مرحبا شهر الصوم
جمال أحمد الظاهري
جمال أحمد الظاهري –
إنه شهر الرحمة والمغفرة والعتق من النار.. ثلاث محطات زكية تضمنها الشهر الكريم للوصول إلى نتيجة واحدة يرجوها جميع المسلمين بجميع مشاربهم الفقهية والمذهبية ولا يخالج أي واحد منهم أدنى شك فيها وهي الفوز بالجوائز الثلاث ( الرحمة والمغفرة والعتق من النار).
في هذا الشهر الكريم تتجلى لنا نفحات الخالق عز وجل في أبهى الصور وأجزل العطاء دون تفريق أو تمييز بين المقصر والمجتهد بين العاصي والمطيع.. إنها مائدة الخير الرباني التي يفرشها للصغير والكبير الرجل والمرأة الغني والفقير لا حارس عليها ولا سلطان يحجبها الجميع مدعو للتزود منها بقدر ما يشاء وبالكيفية التي يفضلها.
إنها دعوة ربانية للعاصي قبل المطيع للتوبة والاقلاع والعودة إلى الرحاب الربانية .. دعوة للتنقية من أدران الدنيا الفانية ورجس العبودية للمال والسلطة إنها دعوة لتمثل البذل الرباني غير المحدود والسماحة التي لا يحدها شيء .
رمضان شهر يدعونا لتمثل المعاني الفاضلة: السماحة حسن الخلق البذل العفو التواصل الإيثار الصبر الإخلاص التعاون مراقبة النفس وحثها على التخلص من كل ما هو سيئ ومجاهدتها بالصبر سعيا للفوز بجائزة الناجحين (العتق من النار).
وفي زمننا هذا من منا لا يحتاج إلى هذه الجائزة (العتق من النار).. كما أن الصوم يهذب النفس ويصفي الذهن ويبعث الحياة في الجسد والروح ويوقظ الذهن من غفلته التي أعمته عن تحري الحلال واجتناب المعاصي وظلم العباد وقهرهم كل في ما ولاه الله عليه فالسلطان قد تشغله السياسة عن أمور رعيته والتاجر قد تغويه النفس الأمارة بالسوء فيحتكر ويستغل ويرفع الأسعار كلما لاحت له الفرصة لذلك دون مبالاة بحالة العباد وحاجاتهم وقدراتهم ورب الأسرة قد تشغله شهواته وتنسيه واجبه تجاه ابنائه ومن هو مسئول عنهم والأخ قد يظلم أخاه لتكن المحصلة أن الفرد منا يظلم نفسه قبل أن يظلم غيره حين يتناسى أن هناك من هو عليم بكل شيء لا يعجز علمه التخفي والاحتياط والحيلة التي يبتدعها الناس من أجل انتهاك حقوق بعضهم البعض.
رمضان هذا الشهر الفضيل بنهاره الذي يلزمنا الإقلاع عن كل المفطرات وكل الشهوات مدرسة للتهذيب ولاستعادة النفس البشرية آدميتها التي ننساها بسبب تكالبنا على جمع متاع الحياة الدنيا هذه الحياة التي وصفها الخالق جل وعلا بقوله : ( وما الحياة الدنيا إلى متاع الغرور) المغتر بما جعله الله مستخلفا فيه فبغى وجار وإعتدى واستغل كاشفا عن وجه أبعد ما يكون عن آدميته وينسى أنه بشر مخلوق محاسب على كل ما ارتكبه في حق نفسه وغيره.
ففي هذا الشهر الفضيل تتجلى الرحمة المهداة من العلي القدير حين سن لنا عبادات تهذب النفس وتعيدها إلى جادة الصواب وأعمال تحافظ على السلوك الإنساني السوي وتقومه وتكون مقياسا لآدميتنا وتقربنا من المولى عز وجل.
ولأن الله عز وجل هو الأعلم بطبيعة النفس البشرية وضعفها أمام المغريات الدنيوية .. حيث يقول : ( ونعلم ما توسوس به نفسه ونحن أقرب إليه من حبل الوريد) .. فقد جعل لنا محطات روحانية لنرخي فيها أحمالنا ونتحلل منها ونريح أجسادنا ونستلقي تحت ظلالها الربانية لنستعيد عافيتنا ونتزود من خيراتها بما يعيننا على مواصلة مشوار الحياة.
فمن صلاة الجمعة في كل أسبوع إلى ندب الصوم في بعض الأيام الفضيلة طوال العام وحج البيت الحرام وبذل العطاء للمحتاج وكفالة الأيتام وإكرام الضيف ونصرة المظلوم وطاعة الوالدين وتقويم وتهذيب الأبناء وحتى الرفق بالحيوان إلى هدايا ومنح من الرحمن الرحيم من بها على خلقه ووزعها على مدار أيام العام نفحات من رحمته التي وسعت كل شيء من أداها نال الجزاء الوفير المضاعف ومحطات نستعيد من خلالها قربنا من الله ويهتدي بها المخطئ ليتوب ويقنع بما قدره الله له من الحلال ويجدد عهده بمولاه الذي لا يغلق باب توبته أمام أحد مهما بلغ ثقل أوزاره. قال تعالى على لسان الخليل إبراهيم: ( ومنú يقúنط مöنú رحúمةö ربöهö إöلا الضالون) ..
نفحات ربانية تغسل النفوس قبل أن تغسل الأجساد تنقي الضمائر من وعثاء اللهث المحموم وراء زخرف الدنيا الذي ينسي الكثير منا بل وربما الأغلب أن يتحرى الحلال ويلجم نفسه عن الوقوع في ما هو محرم .. فيد الله ممدودة لمن تاب وأناب وعمل صالحا ولمن أراد العون.
تلك العبادات والقربات التي تم سردها آنفا ليست إلا بعض الهبات الربانية لعباده التائبين الطامعين بالفوز بنعيم الدنيا وثواب الآخرة.. توجها سبحانه بصوم شهر من كل عام (رمضان) .. هذا ال