تحقيق/ علي البشيري –
ارتفع الدين المحلي خلال السنوات الأخيرة ليصل نهاية العام الماضي 2011م إلى 1.8 تريليون ريال وهذا الرقم يدق ناقوس الخطر ويؤشر إلى أن الدين بات يقترب من تجاوز الحدود الآمنة مما يتطلب من الحكومة وبالذات مسئولي السياسة المالية والنقدية العمل على خفض الدين المحلي من خلال الأدوات المالية والنقدية المناسبة.
تحقيق/ علي البشيري
اتجه حجم المديونية العامة الداخلية نحو الارتفاع مع حدوث تغير واضح في مصادر التمويل خلال السنوات الأخيرة حيث زاد الاعتماد في تمويل العجز على الاقتراض من البنك المركزي هذا إلى جانب القيام بإصدار سندات حكومية وحديثاٍ البدء بإصدار صكوك إسلامية بعد أن كان الاعتماد بدرجة أساسية على أذون الخزانة العامة.
وبحسب الخبير الاقتصادي ووكيل وزارة المالية المساعد لقطاع التخطيط والإحصاء أحمد حجر فإن تحول الفائض النقدي الصافي للموازنة العامة والبالغ نسبته (1.44%) من الناتج المحلي الإجمالي إلى عجز نقدي صافي متنامي بلغت نسبته (5.77%) عام 2007م و (3.63%) عام 2008م ليصل إلى نهايته العظمى عام 2009م بنسبة (8.89%) بسبب الأزمة المالية الدولية ثم يتراجع إلى (4.3%) و (4.14%) خلال عامي 2010م و 2011على التوالي وكنتيجة لذلك ارتفع حجم المديونية الداخلية .
ارتفاع
ويشير حجر إلى ارتفاع إجمالي رصيد المديونية العامة الداخلية نهاية 2011م إلى نحو (1881) مليار ريال هذا في الوقت الذي لا يتجاوز إجمالي الفعلي الأولي للموارد الذاتية لعام 2011م (1689) مليار ريال وهذا ما يعني بلوغ نسبة إجمالي رصيد المديونية العامة الداخلية إلى إجمالي الموارد العامة الذاتية عام 2011م (113.7%) ونسبة (97.4%) لصافي رصيد المديونية العامة وهذه النسبة تعكس مدى ارتفاع حجم المديونية العامة الداخلية وتجاوزها الحدود الآمنة والمقدر الحد الأقصى لها حسب الأدبيات الاقتصادية ما بين (50%-60%) من إجمالي الموارد العامة الذاتية المؤكدة والمستمرة.
ويقول وكيل وزارة المالية المساعد للتخطيط والإحصاء أن البيانات الخاصة بمكونات الدين العام الداخلي تظهر وجود نمو طفيف في رصيد القيمة الاسمية لأذون الخزانة خلال الأربع سنوات الأخيرة حيث لم يتجاوز سنوياٍ (3.0%) هذا في الوقت الذي ارتفع الرصيد المدين للحكومة لدى البنك المركزي خلال نفس الفترة ما يزيد عن سبعه أضعاف إلا ربع وهذا ما يعني ضعف إقبال البنوك والجمهور على أذون الخزانة مما ساهم في رفع أسعار الفائدة عليها وبالتالي زيادة الأعباء على الموازنة العامة ولجوء الحكومة مرة أخرى إلى أسلوب التمويل التضخمي مما يساهم في رفع معدل التضخم وتراجع القوة التبادلية للعملة المحلية.
ناقوس الخطر
من جانبه يؤكد أستاذ الاقتصاد المساعد بجامعة الحديدة الدكتور محمد المكردي أن اقتراب الدين المحلي من 50% من الناتج المحلي الإجمالي هو مؤشر يدق ناقوس الخطرحيث أن ارتفاع هذه النسبة إلى الناتج المحلي الإجمالي يؤدي إلى عدم مقدرة السياسة المالية على الاستمرار إذا وصلت هذه النسبة إلى 60% من الناتج المحلي الإجمالي .لأن أعباء الدين تصبح مرتفعة.
ويشير إلى أن أعباء الدين المحلي في اليمن وصلت إلى 450 مليار ريال سنوياٍ مما يعني أن ما يقترب من 25% من الإنفاق العام يوجه لسداد الدين العام وهذه الأموال كان يمكن توجيهها نحو الاستثمار والمساهمة في عملية التنمية الاقتصادية ناهيك أن حوالي 35% من إجمالي الإنفاق العام يذهب لدعم المشتقات النفطية مما يعني أن أكثر من 50% من الإنفاق العام يصبح غير فاعل مما يخفض من كفاءة الإنفاق العام ومساهمته في تحقيق أهداف السياسة المالية المتمثلة في النمو والاستقرار وإعادة توزيع الدخول بين أفراد المجتمع.وهذا كله أدى إلى تشوه هيكل الإنفاق العام ولو أضفنا المرتبات والأجور التي يتقاضاها القطاع الحكومي بالإضافة إلى الدعم وأعباء الدين فإنها تشكل ما لا يقل عن 83% من إجمالي الإنفاق مما يعني أن الإنفاق الاستثماري “الباب الرابع” لا يمثل من إجمالي الإنفاق سوى 5 – 10% وهذا يدل على انخفاض مساهمة الموازنة العامة للدولة في عملية التنمية الاقتصادية .وفي حال تفكير الدولة في زيادة هذا الإنفاق السنوي “الرأسمالي” فإنها ستضطر إلى زيادة حجم العجز في الموازنة العامة مما سيضاعف أعباء الدين في المستقبل.
ويؤكد الدكتور المكردي أن السياسة المالية في اليمن أصبحت غير قادرة على تحقيق أهدافها واقتربت من مؤشر “عدم الاستمرار” مما يتطلب من السلطات المالية في البلد القيام بإصلاح هيكل الإنفاق العام والتركيز على الجوانب الاستثمارية والتنموية التي ستساعد في المستقبل على تهيئة المجال أمام القطاع الخاص من خلال توفير مشاريع البنى التحتية التي ستساعد على زيادة حجم الاستثمار الخاص مما يعني خلق وعاء ضريبي جديد سيساعد في المستقبل على زيادة حجم الإيرادات العامة والحد من العجز وبالتالي تخفيف أعباء المديونية من جانب آخر.
تكاليف عالية
ويحذر حجر من التكليف العالية للدين المحلي حيث يشير إلى ارتفاع تكاليف الدين العام الداخلي والتي بلغت عام 2011م نحو (218151)مليون بما نسبته (11%) من إجمالي الاستخدامات العامة وصافي الإقراض و (13%) من إجمالي الموارد الذاتية وتعكس هذه النسبة مدى ارتفاع حجم العبء والناتج بدرجة أساسية عن ارتفاع حجم المديونية وارتفاع نسبة الفائدة عليها حيث بلغت في المتوسط (11.6%) هذا في الوقت الذي لم تتجاوز بالنسبة للدين الخارجي (1.1%) وهذا يعني أن مستوى العبء على وحده الدين العام الداخلي تصل إلى أكثر من عشرة أضعاف العبء لوحدة الدين الخارجي وهذا يبرز مدى الخسارة التي تتكبدها الحكومة بسبب عدم استغلال القروض والمساعدات الخارجية المتاحة الكبيرة مقارنة بحجم المستخدم منها فعلاٍ مما يضطرها إلى الاقتراض الداخلي مرتفع التكاليف.
موارد مجمدة
ويلفت وكيل وزارة المالية المساعد للتخطيط والإحصاء أحمد حجر إلى وجود موارد مالية حكومية مجمدة كان بالإمكان استخدامها بديلاٍ عن القروض المحلية حيث يشير إلى أن البيانات النقدية تظهر وجود نحو (236443) مليون ريال كودائع للجهات الحكومية لدى البنك المركزي وفي حسابات خاصة وذلك نهاية عام 2011 وتمثل هذه الودائع ما نسبته (32.8%) من إجمالي الرصيد المدين للحكومة لدى البنك المركزي وهذا الرصيد الضخم من الودائع غالباٍ لا تتقاضى الحكومة عليه أي فوائد ولم تستطع الجهات المفتوح الحساب لصالحها استغلاله للأغراض المحددة لذلك مما يعني تجميد الحكومة لجزء هام من الموارد هي في أمس الحاجة إليها بل وتتحمل أعباء بدون أي مبرر اقتصادي وربما قانوني هذا إلى جانب عدم خضوع هذه المبالغ المجنبة لأية رقابة سابقة أو مصاحبة أو لاحقة وكذا عدم معرفة مدى وجاهة ومبررات تخصيص هذه الموارد مما يعني في الغالب عدم كفاءة تخصيصها.
خطورة
وبحسب حجر فان البيانات تظهر أن نسبة إجمالي الدين العام (داخلي وخارجي) بلغت عام 2011م (47.4%) والملاحظ أن الدين العام الداخلي يلعب الدور الأساسي في ارتفاع هذه النسبة وتناميها حيث يمثل (58.3%) من إجمالي الدين العام إلى جانب نموها خلال الأربع سنوات الأخيرة بمعدل يقارب (40%) وهذا ما يمثل خطورة حقيقية في ظل توقعات استمرار العجز خلال السنوات القادمة عند مستوياته المرتفعة وبالتالي من المتوقع بلوغ إجمالي المديونية العامة الحدود القصوى للمستوى الآمن لها خلال السنوات القليلة القادمة.
تحقيق الاستقرار
يقترح وكيل وزارة المالية المساعد للتخطيط والإحصاء أحمد حجر تنفيذ عدد من السياسات والإجراءات أهمها تحقيق استقرار اقتصادي وأمني حقيقي يسمح بتحريك عجلة الاقتصاد الوطني للأمام وذلك كشرط أساسي لتحسين مستوى الإيرادات وبالأخص غير النفطية والسيطرة على معدلات التضخم.والسعي ا الجاد لخفض حجم المديونية العامة الداخلية خلال السنوات القادمة سواءٍ من خلال رفع كفاءة تحصيل وتوريد الإيرادات الغير نفطية المركزية منها والمحلية وترشيد النفقات ورفع كفاءة تخصيصها أو كلاهما معاٍ.
كما يؤكد على ضرورة التنسيق مع البنك المركزي لانتهاج سياسات قصيرة ومتوسطة الأجل تفضي إلى خفض أسعار الفائدة لتصل إلى المستويات التي لا تخفض أعباء الدين العام الداخلي فحسب بل تساعد على تشجيع وحفز القطاع الخاص على الاستثمار أيضاٍ.وأهمية السعي لرفع كفاءة إدارة الوحدات الاقتصادية بما يفضي إلى خفض خسائر بعضها وبالتالي خفض الدعم الجاري لها ورفع مستوى أرباح البعض الآخر منها هذا إلى جانب تفعيل وتعزيز استثمار مواردها المالية بما يساهم في خفض الدعم والمساهمات الرأسمالية لها.
ويشدد على ضرورة دراسة البدائل المتاحة لتمويل العجز وتحديد أكثرها استقراراٍ وأقلها كلفة وأطولها مدة.وضرورة دراسة موضوع ودائع الجهات الحكومية لدى البنك المركزي بما يضمن معرفة وجاهة ومبررات بقاء هذه المبالغ في حسابات خاصة والحد منها إلى أقصى حد ممكن إلى جانب تحقيق الاستفادة القصوى من هذه المبالغ.وكذا إعطاء موضوع رفع كفاءة تخصيص واستغلال الموارد الأجنبية (قروض ومساعدات) المتاحة أهمية خاصة بما يضمن تحقيق الاستغلال والتخصيص الأكفأ والأمثل لها.
ويدعوا إلى مواصلة سياسة ترشيد النفقات العامة وفتح الملفات المرتبطة بها مثل تنظيف كشوف الراتب من الوظائف الوهمية والمزدوجة ووصول المعونات الاجتماعية إلى مستحقيها والتقاعد والحسابات الخاصة.وإعطاء موضوع تحسين تحصيل إيرادات السلطة المحلية والمشتركة الاهتمام المناسب وتوجيه الموارد المتاحة لها بما يخدم عملية التنمية في المحافظات.وعمل تقارير عملية ومنتظمة عن الدين العام بجانبية المحلي والخارجي مشفوعاٍ بالمقترحات اللازمة لمعالجة مختلف القضايا المرتبطة به أولاٍ بأول.وكذا رفع مستوى التعاون والتنسيق بين كافة الجهات المعنية بالدين العام (الداخلي والخارجي) على مستوى الوزارة وخارج الوزارة ومع الجهات الحكومية المعنية (وزارة التخطيط والبنك المركزي والجهات المستفيدة) بما يضمن الحصول على بيانات دقيقة ومتسقة ومنتظمة حول الموضوع من ناحية والمشاركة في تقييم مستوى تنفيذ السياسات والمشاريع المرتبطة بالموضوع واقتراح المعالجات من ناحية أخرى.