القوى الثلاث التي أجهضت التغيير

عبد الإله بلقزيز:


عبد الإله بلقزيز: –
تمخضت “الثورة” فأنجبت مجهولا! هذا أقل ما يمكن أن نصöف به ما جرى منذ عام ونصف العام وما تولد منه من نتائج لم تخúرöج كل ما في جوفها حتى الآن ويخúشى أن تنهمر منها عواقب أسوأ. كانت الآمال عظيمة في البدايات وأفق التغيير الديمقراطي السلمي يعöد بجزيل العطاء بشطúبö حقبة الاستبداد والفساد بتوليد سلطة توافق وطني بين قوى الثورة بتمكين الشباب- صناع الثورة- من حقهم في إقامة مؤسساتها بتجديد النخب السياسية والأحزاب بإنهاء ظاهرة العقائدية الكلانية في البنى الحزبية بإعادة السياسة إلى حيزö النسبي والمصلحي… إلخ.

لكن مسلسل الخيبات كان على الطريق يحصد الآمال والمكتسبات فما هو إلا زمن قصير على سقوط منú سقط مöنú رؤوس حتى أنúبتت “الثورة” رؤوسا أخرى نظير التي سقطت في التهافت على السلطة وفي استعمال المال لشراء التمثيل وفي السعي إلى احتكار السياسة والسيطرة على مقاليد الدولة كافة.

كان ذلك ما وقع في مهد “الثورة” “تونس” وفي مركزها “مصر”. وكان ما وقع فيهما أهúون مما وقع في غيرهما من ضروب التخريب للنسيج المجتمعي والعبث بوحدة الشعب والبلد ومن أخúذ للوطن إلى الفتنة والحرب الأهلية باسم الحرية والديمقراطية.

فلقد كان هناك منú يريد السلطة ولو على أنقاض الوطن! وليس يهم إنú كان الطريق إليها بالعنف المسلح والدماء أو بالتدخل العسكري الأجنبي فكل شيء يهون في سبيل سلطة تسöيل اللعاب السياسي وتستنفر في النفس نزúعات التوحش! وللمرء هنا أن يقول باطمئنان إنه وكائنا ما كان الموقف من الثورتين التونسية والمصرية وخاصة مما آلتا إليه من اغتيال سياسي لثمارهما الأولى يكتب لهما أنهما كانتا على الأقل ثورتين سلميتين متحضرتين- على مثال الثورة اليمنية في فصولها الأولى- ولم ترúكبا مركب العنف أو تغامرا بوحدة الشعب والسلم الأهلي بين جماعاته المختلفة.

قوى ثلاث أوصلت البلاد العربية إلى هذه الحال من الاضطراب وأجهضت عملية التغيير وأدخلت مجتمعاتها في هذا النفق المنسد.

أولى تلك القوى الاستبداد العربي المديد الذي أقúحل الحياة العامة وأعدم السياسة وعمم قيمه وأخلاقه على “المجتمع المدني” و”المجتمع السياسي” وولد ردائف له في النظام الاجتماعي. إن تأثيرات حقبته العجفاء المديدة لم تكن كالöحة ومدمرة لحقوق الإنسان والحريات: حرية الرأي والصحافة والتعبير فحسب وإنما هي كانت مدمرة للثقافة والقيم أيضا وفي قلبها الثقافة السياسية والقيم السياسية. ففي حقبة الاستبداد نمتö الثقافة السياسية الكلانية “التوتاليتارية” ثقافة الإقصاء والإلغاء واحتكار التمثيل والقيم الذرائعية الانتهازية والكذب على الناس باسم مبدأ أعلى “أخلاقي أو ديني” وتنامت منازع العنف والتطرف وروح الانتقام وأصاب النسيج القيمي العام قحúط شديد. هكذا كان الاستبداد مسؤولا عن تهيئة أسباب إفقار الحقبة الجديدة التي خرجت من أحشائه: منذ لحúظاتها الأولى.

ثانية تلك القوى المعارضات السياسية العربية من المöلل والنحل كافة “الليبرالية واليسارية والقومية والإسلامية” التي ما توقفت عن إقامة الأدلة على ضعúفها وتهافتها وذرائعيتها. ولقد كشفتها أحداث الثورة أيما انكشاف كشفت ترددها إزاء عملية الثورة التي أطلقها الشباب. وكشفت أفقها السياسي المحدود بسقف أنصاف الحلول حين فاوضت من وراء ستار النظام المنهار تاركة ملايين الشباب محتشدين في الميادين والساحات. وكشفت وصوليتها حين سطت على الثورة وعلى عرق شبابها ونظمت عملية استيلاء عليها من طريق صناديق اقتراع ابتاعت فيها أصوات الفقراء من الناخبين. وإلى ذلك فقد كشفت في أمصار عربية أخرى عن استسهالها التعاون مع الأجنبي للوصول إلى السلطة ثم استسهالها حمل السلاح وإشعال حرب أهلية للغرض نفسه! إن هذه المعارضات – التي كنا نأمل أن ترحل مع النظم الراحلة – ليست أكثر من ردائف ونظائر للنظم الحاكمة وهي لا تقترح على شعوبها إلا منظومة استبداد جديدة!

أما ثالثة تلك القوى فالقوى الأجنبية وهي وجدت في حركات الاحتجاج العربية فرصة لممارسة أشكال مختلفة من التدخل: إما لتوجيه الأحداث في مصب مصلحتها في البلدان التي فقدت فيها حلفاءها من الحكام أو لöتحúرف الاحتجاجات عن مطالبها الديمقراطية السلمية ودفúع بعض قواها إلى ركوب أسلوب العنف المسلح قصد إغراق بلدان بعينها في الفوضى والحرب الأهلية واستنزاف قواها وقدراتها وتعميق الشروخ والأحقاد بين فئاتها الاجتماعية المختلفة فضلا عن مباركتها صعود نخب سياسية إلى السلطة تعرف مقدار ما يطرحه صعودها من مشكلات

قد يعجبك ايضا