الإجرام ومساومة الشعوب على حقوقها وحرياتها

طاهر محمد الجنيد

 

 

أظهرت الأحداث الأخيرة معادلة غاية في الغرابة، فالأنظمة المتصهينة عملت على امتهان كرامة الشعوب العربية والإسلامية؛ وجعلت الحقوق والحريات أساس للمساومة عليها للقبول بالاستعمار والاستبداد والظلم والطغيان، إما مباشرة بواسطة الأنظمة التي صنعها الاستعمار أو بواسطة وكيل المهمات القذرة (كيان الاحتلال) الذي يستطيع الوصول إلى الغرف المغلقة للساسة والرؤساء وكل المؤثرين وصانعي القرار.
طوفان الأقصى أبان للعالم حقيقة هذه الأنظمة وكشف علاقاتها المشبوهة مع التحالف الصهيوني الصليبي؛ حطمت كل الإمكانيات تمكينا للتغلغل الصهيوني وتثبيت تواجده على أرض فلسطين.
تضافرت جهود صهاينة العرب والغرب من أجل القضاء على محور المقاومة، فمنعوا الماء والغذاء والدواء لتدمير الشعب الفلسطيني ونشر الخوف والرعب في نفوس العرب والمسلمين كي يقبلوا بالطغيان والاستبداد والاحتلال والاستعمار.
حاربوا الإسلام لأنه يضمن الحقوق والحريات واستندوا إلى التوراة والإنجيل المُحرفين لارتكاب الإبادة؛ وانتهكوا كل المواثيق والعهود الدولية في السلم والحرب، لأنها تعيق تنفيذ مشاريعهم الإجرامية .
المواجهة مع الإجرام والمجرمين والطغاة والمستبدين غير متكافئة وكان الجديد وجود السنة عربية أشد عداوة للإسلام والمسلمين وللإجرام والمجرمين ((الأعراب أشد كفرا ونفاقا وأجدر ألا يعلموا حدود ما أنزل الله على رسوله والله عليم حكيم)) التوبة 97؛ وهناك السنة عبرية لكنها داعمة لاستعادة الشعب الفلسطيني حقوقه واستقلاله وعزته وكرامته.
الاستعمار لا يفاوض، بل يقاوم، لكن صهاينة العرب يفاوضونه ومستعدون لقتل شعوبهم بالتعاون معهم أو بدونهم .
المفكر اليهودي (الأمريكي) نورمان فنكلشتاين-قال: إن المقاومة حق طبيعي للشعوب وطوفان الأقصى جاء لحماية حقوق الشعب الفلسطيني من جرائم الاحتلال ويجب نزع سلاح الاحتلال، لأنه ارتكب جرائم الإبادة والتهجير القسري والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب؛ بالإضافة إلى كل الجرائم التي ارتكبها بحق الشعوب العربية والإسلامية الأخرى .
أما الأنظمة التي تدعم كيان الاحتلال ومنها السلطة الفلسطينية، فوصفها بأنها أنظمة عميلة تعمل لحساب الإجرام الصهيوني، تريد المحافظة على امتيازاتها التي يقدمها الاحتلال .
الأنظمة العربية اشترطت نزع سلاح المقاومة، بعد أن اعتبرتها إرهابا ورهنت مساهمتها في إعادة إعمار غزة بذلك، بالإضافة إلى استبعادها من المشاركة السياسية وكانت قد ساهمت في دعم جرائم الإبادة والتهجير القسري بشكل مباشر .
الأنظمة الغربية تراجعت عن إرسال الأسلحة استجابة لاحتجاجات وتظاهرات شعوبها والأنظمة العربية سجنت شعوبها ونظمت رحلات برية وبحرية وجوية لإمداد الكيان بالأغذية والأسلحة وكل الاحتياجات لمواصلة جرائم الحرب؛ الإمارات نظمت جسورا جوية وبرية للتغلب على الحصار اليمني البحري للإجرام الصهيوني؛ وشكلت عصابات مسلحة لمساعدة الإجرام الصهيوني وأرسلت الجواسيس تحت عناوين المساعدة الإنسانية ولا يقل عن ذلك دور الأنظمة في مصر والسعودية والأردن والمغرب وغيرها في دعم الاحتلال.
الأنظمة العربية قاتلت إعلاميا بقنواتها وأبواقها وبالفتاوى الدينية وبالسياسة أيضاً وتفوقت في كثير من الأحيان على قنوات الإجرام الصهيوني في تشويه المقاومة وتبرير جرائم الاحتلال، وهو ما جعل السياسي د.مصطفي البرغوثي يتساءل عن هوية شخصية ناطقة بالعربية هل يتكلم من مدينة جده السعودية أم من “تل أبيب”.
إحدى صنائع الآلة الإعلامية المتصهينة- مدير تحرير سكاي نيوز- الإماراتية -نديم قطيش: رأى أنها لحظة تاريخية حاسمة لتكريس هزيمة محور المقاومة تكريسا أبديا؛ وكيّ الوعي بأنه لا توجد إمكانية للنهوض بالمنطقة من خلال المقاومة ووصل به الأمر إلى تجريم الجمهور بعد أن تم اعتبار المقاومة إرهابا وتعاونوا مع الإجرام الصهيوني للقضاء عليها.
القناة ذاتها استضافت زعيم المعارضة اليهودية من أجل تبرير جرائم الإبادة وتهديد المقاومة وبيان قوة الدعم والإسناد الذي يحظى به كيان الاحتلال من صهاينة العرب.
أولويات صهاينة العرب، تمثلت في توفير كل الإمكانيات لاستمرار جرائم الإبادة والتهجير القسري وهو ما كشفته العديد من الوقائع بأن الإمارات أفشلت مشاريع وقف إطلاق النار في العدوان على غزة أكثر من مرة، ربما من خلال استخدام الفيتو الأمريكي أو من خلال العلاقات المباشرة مع كيان الاحتلال وذلك من أجل الوصول إلى “ريفيرا غزة” الذي تشارك فيه (زعماء) الأنظمة العربية ويشرف عليه صهر الرئيس الأمريكي ترامب (كوشنير)ممول المشروع وأكبر داعم للإجرام الصهيوني.
احتاجت شعوب العالم للتحرك من أجل مناصرة مظلومية الشعب الفلسطيني إلى سفك دماء قرابة سبعين ألف شهيد من النساء والأطفال، لكن صهاينة العرب والغرب لازالوا يطمعون في مواصلة سفك دماء الشعب الفلسطيني، فوزير خارجية الإمارات (عبدالله بن زايد) الصديق الوفي للنظام الصهيوني، يجعل الأولوية في إعادة الأسرى اليهود ونزع سلاح المقاومة والقضاء عليها وهو مطلب يشترك فيه جميع صهاينة العرب .
بشاعة الإجرام وفظاعته التي فاقت ما سبقها، استفزت بعض اليهود وجعلتهم ينكرونها ويحملون الصهيونية وزرها، لكنها مع ذلك لم تُشبع الأنظمة العربية المتصهينة عن التراجع في دعمها للإجرام ولكنها أحيانا قد تغلف ذلك بذريعة القضاء على الحركات الإسلامية .
عالم الانثروبولوجيا اليهودي الأمريكي “جيف هالبر” قال: لماذا يدفع الشعب الفلسطيني ثمن الإجرام الذي تعرض له اليهود من دول الغرب؟
ويعترف المؤرخ اليهودي “مائير بروشين”:نحن نقتل الفلسطينيين وننهب ممتلكاتهم وندمر منازلهم ونقتلع أشجار زيتونهم هذه ليست ديمقراطية، أتمنى أن يقاطع العالم بلدي .
مفكر إيطالي تساءل : من أعطى فلسطين لليهود هو “وعد بلفور” لأن بريطانيا والدول الاستعمارية أرادت ذلك أما التمسك بالنصوص القديمة فلو جاز التمسك بها لكان من حق إيطاليا بسط سيطرتها على مناطق نفوذ الحضارة الرومانية التي سيطرت على معظم دول أوروبا.
هذه الآراء الداعمة لمظلومية الشعب الفلسطيني أيقظتها دماء مئات الآلاف من النساء والأطفال، ما بين شهيد وجريح ومفقود وتدمير غزة بكاملها وإسقاط ما يزيد عن مائة وخمسين ألف طن من المواد شديدة الانفجار.
ملحمة أسطورية سجلها الشعب الفلسطيني بصموده وإيمانه واستبساله وتضحياته، فئة قليلة العدد والعتاد ومحاصرة أشد أنواع الحصار -برا وبحرا وجوا- ومع ذلك واجهت أبشع الوسائل والأدوات الإجرامية ولم تستسلم ولم تفرط بحقوق الشعب الفلسطيني .
حين ظن صهاينة العرب والغرب أنهم قادرون على القضاء على الشعب الفلسطيني، أنكروا حقوقه وصادروا حرياته واستحلوا دماءه بعد أن أذاقوا شعوبهم الويلات من الاستبداد والطغيان، كانت غزة هي الكابوس الذي أيقظ الوعي وحرك الشعوب والأمم في كل أقطار العالم .
محور المقاومة أثبت انه قادر على المواجهة واستعادة كرامة وحريات الأمتين العربية والإسلامية وأولها نصرة مظلومية الشعب الفلسطيني، لا بالشعارات الزائفة ولا بالأقوال الكاذبة، لكن من خلال تقديم قوافل الشهداء من الرجال الأوفياء والأبطال الميامين، كلما سقط شهيد حمل الراية بطل يكمل المسير ويقدم المنهاج الصحيح لخير أمة أخرجت للناس.
لم تقف الإمكانيات عائقا أمام عشاق الشهادة والباذلين أرواحهم ودماءهم تحقيقا لرضوان الله إيمانا وتصديقا ، فلا يستوي من يؤمن بالله ويقرن القول بالعمل ومن يدعي القول دون عمل ومن ينكر ذلك ويعتمد على الإمكانيات ويسخرها للإجرام والطغيان والاستبداد.
محور المقاومة اليوم يسعى لنصرة القضايا الإنسانية عامة ومظلومية الشعب الفلسطيني خاصة من منطلقات إيمانية مستمدا العون من الله القائل ((أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولمّا يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين ءامنوا معه متى نصر الله ألا إن نصر الله قريب))البقرة 114.

قد يعجبك ايضا