علماء ودعاة: التفاؤل وحسن الظن عبادة عظيمة
* عندما يعيش المرء في لحظات بؤس وألم فإنه تراوده أفكار وهواجس توحي إليه أن الزمن قد توقف عند هذه اللحظة المؤلمة, وأن غيوم المعاناة لن تنقشع ,ولن يكون هناك انفراج ولكن لو تأملنا في لحظة صفاء لوجدنا أن بقاء الحال من المحال فالتغير سنة ربانية فلحظة الضيق يعقبها لحظة انفراج فلا يأس ولا انقطاع للأمل.. حول مفهوم التفاؤل وأهميته في حياة الفرد والمجتمع كان حديث عدد من علماء ودعاة الإسلام في ثنايا الاستطلاع التالي:
كثيراٍ ما تتجاذبنا دواعي النفس المختلفة ونقعْ بين شد وجذب وبين دفúعُ ورِفúع نبتسم حيناٍ ونكتئبْ أحياناٍ نفسَ لا يعلمْ كنهها إلا الله تنتعش حيناٍ فترقص تفاؤلاٍ وبهجة وتنتشي يوماٍ فرحاٍ وانتصاراٍ وقد يخبو بريقها أحياناٍ أخرى فتنزوي هناك حزناٍ واكتئاباٍ فبين التفاؤل واليأس شعرة وبين الحزن والفرح خطوة.. هكذا استهل العلامة مرتضى شرف الدين حديثه وأضاف المرتضى بقوله: إنه لو أعطى الإنسان أْذْنه للإعلام لأدار ظهره للحياة منú كثرة ما يِبثونِه منú رسائل إحباط وتيئيس لخلق الله والعجيب أِنِهم يطالبون غيرهم أِنú يرسل رسالة طمأنة للثكالى والمعذِبين في الأرض مع أِنِهم أحوج الناس لذلك فالسيئة عندهم يْضúرِبْ لها الطبل والحسنة يْهمس بها لذا مِسِتú الحاجة إلى التذكير بما يساهم في إخراج الناس من ضيق الإحباط إلى سعة التفاؤل.
أما عن كيفية زرع التفاؤل في النفس¿ فيقول المرتضى: جول بقلبك في حنايا التاريخ مستصحبا معك ما أسميته ميثاق التفاؤل: «إنú قِامِت السِاعِةْ وفي يِد أِحِدكْمú فِسيلِةَ فِإنú اسúتِطِاعِ أِنú لِا يِقْومِ حِتِى يِغúرسِهِا فِلúيِغرسها» إنِه حث على التفاؤل والعمل وإنú لم يبق منú الدنيا إلا دقائق لتبقى عامرة إلى آخر أمدها المعدود عند خالقها وتذكر نبأ ثاني اثنين إذú هْمِا في الغار في تلك الحالة الحرجة الشديدة وقد انتشر الأعداء من كل جانب يطلبونهما ليقتلوهما فأنزل الله عليهما من نصره ما لا يخطر على البال. وقصة يوسف النبي – الكريم ابن الكريم- الذي بدأ حياته بالسجن وختمها بملك مصر لم يْؤِهله لهذا المنصب حسب ولا نسب وإنما أهله حفظه وعلمه فالعلم إشارة إلى الإتقان والكفاءة والحفظ إشارة إلى الثقة ولا تنسى موسى الكليم الذي جعل الله هلاك فرعون على يديه والذي زكته ابنة الرجل الصالح بعد ما شاهدت منú نشاطه ما عرفت به قوته وشاهدت منú خلقه ما عرفت به أمانته فأصدرت حكمها لأبيها “إنِ خير من استأجرت القوي الأمين” وياله منú حكم صائب لأن مِنú يجمع بين إتقان العمل والأمانة يكون موفقا مسددا ولا يكون الخلل في أمر ما إلا بفقدهما أو فقد إحداهما وكْنú على ذكر من قصة الثلاثة الذين أواهم المبيت إلى الغار وحادثة الإفúك ودعاء حبيبك طلعة كل صباح: اللِهْمِ إني أِعْوذْ بك منú الúهِم وِالúحِزِن. وِمنú الúعِجúز وِالúكِسِل»
واختتم المرتضى حديثه بقوله: إنِ واقعنا اليوم وما نحن فيه منú أِنواع الúمحِن والرزايا ليستدعي إحياء صفة التفاؤل تلك الصفة التي تأخذ بالهمة الى القمة وتضيء الطريق لأهلها.
إفشاء السلام
* وفي نفس السياق يقول الشيخ صابر النوفاني: لقد سلك الإسلام كل سبيل في غرس هذه الروح في المجتمع المسلم فأمرنا صلى الله عليه وسلم بأن نلقى إخواننا بوجه طلق حتى نشيع في المجتمع روح التفاؤل والأمل , عِنú جِابر بúن عِبúد الله قِالِ : قِالِ رِسْولْ الله صلى الله عليه وسلم:كْلْ مِعúرْوفُ صِدِقِةَ وِإنِ منِ الúمِعúرْوف أِنú تِلúقِى أِخِاكِ بوِجúهُ طِلúقُ وِأِنú تْفúرغِ منú دِلúوكِ في إنِاء أِخيكِ.
كما أمرنا بإفشاء السلام بيننا حتى تسود المحبة والألفة , عِنú أِبي هْرِيúرِةِ قِالِ: قِالِ رِسْولْ الله صلى الله عليه وسلم: وِالِذي نِفúسي بيِده لاِ تِدúخْلْوا الúجِنِةِ حِتِى تْؤúمنْوا وِلاِ تْؤúمنْوا حِتِى تِحِابْوا أِوِلاِ أِدْلْكْمú عِلِى شِيúءُ إذِا فِعِلúتْمْوهْ تِحِابِبúتْمú ¿ أِفúشْوا السِلاِمِ بِيúنِكْمú.
وأمرنا – كذلك – بمجالسة الجليس الصالح الذي يشبه حامل المسك حتى نتلمس من مصاحبته روح الصلاح والخير .
كما أمرنا – أيضاٍ – بتحسين أسمائنا وأسماء أبنائنا لأن في تحسينها مدعاة للتفاؤل والاستبشار ,عن بريدة رضي الله عنها قال: ولما شارف رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة لقيه أبو عبدالله بريدة بن الحصيب الأسلمي في سبعين من قومه من بني سهم فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم: (من أنت) ¿ قال بريدة فقال لأبي بكر: (برد أمرنا وصلح).ثم قال: (ممن) ¿ قال: من أسلم.فقال لأبي بكر: (سلمنا).ثم قال: (من بني من)¿ قال: من بني سهم. قال: (خرج سهمك يا أبا بكر).فقال بريدة للنبي صلى الله عليه وسلم: من أنت ¿ قال: (أنا محمد بن عبدالله رسول الله). فقال بريدة: أشهد ألا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله. فأسلم بريدة وأسلم من كان معه جميعا قال بريدة: الحمد لله الذي أسلم بني سهم طائعين غير مكرهين فلما أصبح قال بريدة للنبي صلى الله عليه وسلم: (يا رسول الله لا تدخل المدينة إلا ومعك لواء) فحل عمامته ثم شدها في رمح ثم مشى بين يديه حتى دخلوا المدينة) .أخرجه البيهقي.
وفي حديث الأنصاري الذي لزم المسجد متطيراٍ من كثرة همومه وديونه , أرشده النبي صلى الله عليه وسلم إلى استبدال الرسائل السلبية في حياته برسائل إيجابية , وأن عليه أن يترك اليأس والتشاؤم ويحسن التوكل على الله تعالى , عِنú أِبى سِعيدُ الúخْدúرى قِالِ: دِخِلِ رِسْولْ الله صلى الله عليه وسلم ذِاتِ يِوúمُ الúمِسúجدِ فِإذِا هْوِ برِجْلُ منِ الأِنúصِار يْقِالْ لِهْ: أِبْو أْمِامِةِ فِقِالِ « يِا أِبِا أْمِامِةِ مِا لي أِرِاكِ جِالسٍا في الúمِسúجد في غِيúر وِقúت الصِلاِة». قِالِ هْمْومَ لِزمِتúنى وِدْيْونَ يِا رِسْولِ الله. قِالِ :أِفِلاِ أْعِلمْكِ كِلاِمٍا إذِا أِنúتِ قْلúتِهْ أِذúهِبِ اللِهْ عِزِ وِجِلِ هِمِكِ وِقِضِى عِنúكِ دِيúنِكِ». قِالِ قْلúتْ بِلِى يِا رِسْولِ الله. قِالِ « قْلú إذِا أِصúبِحúتِ وِإذِا أِمúسِيúتِ اللِهْمِ إني أِعْوذْ بكِ منِ الúهِم وِالúحِزِن وِأِعْوذْ بكِ منِ الúعِجúز وِالúكِسِل وِأِعْوذْ بكِ منِ الúجْبúن وِالúبْخúل وِأِعْوذْ بكِ منú غِلِبِة الدِيúن وِقِهúر الرجِال) وفي نهاية المطاف علينا أن نعلم أن التفاؤل والتشاؤم ينبعان من داخل النفس , فصاحب النفس الصحيحة ينظر إلى الحياة بمنظار مستقيم جلي , فلا يرى فيها إلا كل جميل باعث على الأمل , وأما صاحب النفس السقيمة فإنه ينظر إلى الحياة بمنظار أسود كئيب , فلا يرى منها إلا كل سيئ باعث على القنوط والتشاؤم واليأس.
حسن الظن
* وأما الداعية خالد الموشكي فيقول: التفاؤل وحسن الظن بالله عبادة عظيمة يقول الله جل وعلا “وِلا تِيúئِسْوا منú رِوúح اللِه إنِهْ لا يِيúئِسْ منú رِوúح اللِه إلاِ الúقِوúمْ الكِافرْونِ” [يوسف:87] فاليأس صفة للكافرين واليأس قرين الضلال قال تعالى: “قِالِ وِمِنú يِقúنِطْ منú رِحúمِة رِبه إلاِ الضِالْونِ” [الحجر:56]. الأولى قالها يعقوب بعد فقده لولده: “يا بني اذهبوا وتحسسوا من يوسف وأخيه ولا تيأسوا من روح الله إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون”
وعن المقصود من كلمة التفاؤل في الإسلام يقول الموشكي: التفاؤل هو انشراح قلب الإنسان وإحسانه الظن وتوقع الخير بما يسمعه من الكلم الصالح أو الحسن أو الطيب.
التفاؤل ليس مجرد كلمات أو صورة شكلية بل هو حالة نفسية وجدانية قوامها الثقة بالله يقول الله في حديث قدسي: “أنا عند ظن عبدي بي”. فما يستجيب لتوقعاتك ليس قوى كونية مجهولة الهوية ولكنه قانون إلهي وضعه الله في الحياة. فحينما تأمل في الله خيراٍ وتثق في كرم عطائه فلا شك أنه تعالى سوف يعطيك عطاء الكريم وسوف يأتيك بالخير. أما لو يئست وتشاءمت فلسان حالك يقول لله: أنا لا أثق فيك! فإن “الكريم” من أسماء الله وصفاته ولو غاب في نفسك الرجاء في هذا الكرم فلا يعني ذلك في واقع الأمر إلا ضعف ثقتك أنه حقاٍ “كريم”! هل تدرك خطورة هذه الحالة النفسية¿ والآن فلنتفكر قليلاٍ في معاني أسماء الله وصفاته فإن الله هو “الغفور”.. “المعطي”.. “الرزاق”.. “النور”.. “الكريم”.. “الرحيم”.. “الفتاح”.. “العدل”.. “الصبور”.. “الشكور”.. “الودود”.. “المغني”.. “الهادي”. تذكر أنك إن خفت الفقر فأنت في الواقع لا تؤمن أنه جل شأنه هو “المغني” و”الكريم” و”الرزاق”. وإن خفت ضياع جهدك دون المرجو من ثمار طيبة فإيمانك ما زال زائفاٍ بأنه هو “الفتاح” و”الشكور” فهو يفتح لك الأبواب والفرص ويجزيك خيراٍ عن كل ما تحسن من عمل.
كرم الله
* قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة) لو عملنا بهذا الحديث ودعونا الله أن يغنينا بحلاله عن حرامه فسنمضي واثقين أن كرم الله ورحمته سوف يحققان لنا ما نبغي. تصور قدر ما يملأ نفسك في هذه الحالة من قوة وأمل وحماسة. ربما لن يستجيب لدعائك بين عشية وضحاها ولكنك ستكون متيقنا قادرا على الاستعلاء على الحرام يقينا بالله “إن الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء والله يعدكم مغفرة منه وفضلا”.
هل عقلنا هذه المعاني! هذه رسالة من الله إلينا: إن الفقر ليس إلا وعداٍ من الشيطان في حين أن وعد الله هو المغفرة والفضل والسعة. فأي الوعدين نصدق¿¿!! هل نصدق الله أم نصدق الشيطان! لنتذكر جميعاٍ أن الفقر في حقيقته لا يعني قلة المال فنقص المال ما هو إلا مظهر مادي. إن الفقر في جوهره ما هو إلا حالة عقلية ونفسية. وإن فقراء العقل والنفس المقيمين في هذه الحالة الوجدانية إنما يتبعون الشيطان ويضلون عن سبل الرحمن. وعقلية الفقر هي ما تؤدي إلى مرض البخل. فقد ترى رجلاٍ يملك الملايين ولكن عالمه الداخلي بائس وفقير.
وعن أهمية التفاؤل يقول الموشكي: إن السبيل للإنجاز والعمل: التشاؤم يقعد عن العمل والتفاؤل يدعو للعمل قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إن البلاء موكل بالمنطق» فكلامك يؤثر على حالتك النفسية لذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “من قال هلك الناس فهو أهلكهم”.
وروي أن يوسف- عليه السلام- شكا إلى الله تعالى طول الحبس فأوحى الله تعالى إليه: يا يوسف أنت حبست نفسك حيث قلت: «رب السجن أحب إلي» ولو قلت: العافية أحب إلي لعوفيت.