تحدث عن الحركة الطلابية والمقاومة الشـعبيـــة قبل وبعـــد قيــام الثــــورة


حاوره‮/ ‬محمد محمد إبراهيم –

على طريق طولها‮ ‬120‮( ‬كم‮) ‬بين قريتي‮ ‬وإب شاهدت الناس‮ ‬شبه العراة‮ ‬حفاة متعبين
‬قطعنا نحو‮ ‬15‮ ‬كيلو متراٍ‮ ‬مشياٍ‮ ‬على الأقدام من قرية حورة إلى منطقة‮ «‬كتاب‮» ‬في‮ ‬قاع الحقل ليقلنا‮ «‬بابور‮» ‬قادم من صنعاء كان‮ ‬ينتظره المسافر أحياناٍ‮ ‬لأيام
‬اتذكر أن الطريق التي‮ ‬تمر من قاع الحقل إلى مدينة السدة شقها المواطنون بأمر الإمام تحت إشراف‮ »‬العامل‮« ‬
‬كان التعليم محدوداٍ‮ ‬جدا ووجود تسمية مدرسة الأيتام لا‮ ‬يعني‮ ‬وجود مدرسة متخصصة لهم وإنما كان بعض الأيتام‮ ‬يسكنون في‮ ‬مدرسة الأحمدية أو العلمية بصنعاء‮ ‬

‮> ‬يلتقط صور الواقع في‮ ‬كلمات ليرسم بها رسالة راقية عن المفارقات التي‮ ‬تعيشها المجتمعات ليس لأجل الكتابة وسحرها الأخاذ‮ ‬‮ ‬وإنما لحمل رسالة التعايش الانساني‮ ‬‮ ‬ونقل الخبرات من المجتمعات المتقدمة إلى مجتمعنا لعله‮ ‬يقرأ‮ .. ‬فكتابه رحلة إلى الصين الذي‮ ‬صدر عن دار عبادي‮ ‬مؤخراٍ‮ ‬في‮ ‬هذا العام‮ ‬يجمع بين دفتيه تجربة أرقى أمم العالم وأكثرها انتاجاٍ‮ ‬واحتراماٍ‮ ‬لقيم الوقت والعمل والتعايش الانساني‮.. ‬إنه الكتاب الذي‮ ‬أشعرني‮ ‬بالندم والأسى‮ – ‬ليس لأني‮ ‬لم أرافق الكاتب في‮ ‬رحلته الميدانية للصين‮- ‬بل لأن صناع القرار في‮ ‬عالمنا الثالث لا‮ ‬يقرأون إلا بحدود المناكفات السياسية والجدل العدمي‮.. – ‬ولمن لا‮ ‬يعلم‮ – ‬فالأستاذ شائف علي‮ ‬الحسيني‮ ‬إعلامي‮ ‬وكاتب من الطراز المتقدم والواعي‮.. ‬كان من طلاب المدرسة الأحمدية بـ(تعز‮) ‬دخلها في‮ ‬عام‮ ‬1960م وكان من السبِاقين إلى صفوف الجمهورين والمدافعين عن الثورة السبتمبرية إذ لا زال‮ ‬يحتفظ ببطاقة انتمائه للمقاومة الشعبية وهي‮ ‬الهوية النضالية التي‮ ‬صدرت حاملة شعار‮ «‬الموت في‮ ‬سبيل الجمهورية والثورة‮» ‬والتي‮ ‬حصل عليها في‮ ‬العام‮ ‬1965م حين كان عمره‮ – ‬حسبها‮- ‬17‮ ‬سنة‮.. ‬هذا البطاقة صادرة عن المقاومة الشعبية‮- ‬فرع تعز‮ -‬بتوقيع المقدم ركن‮/ ‬يحيى مصلح مهدي‮ ‬قائد المقاومة الشعبية‮..‬
وهذا ما‮ ‬يجعل الحوار معه أكثر أهمية في‮ ‬الحدث عن الحركة الطلابية والمقاومة الشعبية وتفاصيل ما جرى‮ ‬يوم الثورة وأثناء معارك الدفاع عنها‮ ‬وتفاصيل أخرى عن مرحلة الفرز السياسي‮ ‬وآثاره السلبية على مسار النظام الجمهوري‮ ‬التي‮ ‬اكتنفت مرحلتي‮ ‬ما قبل وبعد الحصار‮…. ‬إلى تفاصيل الحوار الذي‮ ‬أجريناه بمناسبة اليوبيل الذهبي‮ ‬لثورة السادس والعشرين من سبتمبر‮ ‬1962م‮..‬

‮> ‬فــي‮ ‬البدء أستاذ شائف كنت من طلاب المدرسة الأحمدية‮ .. ‬لكن لنرجع قليلاٍ‮ ‬من حكاية انتقالك من القرية إلى تعز‮.. ‬ماذا تتذكر من رحلة ذلك الانتقال ¿
‮- ‬كنت لم أزل طفلاٍ‮ ‬بين العاشرة والثانية عشرة‮ ‬‮ ‬لكني‮ ‬أتذكر الكثير من المشاهد وأستطيع القول إنه عندما انتقلت من قرية‮ «‬حورة‮ – ‬في‮ ‬وادي‮ ‬بنا‮ – ‬مديرية السدة‮ « ‬سافرت مع خالي‮ ‬‮ ‬حيث قطعنا نحو‮ ‬15‮ ‬كيلو متراٍ‮ ‬مشياٍ‮ ‬على الاقدام‮.. ‬ووصلنا إلى منطقة‮ «‬كتاب‮» ‬في‮ ‬قاع الحقل‮. ‬وهي‮ ‬مجموعة صغيرة من البيوت‮. ‬تمر منها طريق صنعاء المؤدية إلى تعز وكانت‮ «‬كتاب‮» ‬مجرد‮ «‬ممسا‮» ‬للمسافرين‮ (‬أي‮ ‬مبيت‮) ‬وفيها بعض الدواب لتأجيرها‮ ‬لمن لديهم أدوات وغيره من المسافرين تنقلهم إلى قرى ومناطق وادي‮ ‬بنا وأذكر شخصاٍ‮ ‬له سمعة كبيرة في‮ ‬هذا المضمار‮ ‬اسمه الحمامي‮ ‬رحمه الله إذ كان‮ ‬يؤجر حماره للمسافرين‮… ‬وفي‮ ‬هذا المكان أنتظرنا مع مجموعة من المسافرين على أساس إن‮ «‬بابوراٍ‮» ‬سيأتي‮ ‬من صنعاء‮ -‬كان المسافرون‮ ‬ينتظرونه أحيانا لأيام‮ ‬وكنت حينها لا أعرف ما هو‮ «‬البابور‮»! ‬‮ ‬ولا ما هو شكله‮!.. ‬وعند وصوله فوجئت بـ»مركبة‮» ‬كبيرة جداٍ‮ ‬تحمل أحجاراٍ‮ ‬على صندوقها الضخم الكبير‮ ‬‮ ‬ولها ضجيج‮ ‬يملأ الوادي‮ ‬‮ ‬وكنا نسمع بعض المسافرين‮ ‬يقولون إن هذه الحجارة التي‮ ‬يحملها‮ «‬البابور‮» ‬جلبوها من ذمار لبناء حمام للبدر في‮ ‬العرضي‮ ‬ب»تعز‮» ‬على‮ ‬غرار حمامات صنعاء البخارية‮ ‬‮ ‬وكانت الفكرة أن البدر سيكون إلى جوار والده في‮ ‬تعز‮ ‬باعتباره ولياٍ‮ ‬للعهد‮ ‬وسيصبح حاكماٍ‮ ‬على اليمن كان‮ «‬البابور‮» ‬يغص بالمسافرين من ذمار ورداع والبيضاء ويريم وغيرها‮ ‬‮ ‬عندما ركبت في‮ ‬هذا‮ «‬البابور‮» ‬كنت أشعر وأنا وسط تلك الأحجار‮ ‬إنه‮ ‬يدور ويتحرك وأشم رائحة‮ ‬غازات وأدخنة لا أميز نوعها ولا ماهي‮! ‬‮ ‬ولاكيف‮ ‬يسير¿‮! (‬اتضح لي‮ ‬فيما بعد إنها وقود البابور من الديزل والبترول والزيوت‮).‬
وأتذكر من سفرنا في‮ ‬تلك الطريق الترابية التي‮ ‬عرفتها لأول مرة إن‮ «‬البابور‮» ‬في‮ «‬نقيل سمارة‮» ‬وغيرها من‮ «‬العقاب‮» ‬ذات الالتواءات والمنحنيات الخطيرة‮ ‬يتوقف لينزل الركاب حفاظاٍ‮ ‬على سلامتهم‮ ‬وعلى هذا الحال مضينا في‮ ‬سفر مضنُ‮ ‬حتى وصلنا تعز في‮ ‬المساء تقريبا‮.‬
طرقات بسواعد المواطن
‮> ‬على ذكر الطريق الترابية‮ ‬يقال‮: ‬إن خط الحديدة‮ -‬مدينة الشرق‮ – ‬ذمار‮- ‬إب‮ – ‬تعز‮ – ‬وغيرها من الطرق شْقتú‮ ‬بسواعد المواطنين‮ ‬‮ ‬وإن الإمام كان‮ ‬يلزم كل قبيلة بشق الجزء المار من منطقتها‮.. ‬ماذا تعلم من صحة هذا القول ¿ وهل تتذكر من شِقِ‮ ‬الطريق التي‮ ‬مررت بها في‮ ‬رحلتك الأولى إلى تعز¿
‮- ‬لا أعرف كيف تم شق هذه الطرق‮.. ‬ولكن الذي‮ ‬عرفته فيما بعد‮ ‬‮ ‬إن ذلك كان‮ ‬يقوم على جهود المواطنين من سكان الأرياف كل منطقة أو قبيلة تمرْ‮ ‬الطريق من أراضيها هي‮ ‬ملزمة بأمر الإمام بشقها‮ ‬إلى حدود المنطقة الأخرى وهكذا‮.. ‬وما أتذكره إنه عند شق‮ ‬الطريق التي‮ ‬تمر من قاع الحقل الى مدينة السدة بدأتú‮ ‬على ذلك النحو‮.. ‬المواطنون‮ ‬يشقون الطريق تحت إشراف العامل الذي‮ ‬كان‮ ‬يمثل رأس السلطة المحلية أنذاك‮.. ‬ولاشك إن ذلك ما كان‮ ‬يتم في‮ ‬جميع الطرق الرئيسية والفرعية‮.. ‬فجميعها معمولة باليد وبالأدوات البسيطة ولاتزال معالم‮ ‬طريق صنعاء الحديدة وطريق صنعاء تعز القديمة واضحة حتى اليوم من خلال مابقي‮ ‬منها من جدران تشاهد بالعين عند المرور منها‮. ‬
‮> ‬كيف شاهدت المناطق التي‮ ‬مررت بها ¿ وماذا عن مشاهدتك للحالمة تعز لأول مرة ¿
‮- ‬كانت الحياة التي‮ ‬شاهدتها على طول الطريق الذي‮ ‬يبلغ‮ (‬120‮) ‬كم تقريبا لا تختلف عن ما هو في‮ ‬القرية‮ «‬الأغنام والأبقار والناس‮ ‬شبه العراة‮ ‬والحفاة والمتعبين‮»‬‮ ‬حيث كنا نراهم في‮ ‬كل مكان كنا نمر فيه‮ ‬حتى وصلنا إلى مدينة‮ «‬إب‮» ‬التي‮ ‬بدت عبارة عن مجموعة بيوت منصوبة ومتلاصقة‮ ‬في‮ ‬ربوة مرتفعة تحت جبل بعدان وكان ما حولها مساحات وحقول زراعية خضراء فهي‮ ‬ليست مدينة كما عرفنا المدن فيما بعد ولكنها قرية كبيرة فيها مقر نائب الإمام والحكام الآخرين إلى جانبه توقفنا في‮ ‬ساحة صغيرة في‮ ‬أسفل تلك الربوة نشرب من الماء في‮ ‬سبيل أقيم على الطريق‮. ‬
وكانت تعز في‮ ‬ذهني‮ ‬شيئاٍ‮ ‬آخر‮.. ‬فيها التجارة‮ ‬المتنوعة والسيارات وفيها المباني‮ ‬الكبيرة وغير ذلك مما تصورته وعندما وصلنا‮ «‬تعز‮» ‬المدينة‮ -‬التي‮ ‬كنا نسمع بها على الدوام‮- ‬كان الوصول في‮ ‬وقت المساء ولم تكن أمامنا معالم مدينة مضيئة وانما بيوت تنبعث منها آثار ضوءُ‮ ‬خافتة‮.. ‬تشعْ‮ ‬من قْرى ومبانُ‮ ‬متناثرة في‮ ‬جميع الأماكن التي‮ ‬مررنا فيها لم تكن كما تصورت في‮ ‬ذهني‮.. ‬بل كانت تبدو عبارة عن قرى‮ ‬كبيرة ليس أكثر‮ ‬وكان وصولنا إلى صالة حيث خالي‮ ‬يعمل هناك عند شخص من البلاد‮ ‬يعرفه‮.. ‬فكان أول منظر شاهدته‮ ‬في‮ ‬الصباح وثبت في‮ ‬ذهني‮ ‬هو البيت الضخم الكبير ذو الطوابق‮ ‬الأربعة‮ ‬الذي‮ ‬لم أشاهد مثله‮ ‬من قبل هو قصر‮ «‬صالة‮ « -‬مقر‮ ‬الإمام ومسكنه‮- ‬يتربع‮ ‬في‮ ‬أعلى تلُ‮ ‬متوسط الحجم‮ ‬‮ ‬ويطلْ‮ ‬على كل البنايات التي‮ ‬تحتشد حوله ومنها على مساحة كبيرة من تعز المدينة والأرض‮ ‬وتلك البيوت أغلبها للعسكر والحراسات التابعة لجيش الإمام وللقرى التي‮ ‬يسكنها الفلاحون هناك اندماج واضح بين الريف مع المدينة هذه مساكن للقاطنين في‮ ‬المدينة وبجانبها حقول للفلاحين‮ ‬يحرثونها وقراهم التي‮ ‬يسكنون فيها وهكذا‮.. ‬
كان مشهد ذلك العسكري‮ ‬الذي‮ ‬يلبس البنطال والقبعة ومحزم بالمسدس الواقف أمام القصر شيئاٍ‮ ‬مفزعاٍ‮ ‬بالنسبة لي‮ ‬فهو جديد في‮ ‬حياتي‮ ‬كان هذا العسكري‮ ‬يتولى مسئولية فتح الخشبة التي‮ ‬تمنع البوابير الآتية بالبضائع من عدن من الدخول قبل استلام ورقة الجمرك وطلوع ضوء الصباح‮.. ‬
بعد وصولي‮ ‬بيوم بدأت المراجعة إلى جانبي‮ ‬خالي‮ ‬في‮ ‬ديوان الإمام من أجل التسجيل في‮ ‬المدرسة الأحمدية‮ ‬فقد كانت‮ ‬تمرْ‮ ‬المراجعة‮ ‬عبر خطوات كثيرة تبدأ من مركز الناحية في‮ ‬المنطقة التي‮ ‬أتيت منها ثم التأكد من إنك فقير ثم إمكانية استيعابك في‮ ‬المدرسة‮… ‬إلخ ولولا تدخل شخص كان كاتباٍ‮ ‬في‮ ‬مقام الإمام اسمه الذاري‮ -‬رحمه الله‮- ‬لما تم قبولي‮ ‬تحت حجة إنه لا‮ ‬يوجد‮ (‬منحل‮) -‬أي‮ ‬مقعد شاغر لإحلالي‮ ‬بدل الطالب الذي‮ ‬خرج‮- ‬أو كما قال لخالي‮ ‬بعض الموظفين تقديم رشوة حتى‮ ‬يتم إلحاقي‮ ‬ونحن لا نملك أي‮ ‬نقود فكان لتدخل الذاري‮ ‬أثر كبير لتحقيق مطلبنا فجزاه الله خيراٍ‮.. ‬
التعليم قبل الثورة
‮> ‬مقاطعاٍ‮ – ‬ذكر الكثير في‮ ‬أحاديثهم عن مدارس الأيتام فهل هذا‮ ‬يعني‮ ‬إن ثمة مدارس للأيتام كانت مستقلة¿
‮- ‬حقيقة لا أدري‮ ‬كيف جاءت هذه التسمية‮.. ‬ولا توجد مدرسة للأيتام بشكل متخصص‮ ‬لكن ذلك‮ ‬جاء في‮ ‬إطار الفصل بين من‮ ‬يلتحقون للدراسة ولديهم أهل ومساكن في‮ ‬المدينة وبين من‮ ‬يلتحقون وهم من الأرياف لا‮ ‬يملكون سكنا ولا إمكانيات مثل حالي‮ ‬وآخرون كثيرون أولئك‮ ‬يدرسون ثم‮ ‬يعودون إلى‮ ‬أسرهم ومنازلهم في‮ ‬المدينة تحت رعاية آبائهم ومنهم أيتام من التلاميذ‮ ‬يسكنون في‮ ‬المدرسة بشكل دائم ويدرسون كلهم في‮ ‬مدرسة واحدة‮.. ‬
وهذا لا‮ ‬يعني‮ ‬وجود‮ ‬مدارس أخرى أفضل من هذه‮ ‬المدرسة الخاصة بالأيتام إذ أن التعليم كان محدوداٍ‮ ‬فهي‮ ‬مدرسة واحدة مشهورة بهذا الاسم في‮ ‬تعز المدرسة الأحمدية‮ ‬وفي‮ ‬صنعاء المدرسة العلمية‮ ‬وكانت المدرستان تضم طلاباٍ‮ ‬من صنعاء ومن تعز ومن إب ومن ذمار ومن مناطق كثيرة‮ ‬فسميت مدارس الأيتام على هذا الأساس شاع الاسم‮ «‬مدرسة الأيتام‮»‬‮ ‬ولكن ليست للأيتام فقط‮ ‬بل كان هناك أبناء المشايخ والتجار والفقهاء الذين‮ ‬يدرسون ويسكنون في‮ ‬المدرسة‮.‬
ولم‮ ‬يكن كل الناس محظوظين بالتعليم فمشقة الانتقال إلى هذه المدن والتكاليف المادية وخطورة الامراض الوبائية المميتة تمنع كثيراٍ‮ ‬من الأسر السماح في‮ ‬سفر أبنائها للدراسة هناك‮ ‬فكانت مغامرة وحظوظاٍ‮ ‬لمن‮ ‬يتوفق في‮ ‬تلك الظروف الصعبة والشاقة والغالبية من الناس‮ ‬يوجهون أبناءهم للعمل الزراعي‮ ‬وإلى الغربة في‮ ‬الحبشة والسعودية وغيرها‮.‬

حراك طلاب الأحمدية
‮> ‬وأنت من طلاب المدرسة الأحمدية ماذا تتذكر الحراك الطلابي‮ ‬المتمثل في‮ ‬إضراب الطلاب في‮ ‬المدرسة¿‮ ‬
‮- ‬أتذكر إن أول ماحدث إلاضراب في‮ ‬المدرسة الاحمدية كان امتدادا للإضراب الذي‮ ‬حصل في‮ ‬مدرسة الأيتام‮ ‬بصنعاء وأعتقد إن ذلك كان أول المخاضات العملية المتعلقة بالثورة‮.‬
‮> ‬هل كانت علامات الثورة بارزة من خلال هذا الحدث¿
‮- ‬لم تكن علامات الثورة واضحة في‮ ‬البداية وإن كان الهمس‮ ‬يجري‮ ‬بين الطلاب الكبار وبين الناس الواعين في‮ ‬الشارع‮ ‬إن اليمن تعيش الفقر والجهل والمرض بسبب الإمام ولو أن الإمام‮ ‬يموت أو‮ ‬يذهب ستتغير اليمن وكنا نسمع أن الإمام لاتدخل الرصاص في‮ ‬جسمه فهو مصرف منها فكان ذلك بالنسبة لنا أشياء‮ ‬غريبة لانعرفها تحكى لنا أو نسمعها في‮ ‬الشارع‮. ‬
وقبل الاضراب تقريبا بشهر سمعنا إن الإمام أحمد جاء إلى المدرسة الأحمدية وجلس أمام‮ ‬البوابة الخارجية‮.. ‬يأتي‮ ‬إليه الطْلاب والمواطنون للسلام عليه وكانت المدرسة قريبة من الباب الكبير في‮ ‬المدينة والذي‮ ‬لايزال أهم معالم مدينة تعز التاريخية‮ ‬حتى اليوم ومن هذا المكان كانت أنذاك تمتد طريق أسفلتية ضيقة تتسع لمرور سيارة واحدة وفي‮ ‬اتجاه واحد ترتبط بقصر الإمام في‮ ‬صالة وقبل ذلك بالعرضي‮ ‬مقر الحكم ونواب الإمام و هي‮ ‬الوحيدة في‮ ‬المدينة‮.. ‬ولا توجد سيارة في‮ ‬تعز‮ ‬غير السيارة الخاصة بالإمام أحمد‮ ‬أو سيارة أخرى‮ ‬كان‮ ‬يقودها شخص مقرب من الإمام‮ ‬يدعى‮ «‬ابن محمود‮».. ‬أو سيارات نادرة تأتي‮ ‬وتغيب ومصدرها عدن لبعض التجار‮.. ‬
‮> ‬من تتذكر من طلائع الحركة الطلابية ¿
‮- ‬ما‮ ‬يتعلق بصنعاء لا أتذكر من كان‮ ‬يقود تلك المظاهرات والاضرابات ولكن اتضح فيما بعد أن تنظيم الضباط الاحرار على علاقة بعدد من الطلاب وبالأنشطة السياسية المعارضة للإمامة في‮ ‬اليمن وأتذكر إن من طلائع الطلبة الذين قادوا الإضراب في‮ ‬المدرسة الأحمدية بـ(تعز‮) ‬الذين كانوا كباراٍ‮ ‬وكانت لهم علاقة بالسياسة‮.. ‬محمد صالح الكهالي‮ ‬وكان رحمه الله طوال عمره في‮ ‬جبهات القتال دفاعا عن الثورة والجمهورية و‮ ‬يحيى حميد الخراشي‮ ‬ومحمد مرغم والحيمي‮ ‬وحمود هادي‮ ‬النمر‮ -‬استشهد دفاعا عن الثورة‮ -‬وأحمد حمود شحطرة رحمه الله-استشهد هو الآخر في‮ ‬جبهات القتال‮ – ‬وكذلك‮ ‬يحيى العماد وأحمد حسن محسن الذي‮ ‬استشهد بعد زفافه في‮ ‬العرس باسبوع حيث أخذ إجازة للزواج ومن حماسه عاد الى القتال واستشهدوا رحمهم الله جميعا‮ ‬واتذكر من الطلاب الذي‮ ‬كان لهم دور في‮ ‬الاضراب وفي‮ ‬الدفاع عن الثورة عبد الملك الارياني‮ ‬واسماعيل الحميضة وعبدالله علي‮ ‬عيسى المجاهد ومحمد الحالمي‮ ‬واحمد علي‮ ‬رباد وآخرين كثيرين‮ ‬ونحن كنا حينها لا نزال طلبة صغاراٍ‮ ‬ندور في‮ ‬فلك هؤلاء الطلبة دون إدراك موضوعي‮ ‬لما‮ ‬يحدث‮ ‬وإنما‮ ‬كنا نراهم متحمسين فنتحمس لحماسهم‮.‬

التخطيط للحركة الطلابية
‮> ‬هل كان الطلبة على علم بما‮ ‬يخطط له من ثورة¿
‮- ‬لا أعتقد ذلك‮.. ‬لكن كنا نسمع أن الطلبة الكبار كانوا‮ ‬يلتقوا بـ(علي‮ ‬عبد المغني‮) ‬وكان‮ ‬ينزل من صنعاء وكان عندهم مقر قريب المستشفى الملكي‮ ‬الجمهوري‮ ‬حاليا‮ ‬يلتقي‮ ‬بالضباط في‮ ‬تعز وببعض الطلاب الكبار‮.‬
‮> ‬هل تتذكر مطالب الطلبة وشعارات الإضراب والاحتجاجات حينها ¿‮ ‬
‮- ‬لا أتذكر ما هي‮ ‬مطالبهم ولا شعاراتهم لكنهم كانوا‮ ‬يرددون في‮ ‬أحاديثهم في‮ ‬المدرسة‮ «‬إننا لا نريد الإمام‮» ‬وإن هناك ظلماٍ‮ ‬وجهلاٍ‮ ‬وفقراٍ‮ ‬كله بسبب الإمام‮ ‬وغيرها من الكلمات التي‮ ‬كنت لا استوعبها‮.‬
‮> ‬كم استمر الاضراب في‮ ‬المدرسة¿
‮- ‬استمر الإضراب في‮ ‬المدرسة لمدة اسبوع تقريبا والحصار أيضاٍ‮ ‬استمر اسبوعاٍ‮ ‬وقطع الماء والغذاء بغرض خروج الطلبة من المدرسة وإغلاقها بحسب أمر الإمام‮.. ‬فأرسل الإمام بعض القضاة والمسئولين قبل الإغلاق‮ ‬يفاوضون الطلبة بإنهاء الإضراب‮ ‬كما تم إرسال جنود طوقوا المدرسة من جميع الجهات‮ ‬وأتذكر إنه أتى إلى المدرسة حينها القاضي‮ ‬عبدالرحمن الإرياني‮.. ‬مع آخرين لم أتذكرهم ودخل الساحة ليفاوض الطلاب‮ ‬لكني‮ ‬وكثيراٍ‮ ‬شعرنا أنه ليس متحمساٍ‮ ‬لإيقاف الإضراب لأنه كان‮ ‬يبدو مبتسما وهو‮ ‬يخاطب الطلاب في‮ ‬ساحة المدرسة‮ ‬‮ ‬رغم خطابه لهم‮: «‬سنوفر لكم طلباتكم‮ ‬‮ ‬وسنعمل كذا وكذا لحل المشاكل‮»‬‮ ‬لكن لا‮ ‬يوجد الحماس القطعي‮ ‬تجاه إيقاف الإضراب وكان بعض الطلاب‮ ‬يقولون الارياني‮ ‬هو معنا وبعض التلاميذ‮ ‬يتحمسون فيصرخون في‮ ‬الساحة‮ ‬يسقط الإمام‮.‬
‮> ‬هل تتذكر أسماء طلاب ممن كان‮ ‬يحدثهم الإرياني‮ ‬لحظتها¿
‮- ‬لا أتذكرهم جميعا وإنما صفوت ممن ذكرت لك سابقا‮.. ‬إنهم قادوا الإضراب وجميع طلاب المدرسة كانوا متواجدين حيث اكتظت بهم الساحة داخل المدرسة‮.. ‬وما أتذكره في‮ ‬تلك اللحظة هو أن أحد الطلاب الكبار كان‮ ‬ينهض من أوساط الطلاب‮ ‬يلعن الإمام ويشتم ويرفض أي‮ ‬عرض‮ ‬يطرحونه والشيء العجيب إن كل التجار والميسورين في‮ ‬تعز ممن‮ ‬يسكنون جوار وقرب من المدرسة‮ ‬بل واعتقد في‮ ‬المدينة‮ ‬يأتون بالأكل سرا للطلبة المضربين‮ ‬حيث‮ ‬يرمون به من النوافذ في‮ ‬الجدران‮ ‬ومن فوق الأسوار بعد أن تم تطويق المدرسة بالعسكر المخلصين للإمام ومنع الأكل والماء علينا‮.. ‬في‮ ‬تعز كانت الغالبية ضد حكم الإمام ومن تلك الأسماء‮ ‬التي‮ ‬اشتهرت بمساعدة الطلبة واحد‮ ‬يقال له‮: (‬شائف‮.. ‬صاحب المستودع الشرقي‮)‬‮ ‬صاحب مستودع الشرق الأوسط‮ ‬واحمد عمر صاحب استوديو تصوير بجانب مسجد الغفران كلهم في‮ ‬الشارع الرئيسي‮ ‬26‮ ‬سبتمبر حاليا وأسماء أخرى من الذين‮ ‬يأتون ويتاجرون في‮ ‬عدن‮ ‬وأتذكر أن بعضهم كان‮ ‬يأتي‮ ‬بالروتي‮ ‬ويضع نقود‮ (‬فرانصي‮) ‬في‮ ‬داخل الروتي‮ ‬ويرمي‮ ‬به إلى داخل حوش المدرسة‮ ‬‮ ‬وكان لدى الطلبة الكبار نوع من المسئولية والإنسانية تجاه الطلاب‮ ‬‮ ‬حيث‮ ‬يجمعونها ويوزعونها علينا بالتساوي‮.. ‬واستمر الحال كذلك حتى هدد جنود الإمام باقتحام المدرسة‮.‬
‮> ‬هل خاف الطلاب¿ وماذا عملوا حينها¿
‮- ‬أكيد خاف الطلاب خصوصاٍ‮ ‬الصغار‮.. ‬أتذكر إن الطلبة الكبار حينها جمعوا كمية من الأحجار وزعوها على كل الجوانب في‮ ‬سطوح المدرسة لرمي‮ ‬العسكر بها إذا هجموا على المدرسة‮ ‬وكان السويديون قد منحوا المدرسة مجموعة ألعاب حديدية داخل فناء المدرسة‮ ‬خاصة بألعاب الجمباز‮ ‬وكان أحد الطلاب الكبار قد خطرت بباله فكرة أن‮ ‬يأخذوا أحد هذه الألعاب‮ ‬ويضعوها في‮ ‬سطح المدرسة وفعلاٍ‮ ‬تم تغطيتها لإيهام الجنود إنها مدفع لكن تزايدت التهديدات بالاعتقال واقتحام المدرسة‮ ‬فخرج الطلاب جميعهم في‮ ‬صفوفاٍ‮ ‬متراصة‮ ‬يرددون الأناشيد ومنها انشودة‮: »‬في‮ ‬طريق النصر سيروا‮ ‬وعلى الاعداء ثوروا‮«. ‬

أمة تمحو الفساد‮ ‬إلخ‮ ‬
إلى أن وصل الطلاب المقام في‮ ‬منطقة خارج المدينة‮ ‬يقال لها ضربت علي‮ ‬وهي‮ ‬حارة المسبح في‮ ‬تعز حاليا‮ ‬وبعدها هرب الطلاب الذين لهم علاقة بالاضراب فرادى متنكرين وعن طريق الراهدة إلى عدن وبعضهم هرب من طريق آخر‮ ‬يقع خلف صالة ثم إلى ما بعد الراهدة‮.. ‬
‮> ‬وماذا عن الطلبة الصغار¿‮ ‬
‮- ‬نحن الطلبة الصغار بقينا حتى قال لنا‮ ‬بعض الناس نروح نراجع الإمام ونقول له‮: «‬نحن أطفال صغار ما لنا علاقة بالإضرابات‮» ‬وفعلنا ذلك وأصدر نائب الإمام الوشلي‮ ‬أمر بإرجاعنا إلى المدرسة بناء على أمر الإمام وقالوا نقول‮: «‬الله‮ ‬يحفظ الإمام‮» ‬بعد أن كنا في‮ ‬منطقة ضربة علي‮ ‬منطقة المسبح حاليا نقيم في‮ ‬العراء‮ ‬وتجار تعز‮ ‬وآخرون‮ ‬يمدوننا بوسائل البقاء من أكل ودفاء سراٍ‮.‬
‮> ‬ومن كان‮ ‬يحضر الأكل لكم¿‮ ‬
‮- ‬أشخاصاٍ‮ ‬لانعرفهم احيانا في‮ ‬جنح الظلام وأحيانا مع شباب صغار وأتذكر إننا بقينا في‮ ‬تلك المنطقة‮ ‬يومين أو ثلاثة أيام‮.. ‬وللحقيقة لقد كان ثمة أناس وطنيون سواء في‮ ‬المدنيين أو داخل أجهزة الدولة والسلك العسكري‮ ‬‮ ‬وكان تعاطفهم معنا‮ ‬يشعرنا إن كثيراٍ‮ ‬من هؤلاء قد طفح بهم الكيل وأنهم ضد الإمام‮.. ‬وأتذكر منهم شخصاٍ‮ ‬كان‮ ‬يدعى علي‮ ‬مانع كان مدير الأمن‮ ‬وكان‮ ‬يبدو رجلا طيباٍ‮ ‬وعصرياٍ‮ ‬يحاول بلطف إقناع الطلبة بمراجعة الإمام والعودة إلى المدرسة ويتعامل بشكل عاطفي‮ ‬مع المضربين وكأنهم أبناؤه‮ ‬فلا‮ ‬يسمح بضربهم أو إهانتهم وكان‮ ‬يحاول‮ ‬يحاورهم في‮ ‬إطار ودي‮ ‬يغلب عليه التعاطف والاحترام‮.‬

موت الإمام
‮> ‬كيف تلقى الناس وكيف سمعتم بموت الإمام¿‮ ‬
‮- ‬أول ما سمعنا عن موته من راديو صنعاء بعد عودته من روما حيث كان‮ ‬يتعالج هناك‮ ‬يتعالج‮ ‬وقالوا إن الإمام قد مات منذ فترة‮ ‬ولكن مخفيين موته‮ ‬وهذه التضاربات ساهمت أكثر في‮ ‬تهيئة الناس والمجتمع لشيء أسمه الثورة‮.. ‬لأن الجميع كان‮ ‬يخاف الإمام أحمد ولا‮ ‬يريد أحد نشر خبر موته‮ ‬قبل التأكد من الخبر‮.. ‬والمشهد الذي‮ ‬لا زلت أتذكره عن الأجواء الطلابية حينها‮.. ‬إن الطلبة الكبار كانوا‮ ‬يتجمعون حول المذياع أمام المدرسة‮ ‬يسمعون خطاب محمد البدر ولي‮ ‬العهد الذي‮ ‬أكد موت أبيه وتولى الإمامة بعده وما أصدره من تهديدات وأنه سينهج نهج أبيه في‮ ‬العنف والقتل لكل مناوئ لحكمه فكان البعض‮ ‬يشتم البدر ويقول الديمة الديمة وإنما خلفنا بابها‮ ‬وفي‮ ‬الاسبوع الثاني‮ ‬تجمع العشرات من الطلبة حول الراديو ليستمعوا من جديد إلى البيان الأول من إذاعة صنعاء بقيام الثورة وإعلان الجمهورية ثم‮ ‬يهتفون تحيا الجمهورية والثورة‮ .‬

خبر الثورة
‮> ‬أين وكيف سمعتم خبر الثورة¿‮ ‬
‮- ‬كنا حينها في‮ ‬المدرسة‮ ‬وإذا بي‮ ‬أسمع الطلاب وأناساٍ‮ ‬خارج المدرسة‮ ‬يصيحون‮ «‬عاشت الثورة‮ ‬‮ ‬عاشت الجمهورية‮.. ‬ولم أكن أعلم ما هي‮ ‬الثورة ولا ما هي‮ ‬الجمهورية‮.. ‬وبدأ بعض الطلبة‮ ‬يجمعون علب الحليب الفارغة ويعبونها بالرماد والتراب ويصبون عليها القاز بعد أن ثبتوها على أعواد من الخشب على شكل عصي‮ ‬ثم اشعلوها في‮ ‬المساء وساروا‮ ‬يرددون الهتافات للثورة والجمهورية في‮ ‬انحاء المدينة وبدأ الناس أيضاٍ‮ ‬بحماس عجيب‮ ‬يشعلون النيران من بعد‮ ‬غروب نهار ذلك اليوم الذي‮ ‬سمعنا فيه خبر الثورة والجمهورية‮ ‬من أسطح المنازل‮ ‬وهكذا كان ذلك الليل في‮ ‬تعز في‮ ‬أول أيام الثورة‮ ‬وكانت أصوات الناس وهتافاتهم‮ ‬تصل إلينا من الشارع الذي‮ ‬يمر من أمام المدرسة‮ ‬شارع‮ ‬26سبتمبر حالياٍ‮ ‬وهم في‮ ‬غاية الفرح‮ ‬والسرور والشيء الذي‮ ‬أتذكره أن شخصا من المتجمهرين في‮ ‬الشارع كان‮ ‬يقول بصوت عالُ‮ (‬سبايا للجميع‮) ‬وهي‮ ‬أكلة كانت لاتقدم سوى‮ ‬في‮ ‬الأعياد والمناسبات تشبه بنت الصحن‮. ‬
‮> ‬بعد الثورة استمريتم في‮ ‬المدرسة الأحمدية‮ ‬‮ ‬ما الذي‮ ‬تغير في‮ ‬التعليم¿ وفي‮ ‬الحياة¿
‮- ‬استمريِنا بعدها حوالي‮ ‬ستة أشهر‮ ‬كما أتذكر وبعدها انتقل كثير من وإلى مبانُ‮ ‬جديدة كان بعضها مكاتب ومساكن للنظام السابق وبعضها قصور الإمام ومنها دار الناصر قرب حي‮ ‬الأشرفية وما سمي‮ ‬فيما بعد مدرسة ناصر الحالية التي‮ ‬تعلمت فيها المرحلة الابتدائية ثم انتقلنا إلى مدرسة الكويت الإعدادية ثم الى مدرسة الشعب الإعدادية التي‮ ‬بنيت بمساعدات الاتحاد السوفييتي‮ ‬وكانت من أرقى مواقع التعليم في‮ ‬تعز كما بنيت الأولى بمساعدة الكويت وهي‮ ‬من أوائل المدارس الجديدة في‮ ‬اليمن عقب الثورة‮.. ‬أما الذي‮ ‬تغير في‮ ‬الحياة هو الانتقال إلى دار الناصر قرب حي‮ ‬الأشرفية الذي‮ ‬يعد أحد دور الإمام ومعاونيه لنسكن فيه بدلاٍ‮ ‬عن المدرسة الأحمدية التي‮ ‬تغير اسمها إلى مدرسة الثورة‮.. ‬وللأسف إنه تم هدم المدرسة وأعيد بناؤها لاحقا من جديد فضاعت الملامح السابقة كاملة تقريبا‮ ‬وتحول الجزء السكني‮ ‬فيها إلى فصول للدراسة‮ ‬ولم‮ ‬يبق من الماضي‮ ‬الذي‮ ‬يميز معالم هذا المكان سوى قهوة صغيرة عند مدخل المدرسة على الشارع اشتهرت بمقهاية الإبي‮ ‬وعندما نقل الطلبة‮ ‬ليسكنوا في‮ ‬دار الناصر كانوا‮ ‬يقولون إنه تقدير لدور الطلبة الثوار‮.. ‬بعد ذلك بدأت المدارس بالظهور وكان من أوائل المدارس الثانوية في‮ ‬تعز مدرسة جمال عبد الناصر‮.. ‬وبدأ وصول المدرسين المصريين إلى عموم اليمن للتدريس في‮ ‬مدارس الجمهورية‮.. ‬وأتذكر أن المصريين جاءوا ليس فقط بالمدرسين والكتب المدرسية وإنما أيضا بالعمال الذين ساهموا في‮ ‬بناء مدرسة عبد الناصر الثانوية‮ ‬حيث لم‮ ‬يعرف اليمنيون بشكل واسع استخدام الاسمنت والحديد في‮ ‬البناء‮..‬

المد‮ ‬القومي
‮> ‬ماذا عن نشوء المدِ‮ ‬القومي¿‮ ‬
‮- ‬المد القومي‮ ‬في‮ ‬اليمن بدأ‮ ‬ينمو ويكبر خاصة في‮ ‬أوساط الطلبة والتجار ولدى النخب السياسية والفكرية من واقع التأثر بمجريات التغيرات في‮ ‬الساحة العربية والعالمية خاصة في‮ ‬مصر التي‮ ‬أصبحت ثورتها أبرز معالم التغيير الحديث في‮ ‬العالم العربي‮ ‬وربما في‮ ‬العالم الثالث‮ ‬وكانت أذاعة صوت العرب وزارة إعلام الثورة العربية‮… ‬فجاء الكثير من المدرسين المصريين إلى اليمن وعززوا الاتجاه القومي‮ ‬وافتتح المركز الثقافي‮ ‬المصري‮ ‬بتعز ووزعت الكتب السياسية في‮ ‬أنحاء البلاد‮.. ‬وبدأ‮ ‬يعترك شيء جديد ولأول مرة تقوم فرق التعبئة في‮ ‬الجيش المصري‮ ‬من عرض الافلام السينمائية في‮ ‬الميادين العامة في‮ ‬صنعاء وتعز‮ ‬المدينة‮ ‬و كان الناس‮ ‬يتسابقون لمشاهدتها بالعشرات في‮ ‬غبطة وسعادة إنهم‮ ‬يرون شيئا جديدا لم‮ ‬يسبق رؤيته من قبل وكنا نحضر هذه المشاهدات ولكننا لا نفقه كثيرا في‮ ‬اللهجة المصرية إلى أن اصبحت لدينا فيما بعد مفهومة بسبب احتكاكنا بالمصريين خاصة المدرسين‮.. ‬

النظام الجمهوري‮ ‬قاسم وطني
‮> ‬بعد ذلك ثبتت صورة النظام الجمهوري‮ .. ‬فماذا تغير في‮ ‬حياة الناس ¿ وهل ظل حماس الناس والتفافهم حول القاسم الوطني‮ ‬المشترك المتمثل بالنظام الجمهوري¿‮ ‬
‮- ‬أحوال لناس بدأت تتغير تماماٍ‮ ‬للأفضل وبدأت تظهر في‮ ‬شكل حياتهم اليومية وحماسهم وتفاؤلها بالنظام الجمهوري‮ ‬لأنهم كانوا‮ ‬يعيشون ظلماٍ‮ ‬ليس القهر فحسب‮ ‬‮ ‬بل وظلم الحياة‮ ‬‮ ‬نفسها‮ ‬التي‮ ‬يعيشونها أمراضاٍ‮ ‬وفقراٍ‮ ‬وجهلاٍ‮ ‬ولهذا كان الوعي‮ ‬الوطني‮ ‬والثوري‮ ‬موحداٍ‮ ‬لدى كل الشرائح الاجتماعية والسياسية والجماهيرية‮.. ‬الساعية للتغيير‮.. ‬لكن ما هي‮ ‬إلا فترة قصيرة وظهرت أكثر من قوى سياسية في‮ ‬الساحة‮ ‬تتجاذب الطلبة‮ ‬‮ ‬وتحرك العمل السياسي‮ ‬في‮ ‬كل الاتجاهات وبدأت المضايقات من أطراف المصريين بالمخابرات‮ ‬للقوى السياسية المخالفة‮ ‬التي‮ ‬لم تلتزم الخط الناصري‮ ‬خاصة من كان‮ ‬يطلق عليهم أنذاك الحركيين أو البعثيين وأصبحوا خصوما بعد أن كانوا أصدقاء للناصرية‮.‬
‮> ‬بعد الثورة هل كان‮ ‬يتساءل الناس من سيحكم بعد الإمام حتى تظهر هذه القوى خلال السنوات الأولى للثورة‮..‬¿
‮- ‬لا‮.. ‬لم‮ ‬يكن ذلك في‮ ‬ذهن الناس‮.. ‬كلما في‮ ‬ذهنهم هو إبعاد الإمام والإمامة ومن حكم اليمن‮. ‬فكان الناس مندفعين كلهم في‮ ‬الثورة والدفاع عنها‮ ‬‮ ‬ولذلك أول ما أن أعلن عن قيام النظام الجمهوري‮ ‬أنشئت هيئة الحرس الوطني‮ ‬وهب الجميع للالتحاق في‮ ‬صفوف الحرس الوطني‮ ‬بدأت تعز تستقبل الجموع من كل انحاء اليمن للتدريب ثم السفر إلى صنعاء للدفاع عن الثورة والجمهورية كانت تعز رافدا أساسيا للدفاع عن الثورة بالرجال وبالمال وبالإعلام وكان ذلك لاشك‮ ‬بحكم الوعي‮ ‬الذي‮ ‬كان‮ ‬يتنامى باستمرار نحو التغيير والعصرية في‮ ‬هذه المنطقة وكذلك في‮ ‬صنعاء فتحت الكليات العسكرية ودخل فيها الآلاف من الطلبة والمجندين لخوض ملحمة الدفاع عن الجمهورية الوليدة تدافعوا إلى صنعاء من كل انحاء اليمن‮.‬
وأتذكر شخصاٍ‮ ‬اسمه أحمد حسن محسن‮ ‬رحمه الله من قرية الخريب مديرية السدة سبق ذكره بين القادات الطلابية تجند في‮ ‬الحرس الوطني‮ ‬وظل في‮ ‬جبهات القتال أعواما طوال وحين الح عليه والده لأخذ إجازه ليتزوج عمل ذلك وقضى بعد الزواج أقل من إسبوعين وعاد إلى جبهة القتال واستشهد بعد زواجه‮ ‬فكان حديث المنطقة كلها‮ ‬وهذا مؤشر‮ ‬يدل على أن الناس كانوا مندفعين ومقاتلين من أجل بقاء النظام الجمهوري‮.‬
‮> ‬كنت من الذين دخلوا في‮ ‬سلك المقاومة الشعبية‮ ‬فيما بعد الوطني‮ ‬التي‮ ‬كانت خط الدفاع الموازي‮ ‬للحرس الوطني‮ ‬‮ ‬عن الثورة في‮ ‬تلك الفترة فكيف نشأت المقاومة الشعبية¿‮ ‬
‮- ‬بعد الثورة كان الخوف‮ ‬يحاصر الناس من عودة الملكية إلى واجهة الحكم على إثر بقائها تحارب في‮ ‬بعض المناطق في‮ ‬الشمال معززة بالدعم الخارجي‮ ‬القوي‮ ‬إقليميا ودوليا وفي‮ ‬هذه الفترة بدأوا‮ ‬يتحدثون عن المقاومة الشعبية‮ ‬كضرورة للدفاع عن الجمهورية‮ ‬التي‮ ‬طالما حلم بها الناس فهي‮ ‬في‮ ‬خطر خاصة بعد عودة القوات المصرية إلى مصر بعد هزيمة‮ ‬1967م حزيران فاندفعنا كطلاب تحت تأثير الحماس مع الثورة والجمهورية‮.. ‬
وأتذكر أن هذه البطاقة التي‮ ‬لا زلت احتفظ بها قطعت في‮ ‬تلك الفترة بتوقيع العقيد‮ ‬يحيى مصلح مهدي‮ ‬حينها‮ ‬‮ ‬الذي‮ ‬جاء إلى تعز لحشد المقاومة الشعبية‮.. ‬كان الشعار فيها الموت من أجل الجمهورية‮.. ‬فجمعونا في‮ ‬ميدان العرضي‮ ‬وهو ميدان الشهداء حالياٍ‮ ‬وأتذكر أن‮ ‬يحيى مصلح كان‮ ‬يخطب في‮ ‬الميدان عن أهمية الدفاع عن الجمهورية والثورة وإن الملكيين‮ ‬يحاصروا صنعاء‮.. ‬وكان عدد من الضباط بما فيهم الكابتن علي‮ ‬محسن المريسي‮ -‬رحمه الله‮- ‬وضابط آخر اسمه أحمد صالح‮ ‬القدسي‮ ‬وآخرون أيضا‮ ‬يقومون بتدريبنا في‮ ‬ميدان الشهداء بتعز وكان‮ ‬يحيى مصلح مهدي‮ ‬هو المحور الرئيسي‮ ‬داخل تعز لتنظيم المقاومة الشعبية‮ ‬شخصية محترمة جاذبة بفعل خطاباته الحماسية التي‮ ‬كان‮ ‬يبثها في‮ ‬أوساط الناس في‮ ‬تعز وسلموا لنا سلاحاٍ‮ ‬شيكياٍ‮ ‬وبعضاٍ‮ ‬ايطالياٍ‮ ‬من بقايا أسلحة الحرب العالمية بعد ذلك أخذت المقاومة الشعبية منحنيات وتوجهات عديدة منها منحنيات حزبية وسياسية‮ ‬‮ ‬وظهور صراع سياسي‮ ‬تمحور في‮ ‬حركة القوميين العرب والناصريين خاصة جبهة تحرير الجنوب والبعثيين وغيره كانت تلك هي‮ ‬القوى التي‮ ‬تتحكم في‮ ‬الشارع السياسي‮ ‬في‮ ‬تعز وفي‮ ‬صنعاء إلى أن ظهرت فيما بعد القوى العسكرية المتحالفة مع القوى القبلية فحدث الصراع وغلبت شوكة القديم على ما اعتقد أنه الحداثي‮ ‬المتمثل في‮ ‬تلك القوى القومية والليبرالية‮ ‬وأصبحت المقاومة الشعبية طرفا ملاحقا ومتهما بالعمالة‮ ‬للخارج وحتى وصل‮ ‬التكفير لمن هم فيها‮.‬

زيارة جمال عبد الناصر لتعز
‮> ‬عودة إلى العام1965م وزيارة جمال عبدالناصر لتعز‮.. ‬أين كنت حينها وكيف كانت أجواء الناس في‮ ‬تلك الزيارة ¿
‮- ‬كنت موجوداٍ‮ ‬في‮ ‬تعز ولا زلنا حينها طلاباٍ‮ ‬يقودنا الحماس الكبير‮.. ‬وأتذكر إننا خرجنا إلى خارج تعز لاستقباله في‮ ‬منطقة بير باشا قريب المطار القديم فشاهدت أمواجاٍ‮ ‬بشرية تدفقت من كل أنحاء المحافظة وبعضهم جاء من عدن للمشاركة في‮ ‬الاستقبال‮ ‬وظهر عبدالناصر في‮ ‬سيارة مكشوفة‮ ‬وسارت السيارة بين الجموع وإلى جانبه الرئيس عبدالله السلال‮ ‬حتى وصلت إلى ميدان الشهداء‮ ‬في‮ ‬العرضي‮ ‬وألقى خطاباٍ‮ ‬شهيراٍ‮ ‬لا تنساه تعز ولا من كان فيها في‮ ‬وقت الثورة في‮ ‬الشمال وفي‮ ‬الجنوب في‮ ‬منعطف‮ ‬تاريخي‮ ‬حاسم‮ ‬‮ ‬ومن ضمن ما ورد في‮ ‬خطابه أن على بريطانيا أن تحمل عصاها وترحل من أرض الجنوب وارتفعت وتيرة الكفاح المسلح بدعم مصري‮ ‬مادي‮ ‬وإعلامي‮ ‬بعد الزيارة التاريخية لجمال عبد الناصر وكانت تعز حاضنة لثوار الجنوب ومكانا لتدريبهم وتسليحهم وانطلاقهم‮. ‬
‮> ‬وماذا عن السلال¿‮ ‬
‮- ‬كان السلال إلى جانب عبدالناصر في‮ ‬نفس السيارة وفي‮ ‬نفس المنصة‮ ‬في‮ ‬ميدان الشهداء‮ ‬وقد ألقى خطاباٍ‮ ‬قبل جمال عبدالناصر‮ ‬مشيداٍ‮ ‬بالدور المصري‮ ‬والتضحيات المصرية في‮ ‬معارك الدفاع عن النظام الجمهوري‮ ‬وثورة السادس والعشرين من سبتمبر وأمتدح جمال عبدالناصر وأدواره القومية‮ ‬العربية‮ . ‬
‮> ‬هل تتذكر أين نزل جمال عبدالناصر في‮ ‬تعز خلال زيارته لها¿ وكيف بدأ الخلاف داخل الصف الجمهوري¿‮ ‬
‮- ‬أتذكر أنه لم‮ ‬يكن في‮ ‬تعز أي‮ ‬دار لضيافة‮ ‬يليق بمكانة‮ ‬هذا الزعيم العربي‮ ‬جمال عبد الناصر‮ ‬فأْنزل في‮ ‬أعلى مكان في‮ ‬تعز‮ ‬في‮ ‬مدرسة هي‮ ‬الآن فوق المستشفى الجمهوري‮ ‬مدرسة أروى أول مدرسة للبنات بنيت في‮ ‬تعز تقع في‮ ‬أسفل جبل صبر وربما أن ذلك البعد عن المدينة لدواعي‮ ‬امنية كما فهمت فيمابعد لاتوجد فنادق ولاضيافات ولا أي‮ ‬مبنى للسكن حتى لمن هم دون الرؤساء‮. ‬
طبعاٍ‮ ‬بعد زيارة جمال عبدالناصر لليمن‮ ‬حصلت تحولات هامة على صعيد أنصار الثورة والجمهورية‮ ‬فما هي‮ ‬إلا أشهر على ما أتذكر‮ ‬إلاِ‮ ‬و تحولت القيادة العربية في‮ ‬تعز إلى العمل السياسي‮ ‬تساند هذا وتقف ضد ذاك حتى برز الصراع على أشده في‮ ‬الساحة السياسية عموما‮ ‬فالقيادة العربية كانت لاتريد أي‮ ‬قوى سياسية‮ ‬غير الناصرية‮ ‬وكان التسابق على اشده بين مختلف القوى السياسية لكسب الطلاب إلى هذا التنظيم أو إلى ذاك‮.. ‬
وما كان‮ ‬يحدث أن أي‮ ‬فرد‮ ‬يرى وهو‮ ‬يمشي‮ ‬أو جالس إلى جانب حزبي‮ ‬يصنف تلقائيا أنه مع ذلك الحزب وتسود الخصومة بين الجميع وتتحول الاحزاب إلى مواقع للتهيئة إلى حروب قادمة‮ ‬الحركيون لهم مقاهُ‮ ‬يتجمعون بها والبعثيون لهم أيضا وكذلك الناصريون والكل ضد الكل وتلك من عجائب الحزبية في‮ ‬ذلك الزما ن ورحم الله جارالله عمر الذي‮ ‬قطع المسافات وقارب بين الاحزاب وجعلها اليوم‮ ‬في‮ ‬وقتنا الراهن متحالفة بعد أن كانت متنافرة ومتعادية على طول الوقت‮ ‬وهكذا‮.‬
وبدأت الانتقادات تطال السلال لتعاونه المطلق مع المصريين لقمع القوى الجمهورية‮ ‬وأتذكر إن بداية رياح الخلاف كانت في‮ ‬صنعاء عند ما خرجت مظاهرة ضد المصريين‮ ‬في‮ ‬عام‮ ‬67م حيث عبرِت‮ ‬تلك المظاهرة وما رافقها من عنف عن صراع خفي‮ ‬ظهر إلى العلن في‮ ‬ذلك الوقت‮. ‬
وكان العداء ضد المصريين من قبل تكتلات داخل الصف الجمهوري‮ ‬شديداٍ‮ ‬ليس عداء للناصرية وإنما لما كانت تقوم به أجهزة الاستخبارات المصرية من قمع واعتقال للمعارضين السياسيين‮ ‬عندما بدأت أساليب القمع المصري‮ ‬للقوى التي‮ ‬تعارضهم‮ ‬حدث رد الفعل ثم حدوث الصراع المفتوح بين حلفاء الأمس من الجمهوريين وحصل التشظي‮ ‬وفتح الصراع على جميع الاحتمالات في‮ ‬الساحة‮..‬

المقاومة الشعبية وحصار السبعين
‮> ‬أين كنت أو أين كانت المقاومة الشعبية أثناء حصار السبعين¿
‮- ‬كانت المقاومة الشعبية صوتاٍ‮ ‬كبيراٍ‮ ‬جداٍ‮ ‬وفعلاٍ‮ ‬مؤثراٍ‮ ‬في‮ ‬الواقع السياسي‮ ‬وأعتقد إنه من حيث الفعالية العسكرية لم تكن بالمستوى المطلوب الذي‮ ‬يمكنها من مواجهة جيوش قبلية وعسكرية مدربة ومحنكة ومهيأة للحروب لاسقاط النظام الجمهوري‮ ‬تزحف على عاصمة الجمهورية صنعاء بسرعة كبيرة‮ ‬ربما كانت المقاومة في‮ ‬صنعاء على درجة أعلى من الناحية العسكرية من‮ ‬غيرها في‮ ‬المدن الأخرى‮ ‬بحكم تواجد القوات الجمهورية المدربة على أيدي‮ ‬المصريين التي‮ ‬ساعدت في‮ ‬تأهيلها‮ ‬لكن كما اعتقد إن المقاومة كانت صوتاٍ‮ ‬شعبياٍ‮ ‬وإعلامياٍ‮ ‬أكثر من كونها قوة عسكرية فاعلة في‮ ‬ميدان الحروب لعوامل كثيرة منها الفترة الزمنية ونوعية التدريب وغيره اضفت المقاومة على المقاتلين في‮ ‬الجبهات الروح المعنوية والثقة بالنفس‮ ‬والمدد البشري‮ ‬والصبغة الشرعية الشعبية أمام الرأي‮ ‬العام المحلي‮ ‬والدولي‮ ‬بالتفاف الشعب للدفاع عن الجمهورية وكان الشعارالمرفوع من الجميع‮ (‬الموت من أجل الجمهورية‮) ‬وهذا أوجد الخوف وأنزل الذعر في‮ ‬نفوس الاعداء وساعد على تحقيق الانتصار العظيم في‮ ‬فك الحصار هذا إذا ما استثنينا الشيخ أحمد عبد ربه العواضي‮ ‬رحمه الله‮ ‬وبعض مشائخ القبائل الذين قاتلوا في‮ ‬الدفاع عن صنعاء كان لدى العواضي‮ ‬والجموع من المقاتلين حوله خبرة عسكرية وشجاعة كبيرة كانت عونا إضافيا لأبطال الجيش الذين فكوا الحصار وهزموا فلول الملكيين‮.‬

مرحلة الفرز السياسي
‮> ‬كيف كان الجو العام بعد فك حصار السبعين‮ ‬وهل ظل الزخم الحماسي‮ ‬كما كان إلى جانب النظام الجمهوري¿‮ ‬
‮- ‬كانت فرحة الناس كبيرة وشعورهم عظيماٍ‮ ‬بالانتصار ولكنها أشهر معدودات مضت على هذه الفرحة‮ ‬حتى بدأ الفرز السياسي‮ ‬وحتى المناطقي‮ ‬يظهر في‮ ‬صفوف من كانوا بالأمس في‮ ‬خندق واحد للدفاع عن الثورة والجمهورية أزداد الشرخ في‮ ‬الصف الجمهوري‮ ‬وعادت القوى التقليدية‮ ‬خصوصاٍ‮ ‬بعد أحداث أغسطس1967م‮ ‬قوية ومتماسكة إلى درجة أننا حوصرنا كمقاومة شعبية في‮ ‬دار الناصر بتعز وهجموا علينا بقوات الأمن وبعضنا هرب بسلاحه وبعضهم سلب السلاح منهم وحدث ذلك في‮ ‬الحديدة وصنعاء وكان هؤلاء المقاومون أعداء مستهدفين‮ ‬في‮ ‬هذه الفترة‮.‬
‮> ‬هل كان لهذا علاقة بالمصالحة التي‮ ‬عقدت من الجمهوريين والملكيين وبالنسبة أين اتجهت بعد ذلك¿
‮- ‬لا أعتقد أن لهذا أي‮ ‬علاقة تذكر ولكن القوى التقليدية المنضوية في‮ ‬الصف الجمهوري‮ ‬بدأت صراعاٍ‮ ‬جديداٍ‮ ‬مع القوى الأخرى على مكاسب سلطوية وسياسية‮.. ‬إذ بدأت هذه القوى تتجمع بعد‮ ‬1967م للسيطرة على المشهد السياسي‮ ‬وعلى الحكم‮ ‬وكانت تسير في‮ ‬اتجاه مغاير لما كان الجميع عليه قبل وأثناء الحصار‮ ‬وبدأ الفرز السياسي‮ ‬على كل المستويات‮ ‬بينما القوى السياسية الحداثية والتي‮ ‬دافعت عن الثورة أثناء الحصار لم تكن على قاعدة‮ ‬شعبية عريضة وقوية لمواجهة القوى التقليدية كانت نخبوية أكثر منها شعبية‮ ‬إمكانيات متواضعة وحركة محدودة‮.. ‬حتى التفكير السياسي‮ ‬إذا تأملناه الآن سنجد أنه‮ ‬غير عميق وغير واقعي‮ ‬إذا ما تمت المراجعة النقدية‮ ‬فالقوى التقليدية عندها خبرة تاريخية ووجود اجتماعي‮ ‬أكبر من قوى الحداثة‮.. ‬وهي‮ ‬قوى برجماتية في‮ ‬جميع الأحوال‮..‬
وأتذكر إنه عندما نزل الفريق حسن العمري‮ ‬رحمه الله‮ ‬إلى تعز بعد فك الحصار ودحر الملكيين‮ ‬استقبلته تعز استقبال الفاتحين خرج الجميع مبتهجين لاستقبال بطل من أبطال السبعين‮ ‬لم‮ ‬يكن هناك فرز بين جمهوري‮ ‬وآخر كانت الجمهورية هي‮ ‬القاسم المشترك بين الجميع‮ ‬والأبطال هم الأبطال الذي‮ ‬فكوا الحصار من هذه المنطقة أومن تلك‮ ‬وكان ذلك المشهد في‮ ‬الاستقبال والحفاوة أبرز ملامح التعبير عن صدق الناس وحبهم للعهد الجمهوري‮ ‬الجديد‮ ‬تحت شعار الجمهورية أو الموت‮ ‬‮ ‬ولم‮ ‬يكن لديهم أي‮ ‬بعد طائفي‮ ‬أو عنصري‮ ‬أو مناطقي‮ ‬أو سياسي‮ ‬سلطوي‮.. ‬كل ذلك لأن الفريق حسن العمري‮ ‬بطلاٍ‮ ‬من أبطال السبعين‮ ‬يوماٍ‮ ‬وله مواقفه الوطنية والنضالية.المشهودة‮.‬
‮> -‬مقاطعاٍ‮- ‬بعدها ما الذي‮ ‬تغير في‮ ‬حياة العمري‮.. ‬وما أثير حوله من عداءات من قبل الجمهوريين¿
‮- ‬عندما بدأ الفرز السياسي‮ ‬الخطير على مسار الجمهوريين وجد العمري‮ ‬نفسه محسوباٍ‮ ‬بطبيعة الحال على القوى التقليدية أي‮ ‬في‮ ‬الصف الآخر‮ ‬لكونه كان قطباٍ‮ ‬بين القوى التقليدية منذ الأربعينيات من القرن الماضي‮ ‬رغم جمهوريته ومواقفه النضالية والوطنية‮ ‬فلا‮ ‬يمكن أن‮ ‬يكون في‮ ‬صف عبد الرقيب عبد الوهاب ولا في‮ ‬صف القوى التي‮ ‬تعتبر نفسها التيار الحداثي‮ ‬خاصة وقد اتهمت تلك القوى الحداثية بالعمالة للشيوعية ولصالح جهات خارجية لعزلها عن الشعب‮ ‬وزادت وتيرة هذا الصراع خصوصاٍ‮ ‬بعد المصالحة بين الجمهوريين والملكيين‮..‬فكان الصف التقليدي‮ ‬أكثر قوة وتماسكا وحدث قبل ذلك‮ ‬انقلاب‮ ‬5‮ ‬نوفمبر‮ ‬1967م‮.‬

الشرعية الشعبية والجماهيرية
‮> ‬عودة للمقاومة الشعبية وفترة ما بعد المصالحة‮.. ‬هل كانت المقاومة الشعبية عامل حسم في‮ ‬الدفاع عن الثورة ¿ وفي‮ ‬الثبات في‮ ‬دوامة الفرز السياسي¿
‮- ‬لا‮ .. ‬لم تكن عامل حسم عسكرياٍ‮ ‬إذا ما استثنينا الجناح القبلي‮ ‬الذي‮ ‬يقوده العواضي‮ ‬وأنا أشرت إلى أن المقاومة كانت صوتاٍ‮ ‬إعلامياٍ‮ ‬عزز من صفوف المدافعين عن‮ ‬الثورة والدفاع عن النظام الجمهوري‮ ‬لدى الرأي‮ ‬العام المحلي‮ ‬والدولي‮.. ‬ووحده الجانب العسكري‮ ‬كان عامل الحسم الميداني‮ ‬بحكم الآلة العسكرية والتدريب العالي‮ ‬لجنود وضباط الثورة‮.. ‬أما فترة ما بعد المصالحة واتساع دائرة الفرز السياسي‮ ‬فالمقاومة الشعبية اختفت‮ ‬وتحولت من ظاهرة مسلحة إلى ظاهرة سياسية مطاردة‮ ‬حيث قْضي‮ ‬على الصاعقة‮ ‬وقْضي‮ ‬على فرق المظلات وعلى المجاميع التي‮ ‬كانت‮ ‬المدافع الرئيسي‮ ‬عن الثورة وذلك القتال في‮ ‬أغسطس‮ ‬1968م بين رفاق الأمس خسارة كبيرة‮ ‬وهذا الاختفاء القسري‮ ‬لكل القوى الفاعلة أفرز نتائجه محددة لمسار مرحلة ما بعد الحرب‮ ‬حيث توارت المقاومة الشعبية نهائيا من المشهد‮ ‬منهم من هربوا ومنهم من استغلوا سياسياٍ‮ ‬ومنهم من دخل السجون الرهيبة حق محمد خميس‮ ‬وذاقوا شتى أنواع التنكيل والعذاب والقتل‮ ‬وبرزت كرد فعل على ذلك‮ ‬الجبهة الوطنية التي‮ ‬كانت تنشط عسكريا وسياسيا في‮ ‬المناطق‮ ‬الوسطى واستنزفت فيما بعد كثير من مقدرات الدولة في‮ ‬حروب دامية بين قوى تقليدية وقوى تسعى نحو الحداثة‮ ‬بدأت في‮ ‬مطلع السبعينات ولم تنته بل ظلت آثارها قائمة في‮ ‬احتدام الثأر السياسي‮ ‬بين التقليدي‮ ‬والمعاصر‮. ‬

أخيـــراٍ
‮> ‬أخيراٍ‮.. ‬كي‮ ‬لا نتوه في‮ ‬تفاصل تشكل الجبهات السياسية والفــرز السياسي‮ ‬الذي‮ ‬رافق فترة الارياني‮ ‬وما تلاه‮.. ‬باختصار أستاذ شائف‮.. ‬كيف تلخص انتقال اليمن من الملكية للجمهورية ¿
‮- ‬باختصار الثورة اليمنية نواتها‮ ‬كل أولئك الأحرار الذين اجمعوا على الانتقال من نظام ملكي‮ ‬إلى نظام جمهوري‮.. ‬لكن الثورة بتفاصيلها الجمة والمعقدة وحقائقها التي‮ ‬لا تزال معظمها‮ ‬غائبة‮ .. ‬مرت بثلاث مراحل كما أعتقد‮.. ‬المرحلة الأولى‮ ‬‮ ‬هي‮ ‬مخاض التخلص من الإمامة وكان هذا الإطار المرحلي‮ ‬الذي‮ ‬تزايد منذ‮ ‬أواخر الخمسينيات‮ ‬يجمع كل اليمنيين‮ ‬‮ ‬عسكريين‮ ‬‮ ‬مدنيين‮ ‬‮ ‬رجال أعمال‮ ‬‮ ‬مشايخ‮ ‬‮ ‬طلاب‮.. ‬حتى قيام الثورة وإعلان الجمهورية وهي‮ ‬المرحلة الأساسية التي‮ ‬كانت منطلق الثورة وأساسه‮ ‬‮ ‬المرحلة الثانية هي‮ ‬مرحلة الثورة والدفاع عنها حتى الانتصار‮ ‬‮ ‬في‮ ‬فك حصار صنعاء في‮ ‬1967م بينما المرحلة الثالثة وهي‮ ‬مرحلة انحراف السير على المبادئ من خلال ظاهرة الفرز السياسي‮ ‬والصراع السياسي‮ ‬‮ ‬قوى حداثية وقوى تقليدية وقوى حداثية‮ ‬يمينية وحداثية‮ ‬يسارية‮ ‬‮ ‬وقوى تقليدية‮ ‬يمينية وقوى تقليدية‮ ‬يسارية‮.. ‬
‬بدأت الحركة الطلابية بالاحتجاجات ثم تطورت للإضراب ثم للمواجهة وحصار الطلاب داخل المدرسة أسبوعاٍ‮ ‬كاملاٍ‮ ‬حتى هدد جنود الإمام باقتحام المدرسة
‬بعد خروج الطلاب من الأحمدية هرب الكبار متنكرين وواصل الصغار سيرهم نحو الإمام في‮ ‬قصر المقام بالجحملية
‬في‮ ‬1965م التحقت بالمقاومة الشعبية ولا زلت احتفظ ببطاقة الانتماء الموقعة حينها من قبل قائد فرع تعز المقدم‮ ‬يحيى مصلح مهدي
‬المقاومة الشعبية لم تكن عامل الحسم الميداني‮ ‬في‮ ‬حصار السبعين لتواضع امكاناتها التسليحية لكنها منحت‮ ‬القوات المسلحة شرعية الصمود والانتصار للنظام الجمهوري

قد يعجبك ايضا