اليمنيون متفائلون بالدولة الاتحادية.. متى تقرع أجراس التوعية¿

مراقبون: أكثر من نصف اليمنيين لم يسمعوا بالفيدرالية قط وحوالي أربعة تريليونات ريال تكلفة الانتقال إلى الأقاليم

– شمسان: التعويل على استراتيجية إعلامية تؤسس لثقافة الأقاليم

اقتصاديون: نحتاج إلى خطط واضحة .. وأهداف استراتيجية قصيرة المدى

تحقيق / هشام المحيا

أكثر من نصف اليمنيين لم يسمعوا بالفيدرالية قط لذلك يؤكد سياسيون وأكاديميون أن التهيئة المجتمعية لإرساء قواعد النظام الجديد الذي عنوانه الكبير الدولة الاتحادية هي مربط الفرس وصمام الأمان لحماية مشروع مستقبل اليمن الأفضل.. في التحقيق التالي غوص في تفاصيل الوضع الحالي لليمن وقراءة عن كثب لما يمكن أن يكون في المستقبل الموعود .. نتابع

تسعة أشهر أو تزيد قليلا هي فترة حمل مؤتمر الحوار لهموم الشعب “المكلوم” بعدها تمخض الجبل بولادة شكل جديد للدولة زْفت على أثره التباشير للمجتمع لأنه قد يحقق لهم الكثير من الأحلام التي طالما تمنوها بعد أن عجز النظام المركزي عن توفير أدنى المتطلبات الأساسية غير أن المرحلة الجديدة تواجه مشاكل عدة تعترض طريقها المفروشة بالشوك .. فالشعب في “حيص بيص من أمره وبانتظار مايهيئ سمعه وبصره لقبول فلسفة الدولة الجديدة ودورها الجديد من خلال توعية جادة بمفاهيم الرؤية الجديدة للدولة..
الدكتور علي الطارق- الأمين العام لتكتل يمن فيدرالي وأستاذ علم النفس جامعة صنعاء- أبدى تخوفه من المفارقات العجيبة التي يعيشها المجتمع اليمني وتساءل في الوقت ذاته هل بالإمكان التغلب على هذه المفارقات وبالتالي تهيئة المجتمع نفسيا لاستقبال النظام الجديد حيث قال ” إن تهيئة أي مجتمع نفسيا لاستقبال نظام جديد يتطلب فترة زمنية كبيرة بالذات إذا كان هذا المجتمع كالمجتمع اليمني الذي يعيش وسط زحمة المشاكل وعلى رأسها المناكفات السياسية وتأثير القبيلة على مراكز صنع القرار بشكل مباشر أو غير مباشر وترهل أجهزة الدولة خصوصا الأمن والاقتصاد والإدارة إضافة إلى انقسام المجتمع حول طريقة الحكم خاصة وهناك قوى تحمل أفكاراٍ وإيديولوجيا قد تعيق مشروع الدولة المدنية ومع كل ذلك جاء قرار انتقال اليمن من النظام المركزي إلى النظام الاتحادي الفيدرالي مفاجئا ودون سابق إنذار فكان من الصعب جدا تهيئة المجتمع نفسيا وسط زحمة هذه المشاكل ” غير أن الدكتور الطارق يرى أن الوقت لم يفت وأن دور وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة ما زال قائما وإقامة ندوات ومحاضرات في الجامعات والمدارس والمساجد لأن هذه الوسائط التربوية قد تلعب دورا كبيرا في تخفيف ضغط المعوقات التي تعترض النظام الجديد
الإعلام اللاعب الأول
الدكتور عبدالباقي شمسان أستاذ علم الاجتماع السياسي بجامعة صنعاء قدم توصيفا اجتماعيا للمجتمع اليمني بين فيه مدى قدرة تأثير تلك المفارقات ــ التي ذكرها الدكتور علي الطارق ــ على مشروع تهيئة المجتمع للنظام الجديد حيث يقول: المجتمع اليمني بطبيعته مجتمع إسلامي عاطفي وحدوي يتأثر بمحيطه الاجتماعي والسياسي والثقافي والمحيط الإعلامي على وجه الخصوص وما يعيشه مجتمعنا اليوم ما هو إلا نتاج لهذا التفاعل بينه وبين تلك المؤثرات ” وأضاف”إذا ما أردنا الحديث عن الفيدرالية في اليمن وإمكانية تطبيقها على مجتمعنا فإننا سنقف أمام صعوبات جمة أبرزها أن هناك غموضاٍ وقلقاٍ شديدين يكتنفان المصطلح الجديد” الفيدرالي” فالسواد الأعظم من المجتمع لا يعرف ما الفيدرالية وما هو النظام الاتحادي لأن ما يعرفه الناس أن نظام الأقاليم هو انفصال كل إقليم عن الآخر وبالتالي فالأقاليم باعتقاد الكثير مجرد تكريس لواقع سيكون أكثر مأساة من الوقت الحالي وزاد من هذا الغموض والقلق وسائل الإعلام ذات الأهداف الحزبية والشخصية والمغرضة حيث تكرس هذه الوسائل المفهوم المغلوط للفيدرالية والنظام الاتحادي من أنه نظام يمهد لانفصال كل إقليم عن الآخر وأنه يعمل على صناعة التمييز بين طبقات المجتمع من خلال القول بأن هناك أقاليم فقيرة وأخرى غنية مع أن المفهوم الصحيح هو العكس تمام مؤكدا بالقول أن الفيدرالية هي الرقي بكافة أفراد المجتمع اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا وسياسيا دون تمييز وبهذا يتضح لنا أن الإعلام يملك عصا موسى لتهيئة المجتمع للنظام الجديد وبناء على ذلك فإنه يتوجب على الحكومة ومؤتمر الحوار وضع استراتيجية إعلامية واضحة تعمل على إزالة الغموض حول شكل الدولة الجديد إضافة إلى إقامة الندوات والمحاضرات في الجامعات والمدارس والمساجد” .
الحقوقي والمحلل السياسي الدكتور فيصل الخليفي وافق الدكتور شمسان في طرحه كليا وقال عن التهيئة المجتمعية ــ بلغة المتأسف ـ إن عملية انتقال اليمن إلى النظام الفيدرالي لم تسبقه أي ممهدات والأقسى من ذلك أن وسائل الإعلام لعبت دورا كبيرا في تشويه صورة النظام الجديد وقفا لمآربها وأهدافها على الرغم من أن الفيدرالية نظام يتفق كثيرون على نجاحه ومرونته وقدرته على بناء الدولة التي تطمح إليها الشعوب وهو ما ننشده نحن في اليمن وأشار الدكتور الخليفي إلى أن الإعلام بإمكانه أن يلعب دورا حاسما في تثقيف الناس بنظامهم الجديد وبالتالي تهيئتهم لاستقباله ومن ثم التعامل معه بما يخدم الأهداف المنشودة .
من جانب اقتصادي أبدى بعض الخبراء الاقتصاديين تخوفهم من انتقال اليمن إلى النظام الاتحادي الفيدرالي دون القيام بإجراءات اقتصادية تعمل على تهيئة البلاد لاستقبال النظام الجديد لا سيما وأن المبلغ الذي تحتاجه اليمن للانتقال إلى نظام الأقاليم يصل إلى حوالي أربعة تريليونات ريال على الأقل فتقسيم اليمن إلى ستة أقاليم يتطلب ـ بالضرورة ـ وجود سلطتين إداريتين بكل إقليم الأولى تتبع الولاية والثانية تتبع السلطة المركزية أيضا كل إقليم بحاجة إلى حكومة محلية وبرلمان ومكاتب تنفيذية بمنشآتها وطاقمها الإداري الجديد الأمر الذي يؤكد أن التهيئة الاقتصادية التي كان ينبغي أن تسبق الفيدرالية أمر ملح وضروري لنجاح الانتقال .
وحول الرؤية الاقتصادية في الدولة الاتحادية مقارنة بما عليه حاليا يبدي الدكتور مشعل الريسي أستاذ الاقتصاد بجامعة صنعاء استياءه من الوضع الاقتصادي الذي وصفه بالهش والذي يعول عليه الانتقال من خلالها إلى اقتصاد جديد بمقومات الدولة الجديدة حيث قال ” أعتقد أن الاقتصادي اليمني ليس بمقدوره تحمل أعباء الانتقال إلى الفيدرالية لأسباب كثيرة .. أهمها أننا نعيش في الوقت الحالي على المساعدات ونفقات مؤتمرات المانحين إضافة إلى وجود تضخم كبير في أجهزة الدولة وانتشار البطالة المقنعة فما بالنا ونحن نقف على أعتاب الدولة الاتحادية التي تتطلب وجود حكومة وبرلمان ومجمع حكومي وبنية تحتية في كل إقليم إضافة إلى الحكومة المركزية ومضى يقول: ليس هذا فحسب بل إن التقسيم الحالي للأقاليم أضاف أعباء اقتصادية كبيرة على بعض الأقاليم التي لا تمتلك موارد من خلال عزل الأقاليم النفطية عن الأقاليم الفقيرة كإقليمي آزال والجند ” وعن الحلول التي يمكن أن تعمل على تهيئة اليمن اقتصاديا لإرساء قواعد النظام الفيدرالي يقول ” طريقة واحدة لا غير بإمكانها أن تساعد على فرض النظام الجديد وهي العمل على وضع خطة ولو قصيرة الأمد ـ لسنتين على الأقل ـ يتم من خلالها بناء جيش وطني قوي قادر على حماية البلاد من كافة المخاطر وفرض القانون وبناء قاعدة اقتصادية قادرة على النهوض بالواقع الجديد في حال تجاذبتها العواصف وبهذا تكون اليمن قد تهيأت.
خطط ولكن
إداريا لم تْقدم الحكومة على أية خطوة ملموسة على أرض الواقع تمهد للنظام الجديد باستثناء بعض المشاورات التي تدار بين الحين والآخر وبعض الخطط التي لم ترِ النور حتى اللحظة وهذا ما أكده لنا الدكتور عبدالرقيب سيف- نائب وزير الإدارة المحلية الذي قال إن وزارة الإدارة المحلية تعد خطة إدارية بموجبها سيتم الانتقال إلى النظام الجديد وأشار إلى أن هذه الخطة ستصاغ من وحي مخرجات الحوار وما توافقت عليه فرق الحوار الوطني الشامل
ختاما
ثمة إجماع بين السياسيين والاقتصاديين وأساتذة الاجتماع وعلم النفس على ضرورة أن يتبنى مؤتمر الحوار وقتها رؤية من كافة الجوانب سياسيا واقتصاديا وثقافيا واجتماعيا حتى يتسنى للنظام الفيدرالي الوليد أن يفرض نفسه .. غير أن هؤلاء المراقبين يحملون وسائل الإعلام المهمة للتهيئة المجتمعية لتدارك ما يمكن تداركه دفعا للقاعدة التي تقول: أن تأتي متأخرا خير من ألا تأتي .

قد يعجبك ايضا