تحت أقدامهن

حين تتفجر الأحلام لتسطو عليها أيد◌ُ غريبة, تحرق كل عود طري وكل ورقة يانعة.. حين تهمس لنا الأيام بأننا لم نعد قادرين على امتلاك إيحاءات من أعيرة ثقيلة.. حين يرحل النور عن الأفق, يغيم على المكان ليل طويل بطول ذلك المحيط, حينها فقط .. سوف ندرك بأنه لا قيمة لنا ولا حضور إلا بوجود الآخر وحضوره في كل التفاصيل التي تحيينا ونحيا بمعيتها. كان من الصعب على عجوز في آخر أيامها أن تنسى احتضانها ورعايتها لوليدها الذي صار اليوم شابا مقبلا على الزواج , أن تلغي لحظة زفافه , وتحرم يديها من حمل أحفادها , أن تغمض عينيها كي لا تراهم , ذلك النسيان والإلغاء والحرمان أرغمها عليهم ابنها الشاب , بعد خروجه من منزل والدته بصحبة زوجته .
كاد ذلك الرحيل أن يقتلها ليندفع معه هواء ملوث يخنقها كلما رأته صدفة يمر من أمامها أو سمعت صوته يعبر المكان º رغم أنها أمه لكنه اختار الرحيل حتى يبقى مع الموطن الآخر كبديل اعتقد أنها بنفس المكان والحجم والثبات . ألهذه الدرجة تناسينا أنفسنا وتجاهلنا واجباتنا وحقوق الآخرين علينا, ومع من ¿ مع من هي أغلى البشر وأول وطن. لم تتخيل أنه سيطرق بابها يوما ليدخل كضيف كأحد من الجيران, وأنها ستقضي ما تبقى لها من العمر وحيدةº تشكو آلامها, تتوسد وحشتها في قبو العزلة ! نسي سنوات السهر والمعاناة من أجله , هانت عليه ليالي الأرق والبكاء في مرضه , وليالي الفرح والبكاء في سعادته . إذا رأيتم دموعها تنسكب كالمطر, قادها إليه جرح نازف لا يعرف التوقف ولا يكف عن الانبعاث , ستدركون وقتها معنى أن تجبروا أنفسكم في التمعن والتفكر في مثل هذا القدر من الأسى. لكن عبء الرسالة يحتم علينا أن نرسم الصورة بقدر ما نستطيع في نقل تفاصيلها مذكرين بأن الجنة تحت أقدام الأمهات, وأن علينا واجبات نحوهن بالمعروف طالما وبينهن من هي وحيده لا تقوى على قسوة الأيام, وجور الأنام. إلى كل عاق: عد الى رشدك.. كفاك عقوقا◌ٍ لأمك, لعل الله يبارك لك في مالك وأولادك ويقيك شر المهالك.