الثورة /متابعات
بين ركام المنازل وصدى القصف العالق في الذاكرة، أشرقت اليوم على غزة شمعة جديدة من الأمل، مع إعلان نتائج الثانوية العامة لمواليد 2007، في مشهد جسّد إصرار الطلبة الفلسطينيين على شقّ طريق من نور وسط العتمة والآلام.
فعلى الرغم من حرب الإبادة والحصار والتجويع والتهجير، احتفلت غزة بنجاح أبنائها، وارتدت شوارعها ثوب الفرح الذي غاب طويلًا. من المدارس إلى المخيمات، ومن الأكواخ المؤقتة إلى الأزقة المدمّرة، تدفقت أصوات الموسيقى والضحكات، وتوزّعت الحلويات والبالونات في مشهد نادر جمع بين دموع الفرح والحزن.
دموع فرح بين الخيام
تقول نداء أبو العطا، الحاصلة على معدل 99% في الفرع العلمي، وهي تمسح دموعها فرحًا: “درست في خيمة صغيرة بعد أن دُمّرت مدرستنا، وكثير من الليالي كنت أراجع على ضوء الهاتف. لم أتخيل أن أصل لهذه اللحظة، لكن الله عوّض صبرنا فرحًا”.
أما آية مصلح، الطالبة الطموحة التي تحلم بدراسة الصحافة، فتقول مبتسمة: “كل شيء حولي يبتسم معي. نحن نثبت أن غزة رغم الألم، قادرة على الفرح والإنجاز. أشعر أن كل هذا النجاح هو رسالة إلى العالم أننا نستحق الحياة”.
في أحد أكشاك مواصي خان يونس المؤقتة، قال البائع مبتسمًا: “اليوم كل شيء عن الفرح والابتسامة. الطلاب يستحقون هذه اللحظة بعد سنتين صعبة. الجميع يريد مشاركة السعادة بطريقته”.
وفي ملامح المتفوقين، بدت غزة تنتصر للحياة. تقول نداء سامي الو العطا، الحاصلة على 99% في الفرع العلمي: “تحدّيت كل الصعاب، واليوم أشعر أن كل لحظة تعب كانت تستحق. هذه الفرحة لا توصف، نشاركها مع كل من دعمنا”.
في الساحات المدمّرة، امتدت موائد الحلويات للأطفال والطلاب، وتحوّلت المدارس التي كانت بالأمس رمادًا إلى فضاءات فرح جماعي. ضحكات الصغار اختلطت بأغاني النجاح، فيما وثّق الأهالي اللحظات بالهواتف، وكأن غزة كلها تعلن: “نحتفل بالحياة لا بالدرجات فقط”.
إصرار على البقاء
وامتلأت الشوارع بالعائلات والموسيقى، وارتفعت البالونات في سماء المدينة المحاصرة. لم يكن الاحتفال بالنجاح فحسب، بل احتفاءً بالصمود والإصرار على البقاء، كما عبرت عنه الطالبة ليلى القدرة.
تقول الطالبة الحاصلة على معدل 96% في الفرع العلمي، إن رحلتها نحو هذا المعدل “لم تكن سهلة في ظل الظروف القاسية التي عاشها طلبة غزة خلال الحرب”.
وأوضحت أنها واجهت “صعوبات كبيرة بسبب القصف المستمر والتجويع، وصعوبة الوصول إلى الدروس والمواد التعليمية”، مضيفة: “ما كانت لدي رغبة للدراسة بسبب الإبادة، وعدم توفر القرطاسية والمراجع والطعام، وإن وُجد فبأسعار مرتفعة جدًا”.
ورغم ذلك، حاولت ليلى المواظبة على الدراسة قدر المستطاع، مشيرة إلى أن الظروف لم تكن مناسبة إطلاقًا لطالب توجيهي يستعد لامتحانات مصيرية. وتابعت: “نزحنا ثلاث مرات، وكنا نقيم في خيمة وسط ارتفاع كبير في درجات الحرارة، لكني كنت أحمل كتبي معي في كل مرة وأراجع ما أستطيع”.
وتصف ليلى فترة الامتحانات بأنها “من أصعب المراحل”، خاصة بسبب انقطاع الإنترنت المستمر، وتوضح: “كنا نواجه صعوبة كبيرة في الوصول إلى أماكن يتوفر فيها الإنترنت، لأن الاختبارات كانت تُجرى إلكترونيًا، وكنا نضطر أحيانًا للمشي لمسافات طويلة من أجل ذلك”.
ورغم كل ما مرت به، حققت ليلة تفوقًا لافتًا جعلها أقرب إلى تحقيق حلمها بدراسة الطب، الذي تتقاسمه مع والديها. وتقول بثقة: “الاحتلال دمّر الجامعات والبنية التحتية ليجعل الشعب الفلسطيني جاهلًا، لكن طلبة غزة لا ييأسون، وتمكنوا من تحقيق معدلات مرتفعة رغم كل الظروف”.
وتختم بابتسامة تعبّر عن عناد جيل بأكمله: “سأدرس الطب إن شاء الله. أريد أن أداوي جراح الناس، كما نحاول جميعًا مداواة جراح غزة”.
وفي مشاهد مؤثرة، احتفل طلاب آخرون وسط أنقاض مدارسهم المدمرة، ورفعوا صور زملائهم الذين استُشهدوا خلال الحرب، في رسالة وفاء تقول إنّ الفرح لا يكتمل دون من غابوا.
وتشير وزارة التربية والتعليم الفلسطينية إلى أنّ 430 من طلاب الثانوية العامة في قطاع غزة استُشهدوا خلال حرب الإبادة التي بدأت في أكتوبر/تشرين الأول 2023، فيما لا يزال 80 آخرون في عداد المفقودين.
ورغم أن الحرب دمّرت مئات المدارس والجامعات وحوّلت بعضها إلى مراكز إيواء، فإنّ الطلبة واصلوا دراستهم بإصرار لافت، وأجرت الوزارة في أكتوبر الماضي اختبارات إلكترونية خاصة لتعويض الانقطاع القسري وتمكين طلبة غزة من التقدم للامتحانات.
