كان رهبان وقساوسة النصارى، يقودون الحملات الصليبية ويحرضون على احتلال الوطن العربي والاستيلاء على القدس وجعلها مملكة أبدية للنصارى، أما اليوم فالقساوسة أصبحوا يحرضون لمصلحة التحالف الصهيوني الصليبي؛ فالقس الأمريكي مايك هكابي يعمل سفيرا لأمريكا لدى كيان الاحتلال وفي الوقت ذاته كداعم ومحرض ومدافع عن جرائم الإبادة والتهجير القسري وجرائم الحرب.
إبادة الأطفال والنساء في رأيه واجب ديني وإرضاء لله، إسرائيل تدافع عن الله وواجب دعمها في إجرامها، لأنها تمثل الخير؛ لا شيء يبرر طوفان الأقصى.
إسرائيل علمانية وفقا لدستورها الذي صاغته الأغلبية العلمانية التي لا تؤمن بالله، فكيف سيكون الدفاع عن الله ممن لا يؤمن به ويعتبره خرافة؛ والصهيونية اخترعت فكرة الشعب اليهودي مخالفة لنصوص التوراة المحرفة.
الجماعات المؤمنة بالله وبالتوراة المحرفة، تعارض فكرة تكوين دولة لليهود، لأنها ضد إرادة الله ومع ذلك فهي تعيش في فلسطين في إحياء منعزلة عن قطعان المستوطنين.
المسيحية الإنجيلية التي تجمع اليهود والنصارى كمنظمة صهيونية هي التي تتحكم في السلطة وتستخدم الأبعاد الدينية لتغذية الأجرام وقتل الأبرياء.
وما بين إنكار وجود الله (العلمانيين) وإيمان بالله، لكن وفق نصوص التوراة المحرفة (المتدينين)، كيف يمكن القول إن كيان الاحتلال يدافع عن الله؟
نصوص التوراة المحرفة طافحة بالإساءة إلى الله ووصفه بما لا يليق به ولن نستقصي ذلك، بل نورد بعضا منها للاستدلال:
الله سبحانه وتعالى أخبر العالمين في القرآن الكريم أنه ((ليس كمثله شيء وهو السميع البصير)) الشوري 11. جاءت الآية في سياق بيان أن الدين عند الله واحد هو الإسلام وان التحريف من اليهود والنصارى غيَّر الدين وفقا للأهواء والمصالح التي أرادوا الحفاظ عليها لأنفسهم.
المسلمون يؤمنون بأن الله واحد لا شريك له وليس كمثله شيء وعلماء المسلمين يقولون: كلما خطر ببالك فالله دون ذلك؛ ينزهونه عن كل ما لا يليق به.
في اطلاع بسيط على بعض نصوص التوراة المحرفة، لا التي انزلها الله نراهم – (اليهود والنصارى)- يصورون الله ويجعلونه مخلوقا لا خالقا؛ يجري عليه التعب والجهل والندم والأكل والغيرة والحزن.
فرض الله على بني إسرائيل التفرغ للعبادة يوم السبت وترك العمل، لكنهم خالفوا واعتدوا واحتالوا على التحريم وأسسوا للمخالفة ونسبوها إلى الله استراحة من التعب في الإصحاح الثامن من التوراة (فرغ الله في اليوم السابع من عمله الذي عمل. فاستراح في اليوم السابع من جميع عمله الذي عمل. وبارك الله اليوم السابع وقدسه لأنه فيه استراح من جميع عمله)، التعب والاستراحة من سمات المخلوقين لا الخالق تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا، وقد رد الله عليهم مقولتهم بقوله تعالى: ((ولقد خلقنا السموات والأرض وما بينهما في ستة أيام وما مسنا من لغوب)) ق 38.
خلق الله الإنسان وكرّمه ليكون خليفة في الأرض وحين خلقه وزوجته أسكنهما الجنة وأباح لهما كل ثمار الجنة سوى شجرة واحدة حرفوا (اليهود)الشجرة إلى شجرة المعرفة ونسبوا الغواية إلى حوّاء لآدم بالأكل من الشجرة وصوروا الأمر كانتقام من الله (تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا).
عاقب حواء بعذاب الحبل والولادة وهي وظيفة خُلقت لأجلها؛ ولعن الأرض وعاقب آدم بالتعب والمشقة، جاء في سفر التكوين الإصحاح الثالث: (سمعا صوت الرب الإله ماشيا في الجنة …فاختبأ آدم وامرأته من وجه الرب )، قال الشيخ العلامة محمد الغزالي – رحمه الله – كلاماً ركيكاً لا يجوز على الله وتصويراً ساذجاً يبدو فيه رب العالمين كفلاح وقع في حقله ما لم ينتظر فهل يستقيم الأمر؟
الله سبحانه وتعالى وصف نفسه بقوله ((ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه ونحن اقرب إليه من حبل الوريد))ق 16. لقد صوروا الله كأنه حريص على بقاء جهل آدم، فمنعه من الأكل من شجرة المعرفة كي لا يتمرد عليه وحين فعل نفاه إلى الأرض.
لكن التوراة تقول إن الله حزن على خلقه الإنسان (حزن الرب على أنه عمل الإنسان وتأسف في قلبه؛ فقال أمحو عن وجه الأرض الإنسان). إسفاف وكذب وتحريف لا يجوز على الله فاطر السماوات والأرض عالم الغيب والشهادة الحكيم الخبير.
أن تكون قدّيسا وقسّيسا وكاذبا على الله وتنسب إليه ما لا يليق به، فدعم الإجرام وتأييده أمر يسير عندك.
الضمائر الإنسانية الحية أنكرت الأجرام، لكن القسّيس يرى أن إبادة الأطفال والنساء تمثل معركة الخير ضد الشر ومما يرضي الله سبحانه وتعالى بل والدفاع عنه وهو ما يقوم به كيان الاحتلال وأن الله سيتخلى عنهم إذا تخلوا عن دعم قطعان الإجرام والمجرمين.
لإن يعقوب (إسرائيل)هو النبي الذي يتسمون به ويؤمنون به؛ فإن الله سبحانه وتعالى عما يقولون علوا كبيرا: صارعه ولم يستطع هزيمته إلا بأن احتال عليه بشرط مباركته ولم يطلقه يعقوب حتى (باركه ودعاه إسرائيل).
ولا يقتصر الأمر على الإساءة لله سبحانه، بل الإساءة للأنبياء والرسل الذين يختلفون معهم، فنبي الله نوح كما جاء في أسفارهم المحرفة: غرس كرما وسكر وبدت عورته؛ ولأن الكنعانيين المطلوب استعبادهم: فأبصر حام- أبو الكنعانيين عورة أبيه لكن سام ويافث سترا عورته: فلما أفاق لعن كنعان وجعله عبدا لإخوته (سام ويافث).
المفكر الفرنسي رجاجارودي، مؤلف كتاب الأساطير المؤسسية للصهيونية يقول: الإمبريالية التي تقودها أمريكا اعتمدت في (100) السنوات الماضية على تسويق الشيوعية كعدو أو خطر يجب القضاء عليه وبعد سقوط الشيوعية انتقلت المعركة مع الإسلام والمسلمين الذين يتم تصويرهم كإرهابيين يجب القضاء عليهم بالتعاون مع الحركة الصهيونية التي أسسها هرتزل والتي تتبنى نظرية صراع الحضارات ويروجها المفكرون الأمريكان مثل صمويل هنجتون؛ وبالاعتماد على كيان الاحتلال ومنحه كل الإمكانيات ليكون الأقوى في منطقه تربط بين القارات الثلاث.
من وجهة نظر القسيس هكابي، إن إسرائيل تدافع عن الله، لكنه كمسيحي مؤمن كيف يستسيغ ما يقوله حاخامات اليهود من اتهامات لنبي الله عيسى وأمه؟ فهل يؤمن بما يؤمن به اليهود ويعتقد ما يعتقدون؟
إذاً لا غرابة أن يبرر جرائم الإبادة والتهجير القسري وكل الجرائم البشعة التي أنكرها العالم أجمع وليس ذلك فحسب بل إنه يراها إرضاء لله ودفاعا عنه وأنها واجبة لكي يرضى الله عنهم كمجرمين وداعمين.
المعركة التي يقول عنها معركة الخير ضد الشر والإيمان ضد الإجرام والدفاع عن الله تستند إلى المنطلقات التي كانت الكنائس تبرر بها أجرام الطغاة والأباطرة في أوروبا فيما يصفونه عصور الظلام، حيث كانوا يجعلون الحاكم مقدسا لا يجوز معارضته، لأنه يمثل الإله، لكن اليوم يبررونه في العدوان على الإسلام وإباحة قتل وإبادة المسلمين، كما كان يقول قساوسة الحملات الصليبية إن المسلمين كفار يجب قتلهم وإبادتهم.
تغليف الفكرة الاستعمارية وفقا للأبعاد الدينية من أجل التبرير لقطيع الإجرام ما يفعلونه وان ذلك إرادة الرب وأيضا لضمان بقاء الاستعمار والاستيطان أكبر فترة ممكنة على حساب سفك دماء الأبرياء.
النصرانية التي كانت تتقاتل مع اليهود، أصبحت اليوم في وفاق ووئام من أجل مواجهة الإسلام، فكما يعملون معا لتشويه الإسلام ووصفه بالإرهاب، يبرئون أنفسهم من الإجرام ويقولون إن ذلك من أجل الدفاع عن الله.
التفوق في القوة وحرمان المسلمين منها، جعل الباطل حقا والحق باطلا، لكن الإيمان والجهاد في سبيل الله قادران على رد كيدهم وهزيمتهم قال تعالى ((لن يضروكم إلا أذى وان يقاتلوكم يولوكم الإدبار ثم لا يُنصرون)) آل عمران 111.
