السعودية تقود حركة التدمير والرجعية وجلاء تلك الصورة سيكون إيذانا بنهايتها

للمثقف دوره الكبير والهام في قضايا مجتمعه ووطنه وخاصة عندما يمر الوطن بظروف صعبة وفي مواجهة عدوان خارجي يحاول أن يعيق مساره وتطلعه وهنا يكون دور المثقف هو التبصير بتلك القضايا وتلك الظروف وتلك العوائق التي تحيط بالوطن. وحول الظروف التي تمر بها بلادنا والعدوان السعودي عليها كان لنا اللقاء التالي مع الأديب والناقد والمفكر عبدالرحمن مراد حيث تناولنا معه العديد من تلك القضايا في السطور التالية:

يمن جديد
*كيف تقرأ الواقع اليمني في لحظته الراهنة¿
– الحقيقة اليمن تعيش وضعاٍ استثنائياٍ لا يتسق مع طبيعتها الحضارية والثقافية وهي منذ زمن واقعة تحت نير الاستبداد والطغيان وهيمنة النسق المغاير لها مما جعلها تقع تحت سلطة واقع منفصل ظل يعبث بكل العوامل المجددة للنسق الحضاري والثقافي ومثل ذلك كان عاملاٍ مهماٍ في تعزيز مشاعر الاغتراب الزمانية والمكانية في الذات اليمنية ويكاد أن يكون ذلك عاملاٍ مهماٍ ايضاٍ في مضاعفة الشعور بالنقص الذي لا يجد تكاملة إلا في الآخر كما نلحظ ذلك عند بعض القوى السياسية التي سارعت في الارتماء في أحضان العدوان السعودي وهي بذلك تعبر عن زمن نشأتها ولا تعبر عن المستقبل الذي سيكون متغايراٍ فالعدوان  الذي يحدث له آثاره الايجابية التي قد تفوق الأثر المادي المدمر في نجود وقيعان اليمن .. ما أنا مؤمن به أن يمناٍ جديداٍ سنشهده خارجاٍ من بين رماد الأحداث أقوى وأكثر تفاعلاٍ مع الواقع الحضاري الجديد وأكثر اعتزازاٍ بذاته وقيمه الحضارية .
 وهج حضاري
* هل تعتقد أن اليمن ستكون قادرة على الخروج من واقعها البائس وقادرة على استعادة وهجها الحضاري الذي كانت عليه في غابر تاريخها¿
بالتأكيد .. كل المؤشرات التي تعتمل في الواقع الآن تدل على رغبة الخروج من النفق فاليمن بلد يمتد عميقاٍ في التاريخ وقد عاش حالات اغترابية تشبه الحالة الجديدة وخرج منها.
من المسلمات القول أن أي بلد له حضارة وتاريخ يكون قادراٍ على النهوض إذا استلهم مقوماته الحضارية والثقافية ولذلك تلاحظ القوى التي تعاملت مع الحالة اليمنية بمشاريع من خارج نسقها الثقافية والتاريخي فشلت.
الذات اليمنية ترفض أن تكون صورة مماثلة للآخر بل تصرْ على الكينونة ببصماتها الثقافية والحضارية الدالة عليها ويقيني أن المستقبل سيشهد يمناٍ جديداٍ.
نهاية مرحلة
* اليمن تتعرض لعدوان سافر من قبل السعودية ومن تحالف معها .. كيف تقرأ هذا العدوان¿
أنا أقرأ هذا العدوان قراءة مختلفة بعيداٍ عن البعد السياسي ولغة التحليل الإعلامي والأثر التدميري للعدوان لأن مثل ذلك أٍصبح من البديهيات.
العدوان السعودي من وجهة نظري إعلان بنهاية مرحلة وبداية أخرى وهو يمهِد لعودة المركزية التاريخية لليمن والسعودية بعدوانها تعلن نهايتها وقد بدأت العرب تعرف الحقائق الغائبة عنها وتعرف المعيقات الجوهرية لحركة النهضة في الشعوب المسلمة لقد أتضح الآن أن السعودية تقود حركة التدمير والرجعية وجلاء تلك الصورة سيكون  ايذاناٍ بنهايتها , قد يستغرب القارئ لمثل هذا القول لكن الأيام كفيلة ببيان صدقه من عدمه ولن يطول بنا الأمد حتى نراه حقيقة كائنة.
كما أن قانون الله في التدافع خوف الفساد يؤكد على هذه الحقيقة الجوهرية الغائبة عن أذهان الكثير.
المثقف الوهمي
* ثمة رؤى تذهب إلى القول بانتهازية المثقف في تفاعله مع قضايا المجتمع والسياسة .. وقد يصطف بصيغة توحي بالنفعية والذاتية وغياب الموضوعية..¿
ما هو مقروء في واقعنا اليمني هو بروز المثقف الوهمي الذي يرى أن وظيفته تقتصر على التبرير وعلى التحذير وعلى التزييف وكل تلك الوظائف تقوم على فلسفة الباطل وقلب الحقائق وهي وفي النهاية مذلول حقير يجهد نفسه من أجل الحفاظ على بعض الفتات يتلقاه من هنا أو هناك.
نحن نفتقد إلى روح  المثقف الحقيقي الذي يتجاوز عوامل الاغتراب ومرارة الواقع وقسوته ويعي مصيره ودوره المستقبلي ويعي واقعه وأبعاده المتعددة ويملك القدرة على التفكيك وإعادة البناء بما يحقق انزياح مجتمعه وتطوره.
اليمن بحاجة إلى المثقف الذي يتمكن من إعادة صياغة نفسه وفق قيم نقدية عقلانية وديمقراطية تستوعب الآخر وتحاوره ولا تلغيه.
إعلام مزاجي
* المشهد الإعلامي اليمني حالة استثنائية.. دعنا نبدأ من تموجاتها وكيف تجد لحظتك فيما تجد ويحدث في اليمن¿
– الإعلام في اليمن يستهدف القانون الطبيعي وهو يعمل على تشويه صورة الإنسان والوطن وفي الحقيقة هو إعلام مقائلي مزاجي براجماتي لا تشعر أن هدفه الحقيقة بقدر شعورك أنه إعلام استهلاكي نفعي.
المؤسسة الإعلامية اليمنية لم تتوافق على ضوابط قيمية وأخلاقية ولذلك فقدت مصداقيتها وبالتالي تأثيرها.. الآن أصبح الإنسان أكثر وعياٍ وهو لا يتقبل الرسالة الإعلامية الموجهة وأصبح الكثير يدركون الرموز والإشارات التي تحملها الرسالة الإعلامية الموجهة من أي طرف سياسي وهم يصنفون الوسيلة الإعلامية ويدركون مقاصدها.
لدينا إعلام متعدد ومتنوع لكنه يخدم مشاريع وكتلاٍ تاريخية ولا يخدم اليمن وهذه معضلة علينا الوقوف أمامها بقدر وافر من التأمل والمسؤولية.
الاحزاب فقدت قيمتها
* الأحداث التي تترك أثراٍ في البناءات العامة كالثورات مثلاٍ في كل بلاد الدنيا تحدث متغيراٍ في البنى ما عدا اليمن.. ما السر في هذا الجمود في البناءات السياسية بالذات¿
–  للأسف الشديد الأحزاب فقدت قيمتها من حين قالت بسقوط الإيديولوجيا وذهبت إلى الثورة يقودها الثأر السياسي ولا تحمل مشروعاٍ للوطن ولنهضته ذهبت من العدم إلى العدم وحين تكون المقدمات عدمية ماذا تتوقع من النتائج أن تكون¿ بطبيعة القضايا المنطقية تكون عدمية وهذا العدم أو هذا التيه كان سبباٍ مباشراٍ أو جوهرياٍ في فقدان الأحزاب لقيمتها وهو السبب أيضاٍ في الشعور الطاغي بفقدان القيمة والمعنى وفي التيه الذي وصل إليه المشهد السياسي.
التحجر في البنية السياسية الوطنية سببه حالات الاغتراب لم يعد المجتمع يرى فيها تعبيراٍ عن تطلعاته وحركة المجتمع بطيئة وهي في طور خلق قوى جديدة.
حالة سياسية جديدة
* هل تظن المجتمع قادراٍ على التفاعل مع مستجدات اللحظة الانتقالية الجديدة في ظل تبدل شكل العلاقة بينه وبين الدولة¿
* نحن أمام حالة سياسية جديدة متغايرة بالضرورة سوف تعيد ترتيب شكل العلاقة بين المجتمع ومؤسساته وبين الدولة.. ثمة تغاير قادم سوف يخلق ضروراته ويصنع قياداته.. كل هذا الركام بعد سنوات قليلة ستجده تاريخاٍ.
المجتمع بطيء الحركة لكنه في السياق نفسه غير جامد وقابليته للتطور والانزياح الحضاري كبيرة جداٍ.
وحالات التململ والتمايز نتائج طبيعية لمقدمات الحركة الاجتماعية وهي التي تعيد ترتيب شكل العلاقة فبزوغ القوى الجديدة وصراعها مع القوى التقليدية.. يحدث التبدل وما تشاهده من تدافع بين القوى الاجتماعية والثقافية من سنن الله في كونه خوف الجمود وبالتالي الفساد.
المكون  الثقافي للإنسان
* شكل الدولة القادمة سيكون اتحادياٍ ,البعض.. يخاف وآخر يترقب.. أين أنت من كل ذلك اللغط¿
– موضوع الفيدرالية ليس غريباٍ على تاريخ اليمن وهو لا يتضاد مع المكون الثقافي للإنسان ولا البناءات الاجتماعية وكنا نتمنى أن يتم إعادة التقسيم وفق معايير موضوعية وعلمية ومنهجية وبحيث يكون التقسيم منسجماٍ مع رغبة الأجيال القادمة في الاستقرار وفي الأمن الأقاليم المعلنة تشوبها الكثير من حالات القلق التي تجعل الناس في قلق وخوف من المستقبل خاصة في ظل حالة الانهيارات في البنى العامة للقانون الطبيعي وهشاشة الدولة وغياب المؤسسة العسكرية الوطنية التي تنتمي لليمن والقادرة على حمايته ومع ذلك فأنا أرى أن الفيدرالية هي الحل الأمثل لليمن وهي القادرة على توحيد اليمن وعلى نقله من حالة الانشطار والانقسام إلى حالة البناء والتوحد ومن المركزية الجامدة إلى حالة التداخل المرن وبما يحفظ التوازن والشعور بالوجود والامتلاء.
البعد الحضاري
* هناك من يرى أن الإشكالية الوطنية اليمنية تكمن في الوعي بالمقومات الحضارية.. ويرون أنه حدث انقطاع حضاري.. وهذا الانقطاع كان سبباٍ في التعثر..¿
– ما ليس مدركاٍ في التداول العام أن البعد الحضاري اليمني كان يرتكز على القيم الصناعية والانتاجية وكانت اليمن مركزاٍ اقتصادياٍ حيوياٍ إذ كان يقصدها كل العام وكان للعرب رحلة تجارية كل عام وأخرى مماثلة إلى الشام وما تزال حتى هذه اللحظة تشكل بعداٍ استراتيجياٍ مهماٍ في طريق الملاحة والتجارة الدولية ولن تستطيع اليمن النهضة من كبوتها دون البناء على ذلك التراكم وهي بحاجة إلى عقول أبنائها للقيام بالتحليل السياقي والتقاطعي وإعادة تعريف الهوية التاريخية والثقافية والحضارية حتى تتمكن من تفجير طاقات الذات وتوظيفها بما يحقق التطلعات.
* بالعودة إلى العدوان السعودية على اليمن .. لاحظنا استهداف الحصون والآثار هل تظن لك عملاٍ عفوياٍ¿
لا .. ليس عفوياٍ بل عملاٍ مقصوداٍ وممنهجاٍ بدليل أن أدوات السعودية من الجماعات قامت بذات الفعل في العراق وفي سوريا .. وحدث مثله من قبل في باكستان .. أنت تعلم أن أبن خلدون تحدث عن ثقافة الهدم والتدمير عند البدوي الصحراوي ما يحدث هو امتداد لتلك الثقافة وهو تعبير عن حقد وتعبير عن فراغ تاريخي وفراغ حضاري.
الجماعات الطارئة في التاريخ تبحث عن امتداد تراكمي لأنها تخشى الفناء وهذا هو التفسير المنطقي لما يحدث في منطقة الخليج فالخوف من الفناء والتلاشي يعزز المقولة التي تشيع في أوساط العامة (عليِ وعلى أعدائي) فالشعور بالانقطاع الحضاري وبالفراغ شعور بفناء مؤجل وتعميم ظاهرة الفناء حالة من حالات التعويض النفسي.

https://www.althawranews.net/pdf/2015/04/27/07.pdf

قد يعجبك ايضا