أسطول الصمود واليمن يحاصران نتنياهو

ناصر قنديل

 

 

– بمفهوم الحرب نحن أمام تحولات كبرى في قواعد الاشتباك التي رسمها بنيامين نتنياهو للجولة الأخيرة للحرب على غزة التي بدأها في مطلع شهر نيسان المنصرم، فقد بدأت هذه الجولة على خلفية ثلاثة عناصر، الأول تعهّد أمريكي بتحمل مسؤولية حائط الصدّ بوجه اليمن، بحيث تصبح الحرب على غزة بلا تبعات وتداعيات على الداخل الإسرائيلي، والثاني استخدام غير مقيّد لتصعيد عملية التجويع حتى يموت الناس جوعاً بتغطية أمريكية حتى ترفع غزة الراية البيضاء وتخرج بوجه المقاتلين طالبة إلقاء السلاح، أما العنصر الثالث فهو الاستعداد لعملية برية لا تشمل كل قطاع غزة وتكتفي بمدينة غزة تدفع المقاومة خارجها ومعها مليون من سكان غزة الجائعين، بما يسهل التفاوض على شروط الاستسلام، وفوق هذا كله لا بدّ من صورة نصر إقليمية لم تعُد ممكنة في إيران بسبب الحسابات الأمريكية، مقابل تعهّد أمريكيّ بفتح ثغرة في المسار اللبنانيّ نحو نزع سلاح المقاومة. – الواضح أن الرهان اللبناني قد فشل وأن نتنياهو وجد نفسه مضطراً لجعل سوريا أولوية بديلة لصناعة صور نصر تُسهم في دفع المعركة على غزة، وفي سوريا تحققت نجاحات جزئيّة، ولا يزال التعقيد المتمثل بالحصول على اتفاق يشرّع الهيمنة على الأجواء السورية إضافة لعمق بري يصل الى حدود العاصمة دمشق ومن ضمنه جبل الشيخ حكماً، ومصدر التعقيد هو حسابات تركية وعربية مختلفة عن الحسابات الإسرائيلية في سوريا، وصعوبة المواءمة بين الحسابات، ما جعل الغارة على الدوحة متعددة الأهداف ومنها ما هو مرتبط بالضغط على الخليج وتركيا للتراجع في سوريا. – في ظل التشوّش في صورة النصر الإقليمي استمرت الحرب على غزة وتطوّرت طيلة ستة شهور، بدا معها أن الرهان على استسلام غزة وتراجع مقاومتها في غير مكانه، وأن المقاومة نقلت الكثير من قدراتها إلى مدينة غزة تجعلها معركة فاصلة يتلقى خلالها جيش الاحتلال الضربات الموجعة التي ترسم نهاية الحرب، بينما تكفلت مرونة المقاومة في المفاوضات وصفرية الأهداف الإسرائيلية المتمثلة بإلقاء السلاح والتهجير بجعل الناس والمقاومة في غزة في موقف موحّد، نعم لحلول واقعية لكن لا للاستسلام، والفلسطينيون لهم خبرة مع إلقاء السلاح خلال اجتياح بيروت حيث كانت مجازر صبرا وشاتيلا رغم الضمانات الأمريكية، ولهم منذ عام 1948م خبرة مع التهجير، وخيار الفلسطينيين لا لصبرا وشاتيلا ثانية ولا لنكبة 48 ثانية. – خلال شهر ونصف خاض الرئيس الأمريكي بكل ثقل القوات الأمريكية حربه على اليمن التي وصفها بفتح أبواب الجحيم، وفي الحصيلة فشل فشلاً ذريعاً واضطر لمغادرة الجبهة وترك “إسرائيل” تقلع شوكها بيدها، مسلّماً لليمن بمواصلة إسناد غزة، بينما ينسحب الأمريكيّ من إسناد كيان الاحتلال، وفي 6 أيار أعلن وقف النار بين أمريكا واليمن بشروط اليمن، وخلال شهور حاول نتنياهو تحقيق ما فشل ترامب في تحقيقه مع اليمن، وكان الفشل رفيقه الدائم، ونجح اليمن في إرهاق أعصاب المستوطنين وجعل حياتهم لا تطاق، ينزلهم إلى الملاجئ فجراً وفي منتصف الليل، وصولاً إلى ما ظهر مع غارات أمس الأول بالطائرات المسيّرة حيث بدأت الجبهة الداخليّة تنزف، وحيث الاستهداف في مناطق يصعب التستر على الخسائر فيها فتح الباب لتحديات جديدة حول جدوى تحمل المستوطنين تبعات الحرب على غزة، وهي لم تعُد كما وعدهم نتنياهو بلا تبعات وأكلاف. – في مسار التجويع ورغم التغطية الأمريكية وبعض الشراكات العربية، لم تتحقق أمنية رؤية الرايات البيضاء ترفرف فوق غزة، لكن صدى الجريمة تحوّل إلى صخب وضجيج في شوارع العالم، ولعب هذا الصراخ دوراً في تحول كبير في مواقف حكومات أوروبية نحو الاعتراف بدولة فلسطين، وتعرّض واشنطن لضغوط في الرأي العام قال ترامب إنها أظهرت تراجع نفوذ اللوبي الداعم لـ”إسرائيل” في الكونجرس والحزب الجمهوري بعدما فقد الكيان تأييد الحزب الديمقراطي الذي تغيّر كثيراً مع سيطرة جيل الشباب على قيادته ومنهم يهود مناوئون لـ”إسرائيل”، لكن التعبير الشعبي الأكبر كان أسطول الصمود المكوّن من عشرات السفن والذي يضمّ بين صفوفه عشرات الشخصيات الأوروبية، ما استدرج عند تعرّض الأسطول للمضايقات الإسرائيلية إعلان حكومتي روما ومدريد إرسال سفن حربيّة لمواكبة الأسطول ومساعدته. – نتنياهو وحكومته في عنق زجاجة مهما تباهى بإنجازات القتال على سبع جبهات، فقد قتل الكثيرين ومنهم قادة كبار يتقدمهم السيد حسن نصرالله الذي تحيى ذكرى استشهاده بعد غد، ودمّر الكثير، لكنه لم يربح الحرب، وهو الآن في عنق الزجاجة ولا يملك استراتيجيّة خروج، بين تصعيد اليمن واقتراب الأسطول من ساحل غزة. *رئيس تحرير جريدة البناء اللبنانية ذكرى ثورة ٢١ سبتمبر في خطاب السيد القائد .. قراءة تحليلية عبد الرزاق الباشا في الذِّكرى الحاديةَ عشرةَ لثورةِ 21 سبتمبرَ ألقى قائدُ الثورةِ السيِّدُ القائد عبدُ الملكِ بدرُ الدينِ الحوثي كلمةً حملت في طيَّاتِها دلالاتٍ استراتيجيَّةً ورسائلَ عميقةً، أعادت التَّأكيدَ على جوهرِ الثورةِ كحركةٍ تحرُّريَّةٍ أصيلةٍ خاليةٍ من التبعيَّةِ الخارجيَّةِ ومرتكزةٍ على الهويَّةِ الإيمانيَّةِ والمسيرةِ القرآنيَّةِ. وجاءت الكلمةُ في سياقٍ وطنيٍّ وإقليميٍّ بالغِ الحساسيَّةِ، فشدَّد القائدُ على أنَّ الثورةَ لم تكن مجرَّدَ احتجاجٍ عابرٍ بل ضرورةً تاريخيَّةً لإنقاذِ اليمنِ من الوصايةِ الأجنبيَّةِ والفسادِ المستشري واستعادةِ القرارِ الوطنيِّ المسلوبِ، مستعرضا البُعدَ الإقليميَّ للثورةِ، مؤكِّدًا أنَّ اليمنَ بات في قلبِ معركةِ الأُمَّةِ، خاصَّةً في موقفِه الثابتِ إلى جانبِ فلسطينَ في مواجهةِ المشروعِ الصهيونيِّ الأمريكيِّ. وتحدث السيد القائد في افتتاحية كلمته عن المميِّزاتٌ العظيمةٌ للثورة والتي لا تحتاجُ إلى دعايةٍ إعلاميَّةٍ مزيَّفةٍ، وإنَّما تستندُ إلى حقائقَ واضحةٍ كوضوحِ الشَّمسِ، بأصالتِها وخلوصِها من أيِّ تبعيَّةٍ خارجيَّةٍ، وإرادةٍ يمنيَّةٍ شعبيَّةٍ خالصةٍ نقيَّةٍ في مسارِها العمليِّ بجهدٍ يمنيٍّ خالصٍ، وبتمويلٍ قام به الشَّعبُ من خلالِ قوافِلِه التي كانت تتَّجه إلى المخيَّماتِ وإلى الأماكنِ التي يتحرَّك فيها أبناءُ هذا الشَّعبِ العظيمِ. وأوضح أنَّها ثورةٌ تحرُّريَّةٌ، تحرَّر الشَّعبُ من السيطرةِ والوصايةِ الخارجيَّةِ المعلَنةِ التي كانت قد استحكمت قبضتَها على هذا البلدِ بإذعانٍ وخيانةٍ من بعضِ القوى المحليَّةِ، حتَّى إنَّ السفيرَ الأمريكيَّ في صنعاءَ أصبح هو “رئيسَ الرئيسِ” فوق كلِّ سلطةٍ، وهو ليس مجرَّد توصيفٍ، بل تشخيصٌ دقيقٌ لحالةٍ من الانهيارِ السياسيِّ والسياديِّ للوطنِ، حيث كانت السلطةُ الفعليَّةُ بيدِ الخارجِ، بينما تحوَّلت المؤسَّساتُ الرسميَّةُ إلى أدواتٍ تنفيذيَّةٍ لإرادةٍ أجنبيَّةٍ نتيجةَ إذعانٍ وخيانةٍ من بعضِ القوى المحليَّةِ كما وصفَها السيِّدُ القائدُ. ما يعني أنَّ الوصايةَ لم تكن مفروضةً فقط بالقوَّةِ، بل كانت مقبولةً ضمنيًّا من أطرافٍ داخليَّةٍ ارتضت التبعيَّةَ مقابلَ مصالحَ ضيِّقةٍ، وجاءت ثورةُ الحادي والعشرينَ لاستعادةِ القرارِ الوطنيِّ. وتجلَّت الحكمةُ اليمانيَّةُ لدى قائدِ الثورةِ السيِّدِ عبدِ الملكِ بدرِ الدينِ الحوثي، صاحبِ القلبِ الكبيرِ والمؤمنِ المخلصِ مع اللهِ سبحانه وتعالى أوَّلًا ثمَّ مع شعبِه، عندما أوضح في خطابِه أهمَّ مميِّزاتِ تعاملِ ثورةِ الحادي والعشرينَ من سبتمبرَ في التَّعاملُ الراقي والمسؤولُ الذي جسَّد الأخلاقَ الإيمانيَّةَ للشَّعبِ العزيزِ حتَّى مع أشدِّ الحاقدينَ على هذه الثورةِ المباركةِ، ولم يكن هناك من قِبَلِ روَّادِ الثورةِ وجماهيرِها أيُّ اعتداءاتٍ ولا أيُّ تعسُّفاتٍ، ولا تجاوزاتٌ ظالمةٌ، ولا تصفيةُ حساباتٍ، لا بالمستوى السياسيِّ ولا تجاه أيِّ اعتباراتٍ أخرى. واستتبَّ الأمنُ والاستقرارُ للجميعِ. ويمكن القولُ إنَّ الحكمةَ اليمانيَّةَ تجلَّت في أرقى صورِها من خلالِ النَّهجِ الأخلاقيِّ والمسؤولِ الذي اتَّبعته ثورةُ 21 سبتمبرَ في تعاملِها مع الخصومِ، حتَّى مع أشدِّ المعارضينَ لها، فهذا السلوكُ لم يكن مجرَّد تكتيكٍ سياسيٍّ بل كان تعبيرًا عن منظومةِ قيمٍ إيمانيَّةٍ متجذِّرةٍ في وجدانِ قائدِ الثورةِ وجماهيرِها، حيث تمَّ تغليبُ التَّسامحِ على الانتقامِ، والعدلِ على التَّصفياتِ، والاستقرارِ على الفوضى، فكانت ثورةُ الحادي والعشرينَ من سبتمبرَ ثورةً تحرُّريَّةً لكنَّها راقيةٌ، حازمةٌ لكنَّها عادلةٌ، قويَّةٌ لكنَّها رحيمةٌ، وهذا ما منحها شرعيَّةً أخلاقيَّةً وشعبيَّةً وجعلها محلَّ احترامٍ حتَّى من خصومِها. الخروج من عباءة التبعية لكن بكلِّ أسفٍ شديدٍ تظلُّ هناك أدواتٌ تعمل لصالحِ العدوِّ الإقليميِّ والأمريكيِّ والكيانِ الصهيونيِّ على إثارةِ النَّعراتِ الطائفيَّةِ والمناطقيَّةِ والعرقيَّةِ وتمزيقِ النَّسيجِ المجتمعيِّ الدَّاخليِّ، وتقطيعِ الأوصالِ والرَّوابطِ بتمويلٍ من بعضِ الدُّولِ الخليجيَّةِ، وإشرافٍ أمريكيٍّ وهندسةٍ إسرائيليَّةٍ يتَّجهُ في الاتِّجاهِ السَّيِّئِ. وهذه الأدواتُ الأمريكيَّةُ والإسرائيليَّةُ الإقليميَّةُ لديها عقدةٌ شديدةٌ من التَّاريخِ المجيدِ لهذا الشَّعبِ العظيمِ، وهم على انفصامٍ تامٍّ مع تاريخِه إلى صدرِ الإسلامِ. ومن هذه الجزئيَّةِ الهامَّةِ التي تطرَّق إليها قائدُ الثورةِ يتَّضحُ أنَّ قوى الهيمنةِ العالميَّةِ وأدواتَها الإقليميَّةَ تستهدفُ هويَّةَ اليمنِ وتاريخَه المجيدَ، لأنَّها ترى فيه تهديدًا وجوديًّا لمشروعِها الاستعماريِّ وتفتيتِ المنطقةِ، فاليمنُ بثورتِه التَّحرريَّةِ في 21 سبتمبرَ أعاد الاعتبارَ لإرثِه الدينيِّ والحضاريِّ، وخرج من عباءةِ التبعيَّةِ ليصبح أنموذجًا للمقاومةِ والسيادةِ، كما تخشى هذه القوى أن يتحوَّلَ اليمنُ إلى منارةٍ تحرُّريَّةٍ تُلهمُ الشُّعوبَ الأخرى، خاصَّةً وأنَّ تاريخَه مرتبطٌ بصدرِ الإسلامِ وبقيمِ العزَّةِ والكرامةِ. وليس هذا فحسب، إنَّما تخشى هذه القوى الثوريةَ كحدثٍ، بل والوعيَ الذي أنتجتْه، والهويَّةَ التي أعادت صياغتَها، والقدرةَ التي أظهرتْها على الصُّمودِ والتحدِّي، فاليمنُ بثورةِ الحادي والعشرينَ لم يعد ساحةَ نفوذٍ، بل أصبح فاعلًا مستقلًّا في معادلةِ الصِّراعِ الإقليميِّ والدَّوليِّ. وفي ظلِّ السِّياقِ والحديثِ عن ثورةِ الحادي والعشرينَ من سبتمبرَ تكلَّم السيِّدُ القائدُ عن الوضعِ المؤلمِ ما قبل ثورةِ الحادي والعشرينَ من سبتمبرَ، وما آلت إليه البلادُ بأنَّه كان كارثيًّا وفي غايةِ الخطورةِ، والوصايةُ الأمريكيَّةُ في كلِّ المجالاتِ. فعلى المستوى الاقتصاديِّ كان الوضعُ قبل الثورةِ يتَّجهُ نحو الانهيارِ الكاملِ بوضوحٍ، أمَّا على المستوى العسكريِّ فكان هناك تفكيكٌ للجيشِ وتدميرٌ للأسلحةِ، وسقوطٌ لطائراتِه في وسطِ صنعاءَ، حتَّى وصل الحالُ إلى أن يقومَ ضبَّاطٌ بإشرافِ أمريكيَّاتٍ من المخابراتِ الأمريكيَّةِ بتدميرِ سلاحٍ ومعدَّاتِ الدِّفاعِ الجوِّي للوصولِ به إلى حالةِ الانهيارِ. ويرسم السيِّدَ القائدَ صورةً دقيقةً لحالةِ الانهيارِ الشَّاملِ التي كانت تعيشُها اليمنُ قبل ثورةِ 21 سبتمبرَ، حيث كانت الوصايةُ الأمريكيَّةُ تتحكَّمُ في مفاصلِ الدَّولةِ سياسيًّا واقتصاديًّا وعسكريًّا دون وجودِ حربٍ مُعلَنةٍ أو مبرِّرٍ داخليٍّ لهذا الانهيارِ. فالوضعُ الاقتصاديُّ كان يتَّجهُ نحو الإفلاسِ رغم تدفُّقِ المواردِ والمساعداتِ، ما يكشفُ عن فسادٍ ممنهجٍ وتوجيهٍ خارجيٍّ لإضعافِ الدَّولةِ، أمَّا على المستوى العسكريِّ فقد بلغ التَّدخُّلُ الأمريكيُّ حدًّا خطيرًا، حيث تمَّ تفكيكُ الجيشِ وتدميرُ منظوماتِ الدِّفاعِ الجوِّي بإشرافٍ مباشرٍ من عناصرَ استخباراتيَّةٍ أمريكيَّةٍ، في محاولةٍ لإفراغِ اليمنِ من أيِّ قدرةٍ دفاعيَّةٍ. هذا الواقعُ الكارثيُّ كما وصفه السيِّدُ القائدُ كان بمثابةِ مخطَّطٍ هندسيٍّ لإسقاطِ اليمنِ من الدَّاخلِ، تمهيدًا لتحويلِه إلى ساحةِ نفوذٍ بلا سيادةٍ. ومن هنا جاءت ثورةُ 21 سبتمبرَ كضرورةٍ وطنيَّةٍ لإنقاذِ البلادِ من الانهيارِ الكاملِ واستعادةِ قرارِه وسيادتِه من قبضةِ الهيمنةِ الأجنبيَّةِ. فلسطين قضية لا تنسى وكعادتِه السيِّدُ القائدُ عبدُ الملكِ بدرُ الدينِ الحوثي في أيِّ مناسبةٍ كانت، لم ولن ينسَ القضيَّةَ الفلسطينيَّةَ ومناصرتَه لغزَّةَ، فهي القضيَّةُ الأولى والمركزيَّةُ لديه. ولكن هناك من يسعونَ جاهدينَ للتقليلِ من قيمةِ وأهميَّةِ الموقفِ اليمنيِّ الذي يُمثِّل موقفًا عظيمًا باعترافِ العالمِ أجمعَ وحتَّى باعترافِ العدوِّ الإسرائيليِّ. وبمناصرةِ السيِّدِ القائدِ لغزَّةَ وفلسطينَ بشكلٍ عامٍّ جعل من اليمنِ صوتًا صادقًا في زمنِ التَّطبيعِ والتَّواطؤِ، وهو ما دفع خصومَ الأمَّةِ إلى محاولةِ تشويهِ هذا الموقفِ أو التقليلِ من أثرِه، فهذا الموقفُ لا ينطلقُ من مصالحَ ضيِّقةٍ أو حساباتٍ سياسيَّةٍ، بل من إيمانٍ عميقٍ بعدالةِ القضيَّةِ وارتباطِها بهويَّةِ الأمَّةِ، واعترافُ العدوِّ الإسرائيليِّ نفسُه بعظمةِ هذا الموقفِ يكشفُ مدى تأثيرِه، ويؤكِّدُ أنَّ اليمنَ – رغم الحصارِ والعدوانِ – أصبح فاعلًا في معادلةِ المقاومةِ الإقليميَّةِ، لا مجرَّدَ متضامنٍ، لذلك فإنَّ التقليلَ من هذا الموقفِ هو محاولةٌ فاشلةٌ لكسرِ إرادةِ شعبٍ أثبت أنَّ صوتَه في الحقِّ أقوى من ضجيجِ المطبعينَ. ويتطرق السيد القائد إلى المخطط الصهيوني المتمثل في “تغييرُ الشَّرقِ الأوسطِ”، مبينا أنها كلمةٌ واضحةٌ وعنوانٌ صريحٌ يشملُ هذه المنطقةَ بأسرِها، وقد أصدر مواقفَ واضحةً تجاه مصرَ والأردنِ والعراقِ، واعتدائه على جمهوريَّةِ إيرانَ الإسلاميَّةِ، واعتدائه على قطرَ، الذي كان درسًا لكلِّ بلدانِ الأمَّةِ، وفي المقدِّمةِ دولُ الخليجِ؛ لأنَّه لم يُراعِ الاعتباراتِ التي يركنونَ إليها ويظنُّونَ أنَّها تُشكِّلُ حمايةً لهم. وقد كشف السيِّدُ القائدُ هذا المشروعَ “تغييرَ الشَّرقِ الأوسطِ”، الذي تبنَّاه الكيانُ الصهيونيُّ بإشرافٍ أمريكيٍّ وهندسةٍ إسرائيليَّةٍ. وهو ليس مجرَّدَ شعارٍ سياسيٍّ، بل مخطَّطٌ شاملٌ يستهدفُ تفكيكَ الأمَّةِ العربيَّةِ والإسلاميَّةِ وإعادةَ تشكيلِها بما يخدمُ مصالحَ الاحتلالِ والهيمنةِ، ولا يراعي أيَّ اعتباراتٍ سياسيَّةٍ أو تحالفاتٍ تقليديَّةٍ، حتَّى تجاه دولِ الخليجِ التي ظنَّت أنَّ الحمايةَ تأتي من التبعيَّةِ، بل إنَّ الاعتداءَ على قطرَ – كما وصفه السيِّدُ القائدُ – كان درسًا قاسيًا لكلِّ بلدانِ الأمَّةِ بأنَّ الرِّهانَ على الخارجِ لن يجلبَ الأمنَ، بل يفتحُ البابَ للابتزازِ والتفكيكِ. وقد جاءت ثورةُ 21 سبتمبرَ كموقفٍ مضادٍّ لهذا المشروعِ، لتُعيدُ الاعتبارَ للسِّيادةِ، وتُثبِتُ أنَّ التَّحرُّرَ من الوصايةِ هو السَّبيلُ الوحيدُ لحمايةِ الأمَّةِ من إعادةِ تشكيلِها على يدِ أعدائِها.

 

قد يعجبك ايضا