الإنـسـان وظـاهـرة الـغـبـاء



يشكل كتاب «القوانين الجوهرية للغباء الإنساني» للباحث الإيطالي في مجال التاريخ الاقتصادي كارلو م. سيبولا أحد الأعمال التي حافظت باستمرار على حضورها. والدليل هو طبعاته المتكررة منذ صدوره للمرة الأولى قبل سنوات إذ لا تزال تتالى ترجماته إلى اللغات الأخرى ومن بينها اللغة الإنجليزية في العالم الماضي وتعود طبعته الأخيرة فيها إلى هذا العام: 2012.
ينكب المؤلف في هذا الكتاب على دراسة ظاهرة يواجهها البشر جميعا ويحددها بـ: الغباء. وعبر قيامه بتحديد قوانينها الجوهرية يقدم كما من المعلومات والحجج في محاولة منه لشرح كيفية التعرف على الغبي.
ومن الملاحظ أن المؤلف يميز بين خمسة قوانين أساسية تتعلق بظاهرة الغباء. القانون الأول يصوغه بالجملة التالية: «لا شك أن كل فرد منا يقلل من عدد الأفراد الأغبياء حوله». والثاني: «إننا نجد نسبة الأفراد الأغبياء نفسها في كل مجموعة اجتماعية مهما كانت».
والثالث: «ان الغبي يمكن تعريفه بواقع أنه يخطئ حيال آخر أو حيال آخرين دون أن يجني فائدة من ذلك لنفسه». والرابع: «الأفراد من غير الأغبياء يقللون دائما من مقدار ما يمكن أن يسببه الأغبياء من أذى». ويبين المؤلف في هذا الصدد أن غير الأغبياء يقترفون غالبا الخطأ الكبير في التعامل معهم :(مع الأغبياء) أو في مشاركتهم. والخامس والأخير: «الأغبياء هم الأشخاص الأكثر خطورة إنهم أكثر في مستوى خطورة رجال العصابات».
ويؤكد المؤلف على انه لا يريد الحديث عن الحماقة. ولكن عن الغباء بالمعنى الدقيق للكلمة. ثم يشدد مباشرة وفي السياق ذاته على أنه لا يريد أبدا أن يؤسس لما يمكن أن يبدو كتمييز بين الأفراد. وذلك لسبب بسيط يحدده بالقول انه صادف أغبياء في المصانع وفي وسائل الإعلام وفي الجامعات. بل يذهب إلى حد القول ان الحائزين على جائزة نوبل ليسوا بمنجاة من الغباء.
ويقسم المؤلف البشر عموما إلى أربع فئات يحددها: «تنقسم الإنسانية إلى أربع فئات تضم الحمقى والبشر الأذكياء ورجال العصابات والكائنات الغبية».
وعلى أساس مفهوم التصنيف نفسه يشرح ماهية الغباء على صعيد السلطة: «كانت الطبقات والفئات تمثل المؤسسات التي سمحت خلال حقبة المجتمعات ما قبل الصناعية بتدفق أعداد كبيرة من الأغبياء إلى مواقع السلطة وكذا في العالم الصناعي الجديد لكن حلت محلها الأحزاب السياسية والبيروقراطية. وفي النظام الديمقراطي شكلت الانتخابات عبر الاستفتاء الشامل أداة فعالة لبقاء شريحة من الأغبياء بين الأقوياء».
ويضيف انه في إطار المجتمعات الديمقراطية الغربية السائدة هناك شريحة ثابتة من الأغبياء الذين يمارسون حقهم الانتخابي. ثم يؤكد كارلو سيبولا القول ان الانتخابات توفر لهذه الشريحة فرصة رائعة كي تسيء إلى الآخرين جميعا دون أن تجني لنفسها أية فائدة من ذلك وعبر تحقيق مثل هذا الهدف تسهم هذه الشريحة في المحافظة على نسبة ثابتة من الأشخاص الأغبياء بين أولئك الذين يملكون مفاتيح السلطة.
ويشير المؤلف إلى أنه يمكن لـقاطع الطرق أن يكون ذكيا أو غبيا أو أحمق. وهذا الأخير أي الأحمق يحدده المؤلف بأنه الشخص الذي يتصرف بطريقة يؤدي فيها عمله إلى نتيجة خسارته وليس فقط خسارته هو بل جعل الآخرين يربحون.
وقاطع الطرق هو الذي يؤدي عمله إلى كسبه عبر خسارة الآخرين. وأما الغبي فهو الذي يؤدي عمله إلى خسارة أخرى (…) دون أن يجني أية فائدة أو ربما يتحمل هو نفسه الخسائر. ومن هنا يكون الغبي هو نموذج الفرد الأكثر خطورة من الآخرين المشار إليهم.
ويسأل المؤلف: أين يمكن تصنيف الجنرال الذي يؤدي عمله وقيادته إلى سقوط العديد من الضحايا وإلى خسائر كبيرة ذلك كله من أجل الحصول على ترقية في المنصب أو على وسام¿ وهل ينبغي تصنيفه بين فئة قطاع الطرق الكاملين أم في فئة الغباء الصرف¿
ويبين المؤلف في إجاباته عن تلك التساؤلات ان البشر وكما يصفهم لا يتصرفون بطريقة منسجمة. ففي بعض الظروف يمكن لشخص ما أن يتصرف بطريقة ذكية. وفي ظروف أخرى قد يتصرف هو نفسه بطريقة عاجزة أو مختلفة.
والاستثناء الوحيد المهم لهذه القاعدة يجده المؤلف لدى الأغبياء الذين يظهرون اندفاعا قويا نحو تحقيق الانسجام الكامل في مختلف ميادين النشاطات الإنسانية.
 الكتاب: القوانين الجوهرية للغباء الإنساني – تأليف: كارلو م. سيبولا – الناشر: سوسييتا ايديتريس ان ميلانو – 2011 – الصفحات: 71 صفحة – القطع: الصغير.

قد يعجبك ايضا