خضوع مجاني! 

يكتبها اليوم / وديع العبسي

 

في تحركها لتأمين كل الظروف للعدو الصهيوني من أجل تنفيذ حملة الإبادة الجماعية في غزة، لم تكتف أمريكا بتغذية الكيان بكل ما يحتاجه من السلاح والغطاء السياسي، وإنما عملت أيضاً على شل حركة الدول العربية والإسلامية عن أن يكون لها موقف جاد، من خلال إعادة صياغة مفهومها للسلام، وللعلاقة مع الكيان الإسرائيلي واحتلاله للأراضي العربية.

طوال العقود الماضية اشتغلت المارقة أمريكا على هذا الاتجاه، فصنعت في الأمة نقاط ضعف، ثم استغلت هذه النقاط بالترغيب والترهيب لإخضاع هذه الأمة، وجعلت من الاحتلال وجهة البوصلة لمن أراد أن يأمن ضرباتها وحصارها وتضييق الخناق عليها.

النتيجة واضحة اليوم، إذ تبلدت المواقف، وتراجعت المبادئ، وسُلبت الإرادة ومعها التطلعات والطموحات، وصار صوت المصالح في حدودها المعيشية هي الأعلى نغمة في بلداننا، بينما شهدت النظرة إلى العدو الإسرائيلي تحولا كبيرا من أجل الحفاظ على ما تبقى من فرص إرضاء البيت الأبيض كي لا تدخل هذه الدولة أو تلك في دائرة الاستهداف سياسيا أو اقتصاديا.

منذ السبعينيات، ظلت أمريكا بدفع من اللوبي الصهيوني -الحاكم الأمريكي الخفي- تعمل على فرض تطبيع شكل التعاطي مع الوجود “الإسرائيلي” والاحتلال بكثير من المثابرة، وضخ الأموال، والإغراء بالمكانة، والإرهاب، وحتى بكذبة الحماية ليصل واقع التعاطي مع هذه الجزئية إلى تراجع مخز عن اعتبار إسرائيل كياناً محتلاً وصولا إلى بناء علاقات معه تحت مسمى التطبيع.

وكان التطبيع بذاته شكلا من أشكال تمرد بعض الأنظمة على الوحدة العربية المفترضة، على الأقل في ما يخص القضية المركزية للأمة، إذ ذهبت إلى تطبيع العلاقة مع العدو دون اعتبار لاشتراكها مع باقي الدول في الثوابت الدينية وما يجمع هذه الدول المطبعة وشقيقاتها العربية من منطلقات واحدة، منبعها واحدية الدين واللغة والتاريخ والجغرافيا والمصير الواحد.

وفتح هذا التحوّل في المبادئ إلى الامتثال والخضوع لما تمليه أمريكا من سياسات، ولم يعد هناك نزعة للتحرك تجاه المطامع التوسعية للكائنات الأمريكية والإسرائيلية على حساب حاضر ومستقبل الأمة العربية والإسلامية، واصبح الانكفاء هو عنوان رد الفعل على عربدة الكيان وعودته لسياسة “القضمة” من دول محيطة، ما يعطي لهذه القوى الغازية مؤشرا واضحا بأن سياسة الإخضاع قد أحدثت فارقا واضحا بالموقف تجاه القضية بعد أن كان كل الشارع العربي يهتف باسم فلسطين، والمناهج تكرس العداء للمحتل الإسرائيلي الغاصب وللقوى الاستعمارية.

أصبحت الفكرة اليوم، أن إرضاء أمريكا أو إسرائيل هو مفتاح النعيم، بينما الحقيقة يكشف عنها واقع الشعوب، فكل شعوبنا لا تزال تعتمد على ما يصنع ويزرع في الخارج، وكل شعوبنا تعيش الأزمات وتتضمنها قوائم الفقر وأدنى مستويات الدخل، واستمرار العيش في رحى الصراع بين الأماني والواقع، ليس عن افتقار الدولة للثروات أو القدرات، وإنما عن تماشي مع سياسة المستعمر الذي لا يسمح لدولنا أن تستقل بمقدراتها وثرواتها وان تكتفي ذاتيا.

شعوبنا أيضا تنتظر المساعدات وتطلب القروض وكلما حصلت على شيء زاد خضوعها، وتبقى دائما في دوامة الحاجة ورضا قادة المؤامرة.

قد يعجبك ايضا