الإساءة إلى القرآن الكريم.. قراءة سياسية عقائدية في حرب الهوية المفتوحة
محمد الكامل
تكشف الإساءة المتجددة إلى القرآن الكريم عن جوهر الصراع القائم بين مشروع الهيمنة الأمريكي الصهيوني، وهوية الأمة الإسلامية، في معركة لم تعد سياسية فقط، وإنما عقائدية ثقافية تستهدف الجذور الفكرية والروحية للأمة، وتسعى إلى كسر قدسيتها الجامعة، وتجريدها من مصدر الهداية والقوة والمعنى.
ما يجري اليوم من إساءات علنية للقرآن الكريم في الولايات المتحدة وأوروبا لا يمكن قراءته كأفعال فردية معزولة، أو استفزازات هامشية بدافع التطرف، وإنما يأتي ضمن سياق سياسي متكامل، يستخدم الرموز الدينية كساحة صراع، ويحوّل المقدسات إلى أدوات في الحرب النفسية والعقائدية ضد المسلمين.
وتبرز الجريمة الأخيرة التي أقدم عليها مرشح أمريكي لمؤسسة تشريعية رسمية، بوصفها مؤشرًا بالغ الخطورة على انتقال الإساءة من الهامش إلى المتن السياسي، ومن الفعل الفردي إلى السلوك المؤسسي، فعندما يتحول التطاول على القرآن إلى مادة دعاية انتخابية، فإن الرسالة تتجاوز الاستفزاز إلى إعلان موقف عدائي صريح تجاه الإسلام والمسلمين، وإلى توظيف الكراهية الدينية كرافعة سياسية داخل النظام الأمريكي نفسه.
ومن زاوية عقائدية، تمثل هذه الإساءات محاولة ممنهجة لفصل الأمة عن القرآن، ليس فقط عبر إبعاده عن واقعها العملي، وإنما عبر تشويه رمزيته وقدسيته في الوعي العام، وهو ما يتقاطع مع مشروع صهيوني طويل الأمد عمل على محاصرة الإسلام فكريًا، وتحويله إلى دين منزوع التأثير في الواقع السياسي والاجتماعي.
سياسيًا، تأتي هذه الجرائم في لحظة انكشاف غربي شامل، تترافق مع فشل المشاريع الأمريكية في المنطقة، وتعثر أدوات الهيمنة العسكرية، وتراجع القدرة على فرض الإرادة بالقوة الصلبة، ما يدفع واشنطن وحلفاءها إلى تفعيل أدوات الحرب الثقافية والرمزية، في محاولة لتعويض الخسائر الاستراتيجية عبر استهداف الوعي والهوية.
ويكشف التعاطي الغربي مع هذه الجرائم حجم النفاق البنيوي في منظومة القيم التي يروّج لها الغرب، فالإساءة إلى القرآن تُدرج ضمن حرية التعبير، فيما يُجرّم أي موقف ناقد للصهيونية أو داعم لحقوق الفلسطينيين، تحت عناوين معاداة السامية، وهذه الازدواجية لا تعكس خللًا قانونيًا فحسب، وإنما تعبير صريح عن انحياز عقائدي وسياسي يحمي المشروع الصهيوني ويشرعن استهداف الإسلام.
عقائديًا، تحمل هذه الإساءات بعدًا أخطر من مجرد الاستفزاز، لأنها تستهدف القرآن بوصفه كتابًا حيًا، حاضرًا في معادلات الصراع، ومحرّكًا للثورات والمقاومات، ومصدر إلهام للشعوب الرافضة للهيمنة، ومن هنا، يصبح استهداف القرآن استهدافًا مباشرًا لأي مشروع تحرري يستند إلى الإسلام كمرجعية.
في المقابل، يبرز الموقف اليمني، كما عبّر عنه السيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي، -يحفظه الله- نموذجًا لقراءة واعية لطبيعة هذه المعركة، فالدعوة إلى تحرك شعبي واسع لا تنطلق من رد فعل عاطفي مؤقت، وإنما من فهم استراتيجي يرى في الدفاع عن القرآن دفاعًا عن الهوية، والسيادة، والاستقلال، وعن موقع الأمة في معادلة الصراع العالمي.
إن ربط السيد القائد بين الإساءة إلى القرآن، ونصرة فلسطين، ومواجهة الطغيان الأمريكي الصهيوني، يعكس وعيًا عميقًا بوحدة المعركة، ويؤكد أن ما يجري في غزة، وما يجري في ساحات الإساءة الرمزية، وما يجري في ميادين التطبيع والتطويع، حلقات في مشروع واحد يستهدف الأمة في دينها وأرضها وقرارها.
ويطرح هذا المشهد سؤالًا عقائديًا وسياسيًا مركزيًا، لماذا تتجرأ القوى الغربية على القرآن؟ الجواب يكمن في إدراكها أن هذا الكتاب هو آخر ما تبقى للأمة من عناصر القوة الجامعة، وأن أي نهضة حقيقية تمر عبر العودة إليه كمنهج حياة، ومنظومة قيم، ومصدر تشريع، وأساس للموقف السياسي.
في المقابل، يشجع ضعف الرد الرسمي في معظم الدول الإسلامية على التمادي في الجريمة، فالاكتفاء ببيانات الشجب، واستدعاء السفراء، وامتصاص الغضب الشعبي، يرسل رسالة خاطئة مفادها أن المقدسات قابلة للاستهانة، وأن الإساءة يمكن أن تمر بلا ثمن سياسي أو اقتصادي أو دبلوماسي.
ومن هنا، تكتسب الدعوة اليمنية إلى التحرك الشعبي والسياسي قيمتها الاستراتيجية، كونها تخرج الرد من دائرة الغضب المؤقت إلى الفعل المنظم، وتحوّل الدفاع عن القرآن من شعار إلى موقف، ومن حالة وجدانية إلى مسار عملي.
إن المعركة على القرآن اليوم هي معركة على المستقبل، على شكل العالم، وعلى هوية الإنسان، وهي معركة لا تُحسم بالبيانات، وإنما بالمواقف، وبالاصطفاف الواضح، وبالاستعداد لتحمل تبعات الدفاع عن المقدس.
وفي زمن يُستباح فيه القرآن تحت عناوين الحرية، يثبت أن الصراع مع المشروع الأمريكي الصهيوني ليس على حدود، إنما على عقيدة، وأن الأمة التي لا تدافع عن قرآنها، لن يُسمح لها بالدفاع عن أرضها أو كرامتها.
