بما أن العمل السياسي في بلدنا بات هو المسئول عما آلة آلت الأزمة السياسية التي أوشكت أن تقضي على الوطن بالتقسيم والتمزيق والحروب – التي نتمنى كما يتمناه كل يمني أن لا تحصل- فإن السؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح هو: ما هي أساسيات وشروط ومتطلبات العمل السياسي الناجح¿ والإجابة تجدونها في ثنايا هذا الاستطلاع كما نقلته (الثورة) من ألسن عدد من الأكاديميين والسياسيين:
في البداية تحدث الأستاذ الدكتور أحمد العزي صغير – عميد الدراسات العليا بجامعة الحديدة, ورئيس المجلس الأعلى للقضية التهامية – قائلاٍ: “إن الحديث عن أساسيات وشروط ومتطلبات العمل السياسي الناجح يقتضي بالضرورة التوقف قليلاٍ عند مفهوم السياسةº لأن الوعي بالمفاهيم من أهم شروط عوامل النجاح, فالسياسة في أبسط مفاهيمها منظومة من الإجراءات والطرق التي تؤدي إلى اتخاذ قرارات من أجل المجموعات والمجتمعات البشرية . و مع أن هذه الكلمة ترتبط بسياسات الدول وأمور الحكومات, فإن كلمة سياسة يمكن أن تستخدم أيضاٍ للدلالة على تسيير أمور أي جماعة, و قيادتها, ومعرفة كيفية التوفيق بين التوجهات الإنسانية بصفة عامة. ووفقاٍ لهذا المفهوم فإن الظاهرة السياسية هي بالأساس ظاهرة اجتماعية بل يصعب الفصل بين شقيها السياسي والاجتماعي إلا لاعتبارات إجرائية بحثية محضة. فإذا كان الوعي بمفهوم السياسة يشكل الإطار النظري للرؤيا السياسيةº فإن العمل السياسي هو الإطار الإجرائي لبلورة الرؤى إلى أهداف, والعمل على تنفيذها على أرض الواقع, لأن الفعل السياسي مكون أساسي من مكونات أفعال الإنسان وذو صلة بمصالح الجماعات وتعارضها وما تعكسه علاقاتها من مظاهر صراع أو التقاء لقوى المجتمع وبالتالي لا توجد قوة على الأرض تمنع الإنسان – المواطن من المشاركة في ممارسة الفعل السياسي!”
ويرى الدكتور صغير أن العمل السياسي الناجح هو الذي يتحرك في إطار المبادئ والثوابت الوطنية, ويصيغ أهدافه من حركة المجتمع وتطلعاته, مدركاٍ أنه ضمن منظومة بنيوية متكاملة يجب احترامها والإيمان بحقها في الشراكة, فهو الذي يستطيع إدارة واستثمار كافة الإمكانات والقدرات وتوظيفها التوظيف الأمثل للارتقاء بمستوى الحياة العامة على كافة الصْعد, وهو أيضاٍ من يملك الخبرة والمهارة الكافية لأن يصل إلى أهدافه عبر تلال من الرمل دون أن يثير الغبار من حوله .. وهو أيضا من ينظر إلى كل الأطراف من مسافة واحدةº من منظور شركاء لا خصوم, ولديه القدرة على قراءة الواقع ومعطياته بشكل يجعله قادراٍ على استقراء القادم والتنبؤ به والإعداد له .. حيث نجد أن العمل السياسي الناجح -أينما التفت- يوجد له أثر يثير اهتمامك ويعبرْ عن قضاياك ويلبي تطلعاتك.
فتح آفاق العقل
وختم حديثه مؤكدا على أن من أهم شروط نجاح العمل السياسي هو فتح آفاق العقل للتعامل مع الأحداث بطرق حكيمة بنظرة واقعية. و فهم الترابط بين أجزاء العملية السياسية, ومن ثمِ تفسير ما يدور بالساحة السياسية كمقدمة ضرورية لاتخاذ القرار بشأن التحرك السياسي الملائم. ويسعى لدعم وترسيخ مبدأ سيادة القانون, وضمان الشفافية, والعدالة الاجتماعية, والحرص على تحقيق الأهداف بأفضل النتائج وبأقل التكاليف, بما لا يتعارض مع المصلحة الوطنية العليا, في ضوء معرفة وإلمام بالمسائل السياسية و قيم وعواطف الانتماء والإرادة في التغيير والإحساس بأنه جزء من الوطن.
إعادة الهيكلة السياسية
وعلى ذات السياق يؤكد الدكتور ﻣﺤﻤﺪ ﻋﺜﻤﺎﻥ ﺍﻟﻤﺨﻼﻓﻲ -أستاذ بجامعة صنعاء- على ضرورة استناد ﺍﻟﻌﻤﻞ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻲ ﺍﻟﻨﺎﺟﺢ إلى إطار ﻓﻜﺮﻱ ﻣﺮﺟﻌﻲ (ﻣﺒﺎﺩئ ﻋﺎﻣﺔ) ﻭﺍﺿﺢ, ﻳﺮﺳﻢ ﺍﻟﻤﻌﺎﻟﻢ ﺍﻟﻌﺎﻣﺔ ﻟﻠﻄﺮﻳﻖ, ﻭﺗﻜﻮﻥ ﺑﻤﺜﺎﺑﺔ ﺍﻟﺒﻮﺻﻠﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺤﻮﻝ ﺩﻭﻥ ﺍلاﻧﺤﺮﺍﻑ, بالاﺗﺴﺎﻕ ( ﻭﻟﻴﺲ ﺑﺎﻟﻀﺮﻭﺭﺓ ﺗﻄﺎﺑﻖ ) ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻤﻮﺍﻗﻒ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻘﻀﺎﻳﺎ ﺍﻟﻤﺘﺸﺎﺑﻬﺔ, ﻓﻼ ﻳﺴﻘﻂ ﻓﻲ ﺍﻟﺘﺬﺑﺬﺏ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻲ, على أن ﻳﺒﺘﻌﺪ ﻋﻦ ﺍﻟﻤﻜﺮ ﻭﺍﻟﻤﻜﺎﻳﺪﺓ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ ﻭﺍﻟﺒﺎﻃﻨﻴﺔ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ ﻭﺍلاﻧﺘﻬﺎﺯﻳﺔ. وذلك يتطلب اتباع ﻭﺳﺎﺋﻞ وأدوات ﺳﻴﺎﺳﻴﺔ, أهمها ﺍﻟﻤﺸﺎﺭﻛﺔ ﻓﻲ ﺍﺗﺨﺎﺫ ﺍﻟﻘﺮﺍﺭ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻲ, ﻓﻼ ﻳﺘﻔﺮﺩ ﺑﻪ ﻓﺮﺩ ﻭﺍﺣﺪ ﻳﻜﻮﻥ ﻋﻤﻠﻪ ﺗﻌﺒﻴﺮﺍ ﻋﻦ ﺭﺅﻳﺘﻪ ﺍﻟشخصية ﻭكذا ﺍﻟﺘﺪﻭﻳﺮ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﻮﺍﻗﻊ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ ﺩﺍﺧﻞ ﺍﻟﺠﻤﺎﻋﺔ أو ﺍﻟﺤﺰﺏ أو التكتل, ﻋﻠﻰ ﻏﺮﺍﺭ ﺍﻟﺘﺪﻭﻳﺮ ﺍﻟﻮﻇﻴﻔﻲ – إذا ﺟﺎﺯ ﺍﻟﺘﻌﺒﻴﺮ- على أن ﻳﻜﻮﻥ ﻫﻨﺎﻙ آليات ﺩﺍﺧﻠﻴﺔ ﻟﻠﺘﻘﻴﻴﻢ ﻭﺍﻟﻤﺴﺎﺀﻟﺔ ﺑﻨﺎﺀ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻤﺒﺎﺩئ ﺍﻟﻌﺎﻣﺔ (الإﻃﺎﺭ ﺍﻟﻤﺮﺟﻌﻲ), ﻭآليات ﺗﻘﻴﻴﻢ ﻭﻣﺴﺎﺀﻟﺔ ﺷﻌﺒﻴﺔ ﻟﻠﺴﻠﻮﻙ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻲ ﻓﻲ ﺿﻮﺀ ﻣﺎ ﺗﻢ إعلانه ﻣﻦ ﺑﺮﺍﻣﺞ ﺳﻴﺎﺳﻴﺔ أو ﺍﻧﺘﺨﺎﺑﻴﺔ, ﻭﻳﻤﻜﻦ أن ﺗﻜﻮﻥ ﻫﺬﻩ ﺍلآﻟﻴﺔ إﻋﻼﻣﻴﺔ, ﻭﻣﻦ ﻗﺒﻞ ﻣﻨﻈﻤﺎﺕ ﻏﻴﺮ ﺣﻜﻮﻣﻴﺔ ﻭﻏﻴﺮ ﺣﺰﺑﻴﺔ, بأن تكون ﻫﻨﺎﻙ آليات ﻟﻠﺘﻮﺍﺻﻞ ﺍﻟﺮﺍﺳﻲ ﻭﺍﻻﻓﻘﻲ ﺑﻴﻦ أعضاء ﺍﻟﺠﻤﺎﻋﺔ ﺍﻟﻮﺍﺣﺪﺓº ﺗﺘﻴﺢ ﻧﻘﻞ الأﻓﻜﺎﺭ والآراء ﺑﺪﻭﻥ ﻣﻌﻮﻗﺎﺕ ﺗﻌﻤﻞ ﻋﻠﻰ (ﻓﻠﺘﺮﺓ) ﻣﺎ ﻳﻨﻘﻞ أو (ﺗﺆﺧﺮﻩ) ﻓﻼ يصل إﻻ ﺑﻌﺪ ﻓﻮﺍﺕ ﺍلأﻭاﻥ.
رجال الدولة
ومن جانبه يرى الدكتور عبد الكريم زبيبة -أستاذ بجامعة ذمار- أن العمل السياسي الناجح يتطلب وجود رجال تتوفر فيهم صفات رجال الدولة لأن الفعل السياسي هو سلوك معقد تتداخل فيه جملة من العوامل التاريخية والجغرافية والاقتصادية والدينية بالإضافة لضرورة وجود بيئة سياسية مساعدة كأحزاب وتنظيمات مبدئية ومنظمات مجتمع مدني وصحافة مهنية وجيش ومنظومة أمنية , وكل ما سبق يتطلب وعياٍ وإدراكاٍ للوضع السياسي والاقتصادي الدولي والإقليمي, عبر وجود مراكز بحثية متخصصة, تساعد في رسم السياسات بطريقة علمية, وتسهل على راسمي السياسة وضع الخطط السليمة والناجحة, إلى جانب ضرورة توفر أو اختيار الشخصيات المنفذة للخطط بشكل جيد تلافيا لانعكاس سمات الشخصية أثناء تنفيذ العمل السياسي وعدم حرفها عن مسارها, لأن الشخصية وخصائصها النفسية تلعب دوراٍ محورياٍ في إنجاح أو إفشال العمل السياسي.
أما الدكتور عبدالله سعيد –أستاذ بجامعة تعز- فقد أوجز حديثه على أن ﺷﺮﻭﻁ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻲ ﺍﻟﻨﺎﺟﺢ ﻓﻲ ﻣﺜﻞ ﻇﺮﻭﻑ ﺑﻼﺩﻧﺎ يتطلب ﺍﻟﺘﻌﺎﻣﻞ ﻭﻓﻖ مبدأ ﻓﻦ ﺍﻟﻤﻤﻜﻦ, ﻭﺗﺠﻨﻴﺐ ﺍﻟﺴﻼﺡ ﺟﺎﻧﺒﺎ ﻭالاﻋﺘﺮﺍﻑ بالآخرين ﺷﺮﻛﺎﺀ حقيقيون ﻓﻲ ﺍﻟﻤﻮﺍﻃﻨﺔ ﻭﺍﻟﻌﻤﻞ ﺍﻟﻮﻃﻨﻲ ﻭﺗﺒﻨﻲ أجندة ﻭﻃﻨﻴﺔ ﺟﺎﻣﻌﺔ ﻭأﻻ ﺗﻜﻮﻥ ﻫﺬﻩ الأجندة ﺻﺪﻯ لإملاءات ﺍﻟﺨﺎﺭﺝ.