محاولة لفهم نظرية: (التعددية في إطار الوحدة)

يكتبها اليوم / عبد العزيز البغدادي

 

مسيرة الإنسان الحياتية فردا كان أو جماعة رسالة يجب أن يشعر بأهميتها وأن يسعى لإتقان كيف يؤديها ، فيراجع باستمرار ما أنجز منها وما هو قيد الإنجاز ، ويخطط لما يتوجب إنجازه ، وفي هذا تبقى عناصر الزمن متكاملة في حاضر الإنسان باعتباره ما يملك وهي ملكية نسبية وليست مطلقة مضمونها ملكية الرسالة في الحاضر والاستفادة من الماضي بما يساعد على الانطلاق لا بما يكبح وبذلك يمكن المشاركة في صنع المستقبل الذي سيكون ملك من يحياه ، هذه المعادلة الزمنية لرسالة الإنسان التي تحفظ له كيانه وهي معادلة لن تتحقق بدون وضوح المعادلة الموضوعية لهذه الرسالة ومنهج السير نحو حسن أدائها يحميها صدق التعامل مع القضايا العامة جوهر هذه الرسالة بما يحفظ للفرد حريته ومكانته وللمجتمع كيانه باعتباره مجموع هموم وكيانات الأفراد وحقوقهم وحرياتهم ، والرسالة في الشأن العام تقوم بها بصورة رسمية سلطات الدولة مستعينة بمنظمات المجتمع المدني وكل طاقات المجتمع بحسب الإمكانات والظروف وهذا لا يعني أن بإمكان هذه السلطات أن ترمي بعجزها وفشلها على الظروف أو على تدني الوعي الجمعي وإنما عليها أن تسعى بكل جد واهتمام لتحقيقها والعمل من أجل رفع مستوى هذا الوعي وإلا عدت دولة فاشلة من حق الشعب السعي لتغيير سلطاتها بكل السبل الشرعية أو الثورية ، والسياسة بمفهومها العام تقوم وتستقيم من خلال حسن الإدارة وأداء مهام هذه السلطات لأن الشأن العام كما أسلفنا هو مجموع الشؤون الخاصة بالأفراد مقسوما على المجتمع أو الشعب أهم أركان الدولة.
بهذا الترابط والتكامل في الرؤية لما يسمى المصلحة العامة يمكن للإنسان امتلاك ناصية أمره والبعد عن الأنانيات السالبة الضارة بالفرد والمجتمع معاً ، وفي اعتقادي أن هذه الفلسفة ينبغي أن تؤسس لمعرفة واعية ويقظة لماهية العلاقة بين حقوق الفرد وحقوق المجتمع تهديه لمعرفة طبيعة نظرية (التعددية في إطار الوحدة) وهي نظرية تقوم على احترام حقوق الأفراد في الإبداع وكل منظومة حقوق الإنسان وما يراه مناسباً لإمكاناته ورغباته المشروعة ، ولنضع خطاً تحت كلمة (المشروعة) لتأملها وفحصها وتأملها كمدخل جاد لاحترامها بالفعل لا بالشعار والالتزام بمقتضياتها التزاماً خلاقاً بعيداً عن كل القيود المزاجية التي يضعها المستبدون أفراداً وأحزابا وجماعات وما أسوأ الاستبداد الجماعي من الأحزاب والجماعات التي سرعان ما تحولها السلطة المطلقة عند الوصول إليها إلى عصابات متوحشة وعلى كل فالاستبداد واحد وإن تعددت صوره ومنابعه.
هذه الخواطر شدني إليها اليوم المشهد السياسي العراقي والتونسي كما شدني ويشدني باستمرار مشهد وطني اليمن والمشهد الليبي والسوري واللبناني وكل المشهد العربي البائس سواء في ظل حقيقة أنظمته الفردية المستبدة أم في ظل وهم التعددية، نعم وهم التعددية الفكرية والسياسية والحزبية لأن ما شهدناه وعايشناه من تجارب خلال الثورات المصنعة لا يمثل الوجه الذي يحلم به الإنسان عن التعددية المؤسسة على الوعي بخطر الاستبداد والشره المرعب لدى البعض في الاستحواذ على السلطة والثروة وتحويل الأحزاب لمجرد عناوين وواجهات تنتظر من الحاكم بأمره أن يطعمها ويسقيها مما تحت يده من المال العام الذي يتعامل معه كما لو كان ملكه دون اكتراث بما يؤدي إليه هذا السلوك من معاناة.
لقد كان حلم الناس بالثورة ضد الظلم ولا زال وسيظل حلماً مشروعاً لكن ليس الثورة التي تؤدي إلى الفوضى والفتنة أو تتحول بيد البعض إلى أداة للابتزاز والتنكيل بالشعب باسم الشرعية الثورية مع أن الشعب هو صاحب الشرعية الدستورية والثورية معاً لأنه صاحب السلطة ومالكها ، وإنما الثورة بما تعنيه من وعي ومسؤولية واحترام لحق الإنسان في الحرية والكرامة والعدالة والأمن والسلام ، والثورة لا تكون باستمرار العبث بالدماء والأعراض والأموال والاستهتار بها وإنما بحمايتها والتأسيس لحالة العيش والتعايش بسلام حقيقي فالدماء لا تؤدي إلا إلى مزيد من الدماء والأحقاد والعبث بالحياة.
عمق المشكلة في اعتقادي يتمحور في استسلام المجموع لنزوات الفرد المنتشي بقدرته المتوَهَّمة على تحويل المجتمع إلى قطيع يوجهه حيث يشاء لتحقيق رغباته ونزواته وهذا ما يجري سواء كان المجتمع قطيعاً واحداً موحداً أو قطعاناً متعددة شاردة ، وثقافة القطيع في الحالين ما تزال هي السائدة في هذا المشهد أو ذاك ولا حل سوى في مزيد من الوعي المجتمعي للخروج من هذه الثقافة العمياء؛
إذا لا الفردية المطلقة ولا التعدية الهوجاء هي الحل السحري لكل مشاكل الإنسان، ببساطة لأنه لا يوجد حل سحري لأي مشكلة أو قضية إنما الحل يكمن في تراكم الوعي المنفتح المتحرر من عقال التعصب والانغلاق بكل أنواعه والبعد عن الأهواء ومراجعة النفس والتأمل في تجارب العالم والاستفادة منها لأن العالم بات أصغر من قرية!.
أنت ملء الكون لو تدري كما أنت في أرجائه لا تحتسب

قد يعجبك ايضا