدا منتظما. و(جثمة) أو (يثمة) هو الشöعب والوادي الواقع جنوب مدينة سيئون. فما هي هذه الحكمة التي نتوخى التعرف عليها هنا¿
فمن شöعب (جثمة) هذا يسيل ماء الأمطار إلى السواقي العامة التي تتخلل المدينة كساقية البلاد (شارع الجزائر حاليا) وسواقي المنúكى (مفرد مناكي) الواقعة على الشرق منها. وهو في الغالب سيل عظيم تتقاسمه تلك السواقي العامة المفضية إلى سواق فرعية صغيرة فأصغر منها تسمى (البدود) جمع (بد) وهذه تفúضöي هي الأخرى إلى المزارع والحقول والبساتين المفتوحة أما المسورة فيدخل إليها الماء عبر فتحات معدة ومخصصة لذلك. ويتوزع الماء بنسب مقدرة وفق هندسة دقيقة نفذها قديما مهندس خبير من آل باناعمة بحيث لا يصل ماء السيل إلى المسيال الكبير لوادي حضرموت إلا بعد أن يكون قد روى كل الأراضي الزراعية وزاد عن حاجتها. وفي رحلة ماء السيل من مصب شöعب (جثمة) إلى مسيال الوادي يتعرض لانكسارات كثيرة بسبب مروره عبر المناكي أو المضالöع وهي مبان محكمة من الحجر تعترض في كل ساقية يمر بها السيل فتخفöف من سرعته وتبúطöئ من حركته فينساب منحدرا بهدوء يمنعه من إحداث أي جرف للتربة ويترسب ما يحمله من طمي في الأراضي الزراعية. ولم تؤدö سيول وادي جثمة لأي أضرار في المزارع أو البيوت إلا عندما تزداد نسبة الأمطار والسيول عن حدöها المألوف. وقد عبث المتأخرون – ممن لا يفقه شيئا في هندسة مجاري المياه – بالسواقي وغيروا معالمها ورفعوا أرضها وساووها بإزالة (مناكيها) وسفلتوها وجعلوها طريقا للمركبات حتى صارت تهدد بكارثة عند كل انهمار للأمطار.
ففي الماضي كان الفلاحون قبل مواسم الأمطار أو حين تبدأ السماء تتلبد بالغيوم يسارعون طواعية إلى السواقي و(البدود) القريبة من مزارعهم لإصلاحها وتنقيتها من كل الشوائب والمعوقات من حجر وشجر. وهذا العمل يقوم به هؤلاء برضى ورغبة وفرح وهم يتغنون بالأهازيج المحملة بالدعاء إلى الله أن يرحم الجميع من بشر وأنعام وشجر وأن يغيثهم غيثا مباركا ينبت به الزرع ويدر به الضرع ويكثر به الخير فيما يبادر رجال آخرون تدفع لهم البلدية أجورهم لتفقد وتنقية السواقي العامة.
فقبل نزول المطر تشهد السواقي عملا دؤوبا تتحقق به فائدة عظيمة تصب في الصالح العام. على أن هذا التفقد للسواقي يتم دوريا وربما بشكل فردي تحت إشراف الجهات الرسمية إلا أنه يكون عملا جماعيا كبيرا ينتهي بمرزحة قبل نزول المطر والسيل. فإذا أغاثهم الله وجاء السيل من شöعب (جثمة) خرج الفلاحون لمراقبته وهو يروي أراضيهم وليكونوا جاهزين لإصلاح أي خلل أو ضرر قد يحدث وتتعالى أصوات زغاريد النساء كلما تقدم السيل من ساقية إلى ساقية, وكلما دخل ليروي أرضا من الأراضي وبعد أن تنتهي المطر وترتوي الأرض تشهد البلاد مرزحة أخرى يردد الفلاحون فيها أهازيج الحمد والشكر لله والاستبشار بأيام قادمة عامرة بالخير الكثير والرزق الوفير. فمن هم الأفضل والأحرص والأوفى أجدادنا في زمانهم أم نحن اليوم بإهمالنا واستهتارنا!¿
ابتسم.. إنه مجرد إهمال :
< من الأهازيج التي يرددها الصغار أو يردöدها الكبار وهم يحثون صغارهم للرقص على مياه الأمطار الجارية والمتجمöعة فرحا وابتهاجا بسقيا السماء للأرض قولهم: (خنúبقهú يا سيل ربöي) ومع مر الأيام وعلى كثرة ما نسمع أنهم عمروا البلاد وأصلحوا الطرق والشوارع و(سفلتوها) لكنهم _حفاظا على التراث الشعبي وعدم ضياع وانقراض تلك الأهازيج الجميلة الرائعة_ حرصوا أن تبقى مياه الأمطار متجمöعة في الطرق والشوارع على شكل بöرك كبيرة حتى يتمكن الصغار أثناء وبعد توقف الأمطار من النزول إلى الشوارع و(الخنبقة) في تلك المياه لعدد من الأيام. وبهذا العمل الرائع تكون بلادنا رائدة في توفير فرص (الخنبقة) التي للأسف لم تهتم بها حتى بلدان العالم المتحضر التي حر

قد يعجبك ايضا