
إعداد /مطهر هزبر –
أحلام استعادة الملكية تصطدم بصمود أسطوري من حماة الثورة
واجهت الثورة اليمنية منذ قيامها في 26سبتمبر عام 1962م العديد من التحديات التي كادت تعصف بها نتيجة تربص الأعداء بها من الداخل والخارج ولعل ابرز هذه التحديات تدني مستوى الوعي لدى غالبية الشعب اليمني في تلك الفترة والتي كانت تنظر إلى (الإمام) نظرة إجلال وتقديس وأن الخروج عليه هو بمثابة كفر ومخالفة لشرع الله ولعل الأوضاع المزرية التي عاشتها اليمن أثناء حكم الإمامة في اليمن من جهل وفقر وتخلف ساهمت بشكل كبير في تعميق الولاء المطلق لحكم الإمامة وهو ما سعى النظام الملكي إلى تكريسه تحت مقولة:(جوع كلبك يتبعك) ولهذا لا غرابة أن الكثير من أبناء الشعب كانت تنظر إلى قيام الثورة بأنها بدعة يجب مواجهتها بأي ثمن ومن هنا نشط أعداء الثورة في بث الإشاعات المغرضة التي تنال من الثورة وبث الأكاذيب عن أن قادة الثورة هم مارقون وملحدون وأنهم عازمون على إدخال الأفكار الشيوعية والماركسية بدلا عن الدين الإسلامي وغيرها من الإشاعات والفبركات التي جيشت الأعداء ضد الثورة الوليدة التي بذل صانعوها الكثير للحفاظ عليها باعتبارها مكسب عظيم للشعب اليمني الذي عانى الكثير في ظل حكم الأئمة الذين كانوا يعتبرون أنفسهم ظل الله في الأرض وما دونهم عبيد ولهذا كانت الثورة بحق حدثاٍ عظيماٍ وزلزالاٍ أقض مضاجع أعداء الثورة ليس في اليمن فحسب بل في المنطقة بأسرها .
( لبنة أولى)
ومع مرور الأيام بدأت تتكشف الحقائق أمام الناس حول قادة الثورة وصدق نواياهم وايقنوا بعدالة أهداف الثورة التي قامت لتحقيق الخير والعدل والمساواة بين أبناء اليمن عامة فالتفوا حولها وبادروا للدفاع عنها في مختلف ربوع الوطن حتى تم دحر الأعداء والمتربصين عن أرض اليمن بدعم ومساهمة بعض الدول الشقيقة وعلى رأسها جمهورية مصر العربية وقائدها الزعيم الراحل جمال عبد الناصر الذي أصر على دعم الثورة الوليدة في اليمن بالمال والسلاح والرجال حتى يقوى عودها وتتمكن من تحقيق مصيرها .
ومنذ اليوم الثاني لقيام الثورة سارع قادتها إلى وضع اللبنات الأولى لدولتهم الفتية ابتداء بتشكيل مجلس قيادة الثورة وتشكيل أول حكومة بالإضافة إلى الإعلان الدستوري الذي يحدد شكل الدولة ونظام الحكم وغيرها من الإجراءات التي صبغت شكل الدولة الجديدة.
وفي هذا الصدد قال الدكتور / عبدالرحمن البيضاني نائب رئيس الجمهورية الأسبق في كتابه ( أزمة الأمة العربية وثورة اليمن ) :
في صباح يوم الاربعاء 26سبتمبر 1962م أعلنت إذاعة صنعاء قيام الثورة ثم أذاعت بيانها الأول أعلنت من خلاله أهداف الثورة وسياستها في المجال الداخلي والقومي والمجال الدولي .
وفي اليوم الثاني للثورة اعلنت إذاعة صنعاء تشكيل مجلس قيادة الثورة برئاسة العميد عبد الله السلال وعضوية العميد حمود الجائفي والمقدم عبد الله جزيلان والنقيب عبد اللطيف ضيف الله والنقيب محمد قائد سيف والنقيب محمد الماخذي والملازم محمد المفرح والملازم علي عبد المغني.
كما تم إعلان تشكيل مجلس قيادة برئاسة محمد علي عثمان وعضوية علي محمد الأحمدي ومحمد مهيوب ثابت ومحمد احمد المطاع ومحمد بن محمد المنصور .
كما أعلنت إذاعة صنعاء تشكيل مجلس الوزراء برئاسة العميد عبد الله السلال رئيسا وقائدا عاما للقوات المسلحة والدكتور عبد الرحمن البيضاني نائبا لرئيس الوزراء ووزيرا للاقتصاد والثروة المعدنية ومحسن أحمد العيني وزيرا للخارجية والقاضي محمد محمود الزبيري وزيرا للمعارف والنقيب عبد اللطيف ضيف الله وزيرا للداخلية والعميد حمود الجائفي وزيرا للحربية وعبدالغني مطهر وزيرا للتجارة ويحيى منصور بن نصر وزيرا للزراعة وعلي محمد سعيد وزيرا للصحة والدكتور عبد الغني علي احمد وزيرا للخزانة والقاضي عبد الرحمن الارياني وزيرا للعدل والملازم أول محمد الاهنومي وزيرا لشئون البلديات واحمد حسين المروني وزيرا للإرشاد القومي والمهندس عبد الله حسين الكرشمي وزيرا للأشغال والقاضي عبد السلام صبره وزيرا للأوقاف والشئون الاجتماعية ومحمد سعيد القباطي وزيرا للدولة لشئون المهاجرين والشيخ أمين عبد الواسع نعمان وزيرا للدولة لشئون التاريخ والآثار والعقيد حسن العمري وزيرا للمواصلات والطيار عبد الرحيم عبد الله وزيرا للطيران وعلي محمد الاحمدي وزيرا للإعلام .
(إعلان أول دستور)
في يوم الاربعاء 31 اكتوبر1962م أعلن أول دستور للجمهورية بحسب الدكتور عبد الرحمن البيضاني وجاء نصه:
(إعلان دستوري من مجلس قيادة الثورة, أنه رغبة في تثبيت قواعد الحكم أثناء فترة الانتقال وتنظيم الحقوق والواجبات لجميع المواطنين ولكي تنعم البلاد باستقرار شامل يتيح لها الإنتاج المثمر والنهوض بها إلى المستوى الذي ترجوه الثورة للشعب فإن مجلس قيادة الثورة يعلن باسم الشعب أن حكم البلاد في فترة الانتقال هي خمس سنوات .
وأشارت المادة السابعة من الإعلان الدستوري إلى نظام الحكم حيث أوضحت هذه المادة أن يتولى مجلس قيادة الثورة أعمال السيادة العليا وبصفة خاصة التدابير التي يراها ضرورية لحماية الثورة والنظام القائم عليها لتحقيق أهداف الشعب وحق تعيين الوزراء وعزلهم).
فيما نصت المادة الحادية عشرة أن يقرر مجلس قيادة الثورة انتخاب قائد الثورة الزعيم عبد الله السلال رئيسا للجمهورية ورئيسا لمجلس الوزراء وقائدا أعلى للقوات المسلحة أثناء الفترة الانتقالية وانتخاب الدكتور عبد الرحمن البيضاني نائبا للرئيس في هذه الاختصاصات على أن يتم خلال الفترة الانتقالية وضع قانون للانتخابات كي تجرى الانتخابات في جميع أنحاء الجمهورية العربية اليمنية للتصويت على الدستور النهائي الذي ستقدمه الحكومة وانتخاب المجلس النيابي الذي ينتخب رئيس الجمهورية .
ووضع مجلس قيادة الثورة نصب عينيه العمل على قيام نظام دستوري ديمقراطي كامل الأركان إثر فترة الانتقال وتوفير حياة حرة كريمة ومستقبل مشرف لجميع أبناء الشعب .
( سنوات من النزاعات )
سعت أول حكومة يمنية بعد قيام الثورة لتحقيق الأهداف التي قامت الثورة من أجلها وعلى رأسها تحقيق العدالة الاجتماعية ورفع المستوى الاقتصادي والثقافي لأبناء الشعب وبناء جيش وطني للدفاع عن الوطن والانفتاح على العالم الخارجي وكسر طوق العزلة التي فرضتها الإمامة على اليمن وغيرها لكن ما شهدته السنوات الأولى من عمر الثورة سواء من خلال قتال أعداء الثورة من اتباع ومؤيدي الإمامة والمرتزقة الذين قاتلوا معهم لإعادة عقارب الساعة إلى الوراء بالإضافة إلى المماحكات السياسية والحزبية – والمناطقية – احيانا بين صفوف الموالين للثورة فيما بينهم أدت في مجملها إلى دخول اليمن في سنوات من النزاعات والتدخلات الخارجية في شؤونه الداخلية وبحلول عام 1967م وبالتحديد عقب نكسة يونيو التي انهزمت فيها الجيوش العربية أمام العدو الإسرائيلي واحتلت اسرائيل العديد من الأراضي العربية في سيناء والضفة الغربية والجولان بعدها تم سحب القوات المصرية بشكل كامل من اليمن بعدها وجدت القوات الموالية للثورة نفسها وحيدة واشتدت شوكة الملكيين والمرتزقة أعداء الثورة والجمهورية وبدأوا باستعادة العديد من المناطق التي استولى عليها الثوار حتى وصل بهم الحال أن فرضوا حصاراٍ على العاصمة صنعاء استمر لمدة 70 يوماٍ استمات فيها الثوار الأحرار والمناضلون المدافعون عن الثورة وعن عاصمتها وضربوا أروع الملاحم البطولية حتى انتصرت الثورة واندحر أعداؤها إلى غير رجعة لتبدأ معها معركة البناء التنموي من أجل النهوض بأوضاع البلاد في شتى المجالات.
( أزمات سياسية )
كان للأوضاع السياسية والعسكرية والأمنية التي شهدتها اليمن في سنوات ما بعد الثورة آثار مباشرة في انتكاسة العديد من الحكومات التي تشكلت بعد الثورة ونلخص فيما يلي أهم هذه الأحداث وفقا لما ذكرته عدد من المصادر والمذكرات واللقاءات التي أجريت مع عدد من الثوار ومعاصري الثورة اليمنية:
خاضت الجمهورية الأولى معركة السلاح ومعركة الأكاذيب والتآمرات والتحديات المختلفة لأنها جديدة تؤسس لعهد جديد ليحتدم الصراع العنيف بين القوى المؤازرة للنظام الجمهوري وجموع المرتزقة وأنصار الحكم الملكي الذين حشدوا كافة القدرات لاجهاض الجمهورية واعتمد النظام الجمهوري في بداية الأمر على الدعم العسكري والسياسي المصري في عهد زعيم القومية العربية جمال عبد الناصر .
ففي وقت مبكر عقب قيام وإعلان الثورة اليمنية 26/سبتمبر /1962م وصلت طلائع القوات المصرية إلى اليمن في اليوم الرابع للثورة حيث وصلت طائرة حربية إلى ميناء الحديدة على متنها القاضي محمد محمود الزبيري والدكتور عبد الرحمن البيضاني وعبد الرحيم عبدالله ومعهم العميد المصري علي عبد الخبير وبعض المساعدين العسكريين وفي 15/اكتوبر -تشرين الأول / وصلت إلى الميناء سفينة مصرية على متنها أول قوة عسكرية مصرية مكونة من مائة ضابط وجندي مع أسلحتهم وبعد خمسة أيام وصل قرابة ألف جندي مصري وفي الجانب الآخر بدأت جموع الملكية في الالتفاف حول الإمام المخلوع (البدر ) الذي اتخذ مدينة حجة قاعدة في المقاومة ومن ثم الفرار إلى المملكة العربية السعودية لتعلن إذاعة مكة بالبدر إماما لليمن في اكتوبر -تشرين الأول /1962م واتخذت القيادة الملكية (نجران ) قاعدة للمقاومة ونقطة انطلاق في عمليات استرداد الحكم الضائع وحظيت آنذاك بدعم سعودي واضح وبريطاني خفي يأتي من عدن عبر شريف بيحان إلى الملكيين وجرت المواجهات العنيفة بين القوات اليمنية -المصرية وقوات الملكية في صنعاء وحريب وصعدة وصرواح والعرقوب وبهدف دعم الموقف الجمهوري وصل إلى اليمن المشير عبد الحكيم عامر في 15 /ديسمبر – كانون الأول /1962م وظل مع قواته في اليمن حتى الـ20 من ديسمبر وتم التوقيع في صنعاء على اتفاقية تعاون عسكري بين اليمن ومصر في الوقت الذي تمكن الرئيس المصري جمال عبد الناصر على إثر خطابات متبادلة مع الولايات المتحدة الأمريكية انتزاع اعترافها بثورة اليمن في ديسمبر 1962م وتوج ذلك بقبول اليمن في نفس الشهر عضواٍ في منظمة الأمم المتحدة كما أوصت الحكومة المصرية بتعيين الدكتور/عبدالرحمن البيضاني المرادي نائبا للرئيس عبدالله السلال في مجلسي القيادة والوزراء والقيادة العامة للقوات المسلحة وتم ذلك إلا أنه لم يستمر سوى بضعة شهور فقط .
(فض الاشتباك )
في ابريل -نيسان من عام 1963م وبمشاركة الأمين العام للامم المتحدة وقعت اتفاقية (فض الاشتباك ) بين الطرفين المتحاربين في اليمن وقضت الاتفاقية بتوقف السعودية عن دعم الملكيين والتزام مصر ببدء الانسحاب من اليمن على مراحل وتوقفها عن القيام بأي عمليات عسكرية على أراض سعودية ومع حلول عام 1964م تم إيقاف إطلاق النار وشكلت لجنة مصرية- سعودية لبحث الإعداد لمؤتمر وطني في اليمن إلا أن الاختلاف وتزايد البون بين قيادات الثورة منع من ذلك وفي 2/ديسمبر- كانون الأول /1964م قدم الشيخ محمد احمد نعمان رئيس مجلس الشورى والقاضي عبدالرحمن يحيى الارياني والقاضي محمد محمود الزبيري نواب رئيس مجلس الوزراء استقالة جماعية من مناصبهم والذي انعكس سلبا على الموقف الجمهوري فتمكنت قوات الملكية من الاستيلاء على جبال رازح وسلسلة جبال صعدة وتمكنت من صد محاولات القوات المصرية -الجمهورية للتغلغل وتعزز ذلك باستيلائها على مدينة حريب في مارب وفشل الهجوم المصري في استعادتها إلى جانب الاستيلاء على مواقع جمهورية في صرواح وقطع طريق صنعاء -صعدة وطريق صنعاء -الحزم والاستيلاء على جحانة في 24 يوليو -تموز /1964م ودخول مارب التي كان الجمهوريون يسيطرون عليها منذ فبراير 1963م وبدء أتباع حرب العصابات بدعم سعودي وبريطاني الأمر الذي جعل الحرب اليمنية حرباٍ سعودية -مصرية بالوكالة لتطيل أمد الصراع ليحتم على القيادة المصرية في اليمن نتيجة تزايد حدة الخسائر إصدار قرار بإخلاء المناطق المتطرفة من الأراضي اليمنية وتجميع القوات في مناطق رئيسية تمكن من الاعتماد عليها كليا .
( مؤتمر خمر )
ومع منتصف عام 1965م تعمق الشرخ بين القيادات الجمهورية بعد مصرع الشهيد القاضي محمد محمود الزبيري (أبو الاحرار ) في أوائل ابريل -نيسان 1965م وترك الانشقاق ملامحه تظهر في (مؤتمر عمران ) الذي أدان الفساد السائد في أجهزة الحكم واتسعت الجبهة الجمهورية المعارضة لاستقالة الارياني ليتم في 20 /ابريل -نيسان / 1965م الإعلان عن تشكيل مجلس للرئاسة برئاسة المشير عبدالله السلال وعضوية أربعة من قيادات الثورة هم :-
العميد حسن العمري -القاضي عبد الرحمن الارياني -محمد علي عثمان -نعمان بن قايد راجح.
كما تم تكليف الأستاذ /أحمد محمد نعمان بتشكيل حكومة جديدة لم تضم أحداٍ من العناصر المتعاطفة مع مصر ووافق مجلسا الرئاسة والوزراء على عقد مؤتمر في شمال صنعاء في 2/مايو -ايار /1965م حيث عقد (مؤتمر خمر ) في الموعد المحدد واستمر ثلاثة أيام وانتخب فيه القاضي عبد الرحمن بن يحيى الارياني رئيسا له بالاجماع وجاءت مقررات المؤتمر في المجال الداخلي لتمثل انتصارا لمقترحات النعمان والزبيري والارياني في خطابات استقالاتهم السابقة وأكد المؤتمر على ضرورة إنهاء حالة الحرب وإحلال السلام وكسب تعاون الدول المجاورة في إنهاء الحرب وتقديم الشكر لمصر على دعمها للثورة في اليمن .
قبل المشير عبدالله السلال بقرارات مؤتمر خمر ليواجه تدهور الأوضاع في المعسكر الجمهوري رغم تقليص هذه القرارات لصلاحياته ولكنه أصدر في 28/ يونيو -حزيران /1965م قراراٍ بتشكيل أعضاء المجلس الأعلى للقوات المسلحة من أربعة من العسكريين ليحتدم الخلاف مجددا بين الجمهوريين (المعتدلين المتشددين) وقدم النعمان استقالته إلى لجنة متابعة قرارات خمر ليعلن السلال في 14 /يوليو -تموز /1965م تكليف الفريق حسن العمري بتشكيل الحكومة.
(انقسام الجمهوريين )
أصبحت في اليمن قوتان جمهوريتان (متشددة) تؤكد الحفاظ على النظام الجمهوري والقضاء على الرجعية ورفض أي دور سياسي لأتباع آل حميد الدين والتمسك بالسلام وليس الاستسلام و(معتدلة) ترى في هذا التشدد خطر على الثورة مع تمسكها بالنظام الجمهوري لتظهر قوة جمهورية ثالثة ليست جمهورية أو ملكية (منشقين) تطالب برحيل القوات المصرية من اليمن وتؤكد أن اليمنيين لا يحاربون من أجل الملكية أو الجمهورية وإنما من أجل إخراج القوات المصرية وعقدت هذه القوة مع الملكيين في الطائف في أول اغسطس مؤتمرا تحت رعاية سعودية توصلتا فيه في 10 /اغسطس -اب /1965م إلى مايعرف بـــ(اتفاق الطائف ) يقضي بإقامة دولة اليمن تحت مسمى (الدولة اليمنية الإسلامية)
(اتفاقية جدة)
أشعر هذا الموقف المصريين بالحرج وأدرك الرئيس جمال عبد الناصر أن الوجود المصري في اليمن لم يعد محل ترحيب ليدفع بالحلول السياسية بالتنسيق مع السعودية والوصول إلى جدة لإجراء مباحثات مع الملك فيصل بن عبد العزيز آل سعود حول الوضع في اليمن والتي انتهت بتوقيع (اتفاقية جدة ) والتي من أهم نصوصها أن الشعب اليمني يقرر نوع الحكم الذي يرتضيه لنفسه في استفتاء شعبي في موعد أقصاه 23/نوفمبر -تشرين الثاني /1966م وتشكيل مؤتمر انتقالي مكون من 50 مقعدا يمثل جميع القوى الوطنية وأهل الحل والعقد يجتمع في (مدينة حرض) في 23/نوفمبر- تشرين الثاني /1965م ليقرر طريقة الحكم في فترة الانتقال وحتى إجراء الاستفتاء الشعبي وحتى يتم الاستفتاء تقوم المملكة بإيقاف فوري للمساعدات العسكرية بجميع أنواعها أو استخدام الأراضي السعودية ضد اليمن وتقوم مصر بسحب كافة قواتها من اليمن في ظرف 10 شهور ابتداء من 23 نوفمبر وتضمن الاتفاق شفهيا استبعاد المتشددين من الطرفين (البدر السلال ).
( مؤتمر الجند )
تم تنفيذ وقف إطلاق النار وبدأت القوات المصرية في التجمع إلى المدن الرئيسية والبدء في الانسحاب وعارض المتشددون الجمهوريون الاتفاق كما عارضه المعتدلون لأنه لم يؤكد على الأصل وهو النظام الجمهوري وكان أول تعبير عن وحدة المعسكر الجمهوري إعلان تشكيل مجلس جمهوري جديد في 4/ سبتمبر -ايلول /1965م برئاسة المشير عبد الله يحيى السلال وعضوية الفريق حسن العمري والقاضي عبد الرحمن الارياني وأحمد محمد نعمان ومحمد علي عثمان وحمود الجائفي ونشط في التحرك الداخلي ليبلغ ذروته في (مؤتمر الجند ) في 12 /اكتوبر -تشرين الأول /1965م ضم 20 ممثلا لليمن وأكد تمسكه بالوحدة الوطنية والنظام الجمهوري واستبعاد آل حميد الدين وتم انتخاب 9 أعضاء لاختيار ممثلي الشعب في (مؤتمر حرض) وأقنعت مصر الجمهوريين بخوض المعركة السياسية وأقنع جمال عبد الناصر المشير السلال بالبقاء في القاهرة تنفيذا للاتفاق وتم تشكيل مجلس جمهوري يقوم بأعباء رئيس الجمهورية أثناء تخلفه في القاهرة وتم عقد (مؤتمر حرض ) حيث مثل الطرف الجمهوري القاضي عبد الرحمن الارياني رئيسا للوفد وعضوية الأستاذ نعمان والشيخ محمد علي عثمان والشيخ عبدالله بن حسين الأحمر والشيخ يحيى منصور والشيخ مطيع دماج ومن العسكر حمود الجائفي عبدالله جزيلان العميد محمد الرعيني العميد محمد الاهنومي المقدم أحمد الرحومي المقدم عبدالله الراعي العميد حمود بيدر ومن المدنيين عبد السلام صبرة محمد الاسودي محمد الربادي حسن مكي عبد الغني مطهر ومثل الوفد الملكي الأستاذ أحمد محمد الشامي وزير خارجية الملكيين رئيسا للوفد وعضوية ثلاثة من الجمهوريين المنشقين ابراهيم الوزير سنان ابو لحوم نعمان بن قايد راجح .
( مؤتمر حرض )
وفي ( مؤتمر حرض ) حدث خلاف بين الطرفين الجمهوري والملكي وحاول الملكيون إغراء الطرف الجمهوري دون جدوى وأذاعت صنعاء تحذيرا من مؤتمر حرض بعد أن أخفق المؤتمر بعد الجلسة الرابعة في 5 /ديسمبر -كانون الأول /1965م باختلاف وجهات النظر بين الجمهوريين والملكيين واستمر الهدوء حتى ديسمبر 1966م والشهور الخمسة الأولى من عام 1967م وفي الأيام الأولى من يوليو 1967م توقفت الغارات المصرية على الملكيين وسحبت معظم الطائرات المصرية من اليمن مع بضعة آلاف من أفراد القوات المسلحة ووصل عدد القوات المصرية المتبقية في اليمن اقل من 15 ألف جندي وحلت القوات الجمهورية محل القوات المصرية في المواقع البعيدة وشحنت مئات المدافع والمركبات المدرعة للميناء استعداداٍ للرحيل إلى مصر وشنت القوات الملكية في منتصف يوليو هجوما ونفذت كمائن على القوات المصرية المنسحبة وتمكنت من احتلال حرض وميدي شمال البلاد والتقدم باتجاه الساحل نحو الحديدة واستولت على مارب وحريب مما دفع القوات المصرية إلى تنفيذ هجوما مضادا في نفس الشهر فبدأت بغارات شديدة على مقر القيادة الملكية في كتاف (شرق صعدة) وعين اللواء عبد القادر حسن قائداٍ جديداٍ للقوات المصرية في اليمن وشنت غارات على الملكية في حرض وميدي وسيطرت عليها إلا أن مارب وحريب ظلتا في أيدي الملكيين.
منذ إبعاد الرئيس عبدالله السلال إلى القاهرة في اكتوبر – تشرين الأول /1965م وهناك مجلس جمهوري يحكم البلاد وفي 10/مارس – آذار / 1966م استقبل المشير عبد الحكيم عامر في القاهرة وفداٍ يمنياٍ برئاسة الفريق حسن العمري استمر حتى ابريل وخلاله تم تعيينه عضوا في المجلس الجمهوري وتعيينه قائدا جديدا للقوات المسلحة وتعديلات وزارية شملت 9 مناصب وزارية وبعد فترة استشعرت القيادة المصرية بنوع من التآمر في مخطط لإعلان عودة القوات المصرية من اليمن رغم تأكيد مصري على استمرارية بقاء قواتها إلى 1967م وفي اغسطس 1966م استدعى الرئيس جمال عبد الناصر المشير عبدالله السلال وبحضور أنور السادات وعبد الحكيم عامر وناقشا عودة السلال إلى اليمن والاتفاق على الخطوط العريضة وفي فجر 13 /اغسطس -اب /1966م عاد السلال إلى اليمن وحاول الفريق حسن العمري منع هبوط طائرة السلال بإرسال الدبابات إلى المطار لكن اللواء طلعت حسن قائد القوات المصرية باليمن أنذره بأنه سيحطم كل دبابة لا تعود إلى مواقعها خلال ساعتين فتراجع العمري بقواته وتسلم السلال السلطة مجددا بعد غيابه وغادر الفريق العمري وجماعته وتجمعوا في الحديدة وركبوا إحدى الطائرات المصرية إلى القاهرة في 9/سبتمبر – ايلول / 1966م وهم العمري النعمان الارياني الجايفي .. وعدد من وزراء حكومة العمري إلا أن المشير عبدالحكيم عامر رفض مقابلتهم ولم يجدوا سوى شمس الدين بدران الذي أغلظ لهم وساءت الأمور ليتم اعتقالهم باستثناء القاضي الارياني الذي حددت له إقامة إجبارية .
(حكومة جديدة)
وفي صنعاء أصدر السلال قرارات بقبول استقالة أعضاء المجلس الجمهوري ووزارة العمري وتشكيل حكومة جديدة برئاسته وعضوية القيادات المتعاونة مع مصر وتمت أكبر عملية إعفاء من المناصب السياسية والإدارية في اليمن شملت الأستاذ محسن أحمد العيني وزير الخارجية وسفير اليمن في الولايات المتحدة الأمريكية واسماعيل الجرافي ومصطفى يعقوب وأحمد محمد نعمان.
وواصلت السياسة المصرية جهودها السياسية لحل مشكلة حرب اليمن بالتواصل مع السعودية ولم تحقق تقدماٍ إيجابياٍ مما دفع الأستاذ محمد احمد محجوب رئيس وزراء السودان آنذاك إلى تقديم مقترح تكوين لجنة ثلاثية بحيث تختار السعودية ومصر من يمثلها فاختارت السعودية المغرب واختارت مصر العراق ومثلت السودان الطرف الثالث كراعية للقضية ووفدت اللجنة برئاسة محمد فوزي قائد القوات المصرية للمشاورة مع القيادة اليمنية التي رفضت الاتفاق لعدم إشراكها فيه وتزامن تواجدها مع أسوأ يوم للقوات المصرية في صنعاء إذ تعرضت لهجمات واسعة في أسواق صنعاء في 3/اكتوبر وعادت اللجنة إلى مصر وعرضت الاتفاق على القيادات اليمنية المتخلفة في القاهرة وأعلن الشيخ عبدالله بن حسين الاحمر أن قبائل اليمن توافق على الاتفاق وتفوض الارياني الموجود في القاهرة في اختيار القيادات القبلية التي ستمثل في المؤتمر المزمع عقده في 6/اكتوبر-تشرين الأول /1967م.
(إقصاء السلال عن الحكم )
لكن حدث ما لم يكن في الحسبان ففي 5/نوفمبر – تشرين الثاني / 1967م أطيح بحكومة الرئيس عبدالله يحيى السلال وهو متوجه إلى القاهرة وأحس السلال بالمؤامرة فكانت كلمته الأخيرة لمودعيه وهو متوجه إلى القاهرة (الأهم من رئاسة الجمهورية الحفاظ على الجمهورية ) وتم إقصاؤه عن الحكم في 24/نوفمبر -تشرين الثاني /1967م رسميا وتشكيل المجلس الجمهوري برئاسة القاضي /عبد الرحمن بن يحيى الارياني وعضوية محمد علي عثمان واحمد محمد نعمان ومع رفض النعمان حل بدلا عنه الفريق حسن العمري لتبدأ مرحلة جديدة في اليمن .
المصادر:
* المكتبة الدبلوماسية اليمنية
*موسوعة وكيبيديا
*موقع مارب برس