مفاوضات عبثية

فهمي اليوسفي

 

منذ أعوام وملف المفاوضات السعودية اليمنية، لم يتقدم خطوة إلى الأمام، بل لم نجد من المفاوضات أي مخرجات ملموسة يتم نقلها لحيز التنفيذ رغم الجهود التي يبذلها الوفد الوطني المفاوض لصنعاء برئاسة الأستاذ محمد عبدالسلام .

مع ذلك رغم التنازلات التي قدمتها صنعاء من أجل مصالح اليمن، لم نجد من الجانب السعودي تحديدا سوى المماطلة العبثية والترحيل المستمر لهذا الملف من شهر لآخر ومن عام لآخر، والذي كلما تم التوصل معه لاتفاق حول ملف من الملفات المدرجة ضمن برنامج التفاوض، بما في ذلك الملف الإنساني، سرعان ما نلمس من قبل الرياض نسج مبررات واهية للتنصل عن أي اتفاق تم التوصل إليه، واستغلال ذلك لاستنفاد الوقت لتحقيق أهداف أخرى.

كما هو الحال نجد هذا الكيان السعودي على أرض الواقع يعمل على بناء قواعد عسكرية في سيادة اليمن، وأكبر دليل على ذلك ما يوضحه أبناء محافظتي (حضرموت والمهرة) ومنهم الشيخ الحريزي، ونجد بنفس الوقت مطامع متسارعة للنظام الإماراتي في بلدنا، كما هو جار في الساحل الغربي والجزر اليمنية وبمساعدة وتنسيق شهارا جهاراً من قبل الطرف الانجلوأمريكي + إسرائيل في ظل المتغيرات الدولية والإقليمية والداخلية.

صحيح أن عدوان هذا العدو توقف من الناحية العسكرية لكن عدوانه الناعم لازال قائما حتى اليوم من خلال الحصار وعدم الايفاء بدفع مرتبات موظفي الدولة وغيرها من ملفات العدوان الناعم، حيث كل المؤشرات خلال هذه المرحلة توحي بأن دول الرباعية وإسرائيل تعد وتحضر لعدوان جديد على بلادنا (إنجلوأمريكي وسعوإماراتي+ إسرائيل).

هذا العدو يشعر أنه فشل عسكرياً في تحقيق بنك أهدافه مع بقية دول تحالف العدوان والناتو على مدى ١٠ سنوات مضت بحكم صمود قوى ثورة ٢١سبتمبر في مواجهة عدوانه ونجاح صنعاء أيضا في تحويل مسار المعركة من دفاع إلى هجوم، رغم افتقارها لأبسط درجات التسليح في بادئ المعركة ورغم الحصار والتجويع وقطع المرتبات وغيرها.

لكن صنعاء وبكل فخر حققت نجاحاً في الاعتماد على ذاتها بتصنيع وسائل الردع العسكري من الطيران المسيَّر والصواريخ وصلت إلى قصر اليمامة بالرياض، مع أن هذا القصر ربما يعتبره الكيان السعودي مقدسا أهم من الكعبة المشرفة وكذلك نجاح صنعاء في وصول المسيَّرات والصواريخ إلى شركة أرامكو.. الأمر الذي جعل الغرب يقول للسعودية سارعي بإعلان هدنة، بحكم الضربات الحيدرية الموجهة من صنعاء لعمق العدو السعودي ولتلك الشركة بعد أن وصل هذا العدو لقناعة ذاتية بأن الاستمرار في المعركة العسكرية لم يعد مجدياً بل يترتب عليه تصدع في الجانب العسكري خصوصاً بعد سقوط محور نهم ومارب وكذلك تهديد للمصالح الغربية بالمنطقة.

العدوان الناعم من قبل السعودية

يتجلى العدوان الناعم والمستمر على بلدنا من خلال المماطلة من قبل هذا العدو بتنصله عن تنفيذ ما تم الاتفاق عليه عبر الوساطة العمانية لأكثر من مرة وها هي قد مرت سنوات ولم يلتزم الجانب السعواماراتي من تنفيذها، بل اتبع سياسة المماطلة واستنفاد الوقت، لتصبح النتيجة تنامي الأزمات في اليمن وهذا بحد ذاته عدوان على بلدنا بشكل ناعم من قبل هذا العدو.

ها هي التجربة قد برهنت أن هذا العدو حين يشعر بنفاد صبر صنعاء، سرعان ما يضع حيلاً أخرى ومنها كما حدث دفع كاش موني للغرب وإسرائيل، لكي يقومون بعدوان على بلدنا، بدلا عنه وبتمويل منه ومن يعود لارشيف الفترة الماضية وبالذات عندما صعد ترامب لعرش البيت الأبيض، بدأ يرسل تهديدات لصنعاء وكانت مقابل صفقة مالية من محمد بن سلمان وأبناء زائد، ثم أرسل حاملات الطائرات لاستهداف صنعاء ومنها آيزنهاور مقابل الكاش موني من دويلات الخليج، ثم توج عدوانه بزيارة للسعودية وقطر والإمارات وتمكن من حلبها أكثر من 5 تريليونات دولار، لكن ذلك لم يحقق أهداف هذا العدو، بل فوجئ وفوجئت منظومة الناتو وإسرائيل بتلك الصفعات من قبل صنعاء واعترف ترامب بذلك مما جعله يلجأ لاتفاق مع صنعاء فكان ذلك يمثل هزيمة مدوية لواشنطن ولمن دفع الكاش لها .

لا أتوقع من هذه الجارة سوى مزيد من المماطلة في برنامج التفاوض لأنه ليس لديها حسن نية ولو كانت تتحمل مسؤولية ما كانت قد التزمت به أمام الوسيط العماني وممثلي الهيئة الأممية، لاستكملت الحلول المتعلقة بالملف الإنساني، باعتباره المدخل العملي للمعالجة الشاملة ولتنفيذ بقية نقاط الاتفاق وفقا لآلية تنفيذية مزمنة ولإثبات حسن النية أيضا..

ها هي التجربة تثبت مراراً وتكراراً أن هذا العدو حين يشعر بغضب صنعاء سرعان ما يتوسل لسلطنة عمان لإحراجه بالوساطة التي تصب أيضا لمزيد من المماطلة واستنفاد الوقت وتتكرر نفس البروفة، بما يجعل هذا العدو يواصل برنامجه المبطن لتحقيق أهداف أخرى، ومنها إعادة ترتيب وضعه العسكري والاستمرار في بناء قدرات أجنداته عسكرياً مع الاستمرار المتسارع في توسعة ومطامعه بسيادة اليمن .

لم يتوقف صلف هذا العدو عند هذا الحد، بل كثير من المعطيات توحي بأنه يعد ويحضر اليوم لعدوان جديد تشارك فيه واشنطن ولندن والكيان الإسرائيلي.. يقاس ذلك حين بدأ الخطاب التصعيدي من قبل صنعاء مؤخرا وذلك بتوجيه التحذيرات والإنذارات صوب هذا العدو لتذكيره بالاستحقاقات لليمن المتفق عليها بجولات التفاوضات السابقة وأن للصبر حدوداً خصوصاً بعد سماع الرياض الخطابات الأخيرة لقائد الثورة السيد عبدالملك الحوثي -حفظه الله- ورئيس المجلس السياسي والسيد مفتاح، وهذا ولد كوابيس للغرب وإسرائيل مع دول البترودلار، مما جعل هذا الكوكتيل يطلب تدخلاً فورياً من سلطنة عمان للوساطة وتهدئة صنعاء بذلك، لكن هذا العدو ربما وضع خططاً أخرى لتعطيل برنامج التفاوض من خلال التنسيق مع اللوبي الأممي الذي أصبح مستفيداً من إطالة هذه القضية، لكونه ومن الكاش موني المقنع الذي يضخه هذا العدو لسماسرة الهيئة الأممية تارة باسم دعم اقتصاد اليمن تحت إشراف الهيئة الأممية ليستفيد أولئك السماسرة ٨٥%، أي المبعوث الأممي وطاقمه، من تلك المبالغ تحت عناوين نفقات تشغيلية، وبقية المبلغ يدفع وفق خطة مدروسة لأجندات هذا العدو من الداخل وهي رشوة مقنعة، مع محاولة إدخال ملفات أخرى في برنامج التفاوض الحالي، ليس لها أي علاقة بنفس البرنامج التفاوضي، بل تم وضعها على الطاولة لتعطيل مسار التفاوض، منها المتعلق بفضيحة التجسس لموظفي الأمم المتحدة وماذا يعني إرسال السيد معين شريم ؟ بعد أن برهنت التحقيقات صحة تورط هؤلاء الموظفين في أعمال الرصد والتجسس، باعتبار ذلك يوفر الفرصة للرياض وأبوظبي في الاستمرار في المماطلة وإفشال المفاوضات بشكل غير مباشر، لأنهما اليوم تراهنان على التدخل الغربي والإسرائيلي لعدوان جديد على اليمن، وماذا يعني تزامن التهديدات الإسرائيلية لصنعاء مع هذه الأيام؟ لكن من الطبيعي أن يحدث هذا التدخل، لأن الناتو وإسرائيل مع دول البترودلار مستفيدون من استمرارية الأزمات والصراعات في بلدنا على كل المراحل التاريخية.

ولو تناولنا درجة الاستفادة للغرب والخليجيات من ذلك، نحتاج فقط إلى كم من الحلقات الصحفية، إذا تم تناول العناوين لإبراز درجة الاستفادة لهذا الكوكتيل في كل المراحل التاريخية ولنأخذ أكثر من نموذج:

ألم يتول الغرب سلخ جزء كبير من جسد اليمن ابان مرحلة الاستعمار وتمكين السعودية من تلك الأراضي اليمنية ومنها نجران وجيزان وعسير، وكذلك المناطق المشمولة في عروق الشيبة وشرورة والوديعة والخراخير شمال محافظة حضرموت، وهي مناطق مغتصبة إلى اليوم من الجانب السعودي، وفي باطنها ثروات لا تقدر بثمن وشركات الغرب مستفيدة من تلك الثروات حتى اليوم، أي ضالعة في نهب ثروات هذه المناطق وما توضحه وثائق الاتفاقيات التاريخية خير شاهد .

هنا كل المؤشرات والمعطيات تؤكد أن هذا العدو ليس لديه حسن نية، بل تؤكد إدمانه على المماطلة والتهرب من تلك الاستحقاقات لتصبح المفاوضات عبثية .. وما على صنعاء سوى أن تقول كفى تفاوضاً عبثياً، فقد نفد صبرنا، وحان وقت الرد على أي عدوان، ومن قال حقي غلب.

 

قد يعجبك ايضا