الدكتور موسى عبدربه علاية –
انحصر مضمون مؤتمر الرياض للمانحين بشأن اليمن بصورة رئيسية في توسيع قاعدة العمل من أجل دعم العملية التنموية في اليمن وضمان تعاون جميع المانحين بما يجعل منها عملية دعم مستدامة على قاعدة المراجعة الشفافة لكل التعهدات وما تم الاتفاق عليه في مؤتمرات المانحين للأعوام السابقة ولتطوير آلية التعاون وأداء العمل خلال المرحلة القادمة وتجاوز الصعوبات وسلبيات المرحلة السابقة. وما خْصص لليمن في هذا المؤتمر يتجاوز 6.4 بليون دولار عبارة عن معونات ومنح وهبات من الهيئات والمنظمات الإقليمية والدولية ومن الدول الشقيقة والصديقة.ـ
ولنا أن نتساءل ربما من الناحية العملية البحتة: لماذا لم تحقق المساعدات الخارجية الإنمائية في اليمن إصلاحاتُ ملموسةٍ في مختلف مؤسسات ووحدات القطاع العام خلال المرحلة المنصرمة¿ في الخطاب الراهن لإدارة التنمية تتراوح العوامل المتوقعة لعدم فاعلية المشاريع الإنمائية الخارجية ما بين ضعف السياسات والمؤسسات في البلدان المتلقية للمساعدات والمشاكل داخل الدول والمنظمات المانحة ذاتها. ومن الأسباب المحتملة لانخفاض مستوى فاعلية المساعدات الخارجية ضعف أداء الإطراف المانحة (الثنائية أو المتعددة) الناتج عن عدم الإدراك الكامل لطبيعة وخصائص البيئة المحلية التي يحدثون التغيير فيها. بالإضافة لضعف أداء الأجهزة البيروقراطية والسياسات في البلدان المستهدفة فبرامج المساعدات الإنمائية الخارجية لا يمكن أن تحقق فاعلية إلا إذا كانت البلدان الممنوحة تتمتع بقوة وسيادة القانون وكذا لابد أن تكون على درجة عالية من القدرات المؤسسية والمساءلة. كما تعتمد أيضاٍ على نوعية النظام السياسي ومدى تواجد الحكم الرشيد المتغير فذلك يْعد مؤثراٍ كبيراٍ في فعالية برامج ومشاريع المساعدات المختلفة.
ولاكتشاف أوجه القصور والانحرافات في أداء الجهات المانحة العاملة في سياق اليمن ولتقديم الحلول كان لابد من إثارة التساؤلات الآتية: هل الجهات المانحة العاملة في اليمن قادرة على فهم البيئة المحلية اليمنية وعليه يتم التعامل معها بكفاءة وفاعلية عند تخصيص وتنفيذ المشاريع الإنمائية المختلفة ¿ ما هي آلية التعاون المناسبة خلال المرحلة القادمة لتجاوز صعوبات وسلبيات المرحلة السابقة لمؤتمر الرياض 2012م¿ وهل يمكن القول أن آلية التعاون المناسبة خلال المرحلة القادمة مرتكزة بشكل أساسي على دور محلي وعربي فاعل في تخطيط وتنفيذ البرامج التنموية المختلفة نظراٍ للمعرفة في البيئة المحلية لليمن من قبل دول الجوار العربي أكثر من الجهات الدولية الأخرى ¿ بمعنى آخر هل يمكن القول أن الجهود الدولية الجاري الحشد لها في الوقت الراهن والرامية إلى إعادة الاستقرار وتحقيق التنمية المتوازنة في اليمن, لابد أن يتم التخطيط لها وتنفيذها عن طريق قنوات وخبرات محلية وعربية¿.
دور الخبراء الأجانب في إدارة التدخلات التنموية الخارجية
ثمة عدد من البرامج التنموية توضح أن الخبراء والعاملين الأجانب في الجهات المانحة سواءٍ الثنائية أو متعددة الإطراف لم تأخذوا بعين الاعتبار جميع العوامل التي قد تكون لها آثار غير متوقعة عند توجيه وتصميم مشاريع المعونات الخارجية الهادفة لإصلاح القطاع العام في اليمن على اعتبار أنها لم تكن مستوحاة من الحاجات الأساسية والفعلية للمجتمع ولم تستند على أساس المعرفة والحقائق الاقتصادية والاجتماعية الواقعية للمجتمع اليمني, وبالتالي لم تحقق فاعليتها.
وهذا لا يعني أن هؤلاء الخبراء والعاملين لا يمتلكون الكفاءة والخبرة العلمية فأكثرهم على مستوى عالُ من الذكاء ولهم باع طويل في العمل مع العديد من المنظمات والدول المانحة في العديد من البلدان. بل القضية تكمن في قلة المعرفة لديهم حول البيئة الاجتماعية والثقافية والسياسية والإدارية وبالتالي لا يكون لديهم فهم واقعي فعال للاحتياجات والمشاكل الفعلية وذات الأولوية في البلدان التي يعملون فيها. في الحقيقة هذه المشكلة المعقدة ناتجة عن مجموعة واسعة من العوامل فمن الممكن والمجدي أن نفرز بعض العوامل التي يبدو أنها الأكثر تأثيراٍ وبروزاٍ في هذا السياق.
فالمساعدة التي تقدم لإحداث تغيير سلوكي أو مؤسسي في بيئات أجنبية لا بد أن يكون فريق إدارتها على دراية عميقة بخصائص وتعقيدات هذه البيئة و نادراٍ ما تكون هذه الخاصية موجودة لدى المسئولين أو الخبراء الذين يديرون مشاريع المساعدات الخارجية في ظل سياسات التوظيف المنتهجة من قبل بعض وكالات المساعدات الإنمائية : تحت ذريعة البلدان المستهدفة تفتقر إلى المهنيين المتعلمين لإدارة برامج التنمية بفاعلية عادةٍ ما يتم الاعتماد على خبرات أجنبية ذات خلفيات ثقافية وسياسية وإدارية مختلفة لتأدية هذه المهمة الذين هم في الأصل لا يتحدثون اللغات المحلية للبلدان التي يعملون فيها. والنتيجة هي صعوبة تأقلمهم واندماجهم مع المجتمعات المحلية فمن الطبيعي أن تجد معظمهم يقضون أوقاتهم في مكاتبهم وليس في الميدان حيث يتم تنفيذ مشاريعهم وهو الأمر الذي يؤدي إلى تقليل فرص تطوير مداركهم ومعارفهم حول الخصائص المحلية للمجتمعات المستهدفة وفي الوقت ذاته له تأثير سلبي على مستوى فاعلية المشاريع المختلفة نتيجة لعدم وجود الإشراف المباشر والفعال من قبلهم أثناء عملية التنفيذ.
وإن افترضنا أن مشكلة التأقلم والاندماج مع البيئة المحلية بكل مكوناتها قد تتلاشى مع مرور الوقت إلا أننا نكون أمام مشكلة أخرى وهي سياسية التنقلات السريعة المْعتمدة من قبل الجهات المانحة للمدراء والخبراء العاملين لديها بين العديد من الدول المتلقية للمعونات فليس من المستغرب أن نجد بعض المشاريع قد تدار بعدد ثلاثة إلى أربعة أشخاص خلال فترة لا تتجاوز ثلاث سنوات.
هذا الوضع في المعرفة المحلية لدى الخبراء والمدراء الأجانب ونتجت عنه عواقب سلبية على كل من المانحين والمتلقين وخصوصاٍ أن توجهات الخبراء والمدراء الأجانب عند تصميم وإدارة المشاريع الإنمائية أصبحت بسهولة منحازة إلى خبراتهم الخاصة من بلدانهم الأصلية أو قد تكون مستقاة من البلدان المتلقية للمساعدات التي عملوا بها سابقاٍ. علاوة على ذلك فإن العديد منهم لم يطلع على مجموعة متنوعة من المناهج التنموية المختلفة التي يجب أن تْستخدم في بلدان غير بلدانهم وفي بعض الأحيان يعمدون على تقديم المناهج والنماذج التنموية المثالية التي قد لا تعمل في بلدانهم أصلا نتيجة لعدم وجود المعرفة الواسعة لديهم وعدم منحهم الوقت الكافي للتعرف على البيئة المحلية والفهم الحقيقي للاحتياجات الفعلية والمشاكل في المجتمعات المحلية المتلقية للمساعدات الأجنبية. مما لا شك فيه أن التعلم من أخطاء الماضي قد يؤدي إلى تغييرات في أولويات الجهات المانحة في تصميم مشاريعها وسياساتها والطريقة التي يعملون بها في المستقبل ولكن من دون هذا التعلم الجاد فإن الكثير من الأساليب الخاطئة قد تستمر لوقت طويل وبالتالي سنجد معظم الجهود المستقبلية الهادفة لتطوير المجتمعات النامية قد لا تحقق أهدافها..
* باحث في التنمية الدولية- جامعة لايدن – هولندا وجامعة صنعاء -اليمن
elayahmaa@fsw.leidenuniv.nl