الفراغ .. سم قاتل يدفع طاقات الشباب نحو بؤر الانحراف والضياع

الفراغ .. داء فتاك يعيق طاقات الشباب الإيجابية وينذر بكارثة أخلاقية بصورة أساسية , وهذا ما حذرنا منه ديننا الحنيف , وفي هذه الظروف الحالكة ترى الكثير من الشباب رهناء هذا الداء , تراهم هناك على الطرقات يتأملون على تلك المشاهد الروتينية التي لطالما اعتادوا على رؤيتها في وقت فراغهم طويل الأمد أو منكبين على مقاهي الانترنت يعدون الساعات الطوال ولا يأبهون بنهبها ما دامت كفيلة بقضاء وقت أهلك تفكيرهم وقضى على أعتى طاقاتهم بينما أعمى الفراغ طريق الاستقامة عند البعض ووجدوا فيه مرتعا خصبا لمسالك وطرق الانحراف ..

شباب كثر استهوى الفراغ عقولهم وحياتهم واستسلموا لهذا الواقع المر , وهو ما اشتكى منه الشاب أحمد ياسين في العقد الثلاثين من العمر حيث أفادنا بالقول : أكثر من عشرة أعوام وأنا من مكان إلى مكان ومن شارع إلى آخر الفراغ والبطالة طاغيان على حياتي أصاباني بالملل والكآبة وساءت إثرهما حالتي النفسية وواقعي الكئيب هكذا استهل الشباب أحمد محمد ياسين 29 عاما حديثه عن واقعه.
مضيفا: رفضنا أهلنا ومجتمعنا لذنب ليس من ذنبنا ولحال ليس بأيدينا تغييره فلم نجد إلا الجلوس وعلى قارعة الطريق لمن يحتاجنا في أي عمل نسد به حاجة يومنا وكم نضحك ويعترينا الألم ونحن نسمع من يتغنى باسم الشباب وبحقوقهم وبمطالبهم وأقول لهم مللنا هذا اللحن الكاذب ومللنا كلمات تلك الأغنية الخادعة فحالنا هو من سيء إلى أسوأ وماذا بعد.
عالة على الآخرين
وهو الواقع المحبط ذاته الذي اشتكى منه الشاب مصطفى عبدالجبار 27 عاماٍ
حيث قال : لي 5 سنوات من يوم تخرجي من الجامعة وأنا إن صح التعبير عالة على أهلي ومجتمعي كنت أظن بأنني إن تخرجت سألاقي الوظيفة التي طالما حلمت بها التي طالما اجتهدت ودرست وواصلت تعليمي الجامعي رغم الظروف المادية المتدهورة حتى أصل إليها ولم أكن أتوقع أنني أمشي في سراب وأن المستقبل الذي انتظرته طويلا مجرد أضحوكة وكذبة كبيرة ووهم لا أقل ولا أكثر!!
واسترسل مصطفى حديثه قائلا اشتغلت وعملت عدة أعمال حرة ولكنها للأسف لم تطعمن وتشبع أسرتي وها أنا الآن بين الحين والآخر اشتغل مساعدا في إحدى مغاسل الثياب ثم ألجأ إلى مقاهي النت لعلي بذلك أنسى وقتي وواقعي بل أنسى الحياة كلها ولعلنا بعد ذلك نستيقظ على وعود الدرجة الوظيفية.
منعطف خطير
من جهته يقول الأكاديمي فاروق الخولاني – جامعة صنعاء  إن الفراغ من النعم المغبون بها الإنسان والتي حذر الإسلام من تداعياتها ويعود للبطالة بدرجة أساسية  فهو  في تزايد مستمر عاماٍ تلو آخر وما مرت به اليمن مؤخرا من أحداث على مختلف الأصعدة أثر بشكل مباشر على اقتصاد الدولة الذي انعكس بشكل ملحوظ على دخل الفرد وعلى واقع الشباب حيث باعدت تلك الأسباب بينهم وبين ما يؤملونه من التوظيف والاستقرار المستقبلي في حياتهم.
وأوضح الخولاني أما ما يمرون به الآن من فراغ سيشكل منعطفا يعود سلبا على واقعهم والذي يتمثل كالتدخين والشيشة والإدمان على الانترنت ومواقعه الهابطة والانجرار وراء الأهواء والملذات ورفقة السوء بالإضافة إلى إطالة الجلوس في الطرقات بغير مبرر أو عمل وما يصحب ذلك من معاكسة الفتيات والانخراط ضمن عصابات منظمة أو عشوائية تسرق وتغش وتحتال وترى بهذا الطريق خير مسلك للحصول على الرزق بوقت سريع وبجهد أقل.
الركود والاستسلام
ومن هنا بين الشيخ العلامة إبراهيم جبري – رئيس قسم الوعظ والإرشاد بوزارة الأوقاف إلى الإهتمام بالنوادي الثقافية والترفيهية بشكل شبابي رائع وجذاب يحفظ شبابنا ومن الفراغ المحبط والهدام ومن مساوئ البطالة التي يجب ألا تقضي عليهم بل يسخرونها في الإبداع والإنجاز وإثبات وذاتهم لا الاستسلام والركود للواقع معهما كانت الصعوبات والعوائق وقل أعملوا فيسرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون».
وأضاف جبري يجب على الدولة أن تأخذ بزمام مسئوليتها في توظيف الشباب وتمكينهم ماديا والأخذ بأيديهم وأن تكون أكثر قرباٍ وملامسة لواقعهم ومشاكلهم حتى لا تدع أو تترك أي فراغ لضعاف النفوس ودعاة التطرف لاستغلاله بشر أعمالهم ومخططاتهم.
الجزاء الوفير
وهو ما أكده  الدكتور والعلامة  علي زيد مستهل حديثه بقوله صلى الله عليه وآله وسلم   : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (( نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس : الصحة والفراغ )) وقوله صلوات الله عليه وآله : اغتنم خمسا قبل خمس :شبابك قبل هرمك وصحتك قبل سقمك وغناك قبل فقرك وفراغك قبل شغلك وحياتك قبل موتك .  فالشباب هم الجيل الصاعد وأمل المستقبل ورهان تقدم أي مجتمع منطوي على أكتافهم وسواعدهم محذرا من الفراغ ومخاطره النفسية والعقلية باعتباره من أخطر الأفات العقلية التي تصيب الإنسان وتسبب له المشاكل العويصة التي تبعده عن أهله وأقربائه وأصدقائه وتدفعه إلى العزلة والوحدة والانطواء على ذاته ليسبح في أحلام خيالية لا تمت إلى الواقع والحقيقة بأية صلة وهو ما ورد عن أمير المؤمنين عليه السلام حيث قال: (( ألا وإن من البلاء الفاقة . وأشد من الفاقة مرض البدن . وأشد من مرض البدن مرض القلب)) .

منابر الخير
داعيا الشباب إلى قضاء أوقاتهم في الدخول في مجال الأنشطة الاجتماعية أو المدرسية  حيث إن لها انعكاساٍ إيجابياٍ على مستوى الفرد العلمي والفني فلذلك يجب دفع الشاب نحو مثل تلك الأنشطة سواء كان على صعيد المدرسة أو على صعيد المجتمع وللوالدين دور كبير في دفع الطفل للدخول في مثل تلك الأعمال الاجتماعية كالمؤسسات الاجتماعية التي ترموا خدمة الدين والمجتمع والتعرض للأجواء الدينية والروحية: سواء كان ذلك عبر المساجد أو المراكز والمؤسسات الاجتماعية فالمحاضرات والندوات والاحتفالات والمهرجانات وغيرها لها أثر كبير في تحصين الشباب وذلك بكسبه المعارف التي تأخذ بيده نحو الطريق السليم وتزوده بالمعنويات الروحية التي تنفعه في مستقبل حياته .

قد يعجبك ايضا