توحيد التعليم قضية (نكون أو لا نكون) .. أمام التطرف


■ تحقيق / هشام المحيا –
المعالجات تسير على جمر السياسة..

■ د.العودي: الصراع على السلطة أدى إلى صراع المجتمع عبر بؤر التعليم الديني

■ الشرجبي: تعدد المناهج واختلافها يوجد أجيالاٍ متباينة تكن العداء والكراهية لبعضها البعض

■ الأوقاف تعترف بالتقصير والتربية تتنصل والمنظمات المدينية تحذر

■ خبراء: أول طريق للمعالجة يبدأ من توحيد المناهج والرقابة عليها

في الحلقة الثانية من هذا التحقيق سنفتش في دولاب القضية عن الأسباب التي جعلت العديد من المدارس والمراكز التي تتخذ الطابع الديني رداء لها تنحرف بفكر الإسلام الوسطي داخل المجتمع وتتحول من حيث لا تعلم أحيانا إلى بؤرة لتصدير الأفكار المتشددة الأمر الذي أدى إلى تزايد وتيرة العنف بشكل ملفت في البلاد.. أسئلة كثيرة تبحث عن إجابات شافية ستجدونها في الداخل على لسان أكاديميين وباحثين ومختصين إلى جانب الجهات المختصة في الحكومة حول الأسباب والمعالجات.. نتابع:

لطالما شكلت العديد من المدارس والمراكز التي تتخذ الطابع الديني عائقا أمام العملية التعليمية في بلادنا فسعت كل فرقة وطائفة إلى إنشاء مراكز خاصة بها وكل منها لها منهج خاص ? يمت بأي صلة لمنهج التعليم النظامي الذي يدرس في مدارس الجمهورية وهذا بطبيعة الحال سهل على الجماعات المتشددة نشر إيديولوجيتها وأفكارها المتطرفة في أوساط المجتمع كما أن هذه المناهج العشوائية تخل بالأهداف التربوية والتعليمية وتنطلق منها فلسفة تربوية مخالفة لمجموعة المبادئ والأسس التي نص عليها القانون والتي تضمن الإسهام في خلق الإنسان المتعلم المتصف بالوعي الاجتماعي والثقافي المسالم .

الأحزاب والإرهاب
الدكتور حمود العودي -أستاذ علم الاجتماع بجامعة صنعاء والباحث في علم الاجتماع الديني- كان قد تحدث في الحلقة الأولى من هذا التحقيق عن مخرجات المدارس الدينية ولأن الدكتور العودي يعد من المعاصرين لتاريخ الحركات الدينية في اليمن ومن المخضرمين ممن عاشوا فترة ما قبل ثورتي سبتمبر وأكتوبر فقد حرصنا من خلاله على معرفة أسباب بروز تلك التوجهات المنحرفة وتزايد أعداد هذه المراكز والمدارس ومن يقف وراءها والأهداف التي ترمي إليها حيث يقول: “بداية يجب أن نفهم الهدف من وراء انتشار المدارس الدينية بهذا الشكل وعندها سنعي ما يدور في تلك المدارس من أعمال أصابت المجتمع في مقتل”.
وأشار الدكتور العودي إلى سبب بروز هذه المدارس بالقول: “في الوقت الذي احتدم فيه الصراع على السلطة بين القوى الاجتماعية الداخلية والتي تستند إلى جماعات ودول خارجية تسعى لجلب النفوذ لنفسها داخل اليمن لجأت تلك القوى إلى الجانب الديني لتحقيق أهدافها نظرا للتركيبة التي يتمتع بها المجتمع اليمني من حب للدين والتعصب له ولذلك قام كل فصيل سياسي أو جهة دينية باستحداث أوكار أو كما يسميها البعض مدارس ومراكز بمناهج متباينة ومختلفة من طائفة لأخرى ومن حزب لآخر رسمت أهدافها وفقا لتوجهات الجهة الممولة لتلعب بالإسلام ومعانيه السامية كما تستخدم تلك القوى هذه المراكز لهدم الدولة المدنية المنظمة لأنهم في هذه الحالة مستفيدون وبدون الدولة المنظمة لن يكون لهم قرار فهم ينشرون الفكر المتعصب لمنظريهم ومموليهم”.
وتابع قائلاٍ: “إن المدارس الدينية هي أكبر أكذوبة في التاريخ إذ تمارس العنف باسم الإسلام وذلك للوصول إلى السلطة ولذا فإني أعتبر متاجرة السياسة بمثل هذه الأوراق هو تجارة بالدين”.

صناعة الإرهاب
الدكتور عدنان الشرجبي -أستاذ علم النفس جامعة صنعاء ورئيس القسم السابق- أبدى وجهة نظر علمية من جانب نفسي عن مناهج المدارس الدينية والتي تختلف من مدرسة إلى أخرى حيث يقول: “بالنسبة للمناهج فإن تعددها واختلافها أياٍ كان سبب اختلافها حزبيا أو دينيا فإنه يخلق أجيال متباينة متناحرة تكن العداء والكراهية لبعضها البعض” وقال الدكتور أن عمليات التعبئة تلك هي عبارة عن فكرة زائد شحنة انفعالية تولد تلك المشاكل وأن هذه التعبئة هي بالأصل ناتجة عن شخصية مريضة وأرجع سبب قبول اليمنيين لفكرة المدارس الدينية إلى عوامل عدة أبرزها أن من يقفون وراء تلك المدارس ويمولوها هم بعض الأحزاب وبعض الجماعات الدينية التي لها ارتباط بالسياسة أو بالجماعات الدينية المتشددة والتي استغلت التركيبة الاجتماعية للمجتمع اليمني والتي تحبذ مثل هذه المراكز إلى جانب ذلك يبقى الفقر عاملاٍ رئيساٍ في انجرار الشباب وراء تلك الجهات.
نائب مدير الأوقاف في مديرية بني الحارث معجب الجرادي تحدث من جانبه عن الطريقة التي تستخدمها بعض المدارس الدينية لاستقطاب الشباب فقال: “تضع المدارس الدينية نصب عينها فئتي الأطفال والشباب وذلك لغرس الأفكار المتشددة والمتعصبة في عقولهم البريئة والمجبولة على الفطرة حتى لا يمكن لأي جهة أخرى تغيير تلك الأفكار مستقبلاٍ وبذلك تستطيع استخدام الشباب كأدوات لتنفيذ مخططاتها التكفيرية والمتشددة” وأضاف: “نحن في إدارة الأوقاف نقوم بمنح تراخيص لهذه المدارس على أن تقوم بنشر ثقافة التسامح والمحبة وتعلم الشباب والأطفال أمور دينهم كالصلاة والصيام وغير ذلك من الأحكام الشرعية غير أننا نتفاجأ ـ عندما نأتي إليهم للإشراف ـ وهم يعلمونهم عبارات توحي بأهدافهم كأن يرددون عبارة لا شرقية ولا غربية”.

تجربة مع العنف
الدكتور حميد المطري وكيل وزارة الأوقاف اعترف بتقصير الدولة ووزارة الأوقاف في هذا الموضوع وتحدث عن تجربة شخصية له عاشها مع بعض الشباب من مرتادي هذه المدارس انظموا بعد ذلك إلى تنظيم القاعدة فقال: “كنت من المهتمين والشغوفين بهذه المدارس حتى أنني كنت أقوم أنا وبعض رجال الأعمال ورجال الخير بإقامة حفل تكريم سنوي للطلاب المبرزين منها دون علمنا بما يدرسون كل ما نعلمه أنهم حفاظ قرآن وكانت وزارة الأوقاف تمنح “عمرة إلى بيت الله الحرام” للمبرزين منهم ويحصلون على جوائز من رجال الخير المعروفين في اليمن غير أنني تفاجأت بوجود شباب ممن كنا نكرمهم في صفوف القاعدة خاضوا مواجهات ضد الجيش خلال الحروب الأخيرة غير أن المطري يعود ويؤكد أن السياسة هي اللاعب الرئيس في تسيير تلك المدارس وقال ” بناء هذه المدارس والمراكز لم يكن بهدف تعميق أواصر التراحم والتكافل بين أوساط المجتمع اليمني بل كان لتحقيق أهداف ومكاسب سياسية حيث ترتبط هذه المدارس بأحزاب سياسية وجماعات دينية بعضها لها ارتباط بالسياسية وبعضها لها ارتباط بدول خارجية تستخدمها كعامل ضغط كلما حانت الفرصة” المطري أرجع سبب لجوء الأحزاب والجماعات الدينية إلى المدارس والمراكز الدينية لتمرير مشاريعهم إلى طبيعة تركيب المجتمع اليمني المحافظ دينيا والذي يحبذ الانخراط في المؤسسات الدينية .
الباحث في الشئون السياسية عبدالوهاب جميل أيد ما قاله العودي والشرجبي والمطري وقال: إن السياسة هي من تحرك المدارس الدينية والدليل أن الأعوام الثلاثة الماضية شهد خطابا دينيا استهدف الشباب وحماسهم مما أثر على الوضع العام للبلد فمن الشباب من انضم للقاعدة ومنهم من انضم لجهات تخوض حروباٍ طائفية وعرقية كما تحول عدد كبير من الشباب إلى ضحايا الخلافات السياسية كما أن الفقر قاد الكثير من الشباب إلى تلك الجماعات المتشددة ومضى جميل يقول: من الواجب على الأحزاب والتنظيمات التوقف عن دعم هذه المشاريع وعلى الحكومة أن تغلق تلك المدارس.

تحذيرات
المنظمة اليمنية للسلم الدائم قالت على لسان رئيسها جميل العريقي أن المدارس الدينية أحد الأسباب الرئيسية لموجة العنف الحاصلة في البلاد بكل تجلياتها وأشكالها وعلى اختلاف أهدافها وقال العريقي أن الأحزاب السياسية والجماعات الدينية تمول وتقف وراء هذه المدارس لخدمة أهداف شخصية وعلى حساب أجيالنا وقد دعت المنظمة كافة الجهات ذات العلاقة إلى إيجاد حلول لهذه المشكلة قبل أن يستفحل خطرها أكثر.

إهمال الدولة
توجهنا إلى وزارة التربية والتعليم للبحث عن دور الوزارة في الرقابة على المدارس الدينية فأكد لنا الدكتور عبده النزيلي الوكيل المساعد لقطاع المناهج والتوجيه في وزارة التربية والتعليم أن الوزارة ?تختص بالرقابة والإشراف على مناهج هذه المراكز وهي ليست الجهة المخولة بمنح التراخيص لإنشائها حيث إن عملها الرقابي والإشرافي يقتصر على المدارس الحكومية والأهلية فقط يحدث هذا في ظل تقصير واضح في دور وزارة الأوقاف حسب تأكيدات مسؤولين هناك.

ختاماٍ
يجمع كل من ورد ذكرهم في هذا التحقيق .. على اختلاف اتجاهاتهم العلمية -سياسيين وخبراء وأكاديميين ومثقفين ومنظمات- على وجوب توحيد مناهج التعليم خصوصاٍ الديني مع فرض رقابة مشددة على نشاط المراكز والمدارس الدينية لمنع استغلالها في توجهات فكرية وسياسية ومذهبية تهدد وحدة المجتمع وسلمه الاجتماعي.

قد يعجبك ايضا