حين تتحول المعارك الجانبية الى ثغرات في جدار الأمة

عادل حويس

 

في لحظة فارقة من تاريخ الأمة حيث تتشابك التحديات وتتزايد الأخطار التي تستهدف وجودها وهويتها يبرز مشهد يثير القلق ويدفع إلى إعادة النظر في أولوياتنا ومسارنا الجمعي.

فبينما ينشغل بعض أبناء الأمة في مجابهة التحديات الحقيقية التي تهدد أمنها واستقرارها يصر آخرون على خوض معارك جانبية تستنزف الجهود وتضعف الصف وكأن العدو المتربص قد غاب فجأة عن المشهد أو أصبح خارج دائرة الاهتمام.

تتجلى هذه الظاهرة في أولئك الذين يسخرون أوقاتهم للانتقاص من جهود إخوانهم سواء بالتشويه أو التشكيك أو محاولة هدم ما يبنيه غيرهم. واللافت أن هذا السلوك لا يخدم سوى خصوم الأمة الذين لطالما اعتمدوا على تفتيت الصف الداخلي وإشعال الفتن بين أبنائه. فبدلاً من توجيه النقد البناء أو المشاركة الفاعلة يتحول بعضهم إلى منصات لا تكل في إثارة الضجيج وإشاعة الخلافات مما يجعلهم ـ من حيث لا يشعرون ـ جزءا من مشكلة أكبر تتجاوز خلافاتهم الشخصية.

وفي المقابل نجد من يدرك حجم اللحظة وخطورتها فينأى بنفسه عن الخصومات الصغيرة ويتجه نحو البناء والإصلاح واضعا مصلحة الأمة فوق كل اعتبار. هؤلاء يركزون على مواجهة التحديات الحقيقية ويسعون لجمع الصف وتقريب وجهات النظر مدركين أن قوة الأمة تكمن في وحدتها وأن أي خرق في جدار هذه الوحدة يفتح بابا للضعف والتراجع. وبين الفريقين تتضح معالم الصراع: صراع بين من يعمل بإخلاص لحماية الأمة والنهوض بها وبين من يطيل عمر الانقسامات ويزرع الشكوك ويشتت الجهود.

وليس غريباً أن يحذر القرآن من خطورة النزاع والتشرذم حين قال تعالى: «وَلا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم»، فهي قاعدة خالدة تؤكد أن الخلاف إذا تحول إلى صراع مدمر فإنه يجر الأمة نحو الضعف وفقدان التأثير. والتاريخ مملوء بالشواهد التي تبين كيف سقطت دول وحضارات حين انشغل أبناؤها ببعضهم وتركوا خصومهم يوسعون نفوذهم بلا مقاومة.

إن المرحلة التي نمر بها تتطلب وعيا مضاعفا وقدرا كبيرا من الحكمة فلا مجال لإضاعة الوقت في معارك صغيرة تستنزف طاقاتنا ولا لخطابات تؤجج الانقسام وتعمق الجراح.

ما تحتاجه الأمة اليوم هو اصطفاف واع حول القضايا الكبرى وإعلاء صوت العقل والمسؤولية والبحث عن المشتركات التي تجمع ولا تفرق. فالأعداء كثر والتحديات معقدة ولا يمكن مواجهتها إلا بجبهة داخلية قوية متماسكة تعرف أولوياتها وتدرك مخاطر الانجرار وراء الصراعات العابرة.

وفي النهاية.. يقف كل فرد أمام خيار واضح: إما أن يكون جزءاً من المشروع البناء الذي ينهض بالأمة ويقوي شوكتها أو أن يسهم ـ عن قصد أو غير قصد ـ في مشروع الهدم الذي يفتح الثغرات ويخدم خصومها.

إنها لحظة تستوجب اتخاذ موقف وموقف كهذا يحدد مستقبل الأمة واتجاه بوصلتها في عالم لا يرحم الضعفاء ولا يلتفت إلى المنقسمين.

قد يعجبك ايضا