اليقظة الأمنية.. الدرع الواقي في مواجهة العدو ومؤامراته

غالب المقدم

 

في عالم تتصارع فيه المصالح، وتتداخل خيوط الأجندات، لم تعد السيادة الوطنية مجرد شعارات ترفع في المناسبات، بل أصبحت اختباراً يومياً لقدرة الدول على حماية مقدراتها وصون قرارها الوطني. وفي قلب هذا الاختبار تقف «اليقظة الأمنية» كحجر الزاوية وأول خطوط الدفاع، لا كمجرد رد فعل على الأزمات، بل كاستباق لها عبر التشخيص المبكر للخطر واستشراف أبعاده ومخاطرة. إنها العين الساهرة التي ترصد تحركات الأعداء في الظلام، والأذن التي تسمع همسات المؤامرات قبل أن تتحول إلى عواصف تهز أركان الأوطان.

ولا تأتي التحديات الخارجية في العصر الراهن بصورة تقليدية مكشوفة، بل تتنكر بأقنعة متعددة؛ فمن حروب المعلومات والنشر الإلكتروني الممنهج لبث الشائعات وزعزعة الثقة بين المواطن ودولته، إلى استهداف النخب واستقطابها، مروراً بتمويل وتأجيج النزاعات الداخلية والطائفية، واستخدام المنظمات الدولية كأدوات سواءً للضغط على الحكومات أو للاستخبارات والرصد العسكري والمدني عبر مجموعات أو أفراد مثل الخلايا التي تم الإعلان عنها من قبل وزارة الداخلية. تماماً كما هذه «الحروب الهجينة» تتطلب وعياً مختلفاً، يقظاً بنفس القدر من التعقيد، قادراً على تفكيك شيفرات هذه الهجمات لأنها عمل ممنهج يهدف إلى تدمير وتآكل الوطن من الداخل وهذا ما سعى إليه العدو حينما أدرك أن حروبه العسكرية خاسرة.

ولبناء هذه اليقظة المتينة، لا يكفي الاعتماد على الأجهزة الأمنية وحدها، رغم دورها المحوري. فالمناعة الحقيقية تنبع من مجتمع واعٍ، يدرك أنه شريك في مسؤولية الدفاع عن وطنته. وذلك من خلال ترسيخ قيم الولاء والانتماء، وغرس الثقة في مؤسسات الدولة، وتعزيزها من خلال قنوات كـتلك التي وضعتها وزارة الداخلية. حينها يتحول كل فرد إلى حارس للوطن، يميز بين الخطاب الوطني الأصيل والخطاب المشبوه المدسوس، ويرفض أن يكون أداة في يد أعداء أمته.

ختاماً، إن اليقظة الأمنية ليست خياراً يمكن تأجيله، بل هي ضرورة وجودية في زمن كثرت فيه المؤامرات وتشعبت الأدوات. إنها الاستثمار الأكثر جدوى في رأس المال البشري والمؤسسي لضمان الاستقرار والازدهار.

وطننا اليمن، بما يمتلكهُ من إرث حضاري وموقع جيوسياسي وثروات طبيعية، جعل منه محطة أطماع دول الجوار السعودية والإمارات وغيرها، مما يجعل تعزيز هذه اليقظة على مستوى الفرد والمجتمع والمؤسسة هو السبيل الأمثل لتحصين حاضرنا وضمان مستقبل آمن لأجيالنا القادمة. فالوطن الغالي يستحق منا أن نكون جميعاً حراساً له بقلوبنا وعقولنا قبل أسلحتنا.

 

 

قد يعجبك ايضا