نقد لواقع الأمة العربية

كثيرةَ هي الكتب التي تناولت ما اصطْلحِ عليه بـ “الإسلام السياسي” لكن القليل منها مِن تجرِاِ كْتِابْها وطرحوا آراءِهم بكل شفافية ووضوح. والأندر من كل ذلك مِن هاجمِ دْعاة الإسلام السياسي وعرِى مثالبهم والتي بسببها وصلتú دول الشرق الأوسط  إلى ما نحن عليه اليوم من تشرذم وانقسام وصراعات لا يبدو لها آخر.
لكن في كتاب ((الشرق الأوسط أبو لحية)) جاءِ الأمرْ مختلفاٍ ويحمل قدراٍ كبيراٍ من الشجاعة والموضوعية في طرح الآراءº والرصانة والدقة في التحليلº والمصداقية في التوثيق والاستدلال الأمر الذي يجعل منه كتاباٍ فريداٍ في محتواه وأسلوبه.
ولعلِ مؤلفه الأستاذ والأديب “أحمد محمد عبده” قد سلكِ طريقاٍ في نقده لواقع الأْمة العربية بعد إفرازات ما اصطْلحِ عليه زوراٍ بـ “الربيع العربي” حِرصِ من خلاله أنú يْقدم الحقيقة المْطلقة التي تغافلِ عنها البعضْ وسكتِ عنها البعضْ خوفاٍ وخشيةٍ من تيار الإسلام السياسي الذي تبنِى العنف والإرهاب بشكلُ علني في رغبةُ جامحة لإسكات كل معارضيه. وهو ما كان له كبير الأثر على الكثير من الكْتِاب الذين آثروا السلامة واجتنبوا النقد المباشر لهذا التيار المْسلح والمتشدد خاصةٍ بعد سقوط العديد من المفكرين والكْتاب الذين تعرضوا لهم ولمنهجهم بالنقد والتفنيد ليس أولهم د.فرج فودة في مصر ولا آخرهم شكري بلعيد في تونس.
الأستاذ “أحمد محمد عبده” دخلِ في نقد هذا التيار مباشرةٍ ودون مواربة والأجمل من ذلك أنِه لم يْقدم على تأليف كتابه إلِا وقد تسلِح بالعديد من المراجع والمصادر الخاصة التي تؤكد صحة ما يذهب إليه في طرحه وتحليله.
وتميِزِ الكتابْ عن غيره بأنِ مؤلفه اجتنبِ الكثير من الحشو وولجِ مباشرةٍ إلى صْلب الموضوع فضلاٍ عن تطعيمه بشذرات لأفضل الكْتِاب والمفكرين الذين نهجوا على نفس المنوال.
الكتاب يقع في 180 صفحة من القطع الكبير وصدرِ عن دار يسطرون للطباعة والنشر في القاهرة مطلع هذا العام 2015م وحوى بين دفتيه ستة فصول:
تناول الفصلْ الأول الذي جاء تحت عنوان “أفيون ماركس” الغيبوبة التي عاشتها أوروبا قبل عصر التنوير ودخولها في العصر العلماني الحداثي الذي مثل المنعطف الأهم في تاريخ أوروبا وبداية الانطلاقة العظمى نحو التطور والرقي وتسيِد العالم.
منتقداٍ خلال ذلك التيارات الدينية التي تتمسك بقشور الدين وتنفصل عن روحه وجوهره فهي تلجأ للدين هرباْ من واقعُ محبط فإذا بها تزيده إحباطاٍ وسوداوية. مفنداٍ لمقولة دعاة الإسلام السياسي “مِن ليس معنا فهو ضدنا” والتي يرى فيها معضلة حقيقية وطامة كبرى أرسِتú لمبدأ الإقصاء الذي يسير عليه هذا التيار في محاولةُ منه لفرض آرائه بالقوة ومناصبة العداء كل مِن يختلف معه.. وهنا تكمن الخطورة التي قادتنا إلى ما نحن عليه اليوم من وضعُ كارثي.
فيما تناول الفصلْ الثاني الذي حملِ عنوان “محنة هذه الأْمة” الفرِق الدينية الإسلامية التي ظهرت بداية التعصب المذهبي عند المسلمينº مستعرضاٍ بعض صفاتها وصراعاتها التي أنتجتú الصراعات القائمة اليوم والتي بدأها بالاستشهاد ببعض أخبار الصحف والقنوات والمواقع الالكترونية كدليل على تناحر المسلمين فيما بينهم تحت يافطة المذهبية التي يغذيها أعداء الأْمِة.
أمِا الفصل الثالث الذي عنونِه المؤلف بـ”الغرب في خدمة الإسلام” فقد تطرق فيه إلى الفوضى الخلِاقة التي أعدها الغرب لمنطقة الشرق الأوسط وكيف تم صنع ثورات الربيع العربي التي أشعلتها النفسية العربية المحتقنة بعد تدريب فريق من الشباب العربي لإحداث تلك الفوضى.
وانتقدِ بشدة الحركة الوهابية وما جنته على المنطقة بسبب فكرها المتطرف والمنحرف عن جوهر الإسلام وما سببته من تشويه للإسلام وتفريخ للإرهاب. فيما كان الحظ الأوفر من النقد والتحليل لجماعة الإخوان المسلمين التي عرِى معظم مثالبها وارتباطاتها المشبوهة بالخارج منذ تأسيسها ورغبتها الجامحة في السيطرة على مقاليد الأمور في منطقة الشرق الأوسط تحت يافطة الخلافة الإسلامية.
والأهم في هذا الفصل هو استعراض تاريخ حركة حماس الجهادية الفلسطينية في غزة وكشف الستار عنها .
وبالطبع لم يغفل في هذا الفصل البديع الحديثِ عن تنظيم القاعدة وتنظيم داعش وكيف صنعتهما مطابخ السياسة الأمريكية ليكونا شوكة في خاصرة الأْمة الإسلامية ونقطة سوداء في جبينها ودليلاٍ قوياٍ على مزاعم الغرب عن إرهاب الإسلام وفي الوقت نفسه مبرراٍ للتدخل السافر في شئوننا واستنزاف ثرواتنا كما هو حاصلَ اليوم في الحرب الظالمة التي تقودها السعودية ضد اليمن بتخطيط أمريكي من أجل استنزاف ثروات المنطقة وإلهائنا بالاقتتال مع بعض وهو ما انجرِتú إليه بغباء مملكة آل سعود وحلفاؤها.
الفصل الرابع جاء تحت عنوان “كهف الأفكار الشاذة” وتحدث فيه المؤلف عن صورة الوطن العربي في فكر الجماعات الإسلامية متخذاٍ من جماعة الإخوان المسلمين في مصر أنموذجاٍ لحديثه. منتقداٍ طريقة الإخوان المسلمين التي تتخذ من الشعارات الدينية رداءٍ لجذب الجماهير وسبيلاٍ للقفز على السلطة وكذلك دجلهم الذي يمارسونه على العوام وأتباعهم الرعاع لإحكام السيطرة عليهم وإيجاد جيل تابع وخاضع لا يسأل ولا يناقش ولا يرى إلِا ما يراه مْرشد الجماعة وعتاولتها.
وجاء الفصل الخامس المعنون بـ”شريعة الذبح المقدس” ليكون أكثر جرأة في انتقاده لتيار الإسلام السياسي وأكثر تعريةٍ لهمجية الواقع وفوضى الكتابة التي ينتهجها هذا التيار. مستعرضاٍ لبعض أهم الوقائع البشعة التي ارتكبها أتباع تيار الإسلام السياسي وأهم فصائله الإرهابية في مصر والسودان وأفغانستان وإيران والصومال ونيجيريا والجزائر واليمن والعراق وسوريا وليبيا وما تسببوا به من خراب ودمار وتفكيك للمنطقة التي باتت على شفا جْرْفُ هار كنتيجة حتمية لممارسات هذه الفرق الضالة والجماعات الهدامة.
فيما اختتمِ كتابِه بالفصل السادس الذي حملِ عنوان “تعطيل نصوص الفتنة وسفك الدم” وهنا كان المؤلف جريئاٍ لدرجة لم يسبقه إليها أحد حين دعا إلى تعطيل بعض النصوص الدينية التي سماها نصوص الفتنة وسفك الدم حيث يرى أن نكبة الأْمة جاءت من التمسك بظاهر النصوص والتي قادتú بعض الشباب العربي من المسلمين والمسيحيين على حِدُ سواء لإعلان إلحادهم. مستشهداٍ خلال ذلك ببعض النصوص التي تحض على الكراهية والاقتتال ومواجهاٍ لها بنصوص أخرى تحض على التسامح والتعايش من مثل قوله تعالى:” لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يْخرجوكم من دياركم أنú تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين”.
وفي نهاية الفصل والكتاب استعرضِ المؤلف بعض الصور التي توثق لجرائم فصائل الإسلام السياسي كداعش والقاعدة.
ويبقى الكتابْ مْهماٍ في موضوعه نادراٍ في جرأته غنياٍ بمحتواه شاملاٍ للكثير من الجوانب التي تسلط الضوء على جوانب مختلفة مما التصق بتيار الإسلام السياسي وما جناهْ على الأْمة الإسلامية برْمِتها. وهو بذلك يكون ضمن أهم الكْتب التي تناولت تيار الإسلام السياسي بالنقد والتحليل ويرقى لأن يكون في مقدمة تلك الكْتب إنú لم يكن أجرأها.
faiz444888@gmail.com

قد يعجبك ايضا