كي لا تكون من الخاسرين

نبيل المهدي

 

 

 

 

يتكون الإنسان أساساً من قسمين: مادي ومعنوي، المادي: هو الجسد، والمعنوي: يسمى الروح أو النفس، وقد يُصاب الإنسان بمرضٍ ما في جسده؛ فنراه يُسارع إلى البحث عن علاج في هذا المستشفى وهذه العيادة وهذه الصيدلية وعند هذا الطبيب وهنا وهناك ؛ لأن الإنسان يخاف من هذا المرض ولا يريده، أما لو قيل للإنسان إن هذا المرض خطير وسيؤدي إلى الوفاة بسرعة فإنه يكون مستعداً أن يبيع ممتلكاته وبيته بل وإراقة ماء وجهه للبحث عن مساعدات ليستطيع معالجة ذلك المرض، كل هذا لا إشكال فيه ولا ضير منه، ولكن هل هذا المرض سيكون سبباً لدخول صاحبه جهنم؟ وهل ستأتي الملائكة في ساحة المحشر لتأخذ أصحاب الأمراض الجسدية ـ بسبب أمراضهم ـ إلى جهنم؟ بالتأكيد لا، إذاً فلماذا يصيب الإنسان كل ذلك الخوف؟ ولو جئنا لننظر كيف يتعامل الإنسان مع الأمراض التي تصيب الشق الآخر منه، النفس والروح التي تصيبها أمراض الغفلة والنسيان والإعراض عن هدى الله والقسوة والطبع على القلوب من قبل الله بسبب المعاصي والانحطاط النفسي؛ فهل يخاف الإنسان من هذه الأمراض كما يخاف من أمراض الجسد، أليست الغفلة والنسيان وقسوة القلب والإعراض والران والانحطاط أمراض توصل الإنسان إلى جهنم؟ ولك أن تتأمل آيات القرآن وهي تتحدث عن خطورة الغفلة: {يَا وَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَذَا بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ}الأنبياء97، وعن خطورة النسيان: {فَذُوقُوا بِمَا نَسِيتُمْ لِقَاء يَوْمِكُمْ هَذَا إِنَّا نَسِينَاكُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْخُلْدِ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ}السجدة14، وعن خطورة الإعراض: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنتَقِمُونَ}السجدة22، وعن خطورة قسوة القلب: {فَوَيْلٌ لِّلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُم مِّن ذِكْرِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ}الزمر22، وعن خطورة الطبع على القلوب: {أُولَـئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ وَأُولَـئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ}النحل108، وعن خطورة انحطاط النفس: {وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا}الشمس10، ونجد الإنسان يزود جسده بثلاث وجبات يومياً، ولا يهتم بتزويد روحه بغذائه من الهدى والذكر والقرآن، فالنفس تصاب بما يجعل صلتها بالله ضعيفاً كما يحدث لأصابع شحن البطارية من الطاقة الشمسية التي تصاب بطبقة من الكربون والمادة التي تقلل توصيلها ولا بد من “جلخ” تلك المادة كي يعود التوصيل قوياً، وكذلك نفس الإنسان تحتاج لذلك التنظيف لكي يعود اتصالها بالله قوياً، وكما يحدث انفصال للسلك الموصل من “الصحن” إلى “الرسيفر” فينتج عن ذلك أن تكون النتيجة “لا توجد إشارة” أو ((إشارة ضعيفة))، كذلك يكون حال نفس الإنسان أحياناً تكون إشارتها ضعيفة مع الله أو تكون منعدمة الإشارة ولا بد من إعادة التوصيل والصيانة المستمرة خاصة مع وجود عوامل مؤثرة كالرياح والمطر وغيرها التي تماثل الحرب الناعمة والدعايات والإشاعات والتضليل الذي يمارسه الشيطان وأولياء الشيطان على بني الإنسان وخاصة في هذا الزمن الذي قال عنه النبي صلوات الله عليه وآله محذراً (ستكون فتن كقطع الليل المظلم يصبح الرجل فيها مؤمناً ويمسي كافراً، ويمسي مؤمناً ويصبح كافراً) فالشيطان وأولياؤه من اليهود والنصارى وأذنابهم يعملون بشكل مستمر على فصل الإنسان عن الله وعن هداه، ويعملون على إدخال الإنسان في حالة من الغفلة والنسيان والإعراض، ويعملون على تدنيس نفسية الإنسان بالمعاصي وخاصة الأخلاقية التي تجعل نفسية الإنسان لا تقدِّر حياة العزة، ولا تفِّرق بين الكرامة والهوان، وخاصة من خلال الحرب الناعمة، وعندما يعيش الإنسان في هذه الحياة منفصلاً وبعيداً عن هدى الله ـ الذي يتمثل في رسالة الله ورسله ـ فهو كمن يعيش في ظلام دامس، لا يميز فيه العدو من الصديق، ولا الخطأ من الصواب، ولا العزة من الذلة، ولا يعرف أين تسير به قدماه، هل إلى خير أم إلى شر، هل إلى جنة أم إلى نار، وعندما يسمع صوتاً يقول إنه يريد إرشاده إلى الطريق الصحيح ويقول له امشِ يميناً أو يساراً فهو لا يعرف إن كان الذي يخاطبه عدو أم صديق لأنه في ظلام، وعندما ينصحه طرف ما فهو لا يعرف إن كان الناصح عدواً أم صديقاً، وعندما يعتدي عليه طرف ما لا يستطيع أن يعرف من الذي يعتدي عليه لأنه في ظلام، ذلك مثال الإنسان البعيد عن هدى الله المدنسة نفسه والغافلة والقاسية، ولذلك من أغرب الأشياء أن نجد الإنسان لا يقلق بما يمكن أن يوصله إلى العذاب في الدنيا والآخرة، وإلى جهنم وعذابها الشديد الأبدي، وعلى الأقل على الإنسان أن يعدل في تعامله مع جسده ونفسه، ويجب على الإنسان أن يهتم بتزكية نفسه والعمل المستمر على تطهيرها بل والارتقاء بها نحو الكمال، فالإنسان مخلوق وسط بين الملائكة والحيوانات؛ فإن زكّى نفسه واتبع هدى الله أمكنه أن يرتقي نحو الملائكة، وأن سمح لنفسه أن تتدنس وتغفل فسيسقط إلى مستوى الحيوانات ويمكن أسوأ: { لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَـئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَـئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ}الأعراف179.

 

قد يعجبك ايضا