بقيمة 140 مليون ريال: توقيع 23 عقداً مع تجار تمور محليين بكمية تعاقدية بلغت 1850 طناً هذا العام
التمر اليمني.. من حقول تهامة إلى أسواق الوطن
استلام الدفعة الأولى من »التمور« ضمن سياسة خفض فاتورة الاستيراد وفق برنامج استراتيجي، يربط بين القطاع التجاري والإنتاج المحلي
وفرة إنتاجية هذا الموسم تتراوح ما بين 500 إلى 600 طن من التمور في مديريات تهامة وحدها
في ساحة الجاح بمديرية بيت الفقيه بمحافظة الحديدة، أقيم مهرجان التمور الشعبي والذي مثل إعلاناً دراماتيكياً عن انطلاق جبهة جديدة في معركة الصمود اليمنية؛ جبهة الإنتاج الزراعي. يأتي هذا الحدث، الذي تزامن مع سلسلة من الخطوات الاستراتيجية في عدة محافظات، ليؤكد أن اليمن، بقيادته الثورية، يتبنى خيار الاكتفاء الذاتي كدرع حصينة في مواجهة العدوان والحصار الاقتصادي.
تبلور الاهتمام بالزراعة في حراك وطني شامل يربط المزرعة بالسوق، ويُسخر التكنولوجيا المحلية لخدمة الفلاح، ويفتح آفاقاً جديدة لتسويق منتج بات يمثل رمزاً للصمود والخير. هذه التحولات هي ثمرة رؤية عميقة وخطوات متراكمة رسمت ملامح طريق جديد للإنتاج الوطني.
الثورة / يحيى الربيعي
في تهامة، حيث احتفى مزارعو التمور بموسمهم، جاءت تأكيدات المسؤولين لتُعطي الحدث أبعاداً تتجاوز الفلكلور. مدير المديرية، حسين زين، أكد أن الزراعة «جبهة إنتاجية لا تقل أهمية عن بقية الجبهات»، في إشارة واضحة إلى ربط النضال العسكري والاقتصادي. هذا الربط ذاته تجسد في زيارة وفد رسمي لمزارع النخيل في محافظة الجوف، بقيادة الشيخ صالح بن ثيبه، حيث جرى تقييم جودة المحصول ووضع خطة تسويقية متكاملة.
وفي خطوة سباقة، أعلنت الهيئة العامة للعلوم والبحوث والتكنولوجيا والابتكار عن إنجاز نوعي يمثل ثورة في مجال المعالجة ما بعد الحصاد. فقد نجحت الهيئة، وبكفاءة عالية، في تصنيع وتطوير مجففات شمسية محلية الصنع، تمثل نقلة نوعية في مواجهة الفاقد الزراعي. ووفقاً لنائب رئيس الهيئة، الدكتور عبد العزيز الحوري، فإن هذا الإنجاز جاء نتيجة «هندسة عكسية دقيقة لنموذج ألماني» وبكلفة لا تتجاوز 30 % من تكلفة الاستيراد. هذا النموذج، الذي دخل حيز التجريب بالفعل في مزارع التحيتا بالحديدة، أظهر نتائج «مشجعة للغاية» في تجفيف التمور والبن والعنب، مؤكداً أن التكنولوجيا، عندما تُوطن، تصبح أداة قوة اقتصادية وسيادية.
أداة للتمكين الاقتصادي
لعل أبرز مؤشر على جدية التوجه نحو الاكتفاء الذاتي كان في محافظة الحديدة، حيث دشن المحافظ عبدالله عطيفي عملية استلام الدفعة الأولى من التمور ضمن سياسة خفض «فاتورة الاستيراد». هذا البرنامج الاستراتيجي، الذي يربط بين القطاع التجاري والإنتاج المحلي، استوعب دفعة أولى بلغت 120 طناً من التمور من مناطق السويق، والجاح، والنخيلة.
أكد المحافظ عطيفي أن هذه الخطوة «تتويج لجهود وطنية متواصلة لدعم الإنتاج المحلي»، ومؤشراً على سياسة حكومية تهدف إلى تقليص الاعتماد على الخارج. الأرقام تتحدث بوضوح عن حجم هذا التحول، حيث أشار نائب مدير وحدة الزراعة التعاقدية، إبراهيم وهاس، إلى أن هذا العام شهد توقيع 23 عقداً مع تجار محليين بكمية تعاقدية بلغت 1850 طناً، مقارنة بـ350 طناً العام الماضي، بقيمة 140 مليون ريال. هذا التدفق النقدي المباشر للمزارعين يعزز دور الجمعيات الزراعية، ويشجع المزارعين على التمسك بأرضهم ومضاعفة جهودهم.
وفي السياق ذاته، جاء مشروع إسناد الجمعيات المنتجة للتمور في الحديدة ليقدم دعماً لوجستياً مباشراً، حيث تم توزيع تسعة آلاف سلة تسويقية على ثلاث جمعيات، في خطوة تهدف إلى تحسين جودة التعبئة والتغليف، وتقليص الفاقد بعد الحصاد، وهو ما أكده مدير وحدة تمويل المشاريع يحيى الوادعي.
أفق جديد للأمن الغذائي
تتكامل هذه المبادرات في إطار استراتيجية وطنية متكاملة تهدف إلى تحقيق الأمن الغذائي. فبينما يوجه عبدالرحمن هزاع، ضابط سلاسل القيمة للتمور، المزارعين في لقاء توعوي بمديرية الدريهمي إلى أهمية «التجفيف السليم» و»التسويق عبر الجمعيات»، تؤكد التقديرات الأولية التي أشار إليها رئيس دائرة التسويق بالاتحاد التعاوني الزراعي، بكيل طاهر، على وفرة إنتاجية هذا الموسم تتراوح ما بين 500 إلى 600 طن في مديريات تهامة وحدها.
هذه الأرقام والإنجازات لا ترسم صورة لحظية للنجاح، بل تضع حجر الأساس لمستقبل زراعي مستدام. إن التمور اليمنية، التي أثبتت جودتها العالية، باتت الآن مدعومة بمنظومة متكاملة من التوعية والتكنولوجيا والتمويل والتسويق. إنه تحول جذري، من التعامل مع المحصول كسلعة محلية تقليدية، إلى اعتباره أداة اقتصادية استراتيجية ورمزاً من رموز الصمود الذي يتقدم بخطى ثابتة نحو تحقيق الاكتفاء الذاتي الكامل.