العدوان يحطم طموحات الأطفال ويقضي على مهاراتهم

78 يوما من العدوان السعودي والقصف المتواصل ليلا بنهار كانت كافية لكي يستبدل أطفالنا ألعابهم البلاستيكية بأدوات القتل والتدمير.. وهي كافية أيضا لتغرس في ذاكرة وعقول الأطفال صوراٍ مأساوية لجرائم حرب بشعة لن تمحيها الأيام والسنون.
الطفلة غفران مالك ذات السنوات السبع وفراشة حارتنا المدللة كانت حتى قبيل فجر السادس والعشرين من مارس 2015 م لا تفارق لعبتها (العروسة البلاستيكية ) واليوم صارت فوارغ ذخيرة مضادات الطيران هي اللعبة المفضلة لديها وكذلك لدى جميع اطفال الحي.
تصحو غفران كل يوم في الصباح الباكر والشمس لا زالت في مخدعها خلف جبل نقم شرق العاصمة صنعاء وأول مهمة تقوم بها قبل حتى ان تغسل وجهها هي الانطلاق خارج المنزل وتجميع فوارغ المضادات الارضية التي اعتاد احد بواسل الجيش تجميعها من أماكنها في الموقع الذي يتمركز فيه المضاد وإحضارها إلى أطفال الحي المجاور لسكنه بعد ان شاهدهم يلعبون بها ويتنافسون على تجميعها ويبتكرون منها إشكالا لا تخلو من التعبير عما يدور في خواطرهم ويختلج نفوسهم.
غفران ليست سوى واحدة من أطفال اليمن الذين وجدوا انفسهم في لحظة لم تكن تخطر على بالهم يعيشون حرب حقد وكراهية وابادة جماعية وتدمير شامل للمنشآت والمشاريع والمنازل والمساجد والتراث الانساني وكل شيء يحمل اسم اليمن.
مئات الأطفال كانوا يلعبون مع أصدقائهم واقرأنهم حتى ساعات المساء ولكن الصباح لم يطلع عليهم مثل بقية أطفال العالم..
أطفالنا يضعون رؤوسهم كل مساء بين أحضان أمهاتهم وفي مخادعهم وهم لا يعلمون إن كانوا بعد سويعات قليلة ستلمح اعينهم ضوء الصباح أم أن صاروخا محملا بأطنان من الحقد والكراهية سيغدر بهم ليلا ويقطع خيط احلامهم الى الابد ..ومن حالفه الحظ ونجا من غدر آل سعود فلن يخلو جسمه من إعاقة جسدية أو مشهد لجثة متفحمة سيخلد في ذاكرته الى الابد.
طموح الأطفال وتأثير الحرب
جرت العادة أن أداعب أطفال الحي وافتش بين عقولهم بحثا عن طموح يأملون في تحقيقه مستقبلا وحتى وقت قريب كنت أجد الطبيب والمهندس والمعلم والمخترع وأيضا الجندي والطيار بشقيه المدني والحربي وغيرها من الآمال والطموح الذي يحتل حيزا من عقل وتفكير كل طفل في سنوات عمره الاولى.. الآن وبفضل الأشقاء في الجارة الكبرى لم اعد اجد تلك المهن والمهارات في عقول وتفكير الاطفال انفسهم فالطبيب الذي كان مروان يرسمه في مخيلته قبل شهرين ونيف تحول اليوم الى قائد كتيبة المغاوير والمهندس المعماري اختفى من طموح عمار وتحول الى مهندس معدات عسكرية وصانع أسلحة هاشم ايضا مل من حكاية مربي الاجيال التي طالما كان يحلم به وفضل الآن بأن يكون اركان حرب في القوات الخاصة وينافسه في ذلك شقيقه هشام الذي لا تفارق بدلة الحرس الجمهوري جسده على الاطلاق وحده ايمن الذي لايزال متمسكا بطموح أن يكون طبيباٍ مع تعديل بسيط في التخصص حيث كان يأمل بأن يصبح جراح قلب غير أن ذهاب نور عيني شقيقته هدى جراء قصف حي عطان بقنابل محرمة دوليا كانت كفيله لأن ينتقل طموح ايمن الى جراحة العيون آملا في ان يعيد لهدى بصرها الذي اختطفه طيار آل سعود.
بعد 78 يوما من القصف والقتل والتدمير والابادة الجماعية من قبل حلف العدوان بقيادة السعودية من الطبيعي ان تكون هذه المهن القتالية هي المسيطرة على عقول وتفكير اطفالنا وينعكس ذلك ايضا حتى على العابهم حيث تجدهم يتنافسون على تصنيع العاب لا تخرج عن معدات وأدوات الحرب كأن يقوموا بتجميع فوارغ ذخيرة مضاد الطيران ويربطوها مع بعض ويغرسون في مقدمتها فتيل وكأنها لغم مضاد للدروع .. أو يأخذون قطعاٍ خشبية وينحتونها على شكل كلاشنكوف وهناك ايضا مضاد الطيران المفضل لدى الجميع ويتم تصنيعه أيضا من الاخشاب والحديد مع بعض الطلاء.. بالاضافة الى تجميع علب البيبسي والعصيرات وربطها على شكل “جعب” وغيرها من إبداعات انعكاس الحرب.
الآثار البعيدة والقريبة المدى
للحروب على الأطفال
رغم أن السلاح هو الأشدْ فتكاٍ في الحروب إلا أن هناك ما هو أشدْ منه فتكاٍ وخراباٍ وتدميراٍ ألا وهو التدمير الذي يفتك بالتوازن النفسي للجميع وخاصة الأطفال. فقد يكون الزمن كفيلاٍ بتجاوز ما خلفته هذه الحروب من دمار للبْنى التحتية ويمكن إعادة إعمارها وتشييدها غير أن ما لا يمكن للزمن أن يمحوه هو تلك الآثار النفسية التي تشبثت في لا وعي كل من عايشها من خلال الرعب والقلق وفقدان الأهل والأصدقاء والجيران.
 ويؤكد المختصون في علم النفس أن أخطر آثار الحروب هو ما يظهر لاحقاٍ من مشاكل وعقد نفسية لدى أجيال كاملة من الأطفال يتوقف مدى خطورتها على مدى استيعاب الأهل وكيفية مساعدة الطفل على تجاوز المشاهد التي مرت عليه.
ويشير مختصو الطب النفسي الى أن الصدمات التي يتعرض لها الطفل بفعل الإنسان تعتبر أقسى مما قد يتعرض له من جراء الكوارث الطبيعية وأكثر رسوخاٍ بالذاكرة ويزداد الأمر صعوبة إذا تكررت هذه الصدمات لتتراكم في فترات متقاربة. وتْعيق الكشف عن هذه الحالات لدى الأطفال صعوبة تعبيرهم عن شعورهم أو الحالة النفسية التي يمرون بها بينما يختزلها العقل ما يؤدي إلى مشاكل نفسية عميقة خاصة إذا لم يتمكن الأهل أو البيئة المحيطة بهم من احتواء هذه الحالات ومساعدة الطفل على تجاوزها.
موضحين بأن الحرب تخلف لدى الأطفال آثاراٍ آنية وقريبة المدى مثل:سوء التغذية الأمراض المتعددة التشرد اليتم الإرغام على ارتكاب أعمال العنف أو الاعتداءات الجنسية الاضطراب في التربية والتعليم.وقد يْصاحب هذه الحالات نوع من الفوبيا المزمنة من الأحداث أو الأشخاص أو الأشياء التي تِرافق وجودها مع وقوع الحدث مثل الجنود صفارات الإنذار الأصوات المرتفعة الطائرات.
وفي بعض الأحيان يعبر الطفل عن خوفه بالبكاء أو العنف أو الغضب والصراخ أو الانزواء في حالة من الاكتئاب الشديد إلى جانب الأعراض المرضية مثل الصداع المغص صعوبة في التنفس التقيؤ التبول اللاإرادي انعدام الشهية للطعام قلة النوم الكوابيس آلام وهمية في حال مشاهدته لأشخاص يتألمون أو يتعرضون للتعذيب وفي حال مشاهدة الطفل لحالات وفاة مروعة لأشخاص مقربين منه أو جثث مشوهة أو حالة عجز لدى مصادر القوة بالنسبة له مثل الأب والأم إذ يْصاب بعدئذ بصدمة عصبية قد تؤثر على قدراته العقلية.
أما الآثار البعيدة المدى فغالباٍ ما تكون على صورة مشاعر يختزنها الطفل في لاوعيه تظهر أثناء اللعب أو الرسم فنلاحظ أنه يرسم مشاهد من الحرب كأشخاص يتقاتلون أو يتعرضون للموت والإصابات وأدوات عنيفة أو طائرات مقاتلة وقنابل ومنازل تحترق أو مخيمات. ويميل بعض الأطفال إلى اللعب بالمسدسات واقتناء السيارات والطائرات الحربية إضافة إلى مشاعر الطفل المفعمة بالعنف والكراهية والشك أو اليأس والقلق المستمر ومن تلك الآثار أيضاٍ وفقا لمختصي الطب النفسي نوبات من الخوف والفزع..اختلاط المفاهيم بين الصح والخطأ.. فقدان السلام النفسي والتعرض لصراعات نفسية داخلية وما ينشأ عنها من فقدان الثقة بالنفس..تقهقر فيما كان قد اكتْسبِ بفعل النمو مثل الرجوع إلى التبول اللاإرادي مص الأصابع التلعثم وسواها من تشوهات سلوكية.. الالتصاق الدائم بالوالدين أو المسؤولين عن رعايته ..الانزواء وعدم الرغبة في التواصل.. السلوك العدواني تجاه الأشخاص أو الأشياء أو حتى تجاه الذات.. ضعف التركيز وتشتت الانتباه بسبب الشرود في ما حدث ومحاولة فهمه..اضطراب علاقته بالسلطة وممثليها من الأسرة والمعلمين ويظهر هذا الاضطراب إما في الانصياع الزائد خوفاٍ من العقاب وفقدان التواصل معهم الذي يؤمنه في الفترة الحالية أو الرفض التام تعبيراٍ عما يْعانيه داخلياٍ.. تغير بعض القيم الاجتماعية عند الأطفال مثل قيمة الصدق والأمانة والثقة بالنفس وقيمة المبادئ والتعاون وقيمة الإيثار والتضحية في سبيل الآخرين وغيرها من الآثار السلبية والمدمرة لجيل بأكمله هو نواة المستقبل للمجتمع اليمني وتدمير النواة يعني القضاء على مستقبل البلاد ويصبح مجتمعاٍ متخلفاٍ على المستوى الاجتماعي والعلمي وبالتالي التخلف في التعاطي مع مستويات التطور والارتقاء في حال لم تقم الأسرة والجهات المختصة في الحكومة بواجبها وكذلك منظمات المجتمع المدني من خلال إيجاد مراكز رعاية نفسية واجتماعية وتعامل الأسرة والمجتمع بعقلانية وبعيدا عن أساليب ووسائل العنف والعقاب الشديد.

قد يعجبك ايضا