حصاد المياه استراتيجيات غائبة وكوارث حاضرة

حصاد مياه الأمطار والسيول.. مصدر مائي يخدم التنمية والأمن المائي والاقتصادي

الفواقد المائية تأتي بسبب عدم تخزين مياه السيول والأمطار التي يهدر كثير منها

تحديث وتطوير نظام المعلومات الوطني لإدارة المعلومات ودراسات الموازنات المائية

مناطق هطول الأمطار في اليمن تشكل استقراراً زراعياً استراتيجياً ومـصدراً رئيـسياً لتغذيـة الميـاه

تشكل المناطق التي يزيد هطول المطر فيها عن 300 ملم 18% من المساحة الإجمالية

من المشاكل التي يعاني منها اليمن ضعف كفاءة استخدامات المياه في الزراعة حيث تتعدى 60%

تأهيل وتطوير محطات الرصد المائي وإنشاء أنظمة إنذار مبكر لتفادي مخاطر السيول والفيضانات

منَّ الله على بلادنا بهطول أمطار الغيث والرحمة في جميع محافظات الجمهورية وبكثافة هطول كبيرة أدت إلى الكثير من الحوادث المؤسفة نتيجة سيول الأمطار الغزيرة ونتجت عنها وفيات وإصابات وخسائر كبيرة للمواطنين ، حيث يجب وضع سياسات واستراتيجيات دقيقة للاستفادة من مياه الأمطار والسيول بطريقة علمية تخدم التنمية وتضع حدا للهدر وتخدم أمن البلاد المائي ، حيث تكمن أهمية الحصاد المائي في محاسنه الاقتصادية والبيئية في التأثير علـى زيادة وتحسين إنتاجية المحاصيل الزراعية بتوفير مياه إضافية بكلفة قليلة تستخدم “كري تكميلـي”، وتنتشر بعض السيول الموسمية التي تجري عادة لفترات محدودة ومتقطعة ولا تتم الاستفادة منها، الأمر الذي يوجب التوجه من قبل الجهات الرسمية المعنية وعلى رأسها وزارتا الزراعة والمياه نحو إنشاء المصائد المائية لحصاد مياه الأمطار والاستفادة منها على مدار العام ، وتسجل الأمطار في اليمن أعلى قيمها في المنطقة الجبلية الوسطى حيث تتراوح كميتها السنوية بين 400 – 1100 مليمتر تقريباً وبمعدل سنوي يقترب من 750 مليمتراً وتسجل هذه المناطق أعلى عدد للأيام الممطرة والتي قد تصل إلى أكثر من 155 يوماً في السنة وبمعدل 94 يوماً.
الثورة / أحمد المالكي

إن طبيعة البنية التضاريسية لليمن ووقوعها على خط تقسيم المياه الذي ساهم في ضياع القسم الأكبر من الموارد المائية المتاحة (مياه الأمطار والسيول) عبر الشقوق الأرضية والسطحية نحو الوديان وصولاً إلى البحار، دون الاستفادة منها في تغذية الخزانات الجوفية سوى الجزء اليسير، لا يعني التوقف بل يجب على المعنيين السعي لتحقيق أكبر استفادة ممكنة من مياه الأمطار وجريان السيول من خلال ما يلي:
– إبراز دور الحصاد المائي كوسيلة لتعويض النقص الحاصل في المياه وتوفير مصدر إضافي لها يتم استخدامه في الري التكميلي أثناء تراجع كميات الأمطار أو الجفاف.
– هذا بالإضافة إلى استخدامه في زيادة منسوب المخزون الجوفي من خلال احتجاز مياه الأمطار والسيول المارة عبر المنخفضات الأرضية على شكل بحيرات وحواجز تتصف بشروط الخزن المثالية والاحتفاظ بالمياه قبل دخولها مناطق الشقوق والفوالق، واختيار المناطق المناسبة لحصاد مياه الأمطار والسيول وغير المشمولة سابقاً بنظام تقنيات الحصاد المائي.

حصاد
ووفقا لدراسات حصاد المياه، فإن التذبذب المناخي وخاصة في الهطل المطري يعتبر من أهم المشاكل والمعوقات الطبيعيـة في مجال الحصاد المائي، حيث أن مواسم الجفاف المتتالية من شأنها إفشال عمل معظـم أنظمـة الحصاد المائي نظراً لاعتماد هذه التصاميم على علاقات رياضية وإحصائية مرتبطـة مباشـرة بمعدلات الهطل المطري السنوي، وفي المقابل أيضاً فإن الأمطار الغزيرة غيـر المحـسوبة فـي تصاميم الإنشاء من شأنها أيضاً تدمير منشآت الحصاد المائي كالسدود الترابية فــي حال تعرضها لفيضانات قوية غير محسوبة في تصاميم الإنـشاء، كـذلك فـإن عــدم توفر المعلومات الدقيقة التي يتطلبها تصميم التقنيات مثل كميات وكثافة الهطل المطري السنوي فـي العديد من الدول العربية من شأنه التقليل من دقة وحسن تنفيذ أنظمة الحصاد المائي.

في اليمن
أما في اليمن التي هي جزء من الوطن العربي، فتتميز الأمطار فيها بالتذبذب من حيث الكمية والكثافة ومدة الهطول، كما أن توزيعها الموسمي يتسم بعامل كبير يؤثر مباشرة على الموارد السطحية والجوفية، ويقدر الهطل المطري السنوي في الوطن العربي بحدود 2180 مليار متر مكعب، حيث يلاحظ أن 67 % من مساحة العالم العربي، تتلقى واردات مائية مطرية أقل من 100 ملم في السنة.
وفي هذه المناطق يمكن بأي حال من الأحوال نجاح أي إنتاج زراعي بها دون اللجوء إلى تقنيات الري التكميلي أو إقامة مشاريع الحصاد المائي كما في اليمن، فيما تشكل المناطق التي يزيد الهطل المطري بها عن 300 ملم 18 % من المساحة الإجمالية، حيـث تعتبـر هـذه المناطق مناطق استقرار زراعة استراتيجية ومـصدراً رئيـسياً لتغذيـة الميـاه الجوفية والسطحية وتشكل الأنهار الدائمة والأودية الموسمية، وتعتبر من أكثر المناطق اقتصادية للزراعة.

الفواقد المائية
يلاحظ في كثير من الأحوال أن الفواقد المائية ناتجة عن عدم قدرة تخزين مياه الـسيول والأمطار التي يهدر كثير منها أو بفعل التبخر في المناطق الجافة وشبه الجافة أو عـدم كفاءة إدارة نظم الري في المناطق المروية وعدم ملاءمة أنظمة الري.
ومن الجدير ذكره أن من بين المشاكل التي يعاني منها اليمن والوطن العربي في مجـال المحافظـة على موارد المياه هو ضعف كفاءة استخدامات المياه في الزراعة، حيث تتعدى 60 %، علماً بأن الزراعة تستخدم حوالي 89 % من حجم استخدامات الموارد المائية مما يعني أن حوالي 50 % من موارد الوطن العربي تذهب هدراً، ويرجع هذا إلى أسباب عديدة، أهمها عدم ملاءمة شبكات ونظم الري المستعملة. وكذلك عدم المعرفة الدقيقة للمقننات المائية للمحاصيل الزراعية المختلفة والإدارة المائية غير الرشيدة.
كما أن العديد من الأقطار العربية أخذت تستوعب خطورة فواقد المياه في الزراعة وانعكاساتها على التوجهات في التوسع بالمساحات الزراعية والمرويـة سـيما وأن مصادر المياه محدودة.
ولهذا بدأت إدارة مشاريع الري في الوطن العربي خلال العقدين الأخيرين تولي اهتمامـاً كبيراً بتطبيق أساليب الري الحديثة الأكثر اقتصاداً في الماء والبدء في وضـع مقننات مائية للمحاصيل الزراعية من أجل التقليل من الفواقد المائية، ونظراً لكثرة انتشار الري الـسطحي فـي العديد من الدول العربية وما يترتب عن استخدام هذا الأسلوب من الري من فواقد تصل إلى 60 % أحياناً.
ومع مرور الزمن أصبحت إدارة موارد المياه في الري تتجه نحو المحاصيل ذات العائد الاقتصادي والتوجه نحو تخصيص مياه الري لزراعة محاصيل ذات قيمة عالية، ما أسهم في خلق أزمة مائية متعاظمة، فعلى سبيل المثال تم استنزاف المياه الجوفية في زراعة القات في اليمن، ما ساعد على وجود أزمة مائية حادة ونقص في مياه الشرب، حسب التقارير الدولية.

استثمار
ويؤكد المعنيون في وزارة المياه والبيئة، على ضرورة استثمار كل قطرة مطر تهطل وتجري على أراضي اليمن وعدم السماح بضياعها وتسربها بعيدا عبر الشقوق نحو الوديان والبحار وجوف الصحراء وذلك من خلال تكثيف الجهود لإقامة نظم وتقنيات حصاد مياه أمطار جديدة في عموم أرجاء الجمهورية اليمنية.
وشددوا على أهمية إجراء الدراسات الأولية والتحريات الموقعية التي تسبق اختيار مواقع نظم الحصاد المائي وذلك لضمان استمرار ونجاح مشاريع نظم الحصاد المائي في اليمن ، وتوعية المزارعين بأهمية استخدام طرق الري الحديثة المتمثلة بطريقة الرش وطريقة التنقيط ذات الفاقد المائي القليل وضرورة ترك الطرق القديمة المتمثلة بطريقة الغمر وصولا لعدم ضياع أي قطرة من مياه الأمطار والأودية المستخدمة في الري، مع أهمية التوقف عن استخدام مياه الآبار في الري التكميلي والاستعاضة عنها بمياه السدود والخزانات المائية، وبما يضمن استخدام مياه تلك الآبار للشرب والاستخدام المنزلي فقط إضافة إلى استخدام مياه تلك السدود في تغذية المياه الجوفية وزيادة منسوب الإبار وبالتالي زيادة نصيب الفرد من تلك المياه.

توصيات
وتوصي الدراسات الحديثة ذات الصلة بحصاد مياه الأمطار بضرورة تخصيص موازنات كافية لتنفيذ دراسات فنية لتحديد مواقع مناسبة لمشاريع حصاد مياه الأمطار، وإعداد خرائط مخاطر السيول والفيضانات في كافة الأحواض المائية وتنفيذ منشآت حصاد لتغذية المياه الجوفية والري التكميلي.
كما أوصت بإعادة تأهيل منشآت حصاد المياه وإدارتها لضمان الاستدامة، وتأهيل وتطوير محطات الرصد المائي، وإنشاء أنظمة إنذار مبكر لتفادي مخاطر السيول والفيضانات، وتحديث وتطوير نظام المعلومات الوطني لإدارة المعلومات المائية ودراسات الموازنات المائية لكافة الأحواض، وتنفيذ برامج توعوية مجتمعية حول أهمية حصاد مياه الأمطار ومخاطر السيول.
وتؤكد التوصيات على أهمية التنسيق بين المؤسسات المختلفة والمنظمات المحلية والدولية والتعاون في تنفيذ مشاريع حصاد المياه وفقاً لأسس علمية دقيقة.

قد يعجبك ايضا