عرب التطبيع و(إسرائيل الكبرى)

عبدالفتاح البنوس

 

 

( من النيل إلى الفرات أرضك يا إسرائيل ) هذه العبارة ليست مجرد شعار عابر، أو كلمات مركبة لا معنى لها ؛ ولكنها ثابتة من الثوابت اليهودية التي يسعى كيان العدو الإسرائيلي لتحقيقها على أرض الواقع في سياق ما يسمى بمشروع إسرائيل الكبرى، المشروع الذي تم تغليفه بطابع تلمودي توراتي من أجل أن يجد له رواجا في أوساط اليهود في فلسطين المحتلة، وتوظيفه من أجل التغرير على الجاليات اليهودية المقيمة في الدول الغربية وبقية دول العالم وتحفيزها على الهجرة صوب الأراضي الفلسطينية المحتلة من أجل أن يكونوا جزءا لا يتجزأ من هذا المشروع الاستعماري الاستيطاني التوسعي الذي يتجاوز حدود فلسطين المحتلة ليصل إلى ما هو أكثر اتساعا وتمددا .
النتن ياهو لم يجد أي حرج في الظهور المباشر على قناة 24 الإسرائيلية، وهو في حالة انتشاء، واضعا أمامه خريطة ما يسمى بـ”إسرائيل الكبرى” التي يصل امتدادها من النيل إلى الفرات، والتي عكف بكل غرور وعنجهية على شرحها وتبيان تقسيمها وكأنه أشبه بأستاذ متخصص في الجغرافيا، يرسم حدود دولته المزعومة التي يحلم بها ورفاقه في التيار اليميني اليهودي المتطرف، معتبرا تحقيق هذا المشروع الذي وصفه بالحلم مهمة تاريخية وروحية بالنسبة له .
الدولة التي تبتلع فلسطين كاملة وأجزاء من مصر والأردن وسوريا ولبنان والسعودية والكويت والعراق، لم يجد أي حرج في الإفصاح عنها والمجاهرة بالحديث عنها بعد أن تحولت إلى برنامج عملي ومشروع توسعي دخل حيز التنفيذ على أرض الواقع بشن العدوان الصهيوني على غزة، وحرب الإبادة الجماعية التي يرتكبها بحق أطفال ونساء غزة وسياسة التجويع الممنهجة التي يمارسها بكل صلف ووحشية بضوء أخضر ومشاركة أمريكية، وعلى الرغم أنها ليست المرة الأولى التي يتطرق فيها نتنياهو لهذا المشروع ؛ إلا أنها المرة الأولى التي تتسم تصريحاته حول ذات الموضوع بتلكم الجرأة والوضوح، والمرة الأولى التي تأتي متجاوزة كل ما قامت به أنظمة العار العربية من تقديم لقرابين الولاء والطاعة وانخراطهم في مسار التطبيع، وسقوطهم في مستنقع الخيانة واليهودة والتصهين، ضاربا نتنياهو بكل ذلك عرض الحائط، في واحدة من أقذع صور الاستفزاز والاستهزاء والاستخفاف والإهانة .
إهانات نتنياهو لملوك وأمراء وقادة ورؤساء دول التطبيع والتصهين والتأمرك، كان من المفترض أن تقابل بردود أفعال قوية ومزلزلة كفيلة بأن تشكل حالة غير مسبوقة من الردع والتأديب للنتن والرد على إهاناته لهم ولدولهم وشعوبهم وللمنطقة بأكملها، حيث توقعت بأن يسارع هؤلاء إلى تعليق العمل بالاتفاقيات والمعاهدات المبرمة مع الكيان واستدعاء السفراء العرب لديه، وتجميد العلاقات الثنائية معه، والتلويح بقطعها واتخاذ أي خطوات من شأنها كبح جماح النتن وحكومته اليمينية المتطرفة ودفن مشروع حلمهم التوراتي المزعوم إلى الأبد، كأقل ما يمكن القيام به ردا على هذا التطاول الصهيوني السافر، ولكن ردود الأفعال العربية جاءت مخزية وباهتة ومذلة ومهينة لا ترتقي إلى مستوى الحدث، وكأنه ضربت عليهم الذلة والمسكنة للأسف الشديد .
مصر العروبة، مصر جمال عبدالناصر وأحمد عرابي وسعد زغلول أدانت التصريحات الصهيونية وطالبت بتوضيحات، وهو ذات الموقف الذي عبرت عنه السعودية، ويمكنني القول بأنه ذات الموقف الذي عبرت عنه أيضا كافة الأنظمة التي أشار إليها النتن في تصريحاته المستفزة، على الرغم أن تصريحاته كانت واضحة بما فيها الكفاية، ولا تحتاج إلى لائحة تفسيرية، ولكن حالة الذل والمهانة والخضوع والخنوع التي عليها هؤلاء الخونة العملاء وخشيتهم من غضب أمريكا واستعداء ترامب، ولحرصهم على مراعاة مشاعر نتنياهو، وعدم استشعارهم لحجم الإهانة التي تعرضوا لها، وتجردهم من القيم والمبادئ والأخلاق، وموت ضمائرهم، وذهاب غيرتهم، حال دون اتخاذهم المواقف التي من شأنها أن تحفظ لهم البقية الباقية من كرامتهم، ولكنهم رضوا بالهوان، ومن يهن يسهل الهوان عليه، ما لجرح بميت إيلام .
خلاصة الخلاصة : يجيد نتنياهو منطق الاستهزاء بأعراب التطبيع، خدام الصهيونية وأدواتها القذرة في المنطقة العربية، ومشروع ما يسمى بإسرائيل الكبرى ليس وليد اللحظة كما يتوقع البعض، حيث يروج له في الأوساط الصهيونية استنادا إلى ما جاء من نصوص تلمودية في سفر التكوين والتفسيرات التوراتية التي تتبناها الجماعات اليهودية المتطرفة.
ومكمن الخطورة في هذا المشروع اليوم أنه لم يعد مجرد حلم يسعى الصهاينة لتحقيقه، بل أصبح مشروعا عمليا، دخل حيز التنفيذ المرحلي.
ومن غير المنطقي الرد عليه بالتنديد والاستنكار وطلب التوضيحات، إنهم يتعاملون مع عدو قذر لا عهد له ولا ذمة، عدو يتربص بهم قبل غيرهم، عدو لن يشفع لهم التطبيع والتحالف والتآمر معه، في تحصينهم من غدره ومكره وخداعه وإجرامه، وهو ما يستوجب عليهم تصحيح المسار، قبل أن يقع الفأس على الرأس، ويصل بهم الحال إلى احتلال أرضهم وانتهاك واستباحة سيادتهم وإخضاعهم للوصاية والانتداب والتبعية الإسرائيلية.
والعاقبة للمتقين.

قد يعجبك ايضا