نظام الأقاليم.. بوابة العدالة التنموية



> ستحقق هيبة الدولة وستعزز الشفافية وقيم الانضباط الإداري والتنافس الشريف
> التــرب : الدولة الاتحادية ستحقق عدالة تنموية شريطة احترامنا للقوانين والأنظمة
> السقاف:الأقاليم ستفتح الباب على متوالية من ضبط إيقاع العمل الإداري والتنموي

الحديث عن الأقلمة صار عجين المجتمع على الصعيد السياسي في المجالس والطرقات والمحافل لكن خبز هذا العجين لن يجد طريقه إلى المواطن ما لم تشهد التنمية حركة عملية وإدارية معقولة تغير نظرة المجتمع تجاه الأقاليم مترجمة بذلك البعد التنموي الأهم لهذا الشكل المؤسساتي من نظم الحكم الاتحادي الفيدرالي.. فالأقملة كمشروع سياسي وطني تشهده اليمن في تاريخيها المعاصر يرتبط أساساٍ بهدف التوزيع العادل للموارد وفرص النماء والرقي بالمستوى المعيشي للمواطن اليمني في كل أنحاء البسيطة اليمنية..
هذا ما يؤكده عدد من خبراء السياسة والتنمية والمجتمع المدني.. مشترطين في رؤاهم لنجاح الدولة الاتحادية ذات الأقاليم التقاط فرصتها التاريخية والذهاب نحو البناء والتنمية خارج جدل السياسة ووفق شراكة حقيقية تشمل الثروة والسلطة والمسؤولية التنموية لكن قبل خلاصات آراء مِن تحدثوا في هذا المقام سنعرج على حقائق الحالة اليمنية ودواعي الأقلمة سياسياٍ واجتماعياٍ واقتصادياٍ من واقع مؤشرات أبرز التقارير الدولية عن اليمن… إلى مقتطفات هذه الرؤى:

ينطلق المشروع السياسي الوطني الكبير المتمثل في خيار النظام الفيدرالي الأقاليمي في اليمن من دواعُ جلها تنموية بحتة وما هو سياسي فهو يدخل في ما يسمى بالاقتصاد السياسي الذي بني على نخبة ضيقة من قوى تتصارع فيما بينها عاكسة تأثير السياسة على توزيع الموارد حيث خلقت المركزية السياسية والسيادية أزمة تنموية وغبن اجتماعي اقتصادي لمعظم المناطق النائية فيما هناك مناطق متخمة بالمال والتجارة والمستويات المعيشية العليا والوسطى واستحالت هذه المفارقات والمعضلات الجوهرية إلى أسباب واقعية لصراع سياسي قبلي نفوذي ضرب عمق الدولة مطيحاٍ بفرص بنائها لتجنح المركزية النفوذية -تباعاٍ لذلك- إلى الإقصاء في توزيع المشاريع والثروات على مناطق معينة بسبب نفوذ أبنائها الذين أسهموا جميعاٍ في توسيع دائرة الأزمة التنموية وأسباب استفحال سرطانها في مجتمع يترامى بعيداٍ عن حركة الحياة التنموية.. وهو ما فصل أعراض دائه المزمن وكذلك علاجه الناجع مؤتمر الحوار الوطني الشامل في وثيقته التوافقية المتمحورة حول ضرورة إيجاد شكل دولة راعية تضمن الإنصاف المستقبلي والشراكة في السلطة والثروة والمسؤولية لكل أبناء اليمن.. ولا مجال لذلك إلا عبر توزيع إداري سياسي جديد يجعل حكومة الدولة الاتحادية (المجلس الاتحادي) تدير وتشرف وتقيم أداء ست حكومات تتحمل مسؤولية التنمية في ستة أقاليم محدودة الولايات بدلاٍ من دولة مركزية تحكم 22 محافظة عن بْعد..
الأمر الأهم أن الواقع اليمني قائم على حقائق ديمغرافية واقتصادية لا يستطيع أحد نكرانها فالبنك الدولي والمنظمات البحثية والتنموية الدولية والمحلية وكذا الجهات اليمنية المعنية بالتنمية والتخطيط تؤكد في تقاريرها حاجة اليمن إلى دولة تصل إلى كل قرية يمنية ومنطقة نائية تعيش وضعاٍ معيشياٍ صعباٍ فعلى الصعيد الاقتصادي يصل معدل النمو السنوي للناتج المحلي الإجمالي خلال 2000 – 2010 م %4.5 فيما الناتج المحلي الإجمالي للفرد حسب بيانات البنك الدولي للعام 2011م يقدر بـ ($1361,20) فيما إنتاج اليمن من النفط تراجع إلى 180 ألف برميل يوميا بعد أن بلغت ذروة الإنتاج في 2002م نحو457 ألف برميل يومياٍ حسب بيانات بي ي الإحصائية لطاقة العالم في العام 2013م.. ومن الناحية السكانية لا يدرك أحد كم عدد سكان اليمن إذ تخوض الحكومة اليمنية غمار تعداد سكاني جديد سيضع الجميع أمام معطيات واحتياجات تنموية أجد خصوصاٍ والدورة الزمنية قد بلغت اكتمالها منذ العام 2004م الذي أكدت مؤشراته أن عدد سكان اليمن بلغ حينها نحو (24.8) مليون نسمة وبمعدل نمو سكاني يصل 3.1% .. وعلى صعيد الوضع الإنساني تؤكد تلك الحقائق والتقارير الدولية أن 13,1 مليون شخص لا يحصلون على المياه الصالحة للشرب والصرف الصحي ونحو 10.5مليون شخص يعانون من انعدام الأمن الغذائي و6.4 مليون شخص لا يحصلون على الرعاية الصحية فيما مليون طفل يعانون من سوء التغذية.. وثمة مشكلات معيشية وتنموية أخرى..
قراءة إدارية لموارد الأقاليم
في قراءة إدارية أولية أكد الدكتور عبد العزيز الترب رئيس الاتحاد العربي للتنمية الإدارية أن شكل الدولة الاتحادية اليمنية الجديد كفيل بالوصول إلى كل أطراف اليمن إذا عمل اليمنيون وفق النظم واللوائح الإدارية والمهنية التي تضع الحزبية والتعصب والسياسة جانباٍ وتعمل بروح الإخلاص للارتقاء بمعيشة الناس..
وعن سؤالُ حول إمكانية الوصول إلى العدالة التنموية من خلال هذا النظام الاتحادي القائم على الأقاليم أجاب الخبير الإداري والاقتصادي الدولي الدكتور الترب بــ” نعم ستوفر دولة الأقاليم العدالة التنموية شريطة أن نحترم الأنظمة والقوانين وحدود مسؤولياتنا التنموية خصوصاٍ أن الأقاليم ليست بذلك الاتساع الذي يشتت جهود الحكومات المصغرة.. وهو ما سيتيح للمهيمنين والمشرفين إدارياٍ وبرلمانياٍ على كل إقليم سرعة التواصل والتفاعل أولاٍ فيما بين ولايات الإقليم وثانياٍ التواصل مع قمة هرم الدولة الاتحادية الفيدرالية.. بعكس ما إذا كانت الجمهورية كبيرة جغرافياٍ وموزعة إدارياٍ على 22 محافظة ومكاتب العمل التشغيلي فيها مرتبطة بالوزارات والمؤسسات والهيئات الموجودة في المركز وتعمل وفق روتين وترهل إداري على مستوى المركز فما بالك على مستوى الفروع في المحافظات..
وأضاف الترب: وعندما يكون الإقليم صغيراٍ ومركز حكومته المصغرة مسؤولة مسؤولية كاملة أمام الدولة في المركز يكون اهتمامه أكثر ويكون التواصل بين الولايات أسرع هذا يعكس الفائدة الأهم للمواطن المتمثلة من قربه من مركز القرار وحل المشكلات..
كما أن البْعúد التنموي الآخر الذي سيضع الجميع أمام مسؤولية العمل التنموي وسيحمل الجميع على التنافس لصالح المجتمع وسنعلم أنفسنا الترجمة الفعلية والحقيقية لشعار الشراكة العالمي في الدول الأكثر تقدماٍ وهو: “خطط معنا نفذ معنا احكْم معنا” .. هذا الشعار الذي يعني للإداريين والساسة “اللامركزية”.. ناهيك عن كون نتائج عمل حكومات الأقاليم التي ستكون خاضعة للتقييم كمعيار أساسي لا مفر منه لكل من يريد ان يقدم نفسه كمستحق للصعود الإداري إلى مركز الدولة الاتحادي الذي يحكم الأقاليم حيث سيتمكن المجلس الاتحادي -بناء على نتائج التقييم – من اختيار الكوادر المؤهلة والقادرة على العطاء في مركز النظام الاتحادي..
إيقاع العمل الإداري تنموياٍ
“من يفهم معطيات الصراع السياسي اليمني يدرك أن خيار التوزيع الإداري الأقاليمي هو الخيار الأنسب والأكثر ملاءمة لخلق العدالة التنموية والإنصاف المجتمعي ووصول الدولة عبر سلطات الأقاليم إلى كل أطراف اليمن المترامية”..
هذا ما قاله الدكتور فارس السقاف رئيس المركز الوطني للدراسات الاستراتيجية -في توصيف سبق تناول جزء منه- حيث انطلق السقاف من حقائق واقعية تعكس الأهمية الجغرافية والتاريخية والاجتماعية والتنموية للتوزيع الإداري الجديد لشكل الدولة اليمنية الجديدة على ستة أقاليم فيدرالية مواصلاٍ: فعلى صعيد الواقع الديمغرافي يدرك الجميع أن التجمعات السكانية في اليمن تتميز بخصوصية القرى المتناثرة في الجبال والأودية والهضاب وهي متباعدة عن بعضها وعن مركز الدولة الإداري والخدمي فالطالب يأتي من أعالي جبال ريمة أو وصابين إلى صنعاء ليعامل رقم الجلوس أو الشهادة وكذلك المواطن يأتي من سْقِطرى مثلاٍ ليتابع معاملته في صنعاء أليس هذا عذاب يعيشه الناس¿! فمركز الإقليم الإداري سيوفر للمواطن الحكومة والبرلمان والكنترول ومصلحة الأحوال المدنية وغيرها.. وعلى الصعيد الاقتصادي تعتبر الأقاليم فرصة لأن تصل التنمية إلى كل مناطق اليمن النائية والمشتتة أما على الصعيد السياسي فسيتمتع كل مواطن بحقه في القرب من مركز اتخاذ القرار وفي الانتخاب لمن سيحكم العملية الإدارية والتنموية داخل الإقليم وسيتحمل كل أبناء إقليم مسؤولية أمنه وتنميته وستبقى الدولة السيادية حاكمة لرؤوس الأقاليم التي تمتلك كل الصلاحيات الإدارية كما أن حقوق المواطن اليمني في العمل والتجارة والاستثمار والسكن محفوظة ومتاحة أينما حط به الرحال في هذه الأقاليم..
وأكد السقاف أن الأقاليم ستفتح الباب على متوالية من ضبط إيقاع العمل الإداري والتنموي كونها لا تتعلق بالجانب السياسي والسيادي بل تتعلق بالجانب الإداري والعملي المترجم لوجود الدولة إلى جانب تفعيل الموارد واستغلاله لتنمية الإقليم وولاياته فالإقليم يحكم رؤوس الولايات والدولة الاتحادية بمركزها السيادي صنعاء تحكم رؤوس الستة الأقاليم بمثال أقرب وأكثر دقة كان النظام السابق يتحدث عن حكم محلي واسع الصلاحيات ولو حصل هذا كان سيقطع شوطاٍ كبيراٍ في ترسيخ العدالة التنموية وبالتالي سيجذر الوحدة في نفوس الناس لكن هذا لم يتحقق وكانت مجرد شعارات بل اجترحت المركزية المفرطة الحاكمة أخطاء ومظالم تنموية ومجتمعية فظلت المناطق محرومة تنموياٍ فظهرت النزعات الاستقلالية التي ستذوب وتختفي مجرد ما تمارس سلطات الأقاليم صلاحياتها بقدر كبير من المسؤولية والإنصاف.. فوزير الداخلية الذي كان يحكم أمن 22 محافظة يمنية سيسهل عليه حكم ستة وزراء داخلية مسؤولين عن أمن الأقاليم في حكوماتهم المصغرة..
وقال أيضاٍ: تنموياٍ سيحصل أبناء الإقليم على الوظائف خصوصاٍ والشرطة المحلية ستكون من أبناء الأقاليم والوظائف الإدارية في مرافق الحكومات المصغرة وغيرها وسيشهد مركز الإقليم حركة تجارية وسياسية وتفاعلية وكذلك مراكز الولاية أو المحافظة.. وستعتمد العملية على التنافسية الخلاقة بين الأقاليم كما هو الحاصل في كثير من الدول الفيدرالية حتى في جيبوتي التي يصل سكانها إلى (90) مليوناٍ وموازنتها أقل بكثير من موازنة اليمن لكنها تعمد إلى العمل التنافسي مرشدةٍ بذلك الموارد وفق الحاجة وكما هو الحاصل في الإمارات مع فارق نمط السلطة عن طبيعة النظام الجمهوري والثقافة اليمنية..
خلق التنافس
من جانبه أكد رئيس مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي مصطفى نصر أن العدالة التنموية كمفهوم اقتصادي لن يأتي إلا في إطار العدالة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية بأبعادها المختلفة فالمجتمع اليمني أراد التحول إلى النظام الفيدرالي الذي سيحل محل المركزية المفرطة التي قتلت فرص التنمية وجعلت كثيراٍ من أطراف اليمن ومناطقه النائية في معزل عن ما يدور في البلد من حركة تنموية بفعل الصراع الذي يدور في المركز وهذا للأسف ما فوت فرص استغلال كل الإمكانات.. لكن هذا النظام الاتحادي كفيل بخلق التنافس البنيوي وصولاٍ إلى تنمية عادلة لكل الولايات التي تحكمها الأقاليم فثمة مناطق نائية عاشت الحرمان زمناٍ طويلاٍ وحان الوقت للانتصار التنموي لها وتحقيق العدالة الاجتماعية لأبنائها..
وقال مصطفى: عادة في كل المناهج الاقتصادية وعبر التاريخ تبرز المركزية في صدارة تحديات التنمية والحد من وصولها إلى الأطراف وبالتالي فاليمن ستخرج من دائرة تأثير المركزية والأهم من هذا أنك حين توزع الثروة والسلطة في دوائر أكثر شمولاٍ ووصولاٍ إلى عمق المجتمع ستمنح صلاحيات أكثر وبقدر هذه الصلاحيات ستتزامن المسؤوليات وسيكون النجاح الإداري والوظيفي في الواقع المعاش وسيلة وجسر الفوز بمقاعد في المركز..
تحجيم الفســاد
رئيسة مؤسســـة الضياء للمـرأة والشبـاب خديجة عليوة الناشطـة السياسية تؤكد أن الأقاليم تعتبر هي الحل الأمثل والملائم لليمن من الفساد والترهْل الإداري وتكدس السلطة والدولة بكاملها من ثروات وامتيازات في يد قلة من النافذين من خلال النظام الاتحادي سيتاح للناس الوصول إلى المناصب وتحمل المسؤولية فكل إقليم له رئيس حكومة مصغرة مثلاٍ وهنا سيكون 6 رؤساء حكومات كذلك الوزراء سوف يكون لكل إقليم مجموعة وزراء وهنا سوف ينعم الجميع بالتغيير المتتابع للوزراء وسوف يكون عدد هائل من الوزراء كذلك رئاسة الوزراء والوكلاء ومدراء العموم..
وأضافت عليوة: أهم عامل رئيسي أدى إلى الفساد, هو المركزية في كل شيء فالمشاريع كانت خاصة وكانت المحافظات محرومة حتى من الشوارع الحديثة لكن بالأقاليم ستنتصر ثقافة الدولة والشفافية وقيم الانضباط الإداري والتنافس الشريف وسنشهد يمناٍ جديداٍ وتنمية شاملة وهي المحددات التي نصت عليها وثيقة حل القضية الجنوبية حيث ستتوفر هناك شفافية مطلقة لتلك العقود والاتفاقيات وسيكون هناك نشر إعلامي ومحاسبي لعائدات النفط والغاز والموانئ ومن حيث البطالة سوف ينعم ابناء اليمن بالوظيفة والمستوى الاقتصادي والتعليمي والصحي والاجتماعي الذي يوفر حياة كريمة..

قد يعجبك ايضا