مكاشفة تاريخية للأمم المتحدة

 

 

احتفلت الأمم المتحدة -يوم أمس الأول 24 أكتوبر- بما تسميه يومها العالمي ، وهو يوم تحتفل به الأمم المتحدة كل عام منذ 1971 م ، حيث يصادف ذكرى إعلان ميثاق الأمم المتحدة 1947،م ، وتسعى المنظمة الأممية من خلاله إلى ما تسميه كسب دعم شعوب العالم واستعراض إنجازاتها السنوية.

ومن الطبيعي أن يتلقى الأمين العام للأمم المتحدة الحالي أنطونيو غوتريش برقيات تهان ومباركات من رؤساء وزعماء دول العالم ، لكن ما عساها أن تقول عن إنجازاتها في العالم ، إذا كانت تنتهك الميثاق العالمي بنفسها بل وتتحول إلى حامية للقتلة والمجرمين ومشعلي الحروب ، والحق هو أن 24 أكتوبر يوم عالمي لفضح الأمم المتحدة التي تحولت إلى أول المنتهكين للميثاق ومنصة عامة لأمريكا وبريطانيا ودول الاستعمار العالمي ، وأداة طيعة لها ، أما الشعوب فما عادت تعلق أملاً في الأمم المتحدة وفي قراراتها وفي اجتماعاتها.

وكانت تهنئة الرئيس المشاط التي وجهها للأمين العام أنطونيو غوتيريش -يوم أمس الأول بالمناسبة 24 أكتوبر- مكاشفة تاريخية لأمين عام الأمم المتحدة فقد سرد فيها الرئيس مواقف المنظمة غير النزيهة إزاء العدوان على اليمن ، وقدمها في شكل محاكمة علنية أمام الرأي العام ، ولعل هذه الرسالة تفرض على المنظمة الانتقال إلى الحقائق على الأرض ، والعودة إلى الميثاق وتطبيق قواعده ومبادئه المعلنة ، بدلا من أن تنتهكه المنظمة نفسها بمواقفها المنحازة للعدوان على اليمن.

وقد ذكر الرئيس المشاط الأمين العام للأمم المتحدة ، بما على المنظمة من واجب في الحفاظ على السلم والأمن الدوليين ، وبأن اليمن من أوائل الدول المنضمة للمنظمة ، وأكد بأنها حرصت منذ عام 1947 على المساهمة الفاعلة في جميع محافل الأمم المتحدة وبرامجها المختلفة والتعاون التام في شتى المجالات.

وأضاف الرئيس “إلا أنه وللأسف الشديد كان للأمم المتحدة دور سلبي على مدى سبع سنوات في اليمن، حيث قدمت الغطاء السياسي للجرائم الفظيعة التي يرتكبها تحالف العدوان وعلى رأسه أمريكا منذ 26 مارس 2015 بعدوانه الغاشم والحصار الخانق على الشعب اليمني، كما أثار استغرابنا موقف مجلس الأمن والأمين العام للأمم المتحدة الذي يكيل بمكيالين ويحمل الضحية كل الوزر ويعفي الجاني من أي مسؤولية، وما بيان مجلس الأمن الأخير الذي رافقته غارات جوية للتحالف استهدفت المدنيين والأعيان المدنية إلا دليلاً واضحاً على هذا الانحياز”

وقال الرئيس “إن استمرار الأمم المتحدة في اعتماد هذه السياسة غير الصائبة يعاظم من استياء الشعوب ومعاناتها يوما بعد آخر وصولاً إلى أن يصبح دور الأمم المتحدة لا قيمة له عند شعوب العالم كنتيجة طبيعية لابتعاده الواقعي عن تطلعاتها وآمالها وعن ميثاق ومبادئ الأمم المتحدة”.

وأضاف الرئيس “إن ما يعانيه الشعب اليمني من الحصار الخانق جواً وبراً وبحراً والذي يمس بحياة أكثر من 25 مليون يمني ويقتل مئات الآلاف من اليمنيين بشكل مباشر وغير مباشر تحت سمع وبصر الأمم المتحدة هو بحد ذاته يعتبر شاهداً على التنكر لكل القوانين والمواثيق الدولية التي تعتبر مثل تلك الأعمال جرائم حرب وعقابا وإبادة جماعية، ولعل عدم التجديد لفريق خبراء الأمم المتحدة البارزين الدوليين والإقليميين واحدٌ من الدلائل الحديثة التي تثبت حقيقة ذلك الانحياز المستمر وعلى قدرة المال السعودي على التأثير سلبا على مستوى أداء الأمم المتحدة ويجعلها منحازة إلى الجاني ضد الضحية، على الرغم من استنكار العديد من الدول الأوروبية لذلك”.

وعبر الرئيس عن استمرار المجلس السياسي الأعلى وحكومة الإنقاذ الوطني في التعاون مع الأمم المتحدة وجميع المنظمات الأممية التي  تتخذ من العاصمة صنعاء مقرا لها، نؤكد على تمسكنا بحق شعبنا في الاستقلال والحرية، ونعتقد أنه لا يزال في الوقت متسع لتقوم الأمم المتحدة بدورها وتتحمل مسؤوليتها أمام الشعب اليمني لتستعيد دورها بحسب ميثاقها.

وأشار في ختام الرسالة أن مقعد الجمهورية اليمنية في الأمم المتحدة ما يزال شاغراً وأن من يحتل ذلك المقعد لا يمثل مصالح الشعب اليمني ويتلقى توجيهاته من السفير السعودي، ودعا الأمم المتحدة إلى التوقف عن الاستخفاف بكرامة وآمال وتطلعات الشعب اليمني وذكّر بأن التاريخ لن يغفر لهم خطيئة الاستمرار في الاعتراف بشرعية غير حقيقية لا وجود لها على امتداد خارطة اليمن.

حالة الأمم المتحدة كانت تستدعي هذه المكاشفة حقيقة ، فحقوق الشعوب باتت مسيَّسة لديها ومرهونة باعتبارات مالية وسياسية للأسف ، ومصالح  الدول والشركات تعلو على حقوق الإنسان وحقوق الشعوب في العالم ، والحرب العدوانية على اليمن كانت اختبارا مهما للأمم المتحدة وضعت مصداقيتها ونزاهتها وحياديتها على المحك ، وما كشفته سبع سنوات من الحرب العدوانية التي تشن على اليمن أن الأمم المتحدة ما عادت إلا منصة دعائية لأمريكا وحلفائها وأداة عدوانية ليس إلا..

تعرف الأمم المتحدة وموظفوها ومسؤولوها وأمناؤها ومبعوثوها أن العدوان العسكري على اليمن عمل عدائي غير مشروع ولا مبرر ، وأن الحرب التي بدأت ليلة 26 مارس 2015 هي عمل عدائي يستهدف دولة مستقلة ذات سيادة ومع ذلك تتعاطى مع الجرائم والفظائع والمجاعات التي ترتكبها دول تحالف العدوان ضد الشعب اليمني على أنها أعمال تخترق حالة الضرورة والتناسب فقط ، لا أنها جرائم عدوان يشن حربا على بلد مستقل ، بل ذهبت الأمم المتحدة إلى سحب الإدانات لتحالف العدوان من أروقتها وأنهت ذلك بتسريح المحققين في الجرائم ووقف مهمتهم.

في الحصار على اليمن ورغم أن ميثاق الأمم المتحدة يعتبر استخدام الحصار كشكل من أشكال الحرب عملا إجراميا ، ويصنف فرض الحصار على السكان إبادة جماعية ، فإن الأمم المتحدة تنخرط في مساومات ومفاوضات علنية حول ما يمارسه تحالف العدوان من حصار شامل برا وبحرا وجوا على اليمن ، وتطالب من اليمنيين تقديم تنازلات مقابل تخفيف الحصار فقط!

لم يعد وضع الأمم المتحدة على ما يرام ، فالدور السلبي الذي تمارسه والانحياز المكشوف لأمريكا وبريطانيا ودول الاستعمار واضح ومتكرر خلال مسيرتها الممتدة لأكثر من سبعين عاما ، ولو استعرضنا تجارب الشعوب المريرة مع الأمم المتحدة لوجدنا هذه المنظمة واحدة من عوامل التدمير وأدوات الاستعمار الأمريكية البريطانية ولعل الدور الذي اضطلعت به في اليمن يوضح بشكل أجلى هذه الحقيقة.

ولسنا بوارد استعراض تاريخي للأمم المتحدة لكن يكفي أن نشير إلى أدوارها الغطائية للحروب التي أطلقتها أمريكا على العالم عقب أحداث 11 سبتمبر 2001 ، حيث ساهمت الأمم المتحدة في منح أمريكا كل العناوين الذرائعية لحروبها على شعوب العالم غطاء أمميا وعناوين دولية شرعتها عبرها بقرارات صادرة عنها.

في مسائل الدفاع عن النفس تمنح أمريكا وإسرائيل وبريطانيا حق الدفاع عن النفس وتشرعن لها كل الحروب ، من التضليلات في هذا السياق تأييدها لما أسمته أمريكا “الحق في الدفاع عن النفس” وصياغة عنوان مكافحة الإرهاب ، فذهبت الأمم المتحدة لتأييد كل حروب أمريكا على العالم باعتباره حقا من حقوقها يتعلق بمكافحة الإرهاب ، لكنها لا تعترف بحق الشعب الفلسطيني في مقاومة الاحتلال اليهودي الصهيوني وتصفه عادة بالعنف ، في المقابل تغض الطرف إزاء جرائم العدو الصهيوني منذ وجودها!

شهد العالم حروبا كارثية وكبرى ومروعة تحت غطاء منظمة الأمم المتحدة ، وبررت كل ما يؤدي إلى انتهاك السيادة الوطنية للدول إذا كانت المصالح الأمريكية تقتضي ذلك ، وبررت الاحتلال الأمريكي للعراق بل واعتبرتها حرب الأمم المتحدة ، فقد خيضت الحرب على العراق باسم المنظمة الأممية التي عنونت الحرب ثم غضت الطرف عن الانتهاكات والفظائع التي ارتكبها الأمريكيون والبريطانيون، وفي أفغانستان مارست الدور نفسه حينما أصدرت قرارا مؤيدا فقط اعترضت على توسعة الحرب نحو بلدان أخرى.

والحق أن الأمم المتحدة أداة تستخدمها القوى الكبرى خدمة لمصالحها على حساب الدول الضعيفة ، فأميركا تعتبر المنظمة الدولية وسيلة لخدمة مصالحها ، وبريطانيا تعتبرها منصة خاصة بها ، فهي تبارك كل ما يخدم أمريكا وبريطانيا وتصمت عما تفعلانه ، وتدين كل حق تمارسه الشعوب المستضعفة يضر بمصالح أمريكا وبريطانيا.

كتب / رئيس التحرير / عبدالرحمن الاهنومي

قد يعجبك ايضا