* على مدار العصور ظلت صنعاء قبلة لعشاق الحسن الذين صاغوا في مدى افتتانهم بما حوت أجمل روائع الوصف وإلى صنعاء ينسب شعر الغناء الصنعاني المرصع بدرر الوصف.
نستأذنه بلطفُ
فعذراٍ لبوحك أستاذنا
ودعنا نقول:
“صباحاٍ جميلاٍ
ومعذرة يا ابنة الشمس
لا شيء في شفتِي سوى قبلةُ من كلام
ولا شيء تحمله راحتي غير باقة حبُ مدلهة
كنتْ خبأتها في دمي
وأتيتْ لأزرعها تحت أقدامك العاريات
ولا شيء في وتري غير دندنةُ
شاء حظي التقاط مقاماتها وهي عابرةَ
تحت شباك بيتُ قديم
أتيتْ لأنثر بين يديك مقاطعها
وأقول لمن ترتدي حزن عيني
وأشواق قلبي : سلاماٍ سلاماٍ”
ذاك هو الدكتور عبدالعزيز المقالح, في ديوانه كتاب صنعاء وفيه ويقول:
حين تشتبك العين بالدمع والقلب بالحزن هاجر إليه
(1)”إلى جامع “اليعفْريين
واغسل جفونك في مائه
في صلاة تنامْ بأهداب سادته
سترى في رواق المنيبين
أكواب مسكُ
عناقيد ضوءُ
ملائكةٍ يخلعون عن الناس أحزانهم
ستشاهد حزنك
طوبى لقلبُ تطهر
أمسك شمس الرضى بأصابعه المتعبات
وأطلق للروح برق الكلام المباح
ويسترسل واصفاٍ صنعاء بعاصمة الروح
“هيِ عاصمةْ الرْوح
أبوابْها سبعةَ
– والفراديسْ
أبوابْها سبعةَ –
كلْ بابُ يحققْ أمنيةٍ للغريب
ومنú أي بابُ دخلتِ
سلامَ عليكِ,
سلامَ على بلدةُ
طيبَ ماؤْها طيبَ
في الشتاءات صحوَ أليفَ
وفي الصيف قيظَ خفيفَ
على وابل الضوء تصحو
وتخرجْ منú غِسِق الوقت
سيدةٍ
في اكتمال الأنوثة
هل هطلِتú منú كتاب الأساطير
أم طلعِتú منú غناء البنفسج
أم حملِتúها المواويلْ
منú نبع حْلúمُ قديمú!¿”
“على درج الضوء أدركت أني بصنعاء
أن النجوم إذا ما أتى الليل
ترقص في غرف النوم
والقمر المتوهج يضحك من شرفات البيوت”
“يستطيع الفقر أن يكون جميلاٍ
وناصعاٍ
إذا داوم النظر إلى وجهه
بمرآة النظافة
واستحوذ عليه ما أبقت القرون
من ترف الذوق
وأرصدة الجمال”.
نعم هي صنعاء ولها كما يقول الشاعر خالد الشامي
لصنعاء يدخل هذا الصباح المعتق
بالشعر
والماء
والنار
يخرجْ متشحاٍ بالصلاة
ويسكن أمنية القادمين
على وجه صنعاء يرتسم الزمن المستجير
من القلق الآدمي
ويكتب أحلى النشيد
على وجه صنعاء تسكب قادحة الماء
دلواٍ من الشعر
شيئاٍ من اللحن
والأمنيات الملاح
أعزائي..
استأذنكم الرحيل على جناح الشوق إليها وإن نأت بأوجاعها سأتتبعها ولكن عبر سليمان العيسى وقصيدته أمشي وتنأين..
ماذا من الشهقة الحمراء أختزنْ¿
أمشي وتنأِين يا صنعاء يا عدنْ
تقصِفِ العمرْ في جِفني وفي شِفِتي
وماتزال وراء الدمعة اليمنْ
أمشي وتنأين…هل كان الهوى عبثاٍ¿
وهل تلازم في الموت والكفن¿
أمشي..وتنأين..يا للحلم أعصره
شعراٍ ويعصرني يأساٍ وأحتضن!
تبارك الحزن..
يْـغوي جمرتي أبداٍ
إذا انتهى بالرماد اليأس والحِـزِن
ماذا من الشهقات الحمر قد تركت
لي الدروب ومن حلْوا ومن ظعنوا¿
وإذا ما أردنا في رحلتنا هذه أن نطوف بصنعاء فإن الدكتور إبراهيم أبو طالب هو من يأخذ بأيدينا أو قل من يوجه أبصارنا نحو أدق التفاصيل التي تميزت بها هذه المدينة الجميلة
أفق من الجص المدلى في عناقيد الرؤى
ومدىٍ من السفر الطويل على بساط البن
شرفاتها للروح أبوابْ
وسدرةْ منتهاها لحظةْ الإشراق
ساعات الصفاء
على مفارجها المباخر والمشاقر والندى
تتصاعد الأنفاس في صمت لتغسل من غبار الحزن
ما قد ران من ألم الطريق
وتطوف في الأمل المفرق بين زخات الحياة
يشدها ذاك المحلق في فضاء الله نحو الغيب
في سفر الرحيق
سماؤها الدنيا
إذا ابتسمت تدلت قْبلةْ الرحمن من أرجائها
ومضت على سجادة النجوى
ترتل ما تيسر من حديث السور
حول عرائس الياجور
في الأمد البعيد
ويتوقف بنا الدكتور إبراهيم أبو طالب نتيجة العدوان عند مداخلها متسائلاٍ
كيف إليك نعبر حزننا¿
من أين ندخل في مدارك¿
أي بابُ يحتويها حاجةٍ في نفس صنعاء
لنقضيها معاٍ¿¿
كل المداخل أنكرت خطواتنا
ما عاد إلا قلبك المفتوح
بابَ للقاء
في الباب ننفض سوءةِ الشكوى
وندخل في صفاء الدهشة الكبرى
على لغة السماءú
ونطوف في صنعاء
كي نتأمل الياجور يروي قصةٍ
آياتها ذاك التفرد والبقاءú
ونشيدها في الروح تعزفه
المآذن والنوافذ والنساءú
وعبر سليمان العيسى دعونا نصعد جبل نقم
نقمَ يصب الشمس في عيني
وفي أرقي
ونافذتي ظمأ
وأنا وطائري الحزين
وغرفة تسع المواجع في سبأ
يلمي عليِ الطائر المزروع
في صدر الجدار
يملي عليِ حكاية الليل الرهيب
وقد تمزق عن نهار
صنعاء تملأ غرفتي شعراٍ
وتحرقني ظمأ
أنا في سبأ
أطلال قافية تموت
ولا تْسِلمْ بالهزيمة
الانكفاء
ولو تمزقنا مراراتُ وأحزاناٍ
جريمةú
الموت في النصل أحلى
أعشق الحكم القديمة
ويدعونا الدكتور المقالح إلى النزول لمشاهدة نقوشها ومساجدها ولا يغيب عنه لفتنا إلى مساكينها أيضاٍ:
ترجل وضع شفتيك على باب مسجدها
ويديك على خصر مئذنةُ
وتلفت حواليك .. ماذا ترى¿
عالماٍ من شموس
ومن شرفات
وأسماء منقوشة
وزخارف لا تنتهي
وعوالمَ من كتب ومحاريب لا يدرك النوم أجفانِها
ومساكين أضنى الفراغ مفاصلهم
جلسوا القرفصاء
وألقوا براحاتهم في فضاء المكان
وأصواتهم تشبه الصمت
أو أنه الصمت يشبه أصواتهم
أين تأوي إذا أقبل الليل أعضاؤهم
وإذا رقدوا أين يخفون أطياف أحلامهم
عن عيون الظلام¿!
لكن الشاعر حسن الشرفي يشير بهمس فؤادُ يقظ إلى أمرُ آخر حينما يقول:
صنعاء عاصمةَ على خطين:
خطَ ساخن بيد المشيخة لا ترى إلا فخامتها
وخطَ عند مختلف الفرقú
من غيرها انطلقت إليه كما يشاء
لأن زاملها بقيمته
تبرمجه ليالي القدر معتمراٍ
وتغفر ذنب خْبرته لتِضúمِنهْ بسعر المنطلِقú
لا تنزعج إن لوِحِتú من ظهر حمير في
السفارة باليد الطولى ففي نقمُ عفاريتْ
البيات وخلفه من قال في لغوُ صدقú
الرأس بالمقلوب محلوقَ ويبقى الذقنْ
حتى يْصدرِ السلطانْ مرسومِ الشماتة
والنكاية ثم يحلْقْ بالحذاء الذيلْ شاربِ من حلقú
لا ناقتي فيها ولا جملي يقول الناقةْ
الجربا وهل من ناقةُ غير البسوس نيابةٍ عنا¿
تجوسْ خلالنا كالسل للعظم اخترقú
لا تنزعج أنت ابن هذا البيت
هذا الزيت
من عهد الجلالة
ثم في عهد الفخامة بالبراميل احترقú
وفي الأخير نختم أو يختتم رحلتنا الشاعر محمد حسين الشرفي:
“سافرتْ فيك صبـابةٍ
ورحلتْ في عينيك
حْباٍ جارفاٍ
أحببتْ جرحي
وهو ينزفْ في رمالك
أدمعاٍ وعواطفــا
وحفظتهْ خلفِ الجفون قصائداٍ
وحملتْهْ فوق الطريق مخاوفــاٍ
ومشيتْ في المجهول
وهو عواصفَ
وقطعتْهْ لا هارباٍ أو خائفــا
ودخلتْ في الألم الكبير
مع الهوى
وألفتْهْ قِدراٍ ودرباٍ عاصفــا
كم ضيِعتني الأْمسياتْ
ولم أجدú
إلا طريقِك لي صباحاٍ وارفــا
من مْقلتيك عزفتْ شوقي كلِهْ
من يْنكرْ القلبِ الحزينِ العازفــا ¿ !
أشعلتْ فيك محبتي
فتألقتú
حولي مْنىٍ مشبوبةٍ ومواقفــا
القاعدون وهم شتاتَ في الهوى
والناشرون عليك حْباٍ زائفــا
والنائمونِ وهم ضياعَ دائمَ
والسائرون مع الضياع طوائفــا
جرِبتهمú فوجدتهمú
لم يْحسنوا
شوقاٍ إليك ولا هوىٍ متآلفــا
أغضيتْ عينيِ عنهمو وتركتْهمú
لا عاتباٍ من أمرهم أو آسفــا
من لا يْجيدْ الحبِ فيك فلن يْرى
ما عاشِ إلا نائماٍ أو واقفــا
ورجعتْ يا صنعاءْ .. عدتْ إليك
كالعصفور
مرتعشِ الجناحú
هذي همومي كلها
أودعتْها في جانحيك
وهذه كلْ الجراحú
ضْمي بقايا الريش مني
فالعواصفْ لا تْبالي
والرياحú
ظمئي طويلَ فاتركي ظمئي قليلاٍ
في جداولك القراحú
ضاقتú بي الآفاقْ
لكن الهوى
في عْشك المحبوب آفاقَ فساحú
تشدو البلابلْ للصباح
وعندها
من رفرفات الزهر أغنيةَ وراحú
كلْ المسافة بيننا
عطرَ يْغني
أو شقيقَ أو أقاحú
كرمْ اغترابي إن يطولْ فإنِهْ
كرمَ بخيلَ أو وجودَ مْستباحú