إن خطر اللسان لا يخفى ومصائبه لا تحصى ولا تستقصى ورب فلتة منه أوردت النار وأوتت الخسارة والعار والشنار ولا شيء أولى بالحفاظ عليه من اللسان فالإنسان بأصغرية قلبه ولسانه.
فلقد سأل سيدنا معاذ بن جبل رضي الله عنه النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: يا رسول الله أخبرني بعمل يدخلني الجنة ويباعدني عن النار. قال صلى الله عليه وآله وسلم: لقد سألت عن عظيم وإنه ليسير على من يسره الله عليه تعبد الله لا تشرك به شيئا وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان وتحج البيت. ثم قال صلى الله عليه وآله وسلم: ألا أدلك على أبواب الخير الصوم جنة والصدقة تطفىء الخطايا كما يطفىء الماء النار وصلاة الرجل في جوف الليل. ثم تلى قول الحق جل وعلا: “تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفا وطمعا ومما رزقناهم ينفقون”.
ثم يستهل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هذه الوصية لمعاذ ويقول: ألا أخبرك بملاك ذلك كله¿ قلت: بلى يا رسول الله. فأخذ بلسانه وقال: كف عليك هذا.
يقول معاذ رضي الله عنه قلت: يا رسول الله وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به¿ فقال: ثكلتك أمك يا معاذ وهل يكب الناس في النار على وجوههم “أو قال على مناخرهم” إلا حصائد ألسنتهم.
فهذا توجيه من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ليس لمعاذ فقط بل لكل فرد من الأمة الإسلامية إذ يرسم فيه الرسول صلى الله عليه وآله وسلم طريق السلامة في الحياتين ويرشد به إلى الفلاح والسعادة في الدارين.
أيضا من آفات اللسان الكذب والغيبة.. فالحذر يا عباد الله من فلتات اللسان ومنها الكذب والغيبة التي صارت فاكهتنا في مجالسنا نمزق أعراض الآخرين وأولئك يمزقون الأعراض في المكاتب والمجالس والأسواق.
الغيبة التي وصفها الله بأبشع وصف كالذي يأكل لحم أخيه ميتا ثم النميمة وهي السعي بين الناس بطريق الإفساد ويكفي النمام أنه لا يدخل الجنة وفي الحديث (لا يدخل الجنة نمام).
وقال صلى الله عليه وآله وسلم: (إن الكذب يهدي إلى الفجور وإن الفجور يهدي إلى النار ولا يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذابا).
والنبي صلى الله عليه وآله وسلم (لما سمع امرأة تنادي طفلا تقول هاك فقال: هل أردتي أن تعطيه شيئا¿ قالت: نعم ثمرة بيدي. قال: لو لم تصدقي لكتب عليكö كذبة).
أيضا من آفات اللسان الشائعات.. فهناك كثير من الناس يشيعون أشياء بين الناس بمجرد الظنون بغير مبالاة وربما كانت تلك الشائعات تسيئ إلى أحد من المسلمين. يقول صلى الله عليه وآله وسلم: (إن الرجل يتكلم بالكلمة لا يرى بها بأسا يهوى بها سبعين خريفا في النار).
وفي صحيح البخاري عن سمرة بن جندب رضي الله عنه في رؤيا النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأتاه ملكان فمرا على رجل مستلق على قفاه وآخر قائم عليه بكلوب من حديد فإذا هو يأتي إحدى شقي وجهه ويشرشر شدقه ومنخره وعينه إلى قفاه ثم يفعل بالشق الآخر كذلك فما يفرغ منه حتى يعود الجانب الأول صحيحا فيرجع إليه ويشرشره كما فعل في المرة الأولى فقال الملكان للنبي صلى الله عليه وآله وسلم: هذا الكذاب يكذب الكذبة فتحمل عنه حتى تبلغ الآفاق فيصنع به هكذا إلى يوم القيامة).
وقال صلى الله عليه وآله وسلم: (إن الرجل ليتكلم بالكلمة ما يتبين فيها يزل بها في النار أبعد مما بين المشرق والمغرب).
قال تعالى: “ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد” وقال تعالى: “يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما”.
*عضو بعثة الأزهر الشريف باليمن
Prev Post
Next Post