الثورة /متابعات
يعيش قطاع الصيادين في قطاع غزة واحدة من أقسى مراحله التاريخية، في ظل استمرار الجرائم والانتهاكات الصهيونية التي حوّلت مهنة الصيد من مصدر رزق أساسي لآلاف العائلات إلى مغامرة يومية محفوفة بالموت والاعتقال والخسارة.
فالبحر، الذي شكّل لعقود متنفسًا اقتصاديًا واجتماعيًا لأبناء القطاع، بات ساحة مفتوحة للاستهداف المباشر، في إطار سياسة ممنهجة تهدف إلى تدمير قطاع الصيد وتجفيف مصادر العيش.
ومنذ بدء العدوان المتواصل، صعّد الاحتلال من اعتداءاته بحق الصيادين، عبر إطلاق النار المباشر، والملاحقة، والاعتقال، ومصادرة القوارب والمعدات، إلى جانب فرض قيود مشددة على مساحة الصيد، الأمر الذي انعكس كارثيًا على الواقع المعيشي والاقتصادي لآلاف الأسر الفلسطينية المرتبطة بهذه المهنة.
شهداء ومصابون ومعتقلون
رئيس لجان الصيادين زكريا بكر، قال إن الاحتلال ارتكب جرائم جسيمة بحق الصيادين، أسفرت عن استشهاد 32 صيادًا، وإصابة العشرات بجروح متفاوتة، إضافة إلى اعتقال 28 صيادًا لا يزالون قيد الاحتجاز حتى اللحظة.
وأوضح بكر، في تصريح خاص لـ”المركز الفلسطيني للإعلام”، أن قطاع الصيد يتكبد خسائر شهرية تُقدّر بنحو 5 ملايين دولار نتيجة توقف العمل وشلل الحركة البحرية، مشيرًا إلى أن هذه الخسائر طالت بشكل مباشر نحو 5 آلاف أسرة فلسطينية تعتمد على الصيد كمصدر رئيسي للدخل، فضلًا عن الأضرار التي لحقت بالقطاعات المكملة، كبيع الأسماك، وصناعة الشباك، والنقل، والتبريد.
وكشف النقيب أن الخسائر الإجمالية التي لحقت بقطاع الصيد تقترب من 700 مليون دولار، نتيجة التدمير الواسع الذي ألحقه الاحتلال بالبنية التحتية للقطاع، بما في ذلك تدمير مبنى الصيادين، والحسكات (القوارب الصغيرة)، والمركبات، وكافة المعدات والمتعلقات المرتبطة بالمهنة.
وأشار بكر إلى أن الاحتلال يمنع حتى هذه اللحظة دخول أي مركبة بحرية إلى البحر، ولا يسمح سوى لبضع أمتار قليلة لبعض الحسكات بالعمل، مؤكدًا أن الصيادين الذين يُجبرون على العمل ضمن هذه المساحة الضيقة يتعرضون بشكل دائم لإطلاق النار، والاعتقال، والمصادرة، والإصابات المباشرة.
وأكد أن الصيادين في غزة يعملون تحت الموت حرفيًا، في ظل انعدام أي مقومات للأمان، واستهداف متواصل لا يراعي القوانين الدولية ولا قواعد حماية المدنيين، محذرًا من أن استمرار هذه السياسات ينذر بانهيار كامل لقطاع الصيد، وتفاقم الأوضاع الإنسانية لآلاف العائلات.
ودعا “بكر” إلى تدخل دولي عاجل لحماية الصيادين الفلسطينيين، ووقف الاعتداءات الإسرائيلية المتواصلة، ورفع القيود المفروضة على الصيد البحري، محمّلًا الاحتلال المسؤولية الكاملة عن الجرائم والخسائر الإنسانية والاقتصادية التي لحقت بهذا القطاع الحيوي.
العودة إلى الصفر
من جهته قال رئيس بلدية دير البلح ونقيب الصيادين الفلسطينيين السابق نزار عياش، إن الاحتلال أعاد الصيادين في قطاع غزة إلى مرحلة ما قبل الصفر، في ظل ظروف إنسانية قاسية للغاية، مؤكدًا أن جميع الصيادين اليوم باتوا تحت خط الفقر بعد تدمير مصدر رزقهم الوحيد بشكل ممنهج.
وأوضح عياش، في حديث خاص لـ”المركز الفلسطيني للإعلام”، أن الاحتلال دمّر بشكل كامل عملية الصيد بكل مكوناتها، بدءًا من تدمير البنية التحتية، ونسف ميناء غزة، الأكبر بين موانئ القطاع، وصولًا إلى تدمير جميع ممتلكات الصيادين من قوارب ومعدات وشباك ومحركات، في إطار سياسة تهدف إلى شلّ هذا القطاع الحيوي وإنهائه تمامًا.
وبين أن الاحتلال لم يكتفِ بالتدمير، بل منع بشكل كامل إدخال أي قطع غيار أو بدائل لازمة لإصلاح ما تبقى من القوارب والمعدات، وواصل رفضه السماح للصيادين بالعمل حتى بأدنى الإمكانيات، ما جعل المهنة متوقفة فعليًا ومغلقة بالقوة العسكرية.
وأكد “عياش” أن واقع الصيادين اليوم مأساوي بكل المقاييس، حيث تحولت مرافئ الصيد إلى أماكن مهجورة، وتحولت القوارب إلى هياكل مدمّرة، فيما يقف الصياد عاجزًا أمام بحر مُغلق بالسلاح والنار.
وشدد أن آلاف العائلات التي كانت تعتمد على الصيد تعيش الآن حالة فقر مدقع، مع انعدام الدخل وغياب أي بدائل اقتصادية، ما فاقم من الأزمات الاجتماعية والمعيشية، ودفع كثيرين إلى الاستدانة أو الاعتماد على المساعدات الشحيحة.
