مجلس الأمن منصة دولية لتبرير العدوان والحصار على اليمن

غارات وقرارات: مجلس الأمن شريك في العدوان على اليمن (الحلقة الأولى)

 

 

الثورة / صنعاء
أصدر المركز اليمني لحقوق الإنسان دراسة بعنوان (غارات وقرارات) وهدفت إلى التعرف على مخالفات مجلس الأمن للقانون الدولي من خلال قرارته المتعلقة بالوضع اليمني خلال الفترة (1947 – 2021)، ولأهمية هذه الدراسة سنخصص هذا العمود لاستعراض أبرز ما جاء فيها من خلال حلقات يومية .
دخلت اليمن في عدة حروب أهلية وتعرضت لعدوان خارجي في فترات زمنية مختلفة منذ قبول عضويتها في الأمم المتحدة 1947م، وخلال تلك الفترات كانت قرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن غائبة أو بعيدة عن الحل الحقيقي لتلك الحروب التي كانت تجمعها صفة أساسية، وهي الدعم الخارجي لأحد أطراف النزاع.
وبعد سبات طال قرابة سبعة عقود، لم يصدر خلالها مجلس الأمن سوى أربعة قرارات أمام عشرات الأحداث والحروب الأهلية والاعتداءات الخارجية على اليمن، نهض مجلس الأمن فجأة وبدون سابق إنذار وأظهر اهتمامه الشديد باليمن، فمنذ انطلاق الثورة الشعبية في 2011 وحتى كتابة هذه الدراسة في ديسمبر 2021 أصدر مجلس الأمن (17) قراراً بخصوص الأحداث في اليمن.
وقد تناولت هذه الدراسة مخالفات مجلس الأمن في قراراته لميثاق الأمم المتحدة وقراراتها المتعلقة بالحفاظ على سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، وكذلك ما يتعلق بصلاحيات مجلس الأمن الواردة في ميثاق الأمم المتحدة والتي حصرت تدخله على وجود حوادث تشكل خطراً حقيقياً يُهدد السلام والأمن الدوليين، أو في قمع جريمة عدوان على بلد ما، فمنذ بداية العدوان على اليمن في 26 مارس 2015 وجه مجلس الأمن إجراءاته القمعية لتشجيع تنفيذ “جريمة العدوان”، ما نقل الصراع في اليمن من نزاع ومخاض سياسي داخلي بمواجهات عسكرية في إطار ضيق تم السيطرة عليها إلى صراع ذي طابع دولي تورطت فيه عشرات الدول من مختلف قارات العالم وتوسعت جغرافيته لتشمل عدة دول وبما جعل مجلس الأمن ينتقل من حامٍ للأمن والسلم الدوليين إلى منتهك لهما وللقانون الدولي.
تورط مجلس الأمن في كل تلك المخالفات تلبية لأطماع الدول الأعضاء وحلفائها من دول الخليج للسيطرة على ثروات اليمن الطبيعية ومياهه الإقليمية من خلال استغلال الثورة الشعبية والمخاض السياسي في اليمن، وفي سبيل ذلك سعى المجلس لفرض وصايته غير القانونية على اليمن من خلال أربع مراحل، وهي كالآتي:
المرحلة الأولى: كانت ممهدة لمحاولته تضليل المجتمع الدولي وإقناعه أن الحالة في اليمن تهدد الأمن والسلم الدوليين عبر القرارين (2014) الصادر عام 2011 والقرار (2051) الصادر عام 2012.
المرحلة الثانية: إصداره القرار (2140) الصادر عام 2014 الذي قرر فيه المجلس أن الحالة في اليمن تهدد السلم والأمن الدوليين في المنطقة وفرض خلالها قرارات تتدخل في الشؤون الداخلية اليمنية بموجب الفصل السابع، على الرغم من فشله في إثبات ولو حادثة واحدة تهدد الدول المجاورة أو السلام والأمن الدولي، بجانب تأكيده في مختلف قراراته بأن الأحداث في اليمن لا تتعدى الشأن والجغرافيا اليمنية، وأنها أحداث يغلب عليها الطابع السياسي فيما يتعلق بانتقال السلطة وتشكيلها، بل ورحب في القرار نفسه وبشكل غير مسبوق بالمتغيرات السياسية الإيجابية وتعاون جميع الجهات المعنية في اليمن في العملية الانتقالية.
نتيجة لذلك كان قرار مجلس الأمن رقم (2140) يُعد انقلاباً على المنظومة والقوانين والأعراف الدولية، كما كان هذا القرار مخالفة صريحة ومتعمدة لمقاصد وميثاق الأمم المتحدة وقراراته المحددة لأسباب التعامل مع الدول بموجب الفصل السابع، والمؤكدة عدم جواز التدخل في شؤون الدول الداخلية والخارجية وانتهاك سيادتها ومصادرة حقوق شعبها في تقرير مصيرهم بدون أي تدخل أو تهديد خارجي.
المرحلة الثالثة: تمثلت في المواقف الغادرة لمجلس الأمن ومحاولة الالتفاف على نجاح ثورة الـ21 سبتمبر 2014، فالمجلس لم يستطع اتخاذ أي قرار بعد إعلان قائد الثورة “السيد عبدالملك الحوثي”، (قائد مكون أنصار الله) سيطرة الثوار على صنعاء و إعلان كافة الأطراف والمكونات السياسية توقيع “اتفاق السلم والشراكة“، الذي دعا إليه، واكتفى المجلس بالترحيب والدعوة للالتزام بالاتفاق.
بعد استقالة “عبدربه هادي”، و”خالد بحاح”، وإعلان “اللجنة الثورية العليا”، كسلطة مؤقتة لإدارة البلد وإنقاذه من الفراغ الدستوري حتى تنفيذ بقية بنود “اتفاق السلم والشراكة“، وصولاً لانتخابات رئاسية ونيابية وتسليم السلطة سلمياً لمن يختاره الشعب، لم يستطع مجلس الأمن ومجلس التعاون الخليجي تَحمُّل انتصار ثورة اليمنيين وإيقافهم أي تدخلات أجنبية في قراراتهم الداخلية أو الاستمرار في انتقاص حق الشعب اليمني في تقرير مصيره وسيادته على أرضه، فتوالت بيانات الإدانة والشجب من دول مجلس التعاون الخليجي اختتمها مجلس الأمن بقراره (2201) الصادر في 15 فبراير 2015، ولكن قبيل العدوان بشهر واحد فقط صدر القرار (2204) 2015م، الذي اتخذه مجلس الأمن في جلسته (7390) المعقودة في 24 فبراير 2015، وكان هذا قراراً مطمئناً بشكل عام وأقل قلقاً وشجباً واستياءً وحِدةً من القرارات السابقة، كما تراجع عن إلزام اليمنيين بالتقيد بالمبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية، وأعلن دعمه للمبعوث الأممي في رعاية الحوار الذي كان في ظل إدارة “اللجنة الثورية العليا”، للدولة، لم يحتوِ هذا القرار على أي إدانات لأعمال عنف أو تفجيرات، كونها انعدمت كالتفجيرات والأعمال الإجرامية لتنظيم القاعدة وقمع المتظاهرين والتحريض الإعلامي بين الفرقاء السياسيين، سادت بدلاً عنها فترة من الهدوء العام، وعادت مؤسسات الدولة للعمل بحكومة تصريف الأعمال، وعادت المكونات للجلوس على طاولة الحوار في فندق “موفنبيك”، بالعاصمة صنعاء بإشراف ورعاية الأمم المتحدة عبر مبعوثها الخاص “جمال بن عمر”.
المرحلة الرابعة: محاولات مجلس الأمن فرض الوصاية على اليمن تمثلت في تشجيعه ارتكاب دول التحالف جريمة العدوان على اليمن في 26 مارس 2015، فعلى الرغم من استجابة القوى الوطنية والثورية لكافة طلبات المجلس الواردة في القرارات (2140) و (2201) و(2204)، وخلال فترة الأربعين يوماً من سياسة الصبر الاستراتيجي، قامت قوات التحالف الذي تقوده السعودية بشن مئات الغارات على مختلف المحافظات اليمنية، ومجلس الأمن لم يقم بالدور المتوقع منه ولو بإصدار قرار يقضي بإدانة ووقف العدوان الذي لم يواجَه بعيار ناري واحد، بل شارك التحالف في جريمة العدوان بارتكابه مخالفتين جسيمتين لميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي الإنساني كالآتي:
المخالفة الأولى: بتجاهله إقدام التحالف على تنفيذ مُعلن لجريمة العدوان واستهداف المدنيين والتزم المجلس الصمت لعشرين يوماً نفّذ التحالف خلالها مئات الغارات على مختلف المحافظات اليمنية استهدفت البنى التحتية والأعيان المدنية مخلفة (3362) قتيلاً وجريحاً من المدنيين، بلغ عدد القتلى (1037) منهم (214) من الأطفال و(184) من النساء، بينما بلغ عدد الجرحى (2325) منهم (352) من الأطفال و(485) من النساء.
المخالفة الثانية: الجسيمة التي ارتكبها مجلس الأمن بحق اليمن والقانون والعرف الدولي هي إصدار مجلس الأمن القرار (2216) الذي اتخذه مجلس الأمن في جلسته (7426)، المعقودة في 14 أبريل 2015، فقد فاجأ مجلس الأمن العالم بقراره – الذي يُعد فضيحة تاريخية – ليس للمجلس فقط وإنما لمنظومة الأمم المتحدة ككل، حيث لم يتطرق نهائياً لإعلان التحالف وتنفيذه العمليات الهجومية على اليمن، وتغاضى بشكل متعمد وكلي عن المئات من جرائم الحرب التي راح ضحيتها آلاف المواطنين وترافقت مع قصف شعب بأكمله وفي مختلف محافظاته مسببةً دماراً هائلاً في البنى التحتية والأملاك العامة والخاصة، في محاولة لتضليل المجتمع الدولي وبعد ستة أيام من إصدار المجلس للقرار (2216) أعلن التحالف في 21 إبريل 2015 انتهاء عملية “عاصفة الحزم”، بحسب بيان الناطق العسكري للتحالف بعد 26 يوماً من بدء العملية التي التزم اليمنيون خلالها بضبط النفس وعدم الرد وإتاحة الفرصة لمجلس الأمن للقيام بمسؤولياته، الذي لم تصدر منه أي إدانة أو تدخل لإيقاف العدوان، ما شجع دول التحالف لاستمرار العدوان وإعلانها في نفس البيان عن عملية جديدة بمسمى “إعادة الأمل”، عادت فيها لقصف أراضي اليمن ومحاولة احتلالها.
طوال أربعين يوماً كان التحالف يَشُن هجماته وضرباته الجوية والبرية والبحرية على اليمن مخلفاً آلاف الضحايا المدنيين، حيث بلغ عدد الضحايا (5731) بين قتيل وجريح، فخلال هذه الفترة بلغ عدد القتلى (4144) منهم (661) من النساء و(585) طفلاً، بينما بلغ عدد الجرحى (1587) منهم (250) من النساء و(289) طفلاً.
فلم يكن مفاجئاً صدور قرار مجلس الأمن (2564)، الذي جاء بعد صمت المجلس لقرابة سبع سنوات عن عدوان دول التحالف على اليمن، ولم يدن خلالها جريمة أو انتهاكاً واحداً قامت به قوات التحالف، ذلك القرار الذي أصدره مجلس الأمن في 25 فبراير2021، كان قراراً استثنائياً ألغى التزامه بتطلعات الشعب اليمني، والذي كان يكرره في كل ديباجة من القرارات السابقة ترافق التزامه بوحدة اليمن وسيادته واستقلاله وسلامته الإقليمية، كما أعلن فيه لأول مرة إدانة أحد أطراف النزاع الذي نشأ نتيجة قيام دول التحالف بقيادة السعودية بعدوان مستمر على اليمن منذ 26 مارس 2015 حتى تاريخه، لكن الإدانة لم توجه نحو الطرف الذي يقصف اليمن بالصواريخ والقنابل ليلاً ونهارا ويجوع شعبه بحصار مستمر منذ قرابة سبع سنوات، ولم تكن الإدانة لقتل واعتقال عشرات المسافرين والمسافرات ما بين مارب وصنعاء، بل كانت إدانة مجلس الأمن “الشديدة”، على : “التصعيد المستمر في مارب باليمن، بما في ذلك العملية التي نفذها الحوثيون في 7 شباط/فبراير 2021”! وأيضاً على “استمرار هجمات الحوثيين على المملكة العربية السعودية، بما في ذلك على مطار أبها الدولي “داعياً المجلس إلى “وقف فوري للهجمات دون شروط مسبقة”.
وضع كارثي تعيشه اليمن خلال سبع سنوات من تدخلات مجلس الأمن في الشأن اليمني الداخلي وإصداره القرارات والأحكام المخالفة لميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي لم يستطع تحقيق أيٍ من أهدافه السياسية المعلنة في اليمن ، وهذا ما أثبته فريق خبراء مجلس الأمن في تقريره الصادر في يناير 2021 والذي جاء فيه : “ما فتئ الوضع يتدهور في اليمن، مع ما يترتب على ذلك من آثار مدمرة على السكان المدنيين، وتساهم ثلاثة عوامل رئيسية في هذه الكارثة: (أ) التربح الاقتصادي من قبل جميع الأطراف اليمنية، مما يؤثر على الأمن البشري، (ب) والانتهاكات المستمرة والواسعة النطاق لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني، في ظل الإفلات من العقاب، (ج) والتصعيد في القتال وتأثيره على المدنيين، بما في ذلك النزوح.”، فلم يكن هذا التوصيف هو الوضع السياسي والأمني الذي وعد به مجلس الأمن الشعب اليمني، الشعب الذي أثبت أنه كان أكثر حكمة من مجلس الأمن قبل تدخله في اليمن، حيث استطاع احتواء كافة الأزمات والنزاعات وحسمها بأقل الخسائر.
مجلس الأمن ارتكب مخالفات، إن لم يكن التوصيف الأصح “جرائم”، بدعمه لعدوان التحالف بقيادة السعودية على اليمن بمبرر طلب رئيس مستقيل لا يمثل طرفاً أو مكوناً وطنياً ولم يعد متواجداً في البلد، حيث فر منها بعد إعلانه الانقلاب على قرارات مجلس الأمن و”اتفاق السلم والشراكة الوطنية”، الذي اعتمده مجلس الأمن كمرجعية، كما أن ما قام به مجلس الأمن ودول التحالف بقيادة السعودية خالف قرارات مجلس الأمن ذات الصلة وميثاق الأمم المتحدة وقراراتها والقانون الدولي واتفاقية الطائف الموقعة والموثقة المعتمدة لدى الأمم المتحدة، وبهذا فإن مجلس الأمن بقيامه بهذه المخالفات وإصراره على استمرار هذه “الجريمة”، في حق اليمن أرضاً وإنساناً لا يعتدي على اليمن فقط، وإنما يعتدي على منظومة الأمم المتحدة وعلى أعضائها وعلى البشرية جمعاء، مهدداً بانهيار منظومة الأمم المتحدة إرضاءً للدول العظمى في تكبرها واستبدادها وتسلطها على الشعوب، لتتكرر مأساة انهيار عصبة الأمم مرة أخرى، {لِّيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْراً كَانَ مَفْعُولاً} [الأنفال: الآية44].

قد يعجبك ايضا