موقف الإسلام من الغلو والتطرف

> الحمد لله رب العالمين القائل في كتابه الكريم «وكذلك جعلناكم أمة وسطا» والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله الذي ما خير بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثماٍ اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبع هديهم إلى يوم الدين.. وبعد:
فأمة الإسلام هي أمة الوسط والوسط هو الاعتدال والوسطية من الخصائص العامة للدين الإسلامي بمعنى أن هذا الدين وسط في كل شيء ومن مجالات هذه الوسطية ما يلي:
1- الوسطية في العقيدة: فعقيدة التوحيد وسط بين الوثنية التي تقول بآلهة متعددة والشيوعية التي تنكر الألوهية.
وفي مجال النبوات نجد الوسطية في النظرة إلى شخصية الرسول فلا هو في منزلة البشر العاديين وإنما هو بشر يوحى إليه ولا يرقى إلى درجة الألوهية ولذلك قال صلى الله عليه وآله وسلم «لا تطروني كما أطرت النصاري المسيح ابن مريم ولكن قولوا عبدالله ورسوله» والإطراء هو المبالغة غير المقبولة في المدح والثناء.
وفي مجال السمعيات ليست القيامة مادية كما يعتقد اليهود ولا روحية كما يعتقد النصارى وإنما تجمع بين المادة والروح.
2- الوسطية في العبادة: فقد جاء ثلاثة نفر إلى بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم وسألوا أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها عن عبادة النبي صلى الله عليه وآله وسلم ثم إنهم تقالوها أي وجدوا أنها قليلة فقالوا وأين نحن من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقال أحدهم أما أنا فأصوم الدهر ولا أفطر أبداٍ وقال الآخر وأما أنا فأقوم الليل ولا أنام أبدا وقال الثالث وأنا لا أتزوج النساء فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ما بال أقوام يسألون عن عبادتي ثم إنهم تقالوها والله إنهم تقالوها والله إني لأصوم وأفطر وأقوم وأنام وأتزوج النساء وهذه سنتي فمن رغب عن سنتي فليس مني.
3- الوسطية في التشريع: فالزواج مثلا وسط بين الرهبانية وترك الزواج والإباحية والانطلاق وراء الشهوات بلا ضوابط.
4- الوسطية في الأخلاق حيث إن الفضيلة وسط بين رذيلتين فمثلا الإسراف رذيلة والبخل رذيلة والاقتصاد في الإنفاق وسط بين الطرفين وهو فضيلة.
والجبن رذيلة والتهور والاندفاع رذيلة والشجاعة فضيلة وهي وسط بين الطرفين.
5- الوسطية في التدين بين التشدد والتساهل وذلك بإنزال الاحكام منازلها.
6- الجمع بين المرونة والثبات فليست كل أحكام الإسلام ثابتة وليست كل أحكام الإسلام متغيرة وإنما جمع الإسلام في أحكامه بين التغير والثبات وهذه وسطية.
كذلك مفهوم الغلو والتطرف: والوسطية يقابلها الغلو وهو مجاوزة الحد والتطرف مرادف للغلو ومعناه الميل إلى طرف والبعد عن الوسط أما بإفراط وإما بتفريط.
وقد ورد النهي عن الغلو والتطرف قرآنا وسنة فمن القرآن قوله تعالى «يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم ولا تقولوا على الله إلا الحق» ومن السنة قوله صلى الله عليه وآله وسلم «هلك المتنطعون» أي المتشددون كما ورد الحث على التيسير ورفع الحرج قال تعالى «وما جعل عليكم في الدين من حرج» ومن السنة قوله صلى الله عليه وآله وسلم «يسروا ولا تعسروا وبشروا ولا تنفروا».
من صور الغلو والتطرف: ويأخذ الغلو والتطرف صورا وأشكالا متعددة فهناك تطرف في العقيدة كالقول بآلهة متعددة أو بنفي الألوهية مطلقا وهناك تطرف في العبادة بالانقطاع لها والانعزال عن الدنيا لأن الدين إنما جاء الإصلاح شأن المعاش والمعاد أو الدنيا والآخرة وهناك تطرف أخلاقي وتطرف فكري وعلمي مثال ذلك ما ذهب إليه أصحاب نظرية التطور البيولوجي من أن الإنسان أصله قرد وأن أنواع الأحياء خرج بعضها من بعض ومن صور الغلو التطرف التعصب المذهبي أو الطائفي أو القبلي أو الحزبي أو حتى والتعصب الكروي ومحاولة الانتصار لمذهب أو فريق أو حزب على حساب الآخر والانحياز على غير مبرر موضوعي ومن صور التطرف تقديس الأشخاص لأن الكل يؤخذ منه ويرد عليه إلا المعصوم صلى الله عليه وآله وسلم.
ومن صور التطرف عدم إنزال الأحكام منازلها مثال ذلك إذا رفعنا الأمر بالسواك إلى درجة الأمر بالصلاة فهذا تشدد وإذا نزلنا بالأمر بالصلاة إلى درجة الأمر بالسواك فهذا تساهل وكلاهما غلو وتطرف فلا بد من إنزال الأحكام منازلها بلا زيادة ولا نقصان حتى تتحق الوسطية.
ومن صور التطرف الاستغراق في المباحات والاشتغال بها ليلا ونهارا لأن الإسلام يهدف إلى تحقيق التوازن في الشخصية فلا يطغى جانب على جانب وإنما يوازن بين الحقوق المختلفة حق الله وحق العباد وحق البدن وحق الزوجة وحق الأولاد وحق الأقارب وحق العمل وحق الجار… إلخ.
الآثار السلبية للغلو والتطرف: وللغلو والتطرف عواقب وخيمة وأضرار جسيمة على الفرد والمجتمع تتمثل في القضاء على روح الإخاء والتسامح وانتشار روح الحقد والبغضاء والكراهية وبالتالي إثارة الفتن والشائعات والاراجيف والقلاقل والاضطرابات في المجتمع مما يؤدي إلى الانقسامات الضارة بالمجتمع فتمزق أوصاله وتفكك وحدته وتقضي على روح التعاون والتكامل والتكافل بين أبناء المجتمع الواحد وهذا له أسوأ الأثر على سمعة البلاد مما يؤثر عليها بالسلب في مجال السياسة والاقتصاد بل في مجال الدعوة إلى الإسلام حيث يتيح الفرصة للمتربصين بالإسلام واتهام أتباعه بالتطرف والغلو بل بالتخلف.
أسباب الغلو والتطرف: وللتطرف والغلو أسباب متعددة منها ما يلي:
1- ضعف الإيمان بالله والشعور بالمسؤولية أمام الله ولا شك أن غياب الشعور بالمسؤولية أمام الله سبب لكل انحراف أو تطرف.
2- الجهل والتقليد الأعمى وقلة الفقه في الدين والبعد عن العلماء العاملين والجرأة على الفتوى وعدم سؤال أهل الذكر والاختصاص.
3- افتقاد القدوة الصالحة في بعض الأحيان.
4- العصبية بكافة أنواعها سواء أكانت عصبية قبلية أو قومية أو حزبية أو مذهبية أو غيرها.
5- مجالسة الغلاة والمتطرفين.
6- غياب ثقافة قبول الآخر والتعايش وقبول التعددية.
7- اعتلاء غير المؤهلين للدعوة إلى الإسلام منابر العمل الدعوي.
مواجهة الغلو والتطرف: ومن خلال معرفة أسباب الغلو والتطرف يمكن أن تحدد العلاج لأنه إذا عرف سبب الداء عرف الدواء ويمكن تحديد مواجهة الغلو التطرف في النقاط التالية:
1- العمل على غرس عقيدة الإيمان الصحيحة في النفوس ومراقبة الله تعالى في السر والعلن.
2- العمل على نشر المفاهيم الصحيحة عن الإسلام وتصحيح المفاهيم الخاطئة.
3- محاربة الدعوات الهدامة والتيارات الفكرية الفاسدة.
4- تفقيه الناس في دينهم وبيان أحكام الشريعة وإظهار محاسن دين الإسلام.
5- التوعية بخطر العصبيات بكافة أنواعها.
6- العمل على نشر ثقافة التعايش وقبول الآخر.
7- التأكيد على الإخاء الإنساني كما تؤكد على الإخاء الإسلامي.
8- الحذر من قرناء السوء ومعالجة الغلاة.
9- العمل على تنمية المجتمع في كافة مجالات الحياة وخصوصا محو الأمية والنهوض بالتعليم والاقتصاد وتحسين مستوى المعيشة ومواجهة الفقر والبطالة وما شابه ذلك.
10- الاهتمام بالشباب والعمل على بنائه بناءٍ سليماٍ من الناحية العقلية والجسدية والروحية والأخلاقية فهم عماد الأمة وقوتها.
11- اعتماد أسلوب الحوار لمواجهة كافة المشكلات وتوسيع قاعدة المشاركة والتمكين.
12- ذيوع التناصح بين أبناء المجتمع والعمل على إيجاد إعلام حر غير موجه لا ينحاز لجهة على حساب أخرى وإنما يقدم الحقيقة المجردة يبغي به وجه الله وإصلاح المجتمع.
وأخيرا أؤكد على أهمية تجديد الخطاب الديني في علاج المشكلة والمقصود بتجديد الخطاب الديني تنقيته من الشوائب حتى تبلغ دعوة الإسلام بالأساليب الحكيمة والطرق العلمية السليمة ومن هذه الشوائب التي تعوق نشر الدعوة بطريقة إيجابية صحيحة ما يلي:
1- مخاطبة الناس بما لا يفهمون أو بموضوعات لا تناسبهم.
2- استخدام لغة التبكيت والتأنيب.
3- الانتصار لمذهب أو رأي فقهي على حساب آخر.
4- الوقوع في الأحاديث الموضوعة والقصص الغريبة.
5- الغفلة عن قضايا العصر وهموم المجتمع.
هذه السلبيات وغيرها يجب أن يخلو منها الخطاب الديني الإسلامي لتحقق الأهداف الآتية:
1- التدين الإيجابي الصحيح.
2- القضاء على كل صور التخلف الديني.
3- حماية الوطن من عوامل الضعف والانقسام وتحقيق الوحدة والتقارب بين أبنائه.
وصلى الله تعالى على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم والحمد لله رب العالمين.

قد يعجبك ايضا