وأنا أتابع قادة العالم في الدورة الـ”80″ للأمم المتحدة، تمنيت لو أن خورتشوف عاد إلى الحياة من جديد وبيده نفس الحذاء التي ضرب بها الطاولة أمام قادة العالم، بل كان المُفترض أن يحمل زُبرة كبيرة ويكسر بها الطاولة التي أمامه لعل العالم يصحو من غفلته ويثوب إلى رشده، بعد أن طغى الزمن الأمريكي بكل ما هو عليه من صلافة وحقد وغفول وعنجهية، فالكلمات وإن كانت كلها متشابهة ولم تحمل أي دلالة من دلالات البُعد الإنساني العميق، أو الحرص على إعادة تشكيل هذه المنظمة الدولية وإعادة الحياة إليها لتصبح منظمة حقيقية تحمي الأمن والسلام في العالم .
كلهم يناشدون المجتمع الدولي، والمجتمع الدولي يُناشد أمريكا بلا جدوى ودون أن يصلوا إلى نتيجة تؤدي الغرض، وتخدم المظلومين في هذا العالم، وفي مقدمتهم أبناء الشعب الفلسطيني، فحتى المُسمى رئيس هذه الدولة الغائبة نفسه تأمرك على حين غفلة، أو أنه أمريكي مُنذ أن حضر إلى أوسلو ووقع ذلك الاتفاق المشؤوم .
المهم أن أمريكا تحولت إلى عصى غليظة، ووقف ترامب أمام باب الدخول إلى القاعة الكبرى للأمم المتحدة وبيده معول يضرب به كل من دخل، ويُلقنه بالكلام الذي يجب أن يُفصح به، بحيث تساوت الكلمات واتحدت الأهداف، وفي النهاية مجموعة من العرب والمسلمين المتخاذلين لاذوا بترامب واجتمعوا إليه لكي يضمن لهم السلامة من صلف وغطرسة العدو الصهيوني، غير مُدركين أنه هو العدو الذي يجب أن يحذروه، وهو الذي يقر لنتنياهو كل خطوة يخطوها، بما في ذلك الاغتيالات الخاصة وإراقة الدماء، لا أدري متى سيفيق العرب والمسلمون؟! بل وكل دول العالم ويثوبوا إلى رشدهم ويعرفوا أن أمريكا هي العدو الأكبر، وهي قبلة الإرهاب، الكلمة المطاطة التي يطلقونها على كل من هب ودب بحسب الأهواء والرغبات، بينما هي أمريكية 100% والكل يعرفون هذه الحقيقة، إلا أنهم يتعاطون بذلك المثل الشعبي القائل ( اليد التي لا تستطيع أن تكسرها حِبها )، وكلهم يتعاطون بهذا الأسلوب مع أمريكا، وبالذات دول الخليج التي تُلحق كل قُبلة ليد ترامب بتريليون من الدولارات والعرب يتضورون جوعاً، خاصة أبناء غزة الذين يتعمد العدو الصهيوني تجويعهم وإذلالهم، وكأنه يمارس لعبة بالنسبة له، بينما هؤلاء البشر يتساقطون وعلى رأسهم الأطفال والنساء، والدولارات تذهب إلى واشنطن ولندن وباريس على مرأى ومسمع من الشعوب العربية والإسلامية، الوحيد الذي ربما قدم شيئاً جديداً وأعطى القضية حقها من الاهتمام هو رئيس وزراء أسبانيا، فهذه الدولة بالأمانة تذكرت أيام الفتح المُبين وأيام وجود المسلمين في الأندلس، عندما كانت الحضارة الإسلامية تؤثر كلياً في بناء الحضارة الأوروبية، كما أشار إلى ذلك ملك بريطانيا تشارلز، عندما تحدث عن تأثير الحضارة الإسلامية على الحضارة في أوروبا، وقال بالحرف الواحد “لقد استفادت الحضارة الأوروبية من الحضارة الإسلامية وأخذنا قوانين الطبيعة والرياضيات من كبار علماء المسلمين”، وهذا ما يُسمونه بالزمن الجميل فعلاً الذي ساد فيه الإسلام بقيمه وأخلاقه، كما جاء في النصوص القرآنية والسنة النبوية المطهرة التي للأسف أصبحت لعقاً على الألسن عند العرب والمسلمين، ويُعمل لها ألف حساب في أوروبا وأمريكا وكافة الدول غير الإسلامية .
المشكلة أن الدول العربية صدّقت الوصفة الأمريكية وحولت بوصلة العداء من الكيان الصهيوني إلى إيران الدولة الإسلامية التي لا يزال الإسلام فيها قائماً ولا تزال في موقفها صامدة تدعم الثورة الفلسطينية ومحور المقاومة بشكل عام، وهي اليوم الأمل الوحيد للمقاومين المسلمين حقاً، من لا يزالون متمسكين بالإسلام قولاً وعملاً، مع ذلك تُنفق المليارات في دول الخليج بالذات من أجل استهداف هذه الدولة والنيل منها، بعد أن صارت هي العدو استناداً إلى الرؤية الأمريكية الموجهة ضد الإسلام والمسلمين .
الحالة أصبحت مُزرية وتتطلب الكثير من المواقف الإيجابية التي تُعزز مكانة المسلمين وتُعيد الأمور إلى نصابها الطبيعي ويعرف العربي والمسلمون من هو العدو ومن هو الصديق، إنها أُمنية عظيمة ولكنها لن تتحقق إلا إذا صحت الشعوب، ليس على طريقة الربيع العربي الذي تحول إلى عبري وأمريكي، بل صحوة حقيقية تنطلق من الإسلام ورؤيته العظيمة ومنهجة القويم، وتسعى بكل ما أوتيت من قوة إلى إسقاط الزعامات الحالية المتأمركة أو الخانعة لأمريكا، أقول هي أمنية قد تتحقق أو لا تتحقق، لكن أملنا في الله كبير، وإذا أراد قضى المُراد، وليس ذلك على الله ببعيد، والله من وراء القصد .