ثورة 21 سبتمبر.. الأهداف والأبعاد الاستراتيجية في مواجهة العدوان والحصار

 

د. يحيى علي السقاف

يحتفي الشعب اليمني هذه الأيام بالعيد السابع لثورة الـ21 من سبتمبر المجيدة التي قامت من أجل اليمن أرضا وإنسانا ولضمان استقلال وسيادة القرار، ففيها انتصرت الإرادة اليمنية على إرادة قوى الاستكبار وبها استعاد الشعب اليمني استقلاله المسلوب وقراره السياسي والاقتصادي المختطف منذ عقود، فكانت ثورة 21سبتمبر تحولا دراماتيكيا ضد الركود والتسلط والاستبداد والظلم والهيمنة الخارجية، ومثلت منعطفا تاريخيا في حياة اليمنيين لقيامها على أسس وطنية محددة الأهداف، فكان من أهم أهدافها الحرية والحفاظ على سيادة الوطن واستقلال قراره السياسي وبناء جيش يمني قوي والتحرر من الاستعمار والتبعية ومكافحة الفساد السياسي والإداري والمالي وتحقيق العدالة الاجتماعية لجميع اليمنيين وبناء تنمية حقيقية تتواءم مع أولويات واحتياجات الشعب اليمني وتنطلق من تحقيق الأمن الغذائي الذي بلغ أدنى مستوياته بفعل عدم امتلاك منظومة الحكم السابقة لأي مشروع اقتصادي وطني شامل وعدم وجود منظومة متكاملة للإصلاح المالي والإداري في مؤسسات الدولة، وظل الجهاز الإداري للدولة يعيش مرحلة كبيرة من تفشي الفساد المالي والإداري وقصور كبير في هياكله التنظيمية والتشريعية، وكان ذلك متعمدا ويخدم أجندات أعداء اليمن وعند قيام الثورة المجيدة في 21سبتمبر كان من الضروري تصحيح ما خلفته الأنظمة السابقة من فشل ذريع وخاصة فيما يتعلق بجميع المجالات السياسية والعسكرية والمالية والإدارية والاقتصادية والتي في حال تم الاهتمام بها بهدف إصلاحها وتحسين أدائها سوف يكون لها دور كبير في استقلال وسيادة وعزة وكرامة الوطن ومن خلال ذلك سوف تتحقق التنمية الاقتصادية المستدامة ويصبح اليمن في مصافي الدول المتقدمة.
وتعتبر ثورة الـ21من سبتمبر أم الثورات اليمنية وأصلها، لأنها تضمنت أهداف ومبادئ الثورات السابقة حيث اندلعت هذه الثورة المجيدة لتطبيق أهداف ثورتي 26 سبتمبر و 14 أكتوبر، وذلك بعد انحرافها عن مسارها بشكل كبير علما بأنه لم يتغير بعد قيام الثورات السابقة سوى المسميات فقط حيث كان أول أهدافها إقامة نظام جمهوري عادل وإزالة الفوارق بين الطبقات، وما لاحظناه وعايشناه خلال العقود السابقة هو عكس ذلك تماما، حيث ظل اليمن يرزح تحت نظام أسري خاص ويسعى للديمومة والتوريث باسم الديمقراطية المزيفة وظلت الفوارق موجودة وترسخت أكثر وأكثر ولكن بمفهوم آخر وهو الامتيازات والأفضلية في جميع النواحي والمستويات التي كان يتمتع بها أفراد الأسرة الحاكمة ومن ينتمون إليهم باسم النظام والجمهورية وبدلا عن تحقيق هدف التحرر من الاستعمار ونيل الاستقلال أصبحت اليمن ترزح تحت الاستعمار بكل أصنافه ومختلف ألوانه .
وبدلا عن بناء جيش يمني قوي يحمي ويدافع عن استقلال وسيادة الوطن كهدف من أهداف الثورة اليمنية وصل الجيش اليمني إلى أسوأ المراحل وأضعف الجيوش في العالم من كل النواحي فليس الجيش مسخرا لحماية اليمن وإنما لحماية بقاء النظام الحاكم سابقا واستخدامه الجيش بمختلف أطيافه وتشكيلاته في إخماد الثورات والانقلابات التي تثور على النظام الظالم وحتى تضمن استمرار الظلم والفساد والاضطهاد ومن ناحية تم تقسيم الجيش لحماية أفراد وشخصيات معينة، فالحرس والفرقة الأولى والقوات الجوية والأمن المركزي كل واحد منها يتبع أشخاص معينة ولأهداف شخصية ضيقة ومن ناحية أخرى انعدام وتجريم التصنيع الحربي في الجيش والقوات المسلحة إرضاء وتنفيذا لأجندات خارجية استعمارية إقليمية ودولية وكذلك الحال في بقية الجوانب الأخرى الاقتصادية والمالية والإدارية وغيرها وكان ذلك سببا في انتشار العصابات والتنظيمات الإرهابية دون أن تتمكن الأجهزة الأمنية من كشفها والقضاء عليها .
وقد أوضح قائد الثورة السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي – يحفظه الله – في كثير من خطاباته أن أكبر أهداف ثورة الـ21من سبتمبر هو الحرية والاستقلال وأكد أن قيام هذه الثورة هي المحطة التي انطلق من خلالها الشعب للخروج من الماضي المظلم ولبناء المستقبل على أساس المبادئ والقيم التي ينتمي إليها هذا الشعب، ولفت السيد القائد إلى أن الأمريكيين وضعوا أنظارهم على اليمن قبل ثورة 21سبتمبر بدافع عدائي واستعماري وبدوافع غير مشروعة أبرزها الموقع الاستراتيجي لهذا البلد والثروة الطبيعية فيه. وتطرق السيد القائد إلى أن الأمريكيين أدركوا أن شعبنا إذا كان في وضعية متحررة فهو يملك المؤهلات لأن يكون له دور إيجابي وكبير على مستوى واقع الأمة فعمدوا لزيادة تدخلهم في اليمن بعد أحداث 11سبتمبر ليدفعوا السلطة للدخول في حرب أهلية لاستهداف أحرار شعبنا. وأعقب السيد القائد أن كل أشكال التعامل مع العدو الإسرائيلي يعتبر خروجا عن صف الأمة والتحاقا بركب الأعداء وإن التطبيع مع العدو الإسرائيلي يعد إخلالا بالأمن وزعزعة للاستقرار في البلاد العربية والإسلامية .
وفي هذا الإطار استخدمت أمريكا استراتيجية طويلة المدى في تدمير السلاح اليمني والدفاعات الوطنية من خلال موافقة النظام السابق وتحت إشراف منه، وجاء ذلك من خلال تدمير صواريخ الدفاعات الجوية التي كان يمتلكها الجيش اليمني وبإشراف وتنفيذ لجنة تضم خبراء من الجيش الأمريكي وبمشاركة من قيادات عليا في الجيش اليمني وهو ما كشفته وسائل الإعلام بعد قيام ثورة الـ21 من سبتمبر المباركة، وكان هذا المسار يترافق مع مسار التدمير وتجريد اليمن من السلاح وتفكيك الجيش وفرض السيطرة العسكرية والأمنية حيث كان انتشار الجنود الأمريكيين في مدينة عدن بعد أسابيع من حادثة المدمرة كول مؤشراً يكشف أن الأمريكيين قرروا احتلال اليمن فعلياً ولم يلجأوا إلى استخدام القوة لفرض سيطرتهم فقد فرضوا وجودهم الكامل بواسطة النظام اليمني نفسه الذي كان له الدور المساعد على تجريد الجيش اليمني من السلاح وتفكيك العقيدة القتالية وضرب الهوية الوطنية وتغيير الثقافة والسلوك من خلال الإعلام والخطاب الديني وتحول النفوذ السياسي والحضور العسكري والأمني من شكل غير ظاهر إلى معلن وصريح وقد قامت أمريكا بتنفيذ عمليات وغارات كثيرة وضربت بالبوارج عدة مدن يمنية.
وبالتوازي قامت أمريكا بتدمير القوات البحرية والدفاعات الجوية واتخذوا من مباني مؤسسات الدولة غرف عمليات ومقرات لهم لإدارة وتنفيذ عملياتهم وإكمال السيطرة العسكرية، وهو ما اتضح لاحقاً من قيامهم بإعادة هيكلة الجيش اليمني بتدميره الممنهج وتسريح عدد كبير من قياداته وبموافقة من النظام السابق وأيضا كان لها دور كبير في إدارة الاغتيالات للسياسيين والمدنيين والتصفية لقيادات الجيش والأمن وإسقاط الطائرات وتدميرها بحجة خلل فني حيث كان مشروعاً موحداً ضمن أجندة الاستباحة الأمريكية لليمن، وهذا ما تنبأ به السيد الشهيد القائد حسين بدر الدين الحوثي – رضوان الله عليه – في خطاباته وملازمه من خطر دخول أمريكا لليمن وكذلك ما جاء في خطاب السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي – يحفظه الله – في التحذير من خطر أمريكا على الشعب اليمني ودخولها واحتلالها اليمن ونهب ثرواتها وتدمير اقتصادها الوطني وفي فترة حكم الفار هادي فقد كان له الدور الكبير في تقديم المزيد من التنازلات للاحتلال والسيطرة على اليمن واقتصادها تمثلت في شن العدوان الأمريكي السعودي الإماراتي على اليمن واحتلال أجزاء كبيره منه.
ويقول قائد الثورة السيد عبد الملك الحوثي – يحفظه الله – في الذكرى الأولى لثورة 21سبتمبر ” إن الثورة لم تأت من فراغ بل هي تحرك مشروع استحقاقي مسؤول واع فرضتها تلك الأوضاع الكارثية التي عانى منها الشعب اليمني وهي نتاج للإحساس بالظلم ونتاج للشعور بالمسؤولية وهي وعي شعبي بالطريقة الصحيحة للسعي نحو التغيير “. وبالعودة إلى نص الاتفاق الذي وقع برعاية الأمم المتحدة في 21سبتمبر 2014م فقد اشترط أنصار الله تنفيذ عدد من الإصلاحات الاقتصادية والمالية والإدارية وتحسين مستوى دخل الفرد وتشكيل لجنة اقتصادية تظم خبراء مؤهلين واقتصاديين من مختلف المكونات السياسية والوزارات المعنية وتقديم برنامج شامل ومفصل للإصلاح الاقتصادي يهدف إلى تجفيف منابع الفساد ومعالجة الاختلالات في جميع القطاعات في مؤسسات الدولة وتحسين أدائها ولكون الثورة اتسمت بالوطنية والشعبية وكان هدفها الأول التغيير المنشود وتجاوز الركود والانتقال من التبعية الاقتصادية إلى مرحلة الاكتفاء الذاتي والإنتاج الوطني وإصلاح وتحسين أداء مؤسسات الدولة .
ولضمان تحقيق ذلك يتوجب علينا البدء بتنفيذ الأهداف التي قامت من أجلها ثورة الـ21 من سبتمبر المجيدة والتوجه نحو بذل المزيد من الجهود والطاقات وفق الإمكانيات المتاحة لبناء هذا الوطن والوصول به إلى التقدم والازدهار في جميع المجالات، وفي هذا الإطار يلزم عمل دراسة وتحليل للوضع الراهن واكتشاف نقاط الضعف والقوة وتحديد أبرز التوصيات والمعالجات والبدء بتنفيذها واستحداث وحدات تنفيذية في معظم مؤسسات الدولة ويناط بها مهمة تبني نهج التطوير المؤسسي في عمل جميع مؤسسات الدولة ومراجعة لعدد كبير من هياكلها التنظيمية والتشريعية وتنمية الموارد المالية والبشرية وبالرغم من أن الإدارة العامة في كل دولة تقوم بالإصلاحات الإدارية وتسعى لاستمرار تحسين الأداء المالي والإداري فإن الحكومات وبفعل الثورة التقنية الحديثة دفعت إلى التفاعل وتبني مفهوم الحكومة الإلكترونية والأفكار الإدارية الجديدة كذلك فإن النجاح المستمر الذي يحققه القطاع الخاص بابتكار مفاهيم وتقنيات إدارية جديدة حفز المختصين بالقطاع العام على إمكانية تطبيقها في الإدارات العامة في كثير من دول العالم .
وعلى مدى العقود الماضية فشلت الحكومات السابقة في تحقيق أي تحسن ملحوظ في مسار التنمية الاقتصادية والمالية والإدارية رغم إقرارها بين فترة وأخرى لخطط تنموية خمسيه لم يكن ينفذ منها إلا ما يتعارض مع أجندة دول الاحتلال وبدخول اليمن تحت الوصية السعودية وخاصة بعد استشهاد الرئيس إبراهيم الحمدي توقفت عجلة التنمية وتحولت من دائن إلى مدين وبدأ العجز في الموازنة العامة وانتشرت الاختلالات والتجاوزات في الجهاز الإداري للدولة والذي تمثل في اقتصاد منهار واحتياطي نقدي لا يغطي عدة أشهر وبنية اقتصادية منهارة وخدمات منعدمة ومؤشرات تنمية بشرية ضعيفة وتراجع دخل الفرد إلى أقل المستويات وأصبح الجهاز الإداري للدولة ضعيفا ومختلا وفي هذا الإطار ورثت ثورة 21سبتمبر ملفا كبيرا من تلك الاختلالات والانحرافات تمثلت في نقاط كثيرة منها: الازدواج الوظيفي والأسماء الوهمية والاختلالات الهيكلية والتشريعية وملف كبير من ثقافة الفساد التي تم ترسيخها عبر الأجيال والتي تعد أحد مخرجات الأنظمة السابقة ورغم كل ذلك الإرث الثقيل الكفيل بإعاقة التنمية لسنوات إلا أن دول تحالف العدوان كانت تدرك أن كل تلك التحديات والصعوبات التي تواجهها ستزول أمام أي مشروع وطني تحميه إرادة الشعب اليمني كثورة الـ21من سبتمبر وتنفذه حكومات لا تخضع لأي إملاءات وأجندات خارجية وستتجاوز بفضل الله سبحانه وتعالى وإرادة القيادة الثورية والسياسية الصادقة وكل الشرفاء من أبناء الشعب اليمني الصامد، كل التحديات والصعوبات والمؤامرات وستتحقق كل الأهداف التي قامت من أجلها ثورة الـ21 من سبتمبر المباركة، وهو ما يتقاطع مع أجندات العدوان ومطامعه وأهدافه التي تسعى لإبقاء اليمن خارج مسار التنمية الاقتصادية والمالية والإدارية وتسعى لأن تظل تقبع تحت الوصاية.
وها هو العالم اليوم يقف حائرا أمام عظمة وقوة أبناء اليمن بفضل ثورة 21سبتمبر التي أعادت لليمن سيادته وعزته وكرامته واستقلاله رغم تكالب الأعداء عليها وهجومهم الوحشي والبربري بأعظم وأقوى ترسانة عسكرية في العالم وبإمكانيات مادية ومالية ضخمة إلا أنها تحطمت كلها على أيدي رجال وشباب ثورة الـ21من سبتمبر وجميع أبناء اليمن الشرفاء بمختلف أطيافهم وألوانهم الذين وقفوا إلى جانب الوطن دفاعا عن السيادة والعزة والكرامة وأصبح الجيش اليمني اليوم من أقوى جيوش العالم بما يمتلك من قوة بشرية مؤهلة وكفؤة ليس لها نظير وبما وصل إليه من تصنيع حربي في مختلف المجالات العسكرية وجعله يمتلك قراره السيادي بتصنيع أقوى الأسلحة كالصواريخ والطائرات المسلحة التي كان تصنيعها حكرا على الدول العظمى وكانت اليمن تستقبل النفايات مما يصدر إليها من الأسلحة بمختلف أنواعها وأشكالها وتخضع بنفس الوقت للتعليمات والتوجيهات عند استخدامها لتلك الأسلحة.
إن أهداف ثورة الـ21 من سبتمبر أكدت أهمية الحفاظ على سيادة الوطن واستقلاله والدفاع عنه وحماية أراضيه وصون مقدراته وثرواته من النهب والسلب والتوجه نحو بناء اليمن وتقدمه في جميع المجالات وجعله يأكل ويلبس مما ينتج والوصول به إلى مرحلة الاكتفاء الذاتي والتصدير إلى الخارج وقد لمس الشعب اليمني وشهد التضحيات الجسام التي سطرها المجاهدون بدمائهم الزكية في سبيل الله والدفاع عن مظلومية هذا الشعب في وجه قوى الاستكبار والطغيان العالمي وفي الذكرى السابعة لقيام هذه الثورة المباركة فإن اليمنيين على أعتاب عهد جديد من الحرية والاستقلال والعزة والكرامة التي تصون حقوقهم وحريتهم بالعيش بعزة وشموخ بعيدا عن تدخلات أمريكا والسعودية ومن دار في فلكهم وفرض قرارهم على سيادة اليمن واليمنيين ومعيشتهم، ومن هذا المنطلق فإن ثمن الحرية غال ويحتاج إلى المزيد من الصبر والنضال والعزيمة والتضحية بالمال والنفس وبكل غال ونفيس، وبفضل الله سبحانه وتعالى وحكمة القيادة الثورية وعزيمتها إن النصر قريب بإذن الله .
وكيل وزارة المالية

قد يعجبك ايضا