في ذروة المؤامرة التي كانت ستجرد الأمة من هويتها ومبادئها ظهر السيد حسين

 

السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي:
كان إدراكه للواقع إدراكًا عميقًا وقويًا ومثّل استهدافه استهدافًا للمبادئ العظيمة التي يحملها
بينما غلب على معظم أبناء الأمة الانهماك في الأشياء التافهة كان يراقب الواقع ويرصد المتغيرات بروح المسؤولية

في كلمته بمناسبة الذكرى السنوية لاستشهاد السيد حسين بدر الدين الحوثي 1434هـ، أبرز السيد عبدالملك بدرالدين الحوثي طبيعة الحالة الجهادية التي تصدرها الشهيد القائد لترسيخ دعائم مسيرة قامت على منهجية القرآن فقرأت الواقع واستشرفت المستقبل..
اخذ على عاتقه هم إخراج الأمة من الوضع الذي هي عليه فمضى رغم المخاطر ورغم تكالب الأعداء لينشر رؤيته، مستندا إلى القرآن إذ كان بحق، -كما يقول السيد عبدالملك- “حليف القرآن، ومن القرآن الكريم قدّم للأمة رؤيةً فريدةً مسددةً جمعت بين العمق والوضوح، والمصداقية وسعة الأفق، والفاعلية والتأثير، كشف بها زيف الأعداء ومكائدهم ومؤامراتهم، وقدَّم الحل في زمن اللا حل، في عصر الحيرة، وعزّز الأمل في دنيا اليأس وفي زمن الإحباط.”

الثورة  / احمد السعيدي

ورأى السيد عبدالملك أن استهداف السيد حسين، والعدوان عليه بما يمثل من مبادئ وقِيَم ومواقف استهدافً للحق، استهدافً للحرية، استهدافً للقرآن الكريم، وكان بهدف إلى إسكات صوت الحق، وإطفاء نور الله.
ويؤكد السيد عبدالملك أن السلطة حينها بقيامها بذلك، حذت حذو بني إسرائيل في استهداف الآمرين بالقسط من الناس..
لقد مثّل استهداف السيد حسين استهدافًا للمبادئ العظيمة التي يحملها، إذ كان بحقٍ رجل المرحلة، يعي المرحلة التي يمر بها شعبه، وتمر بها أمته عمومًا، يعيها جيدًا، يعي خطورتها، ويعي ما تتطلبه، يعي تداعياتها، ويعي ما يجب أن تكون عليه الأمة في مواجهة هذا الواقع، وكيفية الخروج منه، ومواجهة تلك التداعيات..
وحسب ما تضمنته كلمة السيد عبدالملك، فقد كان السيد حسين بحق رجل المسؤولية، يعي مسؤوليته ومسؤولية الأمة من حوله تجاه هذا الواقع المرير، تجاه هذه المرحلة الخطرة، ويحمل روحية المسؤولية بما تحتاج إليه من عزم، وإرادة، وصدق، وجد، واهتمام، ووعي، وإيمان، وعزيمة.
وكان واسع الأفق، كان عالمي الرؤية والنظرة والاهتمام، فلم ينحصر أبدًا اهتمامه أو نظرته أو توجهه في محيطه، لا محيطه المذهبي، ولا محيطه الجغرافي، ولا محيطه العشائري، ولا بأيّ مقياس من المقاييس المحدودة والصغيرة؛ لأنّه استنار بالقرآن الكريم، فكان فعلًا عالميًا بعالمية القرآن، في رؤيته الواسعة، في اهتمامه الواسع، في نظرته الواسعة، وفي أفقه الواسع.
كان أمة، أمة من الأخلاق والقيم، رجلًا متكاملًا في إيمانه، في وعيه، في أخلاقه، في سؤدده، في قيمه، وأدرك الواقع، أدرك الواقع على المستوى العالمي، وعلى مستوى واقع الأمة، وأدرك بعمق حجم المأساة التي تعيشها أمته، ويعيشها شعبه، وخطورة الوضع، وخطورة المرحلة، شخّص المشكلة، وقدّم الحل في زمن لم نسمع فيه عن من يقدم الحل، ومرحلة غلبت عليها حالة اليأس، وغلب فيها الإحباط والحيرة.
عظمة القرآن الكريم
وعندما نتأمل في معالم هذه الشخصية الفذة والعظيمة، نرى فيه بحق عظمة القرآن الكريم، وأثر القرآن الكريم؛ ولأنّه قرين القرآن، وعاش مع القرآن الكريم، ومن خلال القرآن الكريم قَيَّم هذا الواقع بكله، ونظر إليه النظرة القرآنية، وقيمه التقييم القرآني، ففعلًا نرى فيه عظمة القرآن الكريم في عمق الفكرة، وصوابية النظرة، والرؤية الصائبة، والدقة في التقييم، وبعد ذلك نرى فعلًا عظمة المشروع الذي قدّمه لخلاص الأمة من هذا الواقع، ولتغييره.
كان إدراكه للواقع إدراكًا عميقًا وقويًا، فهو استوعب هذا الواقع، ونظر إليه بروح المسؤولية، وقليلون من الناس، قليلون من أبناء الأمة من يهتمون بذلك، لقد كان الواقع العام، والحالة السائدة بالنسبة للأمة هي التجاهل واللا مبالاة تجاه هذا الواقع المرير، والغفلة الكبيرة عمّا يُحاك لهذه الأمة من مؤامرات، وما يُدبّر لها من مكائد، وما يعصف بها من أخطار، الحالة السائدة كانت حالة الغفلة، الغفلة الكبيرة، وغلب على معظم أبناء الأمة الانهماك والغرق في أشياء محدودة، وأشياء جزئية وأشياء تافهة، بعيدًا عن الهم العام، والواقع العام، والأخطار الكبيرة، والتحديات الجسيمة.
كان فعلًا عميق النظرة، يراقب الواقع، يرصد الأحداث والمتغيرات وبروح المسؤولية، بينما كان البعض حتى وإن، وإن رصدوا الأحداث، وإن تابعوا الوقائع فبنظرة سطحية وبقراءة عابرة، إمّا كحالةٍ إعلامية كما هو حال الكثير من الناس، حالة إعلامية مجردة، متابعة الخبر لنقل الخبر، سماع الخبر والحدث لمجرد السماع والاكتفاء بذلك، أو إطلاق تعليق محدود بدون شعور بالمسؤولية، وبدون روحية عملية، وبدون ارتباط بمشروع عملي، وبدون موقف.
وصنف السيد عبدالملك في كلمته المتابعين للأحداث “فئة مهتمة تغلب عليها المتابعة الإعلامية أو السياسية المحدودة، في حدود التشخيص السياسي، أو التحليل السياسي، ولا ترقى إلى مستوى المسؤولية.
والبعض يتابعون بسطحية ويغلب “عليهم انسداد الأفق، وانعدام الرؤية، وسيطرة الإحباط، والشعور العميق بالعجز، هكذا هو الواقع”، وبعض جعل خياره في التأقلم، والدخول “عبر هذه الموجة من الأحداث والمتغيرات في إطار المشروع التآمري على الأمة، والاشتراك فيه، يرى ربحه في ذلك، ويرى مصلحته في ذلك.”
يقول السيد عبدالملك: أمّا شهيدنا المقدس، ورجلنا العظيم فقد حكمت قراءته للواقع أخلاقه، وإيمانه وإنسانيته، ووعيه شعوره العالي بالمسؤولية، أمله الكبير في الله وثقته بالله، وتوكله على الله، ويجمع ذلك كله قرآنيته، بارتباطه بالقرآن الكريم، بتمسكه بالقرآن الكريم، بوعيه للمفاهيم القرآنية، بنظرته القرآنية للواقع.
فقد كان موقفه متميزًا ومسؤولًا بالدرجة الأولى، وبالقيم التي حملها من خلال القرآن الكريم، ومن خلال ارتباطه بالله سبحانه وتعالى، ومن خلال إيمانه المتكامل والواعي، فقد حمل القيم العظيمة والمتميزة، وتجلّى الإيمان في واقعه، تجلّى في روحيته، تجلّى في أخلاقه، تجلّى في قيمه، حتى تحوّل في معالم شخصيته إلى إيمانٍ يتحرك، وقرآنٍ ناطق، هكذا كان واقعه.
كانت المعالم الأساسية الإيمانية بارزةً في واقعه، وفي حياته، وفي سلوكه، وفي مواقفه، وفي مقدمتها الخوف من الله سبحانه وتعالى؛ فقد كان على درجةٍ عظيمةٍ وعالية من الخوف من الله سبحانه وتعالى شأنه شأن المؤمنين الكاملين في إيمانهم وفي مقدمتهم أنبياء الله، ثم ورثتهم الحقيقيون الذين نهجوا نهجهم، واقتبسوا من روحيتهم.
ويستعرض السيد عبدالملك الظرف والواقع الذي بدأ فيه السيد حسين تحركه الواسع بهذا المشروع القرآني العظيم، وموقفه المناهض والمعادي للهيمنة الأمريكية والإسرائيلية على الأمة.. فيقول: لو نستذكر تلك المرحلة كيف كانت؟ كيف كانت هيبة الطاغوت؟ التحرك العالمي تحت قيادة أمريكا ولمصلحة إسرائيل، وما واكبه من إذعان وخضوع واستسلام مطلق في واقع الأمة إلّا القليل القليل، والمخاوف الكبرى التي أثرت في نفوس الكثير من الناس على مستوى الشعوب، وحتى على مستوى النُّخَب داخل تلك الشعوب، بل كانت الحالة العامة هي حالة الصمت، وحالة السكوت، وحالة الخضوع، وحالة الخوف، وحالة الرهبة، والشعور بالعجز، كانت حالة الاستسلام هي الحالة الغالبة على معظم أبناء الأمة إلّا القليل القليل، أمام كل ذلك الطغيان، والهجمة العالمية بكل إمكانياتها، بكل عتادها، كان أبيًّا عزيزًا صامدًا ثابتًا، لم يخشَ أحدًا غير الله، ولم تأخذه في الله لومة لائم.
حالة الرحمة
حالة الرحمة والرأفة بالآخرين كانت واحدة من الصفات التي اتصف بها السيد حسين.. يقول السيد عبدالملك: من تجليات هذه المواصفات الإيمانية، والحالة الإيمانية هي حالة الرحمة والإحساس والشعور الحي، فهذا الرجل العظيم كان رحيمًا بأمته وبشعبه، يتألم ويعاني لكل ألمٍ أو معاناة، عندما يشاهد الظلم، عندما يشاهد معاناة الأمة، عندما يشاهد تلك المظالم الفظيعة والوحشية بحق الأمة، سواءً في داخل شعبه أو خارج شعبه، فالكل أمة واحدة، يجمعها عنوان واحد هو الإسلام، وارتباط واحد، وأساس واحد، وأرضية واحدة هي الإسلام.
“لم يكن حاله كحال الكثير من الناس الذين يعيشون حالةً الأنانية، وحالة الانغلاق الشخصي، فلا يبالي عندما يرى معاناة الأخرين؛ إمّا لأنه يرى في الأخرين غيره، أو يرى فيهم غير شعبه، أو يرى فيهم غير طائفته، أو يرى فيهم غير أسرته فلا يبالي مهما كانت أوجاعهم، مهما كانت آلامهم، مهما كانت مظلوميتهم، فالمهم عنده أن يكون هو على مستواه الشخصي، على مستوى واقعه الأسري أو غيره، يشعر بالأمن أو يرى نفسه سليمًا.”.
عزة وإباء
من القيم الإيمانية والإنسانية التي كان يتحلى بها وعلى درجةٍ عالية: العزَّة، فقد كان عزيزًا، وكما قال الله سبحانه وتعالى: {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ} (المنافقون:8)، بإيمانه المتكامل كان عزيزًا وأبيًّا، لا يقبل بالذل، ولا يقبل بالهوان، ولا يقبل بالقهر، ولا يستسيغ، لا يستسيغ الظلم أبدًا، ولا يستسيغ الهوان أبدًا، عزيزًا، يشعر بالعزة مِلء جوانحه، وتدفعه حالة العزة للموقف العزيز والكلام العزيز، تجلّت هذه العزة وظهرت في موقفه، في شموخه، في إبائه، في حزمه، في ثباته، في كلامه، في منطقه، فلا مكان عنده أبدًا للذل، ولا للهوان، ولا للقهر، ولا للضيم، كان أبيًّا يأبى الضيم، ويأبى الظلم، وحُرَّا، وهذه من القيم التي غابت إلى حدٍ كبير في واقع الأمة، بل أصبحت في تلك المرحلة التي تحرك فيها ضمن ثقافة الذل، والترويج للذل، والترويج للقبول بحالة الهوان، والترويج لحالة السكوت، أصبحت ثقافةً سائدة وحالةً راسخةً قائمة.
فعلى غرار الكثيرين ممّن فقدوا الشعور بالعزة، فقبلوا بالذل والهوان وانطلقوا ليعمموا تلك الحالة، وممن كانوا يبررون حالة الذل والهوان التي تعيشها الأمة، احيانا بصبغة دينية واحيانا بتبريرات بغطاء سياسي، والبعض بتبريرات بالزيف الإعلامي، على غرار أولئك كان السيد حسين بدرالدين الحوثي، كان “عزيزًا بعزة الإيمان، بعزة القرآن، بعزة هذا الانتماء الإيماني القرآني الإسلامي بإنسانيته أيضًا، فلم يستسغ الظلم أبدًا، وكان يتألم، يتألم حتى على أولئك الذين يريدون للأمة أن تقبل بحالة الذل والهوان، فيتفلسفون ويقدمون الرؤى والتبريرات، ويسعون جاهدين لدرجة عجيبة، لدرجة وكأنَّ الواقع يتطلب ذلك، وكأنَّ الذي ينقذ الأمة، أو يعز الأمة، أو يخرجها من واقعها السيئ هو ما يعملونه من تدجين للأمة، ومن عملٍ لتضخيم حالة الرعب لدى الأمة، ومن تخويف للأمة، وإرجاف في وسط الأمة.”
اتسم بالنظرة الموضوعية والعميقة، وبالإيمان الواعي، متحررا من كل المؤثرات والقيود السياسية والطائفية والمذهبية، عمل على “دعوة الأمة إلى القرآن الكريم، وكان يستغرب لماذا ليس هناك دعوة للأمَّة للعودة إلى القرآن؟! أو لا يمكن أن يكون هناك حل في القرآن؟! وقدَّم الرؤية المتكاملة من خلال القرآن الكريم، في المعالم الأساسية لهذه الرؤية.”
كان يرى أن هناك أزمة ثقة بالله تعيشها هذه الأمة، فقدَّم من خلال هذا المشروع القرآني “دروسًا كثيرة يهدف منها إلى تقديم المعرفة بالله سبحانه وتعالى من خلال القرآن الكريم، معرفة حقيقيةً تعزز الثقة بالله، ولها ثمرتها في الواقع.”
عمد أيضًا إلى إحياء الشعور بالمسؤولية: الحالة التي يرى السيد عبدالملك انها ماتت في نفوس الناس.
عمد أيضًا في هذا المشروع المهم إلى إحياء الروحية الجهادية التي كانت قد خَبَتْ في نفوس الأمة.
حرص أيضًا في هذا المشروع الإلهي على إحياء المفاهيم الإيمانية الواعية.
كما حرص وبشكلٍ كبيرٍ جدًا على الوعي، وتعميم حالة الوعي، وأنَّ أحوج ما تحتاج الأمة إليه هو الوعي.
وإلى ذلك “أيضًا قدَّم مشروعه المهمّ جدًا الذي هو الشعار ومقاطعة البضائع الأمريكية والإسرائيلية، ليواجه به مشروع التدجين، وفرض حالة الولاء والتسليم المطلق لأمريكا، والإذعان لها ولإسرائيل؛ لأنَّه تفرّع – تفرّع عن المشروع الأمريكي الإسرائيلي الغربي في السيطرة على الأمة – تفرّع عنه مشروع النفاق من داخل الأمة، القوى الأنظمة والحكومات والقوى السياسية التي حَذَت حذوها، والتي ارتبطت عمليًا بالمشروع الأمريكي في السيطرة على الأمة، في حالة يصّفها القرآن الكريم بأنَّها حالة نفاق، حالة نفاق.”

قد يعجبك ايضا