«أكثر من مليوني عراقي أُزهقت حياتهم نتيجة كذبة أسلحة الدمار الشامل العراقية.. وبرعايتهم يكرر السعوديون ذات الشيء في اليمن»

تلميذ كولن باول الخائب

 

 

تقرير/ إبراهيم الوادعي

في 7 أبريل 2017م حمل مندوب بوليفيا في مجلس الأمن صورة لوزير الخارجية الأمريكية الأسبق كولن بأول، وهو في مجلس الأمن يعرض أدلة أمريكية وصفها بالموثوقة لامتلاك العراق أسلحة دمار شامل وهو يعارض ضربة أمريكية على مطار الشعيرات السوري بنفس الحجة، ولتذكير العالم بمأساة نجمت عن كذبة دولية .
صورة وزير الخارجية الأمريكي الأسبق كولن باول في جلسة 5 فبراير 2003م مجلس الأمن – وهو يسوق المبررات لاحتلال العراق للدلالة على مواقع السلاح الكيماوي العراقي – خالدة في ذهن البشرية ولن تُمحى بسهولة لقرون ربما .
استطاع كولن باول إبهار أعضاء جلسة الأمن في 5 فبراير 2003م بعرضه الأول من نوعه بداخل قاعة مجلس الأمن بما في ذلك أعضائه الدائمين بمبررات أمريكا لاحتلال العراق– وبعدها شنت الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا حربا لاحتلال العراق في الـ 18 من مارس 2003م م .
ولكن بعد 18 شهراً وعقب احتلال العراق، أعلن باول استقالته من منصب وزير الخارجية، واعترف بعدها بفترة وجيزة بأن المعلومات الاستخباراتية التي أشارت إلى أن صدام حسين كان يمتلك «أسلحة دمار شامل»، كانت مغلوطة وخاطئة.
قُتل في السنوات الأولى للاحتلال الأمريكي نحو مليوني عراقي وفق أرقام أممية كنتيجة لكذبة كولن باول، وإغراق العراق بدوامة عنف وحرب لم تهدأ حتى اللحظة، دون أن يفرق الاعتذار شيئاً لدى الضحايا أو يوقف عداد الضحايا بعد أن دارت عجلة العنف .
السعودية لم تكن ببعيدة عن كذبة باول، ووقف سفيرها بندر بن سلطان داعماً قوياً لاحتلال العراق من قبل أمريكا وفق روبرت ليسي في كتابه (المملكة من الداخل)، عارض كولن باول الأمريكي ذو الأصول الإفريقية احتلال العراق، لكنه عاد وعدل عن موقفه، فهو كان صديقاً لبندر بن سلطان المتحمس للحرب واحتلال القوات الأمريكية للعراق .
كذبة أسلحة الدمار الشامل العراقية جعلت العالم حذراً أمام ذرائع الولايات المتحدة، في التعامل مع ملفات عدة في سوريا وليبيا.
ما دفع الولايات المتحدة إلى الذهاب منفردة ودون غطاء أممي وشن هجمات على سوريا منفردة بذريعة استخدام دمشق السلاح الكيميائي دون التوسع في الهجوم، نتيجة تباين الموقفين الروسي والصيني بداخل مجلس الأمن، وتجربة العالم القاسية معها في ملف كيميائي العراق، البلد الذي لم يعرف الهدوء منذ غزته واشنطن بكذبة كولن باول.
في مؤتمر صحفي بمقر التحالف بالرياض مساء الـ 8 من يناير أطل المالكي كنسخة مشوهة لكولن باول، ودون عناء أو استحياء اجتزأ مقطعا من فيلم أمريكي صُوِّر قبل 15 عاما في بغداد ونال جوائز دولية على أن المقطع لمعامل ومخازن صواريخ باليستية في ميناء الحديدة الحيوي لملايين اليمنيين والواقع تحت حصار التحالف وتفتيش بعثة الأمم المتحدة الدوري لتطبيق اتفاق السويد اجتزأه من مقطع من فيلم أمريكي وثائقي صور في العراق يتحدث عن الغزو الأمريكي للعراق.
بعدها بساعات تم كشف الكذبة السعودية، وعم وسائل التواصل الاجتماعية سيل من التعليقات اللاذعة والساخرة من التحالف، عرقلت على ما يبدو عملية استهداف ميناء الحديدة الحيوي لملايين اليمنيين .
ومن شأن استهداف ميناء الحديدة – وهو ليس الاستهداف الأول – أن يعمق الأزمة الإنسانية في اليمن والأكبر عاملياً وفقاً للأمم المتحدة .
عاد المالكي لا ليعتذر بل ليقول بأن المعلومة مررت له بشكل مغلوط ووصف الخطأ الذي كان سيؤدي إلى تدمير ميناء حيوي بالخطأ الهامشي .
الأخطاء السعودية في اليمن بالآلاف ولم توفر منازل أو أسواقاً أو طرقاً وذهب بنتيجتها نحو 44 ألف مدني نصفهم أطفال ونساء قتلى وجرحى وفقا لأرقام مؤسسات مجتمع مدني دمرت خلالها ما يزيد عن 600 الف منزل و1300 مدرسة، و400 مستشفى ومرفق صحي، وطال القصف 5800 طريق و10 آلاف شاحنة ووسيلة نقل ، وما يزيد عن ألف مخزن للغذاء و70 سوقاً، و500 قارب للصيد ، فيما تقول الأمم المتحدة أن الأرقام أعلى من ذلك بكثير وأن تعداد الضحايا في اليمن تجاوز الـ 300 الف قتيل .
في أغسطس 2018م قصف طائرات التحالف بغارة باصاً مدرسياً ذهب ضحية القصف نحو 40 طالبا في مدينة ضحيان صعدة، ليظهر المتحدث باسم التحالف ويؤكد مشروعية الهدف ، وهذا الأمر تكرر منذ بدء العدوان وارتكاب جريمة بني حوات بصنعاء ليلة بدء العدوان على اليمن في الـ 26 من مارس 2015م . في بداية الحرب على اليمن لم يكن التحالف بحاجة إلى سوق مبررات لجرائمه، فالسعودية التي اعتقدت أنها ستحسم الحرب في أسبوعين أغدقت الأموال يمينا وشمالا واشترت القرار الدولي 2216 لتشريع حرب وقعت أصلاً .
لم يكن العالم حينها يتوقع صمود الشعب اليمني مع قيادته الوليدة في سبتمبر 2014م وواقع الفشل الذي اعتراه لنحو 3 عقود ماضية تقاسم فيها الخائن عفاش والإخوان حكم اليمن، لتظهر الدولة عبئاً على الشعب ليلة العدوان وأنها لا يمكن أن تقدم لهم شيئا باستثناء سلاح متواضع جدا مقارنة بما لدى التحالف المكون من 17 دولة امتلك أعتى التكنولوجيات الحربية والعقول العسكرية .
مع طول مدة الحرب في اليمن، أخذت المواقف الدولية في التغير، واضطرت السعودية لدفع مليار دولار نهاية العام 2016م لمنع تشكيل فريق تحقيق أممي تحول إلى فريق استقصاء جمد مؤخراً وبشكل تام بضغط وأموال سعودية . وبات الحفاظ على الصمت الدولي مكلفا – اضطرت السعودية لشراء الصمت الدولي داخل مجلس حقوق الإنسان بنحو مليار دولار، ونجحت في تجميد فريق التقصي الأممي في جرائم الحرب في اليمن، وأخذت الحرب في اليمن تستنزف الخزينة السعودية وتؤثر في قدرتها على شراء المواقف الدولية، وكذلك القنوات الدولية التي أخذت تسلط الضوء على ما يجري في اليمن بشكل أكبر عما كان في السابق .
وبتغير معادلات الميدان العسكري في اليمن وتحديداً منذ فبراير 2020م وعملية النصر المبين والتي جرى تأمين العاصمة صنعاء خلالها ونقل المعارك إلى معقل التحالف الأخير في مارب، وضعت صنعاء نفسها بثقة على الصعيد الدولي كطرف قوي أخذ العالم يتقرب منه ويتعرف إليه اكثر علنا وتحت الطاولة، وأخذت السعودية تعاني في تمرير جرائمها في اليمن كما كان في السابق .
بالتوازي مع تلقي السعودية الضربات تلو الضربات على غرار قصف منشآت أرامكو المزود العالمي الأكبر للنفط في الدوادمي ومصفاتي بقيق وخريص وينبع، وتحول السعودية وعاصفة الحزم إلى عاصفة استجداء دولية مع كل ضربة يتلقاها العمق السعودي رفعت القنوات الدولية من مساحة التغطية وفتحت النوافذ أمام متحدثين عن صنعاء ينقلون ما استطاعوا من الحقيقة، ووجهة النظر التي غُيبت قسراً خلال السنوات الأولى للحرب، وتوسعت التغطية لتشمل الداخل اليمني حيث ميدان الجرائم السعودية بحق السكان قتلاً بالنار وتجويعاً وقتلاً بالحصار.
في مدة زمنية قصيرة لا تتجاوز الأسابيع ارتكب ناطق التحالف المالكي فضائح لا يمكن تقبلها بدءا من عرض فيلم مفبرك وباهت لتورط حزب الله في اليمن كمحاولة لتحقيق نصر استخباراتي والتنقيص من كفاءة اليمنيين وإلصاق انتصاراتهم بالطرف الإيراني، وفضيحة السفينة الإماراتية روابي وادعى المالكي أنها مخصصة لحمل شحنات طبية لتبث قناة المسيرة بعضا من وثائق وصور وفيديوهات حمولاتها العسكرية، وانتهاء بسرقة فيديو الفيلم الأمريكي على انه من مصدر استخباراتي لمخزن صواريخ في ميناء الحديدة.
أثناء عاصفة الصحراء منتصف العام 1990م اعترف قائد القوات السعودية بأنهم خائبون في التخطيط عندما اندفعت قوات سعودية وخليجية في الصحراء بعربات ذات عجلات لتنال شرف تحرير مدينة الخفجي دون مساعدة أمريكية بعد احتلالها من قبل قوات عراقية، حيث وقعت مجزرة للقوات المهاجمة .
الخيبة اليوم تنسحب على الأمريكيين أيضاً القادة الحقيقيين للتحالف بمن فيهم الإسرائيليين والبريطانيين والفرنسيين، وإحقاقاً للحق، فالمالكي ليس تلميذا خائباً وحسب لكولن باول، يبدو أن الجنرالات الأمريكيين والغربيين والذين يديرون معارك التحالف المتعددة في اليمن شاخوا أمام عقول يمنية شابة وقيادة شجاعة وثقت بالله وفاجأت خصومها في كل الميادين وتصنع انتصارات ومعجزات عسكرية وفق ما قاله الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، وهو الخبير بالحروب وقاد شعبه لانتصار على إسرائيل عجزت عنه جيوش عربية مجتمعة .
العقول اليمنية استطاعت تضييق هوة القدرات التكنولوجية مع التحالف إلى أضيق الحدود وتوصل بعضها إلى المستوى صفر كحال منظومات باتريوت وباك3 الأمريكية المنصوبة لحماية السعودية ، مبتدعة أساليب حربية ضمن حروب الجيل الخامس تراقبها كبريات الأكاديميات العسكرية الدولية تؤكد ذهاب الأحداث في اليمن نحو انتصار حاسم لصنعاء وتحول التحالف إلى مجرد مشاغب على الأرض.
احتفاء التحالف بنصر بسيط في شبوة البعيدة الآلاف من الكيلومترات عن صنعاء بعد أن كان التحالف على أبواب صنعاء، ومحاولة تسويق انتصارات إعلامية لن يغطي ذلك، بقدر ما يوفر سلما يحفظ ماء وجه التحالف والسعودية والتشويش على الانتصار الواضح لليمن، لكن هذا الأمل الأخير أمام الرياض والتحالف الأمريكي يبدو صعب المنال في ظل مهازل ناطقه وآخرها إعلانه في مؤتمر صحفي بشبوة عن اطلاق عملية «حرية اليمن» العسكرية لتحويل اليمن إلى قطعة من أوروبا ..

قد يعجبك ايضا