حصل بموجبها على درجة الدكتوراه بامتياز من جامعة صنعاء:

دراسة تاريخية عن سياسة الفصل العنصري في جنوب أفريقيا للباحث محمد فتيني كنباش

 

 

الثورة / خليل المعلمي

حصل الباحث محمد فتيني محمد كنباش على درجة الدكتوراه مع مرتبة الشرف، من كلية الآداب والدراسات الإنسانية بجامعة صنعاء عن رسالته الموسومة بـ”سياسة الفصل العنصري في جنوب أفريقيا (1948-1999م) دراسة تاريخية، تحت إشراف كل من الدكتور محمود الشعبي -أستاذ التاريخ والعلاقات الدولية بكلية الآداب- جامعة صنعاء مشرفاً رئيسياً، والدكتور عبدالودود مقشر -أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر بكلية الآداب- جامعة الحديدة مشرفاً مشاركاً، فيما تكونت لجنة المناقشة والحكم من الدكتور حسين العمري رئيساً ومناقشاً داخلياً، والدكتور محمود الشعبي عضواً ومشرفاً رئيسياً، والدكتور علي مصلح هائل عضواً ومناقشاً خارجياً.
ولأهمية الدراسة نستعرض أهدافها وحيثياتها وحدودها ومحتواها والنتائج التي خلص إليها الباحث:
العنصرية في جنوب افريقيا
تعد العنصرية ظاهرة سياسية واجتماعية واقتصادية وثقافية يتم فيها تفضيل وتمييز واضح لجماعات أو أفراد ضد جماعات أخرى على اعتبار انتماءاتهم إلى عرق أو جنس أو قوم أو ديانة أو حاجز لوني، وقد استأثرت تلك السياسة باهتمام الرأي العام العالمي، وحظيت باهتمام المجتمع الإنساني، وأخذت تحتل حيزاً كبيراً في المحافل والمؤتمرات الدولية، ولا سيما بعد نهاية الحرب العالمية الثانية لما تسببت به تلك الحرب من ويلات ودمار وامتهان لحقوق الإنسان.
وعلى الرغم من أن السياسات العنصرية قد انتهت بصورة رسمية في أغلب دول العالم، ولاسيما بعد نهاية الحرب العالمية الثانية وتأسيس منظمة الأمم المتحدة عام 1945م التي أقرت المساواة وحقوق الإنسان، إلا أن العنصرية في جنوب افريقيا واصلت امتدادها وتطورها الفكري والسياسي والعقائدي على شكل قوانين دستورية رسمية مدعمة بالأفكار والنظريات العرقية التي عبَّرت عنها قوانين الفصل العنصري عام 1948م، التي اتخذت مغزاها منذ ذلك العام، إذ أصبحت عنواناً لبرنامج حكومة جنوب افريقيا العنصرية الذي يقضي بالحفاظ على نقاء الجنس الأبيض مع ضمان امتيازاته السياسية والاقتصادية والاجتماعية عن طريق اصدار التشريعات اللازمة لذلك.
الأطول عمراً
ويأتي اهتمام الباحث بهذه القضية وتسليط الضوء على سياسة الفصل العنصري في جنوب افريقيا بالذات كونها القضية الأطول عمراً في التاريخ، إذ تجذرت منذ عام 1652م عندما وطأت أقدام الهولنديين مدينة كاب تاون، حتى نهاية سياسة الفصل العنصري عام 1994م، وما تبع ذلك من تطورات حتى عام 1999م وكذلك الكيفية التي تحقق بها ذلك في مجتمع تعددي يتعايش وفق عدة نظم سياسية واقتصادية ولغوية ومجاميع دينية وعرقية تتداخل جزئياً مع بعضها البعض، كما أنه مجتمع تميز بمستوى عال من النزاع الداخلي والصراع العرقي والتقسيم الطبقي، مما خلق خلخلة في هيكلة التوازن الاجتماعي.
أسباب اختيار الدراسة
لقد اختار الباحث موضوع الدراسة بناء على عدة أسباب أهمها:
التعرف عن كثب على طبيعة السلوك العنصري لنظم وقوانين الحكومات الأوروبية التي تعاقبت في حقبة سياسة الفصل العنصري 1948-1994م، والامتداد التاريخي لهذه السياسة في جنوب افريقيا.
تشابه الظروف والأحوال والتجارب الاقتصادية والاجتماعية بين بلدان عربية وأخرى أفريقية، وكذلك مأساة التجزئة والانقسام التي عاشها العالم العربي والقارة الأفريقية، ورغبة الباحث الاسهام في سد فراغ في حيز الدراسات الافريقية.
معرفة أثر سياسة الفصل العنصري على تطور نطاق النظم العنصرية في العالم، لأنها تؤدي إلى إقرار التفاوت بين أبناء الجنس البشري وتبرر استغلال الإنسان للإنسان.
أهداف الدراسة
يتوخى الباحث في هذه الدراسة تحقيق جملة من الأهداف تتمثل فيما يأتي:
التوسع في الدراسات الافريقية والتعرف على تجربة نضالية جديرة بالاهتمام والمتابعة، وإيضاح الأبعاد المرتبطة بخلفيات سياسة الفصل العنصري وانماط سلوكها وتحولاتها الفكرية والعقائدية.
تحليـل الجـذور التاريخية لسياسـة الفصل العنصري وتطورها إزاء السكان الأصليين لجنـوب أفريقيا، والكشف عن دورهم في التعامل مع تلك السياسة.
تفسير طبيعة العلاقات العرقية المزدوجة لمجتمع جنوب أفريقيا، والتعرف على طبيعة السلوك العنصري لنظم وقوانين الحكومات الأوروبية التي تعاقبـت على حـكـم جنوب أفريقيا، وأيضاً إظهـار بعض جوانب الاختلاف في حيـاة مجتمـع جنوب أفريقيـا قبـل وبـعـد نـهايـة سياسـة الفصـل العنصري.
حدود الدراسة
اختير عام ١٩٤٨م بداية للدراسة، لأنه العام الذي أسست فيه القوانين العنصرية وفق تطبيق نظام سياسة الفصل العنصري، وترسخت خلال قرارات مجلس العموم البريطاني في منح صلاحية الحكم للبوير الهولنديين ضمن كومونويلث الإمبراطورية البريطانية، وأخذت فيه سياسة الفصل العنصري وفق ذلك إطارها التشريعي والقانوني في ضوء ما ورد في دستور جنوب أفريقيا، كما اختير عام ۱۹۹۹م نهاية للدراسة، لأنه العام الذي انتهت فيه رئاسة نيلسون مانديلا وشكل بداية لمرحلة مهمة من تاریخ جنوب أفريقيا عقب نهاية سياسة الفصل العنصري.
محتوى الدراسة
تحتوي الدراسة على مقدمة وتمهيد وخمسة فصول وخاتمة وعدد من الملاحق وقائمة بالمصادر والمراجع، حيث استعرض التمهيد مراحل نشوء سياسة الفصل العنصري والجذور التاريخية لها، وكذلك التطورات السياسية التي طرأت على السياسة العنصرية حتى عام ١٩٤٨م، من خلال عملية التشريع القانوني للسياسة العنصرية متناولاً أثر الصراع القومي وصراع الثقافات على المجتمع الأصلي لجنوب أفريقيا، ورد فعل السكان الأصليين، وبيان أثر الحرب العالمية الثانية وتغيير مسار السياسة العنصرية نحو الاعتدال بوساطة الحزب المتحد الذي خسر الانتخابات لاتخاذه قرار تغیير المسار السياسي، مما أتاح الفرصة لوصول الحزب الوطني المتطهر إلى السلطة عام 1948م بعد فوزه بالانتخابات تحـت شـعار نظرية الفصل العنصري، كمـا تطـرق إلى توضيح مفهـوم سياسة الفصـل العنصري.
وكُرَّس الفصل الأول لدراسة السياسة العنصرية في جنوب أفريقيا وفق تطبيق نظرية الفصل العنصري للحقبة (1948- 1961م)، حيث تناول دور الحزب الوطني المتطهر الحاكم في ممارسة سياسة الفصل العنصري في الحقبة (1948-1954م)، ودراسة النصوص والقوانين التي صدرت عن تلك السياسة، مع بيان رد فعل السكان الأصليين إزاء تلك السياسة، كما تناول لجنة “توملينسون” وأثرها على تطبيق سياسة الفصل العنصري، كما تطرق إلى إعلان حملة التحدي عام 1952م، والنتائج التي أسفرت عنها في نطاق الحقبة (١٩٥٤-١٩٦١م).
وتناول الفصل الثاني الكفاح المسلح ضد سياسة الفصل العنصري (١٩٦١-۱۹۷۷م)، حيث تطرق إلى إعلان الكفاح المسلح ودور الحكومة العنصرية في مواجهته، وتأسيس حركة رمح الأمة، وبداية الكفاح المسلح وموقف الحكومة العنصرية منه، واشتمل على انتفاضـة “سويتو” وأثرها على مناهضة سياسة الفصل العنصري، حيث تناول العلل والمسببات لتلك الانتفاضة، وأحداثها، ونتائجها والآثار المترتبة عليها.
واستعرض الفصل الثالث إلى الكفاح المسلح وأثره على انهيار الهيمنة البيضاء (۱۹۷۷-۱۹۹۰م)، وكيف تمكنت الحركة الوطنية من زعزعة النظام العنصري وهد أركانه، حيث تناول تفاقم الكفاح المسلح ضد سياسة الفصل العنصري، الذي شكل عامل ضغط على الحكومة العنصرية وجعلها تحاول أن تنتهج سياسـة أقـل حـدة مما سبق، فأصـدرت دستورا في عام ١٩٨٣م، حاولـت مـن خـلالـه كسب القوميات الملونة والآسيوية والأفريقية إلى صفها، مما أدى إلى تفاقم الكفاح المسلح أكثر من أي وقت مضى، كما تحدث عن سياسة الحكومة العنصرية تجاه السجناء السياسيين، وانعكاس ذلك على طبيعة تلك السياسة.
أما الفصل الرابع، فقد تناول موقف منظمتي الأمم المتحدة والوحدة الأفريقية من سياسة الفصل العنصري، حيث تطرق إلى دور الأمم المتحدة في مناهضة السياسة العنصرية في جنوب أفريقيا، وتوضيح محاولاتها الرامية لوضع حد لها، وما تعرضت له من مواقف إحراج سياسي كمنظمة عالمية أمام تصلب وتزمت الحكومة العنصرية والدفاع عن سياساتها المعلنة في جنوب أفريقيا، وكذلك تناول موقف منظمة الوحدة الأفريقية منذ تأسيسها عام ١٩٦٣م، إزاء سياسة الفصل العنصري والدور الكبير الذي قامت به تجاهها.
وتحدث الفصل الخامس والأخير عن انهيار سياسة الفصل العنصري في جنوب أفريقيا (۱۹۹۹-۱۹۹۰م) حيث تطرق إلى انهيار نظام الفصل العنصري، مستعرضاً محادثات “كوديسا”، وكيف تم الاتفاق على آلية للتخلص من تركة الفصل العنصري، وأبرز توجهات حزب المؤتمر الوطني الأفريقي نحو تولي السلطة في جنوب أفريقيا، والبرنامج الانتخابي لحزب المؤتمر، والصعوبات التي واجهت انتخابات عام 1994م، وصولاً إلى إجراء الانتخابات، والتطورات الداخلية في جنوب أفريقيا عقب نهاية سياسة الفصل العنصري حتى عام ١٩٩٩م.
الخاتمة
وتحدث الباحث في الخاتمة عن النتائج التي توصلت إليها الدراسة، حيث أشار إلى طبيعة سياسة الفصل العنصري في جنوب أفريقيا وتحديد أسبابها ودوافعها وما أهم الآثار التي نجمت عنها وما مدى تأثيرها على المجتمع الأصلي لجنوب أفريقيا، مع إعطاء المحصلة النهائية لدور القوى الوطنية وما خرجت به من خلال مسيرتها الطويلة في الكفاح ضد هذه السياسة.

قد يعجبك ايضا