وأخيرا هو الختام
الدكتورة رؤوفة حسن
الدكتورة/ رؤوفة حسن
د/ رؤوفة حسن
عندما حل ظهر كما لو انه ثقيل طويل صعب مليء بالكلفة ومستدع للصعوبات والأزمة الاقتصادية والجيوب الخالية. كان كابوسا لإدارات شئون الموظفين ومسؤولي الخدمة المدنية بما يعنيه من تأخير في ساعات العمل وتغيير في نمط الإنتاج. وكان موعدا لكثير من الإجازات السنوية المتجمعة وتذكارا بطرق الوصول إلى القرى والعودة إلى الأسر التي تعيش هناك لتتحمل مسؤولية الأرض وما تبقى من الماشية وتوفر إيجار المسكن والتكاليف الباهظة لحياة المدينة.
وكان شهرا لدى البعض لمراجعة الذات والتفكير في الخطايا والتكفير عن الآثام والتقرب من الله بحثا عن المغفرة وطلبا لجنة الخلد وقرب الأنبياء والصالحين.
وفي نفس الوقت حدث في هذا الشهر تحرك عكسي حيث قدم فيه فقراء من كبيرات السن والأطفال من قراهم وحضروا إلى المدينة بحثا عن الصدقة وما تجود به الزكاة ونفوس المحسنين التي تكون أكثر جاهزية للشعور بالفقراء وضرورة إكرامهم تقربا إلى الله.
وهو شهر قلق وخوف ويقظة لدى أجهزة المرور وخاصة المتفرغين منهم في الطرقات السريعة وفي الدقائق القليلة يوميا قبل الإفطار. وهو خروج لكل المخزونات من الأغذية والملابس في المحلات والبقالات لتباع بأسعار مختلفة ويتم تصريفها بعد أن عانت من الكساد طوال العام.
وهو شهر عمل لا يتوقف لدى هؤلاء الذين تشغلهم المقابلات والمكالمات والزيارات وضرورة تلبية الدعوات لحضور الندوات والورش والمؤتمرات بحيث يتمكنون بهدوء من القراءة والبحث والتأمل في شئون حياتهم وربما قراءة القرآن عددا من المرات وتذكر ما كانوا قد نسوا من حكمته وأحكامه.
هاهو ينفض أمتعته ويشد رحاله ويضع الحزام على خاصرته ويدوس على شحنة الدفع للحركة في طريقه للوداع والرحيل حتى العام القادم. فجأة يتلفت الجميع حولهم ويدركون السرعة التي تحرك بها حيث استطاعوا بالكاد الوغول في ما خططوا في هذا الشهر كي يفعلوه.
عله يعود:
يردد الناس عبارة خواتم مباركة ويستبشر البعض منهم فيهنئ مقدما بالعيد ويتمنى عودة الشهر ثانية لكل الناس. وينظر كبار السن والمرضى والذين يجهلون ما سيحدث لهم غدا إلى المتمنين عودته ثانية ويعرفون انه سيعود دائما طالما بقي الناس وبقيت عقيدتهم إنما هم الذين لا يعرفون إذا كانوا سيبقون حتى يعود.
وفي آخر جمعة من الشهر يحاول الجميع – رجالا ونساء – أن يذهبوا إلى المساجد لأنهم فجأة أدركوا انه قد تسرب من أيديهم وأنهم إن لم يصلوا الجمعة هذه المرة فليس هناك من جمعة أخرى في هذا الشهر وعليهم أن ينتظروا جمعة القضاء في شهر رمضان من العام القادم.
العودة إلى الزمن المقلوب:
كان الناس قد قلبوا في أغلب البيوت اليمنية يومهم إلى نوم وليلهم إلى يقظة. ينامون خلال جوعهم فلا يشعرون بالجوع ويصحون قبل الإفطار قليلا فيتهيأون ويفطرون ويتعشون ويواصلون السمر والنشاط الاجتماعي والعائلي حتى ما بعد صلاة الفجر.
وكثير من الأسر لم تعبأ بالنظام العادي للأطفال فتم إجبارهم على السهر كي لا يستيقظوا مبكرين ويزعجوا نوم الصائمين. الآن عليهم أن يعودوا إلى ساعات نومهم القديمة وعلى الأطفال أن يتحملوا هذه الإعادة وهي صعبة فقد استمرأوا التغيير وسيصعب إعادتهم إلى حياتهم القديمة وإبعادهم عن شاشات التلفزيون أو أجهزة الألعاب الكمبيوترية.
بالنسبة لي كان هذا الشهر مجال عمل ونشاط لم يتوقف رغم الإرهاق والإجهاد والتعب فقد سيطر علي شعور بأن علي أن أكمل كل التزاماتي المعلقة لأنني بعد رمضان لا أضمن القدرة على الوفاء بها وسأدخل في مرحلة جديدة من الحياة.
وكان الآمر مذهلا فقد أنتجت في شهر واحد ما يستغرقني عادة شهورا عديدة لتحقيقه. ربما أن ذلك ناتج عن حقيقة أن الناس خلال انشغالي بالعمل كانت نائمة فلم يرن جهاز هاتفي ولا طاردتني المواعيد وعتاب الذين يرغبون تلبية الدعوات المتزايدة عادة في مواسم معينة في السنة هي قبل شهر رمضان لأنهم سيخلدون إلى السكينة والخمول. أو في موسم شهر نوفمبر وديسمبر من كل عام حيث يجب صرف ما تبقى من الميزانيات قبل إقفال الصناديق وبدء حالة الجرد والتجهز لميزانية أخرى في العام اللاحق.
المهم أنه شهر مليء يبدأ بالشعور أنه طويل وممل وثابت كالدهر ثم يبدأ في الدوران فيجري قبل أن يتمكن أحد من إدراك سرعة الزمن التي غلفته. وهكذا نصل جميعا إلى اللحظة التي يقول الناس فيها لبعضهم كما أقول لكم خواتم مباركة وكل عام وانتم بخير وإن شاء الله عيد سعيد.
raufah@hotmail.com