احتل الإنجليز فلسطين واستقدموا اليهود واستوطنوا فيها، فقامت الثورات ضدهم؛ كان معظم ضباط الاحتلال من اليهود وهنا فكروا في القضاء على الثورات من خلال الدخول في مفاوضات تحت رعاية الاحتلال البريطاني، العرب طرف واليهود طرف وكأن المسألة لا تخص بريطانيا، بل العرب واليهود.
العرب يقدمون مقترحاتهم واليهود يقدمون مقترحات تعجيزية يرفضها العرب والمسلمون، مما يجعل وفد المفاوضات العربي ينسحب من المفاوضات، تاركا مقاعده وهنا تعقد المفاوضات بين ضباط الإنجليز من اليهود مع ممثلي اليهود، وصل الأمر إلى أن يقوم ممثل بريطانيا(اليهودي) بتوبيخ اليهود، لأنهم يفرطون في مكاسب اليهود؛ ويطالبونهم بمزيد من التعنت، لأنهم في حماية بريطانيا العظمى.
ترامب اليوم ونظامه الإمبريالي يلعبون ذات الأسلوب يقدمون المقترحات ويرفضونها ويلومون الضحية ويستدرجون المفاوضين ليتم اغتيالهم في أسلوب غادر وجبان لم يعهد مثله في تاريخ المفاوضات.
آخر وأحدث المبادرات، هي خطة غزة ما بعد الحرب والتي تكرس إفراغ غزة من سكانها وبناء (ريفيرا الشرق الأوسط)؛ خطة ترامب تحتوي على 21بندا وهي تطبيق لخطة توني بلير التي أعدها معهد الدراسات التابع له وقامت الحرب من أجل تنفيذها.
بلير أعد الخطة وقدمها لترامب و”نتن ياهو” وشنت الحرب الإجرامية على غزة تنفيذا لها والآن ترامب قدم خطته للسلام أو غزة ما بعد الحرب، معتمدا على بلير في الإشراف على قطاع غزة.
بلير سيعود مدعوماً بقوات عربية ودولية لتنفيذ خطة ترامب وإحلال السلام وبتمويلات الدول العربية والإسلامية.
بريطانيا قبل احتلال فلسطين أرسلت جواسيسها إلى زعماء العرب وشيوخ العشائر تطلب منهم الثورة على العثمانيين مقابل الحصول على دولة عربية، من انضم إليهم وساندهم منحوه المال والسلاح ومن رفض تم اغتياله وتنصيب غيره.
كان الشريف حسين موقنا ومصدقا لبريطانيا وأنها ستنفذ وعودها، لكن حينما كشفت المؤامرة وأخبرهم بعلمه بها نفوا أولا ذلك ولما تيقن الخبر اعترفوا وأصدروا الكتاب الأبيض مقابل وعد بلفور وحينما خرج العثمانيون نفذوا وعد بلفور ونكثوا ما تعهدوا به.
خطة ترامب تستثمر الخبرات الاستعمارية التي قامت بها بريطانيا لتوطين اليهود، فمن أعد خطة تهجير سكان غزة (معهد توني بلير للتغيير العالمي)، سيتكفل بتنفيذها على أرض الواقع من خلال هيئة أممية لإدارة القطاع بموجب قرار من مجلس الأمن تماما، كما وضعت فلسطين تحت الانتداب البريطاني بموجب قرارات عصبة الأمم وأوكل إليها اتخاذ كافة الإجراءات من أجل توطين اليهود وتسليم كل الإدارات المدنية والخدمية والأمنية وغيرها.
كانت القوات البريطانية مع العصابات اليهودية تقوم بإبادة العرب والمسلمين وطرد من تبقى منهم من القرى والمدن وتسليمها لليهود.
هيئة الإدارة تتكون من 17 عضوا موزعين كالتالي: ممثل فلسطيني ومسؤول أممي وشخصيات دولية بارزة وممثل لأعضاء مسلمين سيتم استقدامهم من حانات باريس ولندن وإلباسهم جلباب المسلمين.
من مكونات الهيئة خاص بالاستثمار؛ ومكافحة التطرف والإرهاب وتهدف إلى إيجاد اتفاق إقليمي ودولي يمكن التحالف الصهيوني الصليبي من الاستيلاء على غزة وبسط سيطرتهم عليها واستبعاد القوى الإسلامية من حكم غزة وعدم السماح لهم باستعادة السلطة وأيضا كل القوى الوطنية الأخرى بخلاف السلطة، فالمناورات السياسية تقتضي لومها والغضب عليها علنا والتنسيق معها سرا حفاظا على شعبيتها، لأنه لا يمكن الاستغناء عن خدماتها.
ما يسعى إليه (ترامب وبلير ونتن ياهو) من وراء ذلك إفشال الحراك العالمي الداعم للقضية الفلسطينية وعبرت عنه الجماهير في كل دول العالم وعلى المستوى الرسمي تلك الخطابات التي قدمها رؤساء الدول من على منبر الأمم المتحدة وهي مواقف تتسق مع قيم الحرية والعدالة والإنسانية وتحسب لقادة تلك الدول وللتاريخ، بينما يحسب لمعظم قادة وزعماء الدول العربية والإسلامية الخزي والعار في ذات السجل.
ترامب الذي قدم المبادرة هو من أراد إفراغ غزة وأمر “نتن ياهو” بممارسة كل الجرائم وهو من كلف معهد بلير بإعدادها من خلال صهره (كوشنير) وهو من منح مجرم الحرب “نتن ياهو” 45 دقيقة لمخاطبة الكراسي الفارغة للأمم المتحدة بعد مغادرة وفود العالم أماكنها؛ مع أن المخصص 15 دقيقة لكل متحدث.
كانت أمريكا تعتمد على مقترحات كيان الاحتلال لإدارة التفاوض، أما الآن فإنها تقدم المبادرات، لأنها تقود عمليات الإجرام والتفاوض والتموين والإمداد لاستكمال كل أنواع الإجرام وهنا نورد بعضا من مضامينها:
اعتبار المقاومة مجرمي حرب ونزع سلاحهم وعرض العفو عنهم إذا غادروا غزة؛ ونزع سلاح القطاع بشكل عام وإنهاء حكم حماس ومنعها من المشاركة السياسية حتى لو كان بموجب الانتخابات التي يقال إنه سيتم تنظيمها وتعهد عباس بإجرائها.
تشجيع الهجرة الطوعية لسكان غزة وتقديم الإغراءات لهم وتحذيرهم من المصير الأسوأ إذا لم يفعلوا ذلك أو ما يسمونه الجحيم.
إطلاق سراح جميع الأسرى، (جميع) تعني أسرى الاحتلال الأحياء والأموات فورا، أما الأسرى الفلسطينيون فسيتم الحديث عنهم لاحقا؛ وإنهاء الحرب فورا (وقف إطلاق نار دائم) وانسحاب إسرائيلي تدريجي من غزة وتعهد من ترامب بعدم ضم الضفة التي ضمت بقرار من الكنيست اليهودي.
الإجماع العالمي المناصر للفضية الفلسطينية جعل ترامب يصف الأمم المتحدة (منظمة فارغة لا تحل الحروب)، لكن رد الرئيس الكولومبي –غوستاف بيدرو، الفيو الأمريكي عطل مهمة الأمم المتحدة الإنسانية والأخلاقية وجعلها شاهدة ومتواطئة على جرائم الإبادة الجماعية؛ ترامب لا يذكر الديمقراطية والحياة، بل يهدد ويقتل ويسمح بقتل الآلاف من الأبرياء.
وأضاف: المبادرات الدبلوماسية انتهى دورها وحانت ساعة الحربة أو الموت أمريكا لم تقصف غزة وحدها فحسب ولا منطقة الكاريبي، بل قصفوا الإنسانية التي تصرخ من أجل الحرية؛ واشنطن وحلف شمال الأطلسي يقتلون الديمقراطية ويعيدون أحياء الاستبداد والشمولية على المستوى العالمي.
كولومبيا لا تقارن بأمريكا من حيث القدرات والإمكانيات لكنها تحمل قيما إنسانية وأخلاقية لا يمتلكها التحالف الصهيوني الصليبي الذي تقوده أمريكا من صهاينة العرب والغرب، غوستاف بيدرو انتقد اليمين المتطرف الذي يدعي انه يحمي السامية ويحمي شعب الله المختار وهي كذبة (لا يوجد عرق متفوق يا سادة؛ ولا يوجد شعب مختار لأمريكا ولإسرائيل، كما يعتقد الجهلة من اليمين المتطرف، شعب الله المختار هم البشرية جمعاء).
بين أمنيات الإجرام وطموحات الشعوب وأحرار العالم بون شاسع وفارق كبير في القيم والمبادئ والأخلاق والمثل.
ترامب وبلير و”نتن ياهو” يريدون تشكيل قوة دولية وبتمويل من صهاينة العرب لتمكينهم من فرض سيطرتهم على غزة واستكمال جرائم الإبادة والتهجير القسري، في مقابل ذلك يطالب أحرار العالم بتشكيل قوة تدخل إنساني لتحرير فلسطين وإنفاذ العدالة الدولية ومحاكمة الإجرام والمجرمين.
أمنيات الإجرام والمجرمين بصب الجحيم على الأبرياء والعزل ونشر الخراب والدمار حتى لا يستطيعون العيش فيها، تقابلها دعوة لبعث الأمل في قلوب البشرية جمعاء والاتحاد من أجل السلام ووقف الإجرام والتصدي له وإعادة الاعتبار للأمم المتحدة وتسخير النقض لخدمة الإنسانية لا لتمكين الإجرام والمجرمين من إبادة الأطفال والنساء والأبرياء.
بريطانيا نزعت سلاح المجاهدين على أرض فلسطين وسلحت العصابات الصهيونية ووطنت اليهود، واليوم يعود المندوب السامي (بلير) ليعيد إنتاج نفس الأساليب التي مارستها الإمبراطورية التي غابت عنها الشمس، لكن تحت الإدارة الأمريكية وخدمة التحالف الصهيوني الصليبي من صهاينة العرب والغرب وبمبرر إنهاء الحرب على غزة ومن أجل إسكات الرأي العام العالمي الذي أسقط كل الحسابات بمواقفه الإنسانية الداعمة لغزة وفلسطين وهي خطوة أولى في إسقاط الاستبداد والشمولية والإجرام والاستعباد والاستعمار قال تعالى ((ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار مهطعين مقنعي رؤوسهم لا يرتد اليهم طرفهم وأفئدتهم هواء))إبراهيم 42.