معظم الواهمين بتحقيق سلام مع التحالف الصهيوني الصليبي، يدركون جيدا أنهم يدعمون الإجرام ويصرون على ذلك، يخدعون شعوب الأمتين العربية والإسلامية لأن مهمتهم تقتضي ذلك.
القائمون على ارتكاب الجرائم والمجازر، يعلنونها بكل صراحة ووضوح أنهم لا يرغبون في السلام، لأن أمامهم لحظة تاريخية لا تعوض للقضاء على الإسلام والمسلمين خاصة وهناك تحالف يضم كل الأنظمة العربية والإسلامية من الذين يدينون بالولاء للتحالف الصهيوني الصليبي وباعتراف قادة ورؤساء أمريكا ودول الغرب وآخرهم ترامب الذي يطلب ثمن الحماية ما لم سيتركهم يواجهون مصيرهم مع شعوبهم .
الأنظمة المتصهينة تحاول بكل ما تستطيع استخدام الواجهة المتاحة للقضاء على القوى الفاعلة التي قد تشكل خطرا عليها وعلى مصالح الاستعمار من خلال عناوين مثل محاربة التطرف والإرهاب، وهو مصطلح مقبول عالميا، لكن أجندته تختلف من دولة لأخرى وفق المصالح التي قد تُهدَّد ويجب حمايتها .
الأفاكون لا يخجلون من ترديد الأكاذيب التي اتضح للعالم أنها فعلاً كاذبة وقد اعتذروا عنها، فها هو (ترامب) يعود لتكرار الكذب الذي روجه كيان الاحتلال وأعلنه (بايدن) ثم أوكل التكذيب للبيت الأبيض، حتى يخرج من متاهة الحرج، لكن ترامب عاد ليقول مرددا الأكاذيب أن المقاومة قتلت الأطفال وأحرقت جثثهم في السابع من أكتوبر ولم يكذبه أحد، لأنهم يعلمون أنه كاذب في الابتداء والانتهاء ويريد تبرير الدفاع عن الإجرام الصهيوني وما يرتكبه من مجازر وحشية في فلسطين عامة وغزة خاصة.
الإمبراطور ترامب له أسلوبان في التأييد والدفاع عن الإجرام؛ في الإدانة يقف عند السابع من أكتوبر ويعتبره الأساس في كل الإجرام والمآسي وسببا لجرائم الإبادة والتهجير القسري والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب التي يرتكبها التحالف الصهيوني الصليبي في غزة أما توطين اليهود في فلسطين وتهجير سكانها وارتكاب المجازر منذ الاحتلال وحتى الآن، فلا علاقة له بذلك من وجهة نظره.
لكنه حين طرح فكرة إنشاء إسرائيل الكبرى قال إن مساحة الوطن العربي كبيرة وإسرائيل مساحتها صغيرة ومن حقها التوسع، لأن الأنظمة العربية رفضت قرار التقسيم وخرقت الهدنة بينها وبين كيان الاحتلال ولا يحق لها المطالبة بالهدنة أو السلام لأجل ذلك.
اندفاعات ترامب في تسويق نظريته الإجرامية التي تبرر الإجرام وتدين المقاومة يستند فيها لاعتبارات كثيرة منها ما يأتي:
الأول: انه تاجر عقارات يريد الاستيلاء على غزة وتهجير سكانها، لأنها كنز عقاري وهو ما كشفه مجرم الحرب (سموترش) -وزير مالية العدو الصهيوني أن هناك خطة تجارية صيغت من قبل أشخاص مهنيين، قدمت لترامب والأمر يغطي التكاليف، لأنها- غزة –كنز عقاري وتجري الآن المفاوضات مع الأمريكان لدفع تكاليف الإجرام ثم الدخول في تقاسم تسويق أرضها وقد تم تنفيذ مرحلة الهدم التي هي أرخص من البناء.
الثاني: ملف الفساد الأخلاقي الذي حصل عليه كيان الاحتلال من خلال علاقة ترامب بشبكة الموساد التي كان يديرها (ابسن)والتي لو تم الكشف عن تفاصيلها لأطاحت به من الرئاسة؛ مضافا إلى ذلك الدعم الذي حصل عليه من منظمة “ايباك” بشرط دعم الإجرام الصهيوني مهما كانت النتائج.
الثالث: البعد الديني الذي يستند اليه ترامب وفريقه الذي يعتمد عليه وهم من الصهاينة الإنجيليين الذين يدعمون ويؤيدون الإجرام الصهيوني كبديل للتعويض عن المشاريع السابقة (الحروب الصليبية) التي فشلت ولم تستمر رغم تكاتف التحالف المسيحي في دعمها.
فيما يتعلق بالاعتبار الأول فإن الكنز العقاري الذي تحدث عنه مهما كان، قد لا يستوجب سفك دماء الأبرياء وتهجيرهم، لكن الأهم من كل ذلك المشروع الاستيطاني الاستعماري المعتمد على استجلاب شذاذ الآفاق من كل الأماكن واستخدامهم لتنفيذ أبشع أنواع الجرائم ضد الأبرياء وتسويغ ذلك من خلال نصوص التوراة المحرفة التي -كما يقول المفكر المصري الراحل مصطفي محمود رحمه الله- كُتبت من قبل مؤرخين ناقمين على البشرية جمعاء وخصوصا العرب والمسلمين في مصر وبلاد الشام والإسلام والمسلمين عموما .
فامتلاك القوى الاستعمارية لكل أشكال القوة في مقابل التمزق والتفرق والضعف الذي تمر به الأمتين العربية والإسلامية؛ والاضطهاد للجاليات اليهودية في المجتمعات الأوروبية خلقت مبررا لتوجيه الانتقام من العرب والمسلمين، وفق مرجعية دينية حتى يكون مقبولا ومدعوما لدى الشعوب والأمم المسيحية واليهودية.
الهجمة علي العرب والمسلمين من التحالف الصهيوني الصليبي يقوم على إيديولوجية دينية (مسيحية – يهودية) ويستهدف العقيدة والدين الإسلامي ويهدف إلى الاستيلاء على ثروات الأمتين العربية والإسلامية ومنع استعادتها لدورها الإنساني والرسالي، لذلك يتعاونون جميعا .
المشروع الصهيوني لا يختلف عن الحروب الصليبية إلا من حيث الادعاء بأرض الميعاد وإسرائيل الكبرى، لكن السيطرة على فلسطين أساسا، لأنها مهبط الديانتين اليهودية والمسيحية وفيها أولى القبلتين وثالث الحرمين ومن يسيطر عليها يستطيع عزل مشرق الوطن العربي عن مغربه، لكن فلسطين لا تكفي، لذلك لا بد من إنشاء ما يسمى الشرق الأوسط الجديد الذي يتحكم فيه المشروع الاستعماري الاستيطاني كقوة اقتصادية وسياسية وعسكرية .
نجاح المشروع الاستيطاني الاستعماري يعتمد على إبادة سكان فلسطين وإحلال شذاذ الآفاق بدلا عنهم، كل القوانين والأعراف والمواثيق الدولية والإنسانية وحتى قوانين الأمم الأخرى مثل اليونانية والرومانية وغيرها، تحث على الرحمة بالسكان، بخلاف نصوص التوراة المحرفة فإنها تجعل إبادة كل كائن حي وحتى الحيوان واجباً وأمراً من الدين وهو ما يريده التحالف الصهيوني الصليبي خاصةً انه يتحدث عن الأرض المقدسة التي يجب إبادة سكانها وطردهم منها والاستيلاء عليها.
الإبادة والتهجير القسري وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية محرمة ومجرمة بموجب القوانين الدولية ومواثيق الأمم المتحدة ومواثيق حقوق الإنسان التي شرعوها لاحتلال الشعوب والدول والسيطرة عليها، لكنهم في إجرامهم يستندون إلى نصوص التوراة المحرفة، يقولها حاخاماتهم وساستهم ولذلك يعمل صهاينة العرب والغرب على مواجهة كل قرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن بكل الوسائل والسبل سرا وعلانية وقولا وفعلا .
حين تم استقدام اليهود وتوطينهم في فلسطين ارتكب الكيان الصهيوني المجازر وجرائم الإبادة ضد سكان فلسطين وتم تهجيرهم من قراهم وحرقها والاستيلاء عليها فيما عرفت بالنكبة وكل ساسة الإجرام اليهودي كانوا يتحدثون عن تهجير سكان غزة منها واستيطانها قبل السابع من أكتوبر ويشيرون إلى تكرار النكبة، لكن الإجرام والداعمين لهم يتناسون ذلك عمدا، فمثلا زعيمة حركة الاستيطان –أوريت ستروك-تحدثت قبل سنوات بضرورة طرد سكان فلسطين عامه وبناء ما يسمى إسرائيل الكبرى قائلة :(يجب أن نصنع كارثة إنسانية أو نكبة لدرجة تجبر مصر وتركيا وأوروبا على اخذ الفلسطينيين كلاجئين)، وهو سلوك غريب، فقد تم استقدام اليهود إلى فلسطين كلاجئين لحمايتهم من الاضطهاد الذي يتعرضون له في المجتمعات الأوروبية وغيرها .
جنود الجيش الصهيوني وضباطه ذهبوا إلى غزة نافخين أبواق الحرب، يرددون انهم يريدون أن يفعلوا بسكان غزة كما فعل بنو إسرائيل حينما أسقطوا مدينة أريحا: (أبادوا كل من فيها من الأطفال والنساء والرجال والشيوخ وحتى البهائم أبادوها بحد السيف).
المشروع الصهيوني يعتمد على تكرار إنتاج النكبات والمآسي وارتكاب جرائم الإبادة والتهجير القسري، لأن في ذلك ضماناً للمستقبل، فقد اعترف رئيس الاستخبارات الصهيونية (اهارون حليفا) بذلك وقال: إن النكبات المتكررة ضمان لنجاح المشروع الاستيطاني الاستعماري وكل جيل عليه أن يقوم بعمل نكبة لسكان فلسطين وكل يهودي يجب عليه أن يقتل ما لا يقل عن خمسين فلسطينيا حتى ولو كانوا أطفالاً.
تكرار النكبات في نظرهم هو الأسلوب الأمثل للقضاء على سكان فلسطين وإحلال شذاذ الآفاق بدلا عنهم وهو الأسلوب الذي اعتمده التحالف الصليبي في سيطرته على بلدان العالم، لكنه اليوم يتعاون مع الصهيونية العالمية للسيطرة على فلسطين وإفراغها من أهلها.
عوامل الضعف والتفرق والتجزئة شكلت نقطة اندفاع للإجرام الصهيوني الصليبي الذي لا يؤمن إلا بالقوة ويرى أنها فرصة لا تعوض من أجل ممارسة كل أشكال الإجرام؛ ومع ذلك فهناك من يقول إنهم يمكن أن يرضوا بالسلام دون الاستسلام وذلك عين المحال، والسؤال هنا لماذا يطلبون نزع سلاح المقاومة ويحتفظون بكامل أسلحتهم المحرمة دوليا؟.