اللواء الغماري على درب الشهداء

محمد عبدالمؤمن الشامي

حين يرحل القادة العظماء، لا يغيبون عن الميدان، بل يتحولون إلى منارات تهدي المجاهدين وتُلهم الأجيال معنى الثبات والعهد. وفي رحيل اللواء الركن محمد عبد الكريم الغماري، القائد الجهادي الكبير، تتجسد هذه الحقيقة بوضوح، إذ ارتقى شهيدًا مع نجله الشهيد حسين وعدد من مرافقيه خلال الغارات الإجرامية الأمريكية الصهيونية على بلادنا طوال عامين من معركة “طوفان الأقصى”.
كان اللواء الغماري نموذجًا فريدًا من القادة، يحمل الراية في زمن اشتدت فيه المعارك وتعاظمت التحديات. لم يكن قائدًا عاديًا، بل رجل إرادة وإيمان، جمع بين العقل العسكري الصلب والروح الوطنية العالية. أثبت أن الإيمان الراسخ بالله وعدالة القضية أقوى من كل ترسانة عسكرية أو تحالف عدواني. وعند وداعه الميدان، سلّم الراية لمن بعده، مؤكّدًا أن طريق الشهداء هو درب المجاهدين، لا ينقطع ما دام في الأمة رجال يقولون: “هيهات منا الذلة”.
وأكد بيان القوات المسلحة اليمنية أن استشهاد الغماري وعدد من رفاقه يأتي ضمن سلسلة طويلة من التضحيات التي قدّمها رجال اليمن دفاعًا عن فلسطين ومقدساتها، وتثبيتًا لمعادلة “الفتح الموعود والجهاد المقدس” التي رسمها السيد القائد عبدالملك بدر الدين الحوثي. هذه التضحيات لم تكن لحظة عابرة، بل استمرار لمسيرة جهادية طويلة أمتدت من صعدة إلى كل شبر من الأرض اليمنية، لتؤكد أن دماء الشهداء هي وقود المقاومة واستمرارها.
وأشار البيان إلى أن القوات المسلحة، خلال العامين الماضيين من معركة “طوفان الأقصى”، نفذت 758 عملية، استخدمت فيها 1835 صاروخًا باليستيًا ومجنحًا وفرط صوتية، إضافة إلى طائرات مسيّرة وزوارق حربية، في إطار الإسناد العسكري للشعب الفلسطيني وردًا على العدوان الأمريكي البريطاني الصهيوني المتواصل. هذه الأرقام ليست مجرد إحصاءات، بل شواهد على إيمان راسخ بأن اليمن لن يقف متفرجًا حين تُستباح دماء غزة، ولن يصمت حين تُدنّس المقدسات، وأن كل عملية عسكرية كانت تعبيرًا عن مسؤولية عقائدية وأخلاقية أمام الأمة كلها.
لقد أراد العدو من اغتيال القادة كالغُماري أن يُطفئ جذوة المقاومة، لكنه لم يدرك أن الشهداء لا يغيبون، بل يتحولون إلى جيل جديد من المجاهدين. كل قطرة دم من جسد الغماري أنبتت إرادة جديدة، وكل ارتقاء في الميدان زاد الأمة عزيمة على المضي في درب العزة حتى يتحقق النصر. فهذه سنة الله في المجاهدين: يسقط القائد شهيدًا، فتنهض أمة لا تنكسر، لأن الشهادة ليست نهاية الطريق، بل بداية لمسيرة طويلة من الصمود والمقاومة.
مسيرة اللواء الغماري ليست مجرد فصل من تاريخ الجهاد اليمني، بل صفحة خالدة في سجل الأمة الممتد من صعدة إلى غزة، ومن صنعاء إلى القدس. اليوم، المعركة لم تعد جغرافية، بل معركة هوية وكرامة ومصير. وكل شهيد يكتب بدمه أن الأمة ما زالت قادرة على الوقوف في وجه الطغيان، وأن دماءها ليست وقودًا للحزن، بل طاقة للنهوض والتحرر. فدماء الغماري وأبناء اليمن الشهداء مثلت إشعال شعلة الإصرار، وأكدت أن التضحية من أجل فلسطين ليست خيارًا، بل واجبًا مقدسًا.
اللواء الغماري سار على درب الشهداء، وحمل معه وصية الأحرار: أن تبقى الراية مرفوعة، وأن يُحرس العهد بدماء المجاهدين. وفي كل جبهة، وفي كل موقع من مواقع المقاومة، تُسمع أصداء قسمه الخالد: لن تسقط الراية، ولن يُكسر العهد، ما دام في الأمة قلب ينبض بالإيمان، وساعد يضغط على الزناد. لقد علمنا الغماري ومعه رفاق الشهداء أن الوطن لا يُصان بالشعارات، بل بالدماء، وأن الدفاع عن فلسطين مسؤولية عقائدية وأخلاقية، وأن اليمن ليست مجرد بلد، بل حصن للأمة ومؤازر دائم للمقدسات.
وفي كل زاوية من ساحات المعركة، يظهر أثر الغماري ورفاقه: شجاعة في القتال، حكمة في التخطيط، ووفاء لا يزول. بين اليمن وغزة خندق واحد، ومصير واحد، وعدو واحد، ووعد بالنصر يتحقق بتضحيات الرجال وصبر الأمة. فاللواء الغماري لم يزرع الخوف في قلوب أعدائه فحسب، بل زرع فينا جميعًا معنى التضحية، وصبرًا لا ينكسر، وعزيمة لا تتراجع.
ختامًا، سيبقى اللواء الغماري حيًّا في ذاكرة الأمة، عنوانًا للوفاء، ورمزًا للثبات، وصوتًا يذكّر الجميع أن طريق النصر محفوف بدماء الشهداء، وأن كل شهيد يورث الراية، وكل مجاهد يحرس العهد. وما تركه الغماري ليس مجرد إرث تاريخي، بل رسالة للأمة: أن طريق العزة والكرامة لا يتحقق إلا بالتضحيات، وأن كل قطرة دم تُسفك في سبيل الحق تصنع أمةً أقوى، وشعبًا لا ينكسر، وواجبًا لا يزول.

قد يعجبك ايضا