الاتفاقيات والقوانين الدولية تجرم استهداف المواقع والمعالم الأثرية والثقافية:

7سنوات من الحـقد الدفين لدول العــدوان ضـــــد الحـضــــارة اليمنية

 

الثورة / خليل المعلمي

 

تحترم الدول المتصارعة حول العالم المواقع الثقافية والأثرية والتاريخية والمناطق المدنية في الحروب والصراعات الدولية، لكن ما قام به الأعراب ودول العدوان على بلادنا من استهداف ممنهج لتاريخنا وحضارتنا من خلال قصف وتدمير المواقع الأثرية والتاريخية في كافة المناطق اليمنية يعبر عن حقد دفين واستهتار بالمواثيق والقوانين الدولية التي تجرم وتحرم استهداف مثل هذه المواقع في الصراعات والحروب الدولية.
تمثل بلادنا عبر التاريخ أهم الحضارات القديمة منذ أكثر من سبعة آلاف سنة، فالشواهد كثيرة ومتعددة من آثار ومعالم ومواقع ممتدة من الشرق إلى الغرب ومن الشمال إلى الجنوب.
قيمة التراث الثقافي
تمثل وتصنف المواقع الأثرية والثقافية والتاريخية وكذا المعالم الدينية ضمن التراث الثقافي والديني للشعوب، وتكمن قيمة التراث الثقافي وأهميته باعتباره تراثاً إنسانياً يجسد عبقرية شعب، ويشكل حلقة من حلقات التطور الثقافي والحضاري للإنسان، وما يؤكد هذه الأهمية أن ضياع أي أثر أو فقده يشكل خسارة كبرى لا تعوض لا للدولة صاحبة الأثر فحسب بل للإنسانية جمعاء، لأن تراث أي دولة إنما هو حلقة في سلسلة متصلة من الحلقات من قصة الإنسان منذ ظهر على سطح الأرض حتى الآن.
ويؤكد العديد من الاختصاصيين في مجال التراث أن استهداف المعالم والمواقع الأثرية والتاريخية يعتبر عملاً إجرامياً ممنهجاً في إطار عملية التطهير الشامل لهوية وحضارة الشعب اليمني، وأن هذه الجرائم تتم على الرغم من تحذيرات المنظمات الدولية والمحلية بتحييد مواقع التراث والثقافة عن أي صراعات كما تؤكده المواثيق والاتفاقيات الدولية.
إن هذه المواقع والمدن التاريخية والأثرية والممتلكات الثقافية التي استهدفها العدوان في السنوات السابقة لا تقاس خسارتها مادياً فقط وإنما الخسارة معنوية وتاريخية أكبر من كل المعايير والمقاييس الاعتيادية.
وبحسب القوانين الدولية التي تنص على حماية التراث الثقافي الإنساني أثناء الحروب فإن اتفاقية لاهاي لعام 1954م بشأن حماية الملكية الثقافية في حالة نزاع مسلح تُكرّس حماية خاصة تعترف بالتراث الثقافي لكل شعب، وتم تعزيز هذه الاتفاقية ببروتوكولين إضافيين عام 1977م وأصبحت جزءاً من القانون الدولي العرفي.
استهداف المواقع والمعالم
بحسب تقرير صادر عن الهيئة العامة للآثار والمتاحف فهناك أكثر من 64 معلم وموقع تاريخي وأثري تم استهدافه من قبل طيران العدوان السعودي الأمريكي الغاشم على بلادنا، في طول البلاد وعرضها خلال السبع السنوات الماضية، إضافة إلى 20 معلم ديني وأثري استهدفته الجماعات الإرهابية من داعش والقاعدة، قامت الهيئة برصدها وتوثيقها.
ومن هذه المواقع متحف ذمار ومدينة صنعاء القديمة ومدينة صعدة التاريخية وغيرها من المعالم والمواقع في محافظات مارب والجوف وتعز وإب وعدن وغيرها من المحافظات.
استهداف المساجد
ومنذ اليوم الأول للعدوان السعودي الإماراتي الأمريكي على بلادنا، كان استهداف المواقع الثقافية والمعالم الأثرية من أهدافه وأولوياته، فبعد بضعة أيام من انطلاق العدوان كان أول تاريخ استهداف لطيران العدوان على هذه المواقع والمعالم في 1 ابريل 2015م، حيث تم استهداف (مسجد حمراء علب) والذي يقع في دار الحيد بمديرية سنحان بمحافظة صنعاء، وهو مسجد صغير يعود للفترة التاريخية الإسلامية، بني من الأحجار مربع الشكل بمقاسات 6*2متر، بداخله قبر الإمام عبدالرزاق الصنعاني المتوفي سنة 211هـ، حيث تم تدميره تدميراً كلياً.
وفي نفس اليوم تم استهداف مدينة صعدة التاريخية وتم تدمير أجزاء كبيرة منها، وهي مدينة تاريخية يحيط بها سور، تتكون من مجموعة من المساكن التاريخية والمساجد الأثرية والحمامات والأسواق القديمة أدرجتها منظمة اليونسكو في قائمة الانتظار من بين المدن التي ستدرج ضمن قائمة التراث العالمي وقد تم استهدافها عدة مرات.
كما تم استهداف مسجد حبور ظليمة في 7 سبتمبر 2015م، وهو معلم أثري يقع ضمن محافظة عمران، ويعود تاريخه إلى فترات الأئمة الزيديين في اليمن ويعتبر المسجد من أهم المعالم الدينية في منطقة حبور بما فيه من طابع فني في البناء والزخرفة.
عقدة هوية وحضارة
تشير الكثير من الدراسات العلمية إلى أن المجتمعات التي لا تاريخ لها أو حضارة أو هوية، يتملكها حقد دفين وعدوانية طافحة ضد المجتمعات ذات العراقة والأصالة والتاريخ والحضارة، وبالتالي عندما تسمح لها الفرصة في السيطرة؛ فإنها لا تتوانى في طمس ومسح وتدمير كل معالم الحضارة والعمران البشري في المجتمعات التي تعتدي عليها، وهذا ما حدث من قبل العدوان السعودي والإماراتي من خلال استهدافه للآثار اليمنية والمعالم الحضارية التي اكتسبها اليمن على مر العصور، من خلال قصف المناطق التي لم يستطع الوصول إليها مثل مدينة صنعاء القديمة ومتحف ذمار الإقليمي الذي تم استهدافه بغارة جوية عام 2015م، وهو يضم 12500 قطعة، ولم يتم الحصول من بين الانقاض سوى على 5000 قطعة، فيما تعرض متحف تعز للنهب من الجماعات المسلحة لبيع القطع الاثرية التي كانت بداخلة لسماسرة الاثار، كما تم استهداف العديد من المعالم والمراكز الثقافية في عدد من المحافظات.
تهريب الآثار
من جانبها كشفت عدد من اللجان الدولية عن تهريب ممنهج تمارسه أدوات وأذرع للآثار اليمنية، ما اعتبرته نكسة للحضارة البشرية والتاريخ الإنساني، وبحسب هذه اللجان، فإن الإمارات نجحت في تهريب نحو نصف مليون قطعة أثرية، وأن قيمة القطع قد تراوحت بين 5000 دولار و100.000 دولار تعود إلى حقبة ما قبل الإسلام، وقد احتوى متحف “اللوفر – أبوظبي على القدر الأكبر من تلك القطع، فيما توزع البقية على متاحف أخرى وعائلات ثرية في الإمارات، كما تم بيع الكثير منها في مزادات خاصة في أوروبا وأمريكا.
جزيرة سقطرى
تعتبر جزيرة سقطرى إحدى المناطق الطبيعية التي لم تطلها يد الإنسان في التغيير والتحوير، وقد تم إدراجها ضمن قائمة التراث العالمي من قبل منظمة اليونسكو، كما تم إعلانها محمية طبيعية في العام 2000م، لما تحتويه من طبيعة خلابة وتنوعي حيوي ونباتي فريد، وتحاول دويلة الإمارات السيطرة على جزيرة سقطرى، كما تعمل من خلال مرتزقتها على زعزعة الأمن فيها، ووصل الأمر إلى تهريب عدد من النباتات النادرة التي تختص بها الجزيرة ومنها شجرة دم الأخوين لإعادة زراعتها في بلدهم، وهذا يخالف القوانين اليمنية التي تمنع إخراج أي صنف نباتي أو حيوي من الجزيرة، كما قامت هذه الدويلة بسرقة كميات كبيرة من أحجار الشعاب المرجانية والطيور النادرة وغير ذلك من الاعتداءات.
إحصائيات
وفي ظل العدوان السعودي الإماراتي تشير الإحصائيات إلى أنه قد تم بيع قرابة مائة قطعة في مزادات علنية، أما خلال أقل من عشر سنوات، فقد بِيع ما لا يقلّ عن مائة قطعة أثرية من اليمن في مزادات علنية بمبالغ تُقدَّر بمليون دولار أميركي في كلّ من الولايات المتّحدة وأوروبا والإمارات، وتشملُ تلك القطع نقوشاً قديمة وتماثيل ومخطوطات تعود إلى العصور الوسطى، بحسب ما تم الكشف عنه موقع “لايف ساينس” المختصّ في العلوم والآثار.
وتعد هذه القطع الأثرية بحسب خبراء الآثار حلقات علمية متسلسلة، تدل على مستوى تطوّر حضارةٍ من الحضارات علمياً وثقافياً وفنياً وعسكرياً، ومراحل ذلك التطور وتنوّعه مكانياً وزمانياً، وبالتالي فإن عملية تهريبه وبيعه تُفقِد البلد حلقةً علمية من حلقات هويته التاريخية، مشيرين أن من شأن ذلك أن يُحدث فجوةً تاريخية كبيرة، فاليمنيّون برعوا في كثير من العلوم والآداب والفنون، لكنَّ كل ذلك يظلُّ مجرّد حديث ما لم تكن هناك آثار تؤكّده.
إن ما أقدم عليه العدوان من استهداف للتراث اليمني وما سرقته الإمارات من آثار يعتبر جريمة تاريخية لن تنساها الأجيال الحالية والقادمة، وسيتم محاسبتها بحسب القوانين والاتفاقات الدولية الخاص بالتراث الثقافي.
تصوير/حامد فؤاد

قد يعجبك ايضا