اتسمت بوعي عميق إزاء مخططات ومؤامرات الأعداء ثورة الـ21من سبتمبر الشعبية أفشلت مشاريع تمزيق اليمن وقضت عليها في المهد

 

النظرة الثاقبة لقيادة الثورة لمسارات الأحداث كانت وراء إخفاق مخطط “الأقلمة” في كل مراحله
محاولات أمريكا وأدواتها في المنطقة فرض أجندتها بالقوة تحطمت على صخرة الوعي الثوري والوطني

جاءت ثورة الـ21من سبتمبر 2014م، لتجهض مخططات تفكيك وتقسيم اليمن تلك المخططات التي حملت شعارات براقة للالتفاف على ثورة الشباب وتخديرهم بتلك العناوين البراقة التي وضعها الأعداء التاريخيون لليمن وشعبه.
كانت السفارة الأمريكية مسرح الإعداد لرسم خريطة الأقاليم وما نفثته في تلك الخريطة من سموم وأحقاد ترمي إلى تمزيق الوطن وبث روح العداوات والخلافات بين أبنائه، لكن الثورة الشعبية وقيادتها الرشيدة أدركت حجم المؤامرة ووضعت حدا لها وهي في المهد، وهو ما دفع العدوالأمريكي وأدواته في المنطقة لكي ينتقلوا إلى الخطة “ب” المتمثلة في شن العدوان الغاشم لفرض أجندتهم ومؤامرتهم بالقوة العسكرية وهو ما فشلوا فيه أيضا بعد سبع سنوات من العدوان الذي يتكشف قبحه وأهدافه يوما بعد آخر.

الثورة / إبراهيم الاشموري

كان الشعب اليمني يرى في مؤتمر الحوار مخرجا لأزماته، وأوكل إلى المتحاورين مهمة رسم معالم الدولة المدنية الجديدة والمستقبل المنشود في دولة المساواة لكن النفوذ الخارجي داخل كواليس المؤتمر كان قويا واستطاع فرض الكثير من المخرجات بطرق التفافية شتى.
وبرز مشروع الأقلمة لتقسيم اليمن إلى عدد من الأقاليم، أثناء مؤتمر الحوار الوطني الذي انطلق في صنعاء في 18 مارس 2013م، بدعم خارجي غير مسبوق، وعلى الرغم من أن الفيدرالية وجدت كفكرة لتوحيد دول/ دويلات مستقلة، مختلفة عرقياً ودينياً ولغوياً في دولة اتحادية، لكنها في اليمن تُقسم الدولة الموحدة، وتُقدم صيغة مثالية للصراع مستقبلاً.
وحظي مشروع الأقلمة بترويج دولي كبير على رأسه أمريكا وأدواتها في المنطقة، باعتباره علاجاً ناجعاً للمشاكل والاحتقانات السياسية التي يعانيها البلد. لكن القوى اليمنية الشريفة والوطنية- وفي مقدمتها أنصار الله- كانت تدرك – حينها- أنه لم يكن سوى مُقترح أمريكي حرص عليه ورعاه سفير واشنطن في صنعاء جيرالد فايرستاين.
وفي يناير 2014م أصدر هادي قرارا بتشكيل لجنة تحديد الأقاليم، تتولى هذه اللجنة القيام بدراسة وإقرار خيار ستة أقاليم – أربعة في الشمال واثنان في الجنوب، وخيار إقليمين وأي خيار ما بين هذين الخيارين يحقق التوافق ويكون قرارها نافذاً، كما تقوم اللجنة بتحديد عدد الأقاليم والولايات (المحافظات) التي سيتشكل منها كل إقليم مع مراعاة الواقع الحالي والتجاور الجغرافي وعوامل التاريخ والثقافة، على أن ‌ترفع اللجنة تقريرها النهائي إلى لجنة صياغة الدستور وتحدد فيه عدد الأقاليم والولايات (المحافظات) التي يتكون منها كل إقليم، ليتم النص عليها في الدستور.
وفي 29يناير م2014 رأس هادي الاجتماع الأول للجنة تحديد الأقاليم وذلك بغرض البدء في التنفيذ العملي لمهام اللجنة.
وفي 10 فبراير2014م تم الإقرار النهائي لأقاليم الدولة الاتحادية على أساس ستة أقاليم، ذلك في الاجتماع الذي رأسه هادي و اعتماد الأقاليم الستة: الإقليم الأول المهرة حضرموت شبوة وسقطرى ويسمى إقليم حضرموت وعاصمته المكلا، الإقليم الثاني الجوف مارب والبيضاء ويسمى إقليم سبأ وعاصمته سبأ، الإقليم الثالث: عدن وأبين ولحج والضالع ويسمى إقليم عدن وعاصمته عدن، الإقليم الرابع: تعز وإب ويسمى إقليم الجند وعاصمته تعز، الإقليم الخامس: صعدة صنعاء عمران وذمار ويسمى إقليم آزال وعاصمته صنعاء، الإقليم السادس: الحديدة ريمة المحويت وحجة، ونظراً للأهمية الخاصة لمدينتي أمانة العاصمة صنعاء وعدن فقد تم تقديم عرضين خُصصا لإعطاء رؤية عامة حول وضع هاتين المدينتين لتمكينهما من لعب الدور المتوقع منهما كركيزتين أساسيتين في الدولة الاتحادية.
وقد مثل اليوم الذي صدر فيه قرار بتشكيل لجنة الأقاليم محطة خطيرة في مسار الحوار التي انخرطت فيه كافة القوى السياسية الفاعلة في الساحة، فقد بدأ واضحاً في ثنايا هذا القرار تأثير حمل الأجندة الخارجية الهادفة لتقسيم البلاد وإضعاف الكيان اليمني كدولة موحدة ذات سيادة.
وعبرت العديد من المكونات والنخب السياسيين بينها أنصار الله عن رفضهم لمخرجات لجنة تحديد الأقاليم، واستهجانه للطريقة التي جرى بها سير عمل اللجنة.
فاصبح مشروع الأقلمة كحالة ملحة وأولوية قصوى، وخياراً بديلاً بعد فشل النظام السعودي في إجهاض الوحدة من لحظة تحقيقها 1990م وخيبة مساعيه في العودة للانفصال على أساس إقليمين أو هي تطوير المشروع السعودي الذي طرح في 1994م ستة أو سبعة أقاليم أو مخاليف.
سفير السعودية في الأمم المتحدة بندر بن سلطان قالها آنذاك” اليمن السعيد سنقسمه إلى سبع دويلات ليظل اليمن التعيس.. إذاً الاشتراكي طرح مشروع السعودية لليمن 1994م وهدفها الحقيقي كان «فصل حضرموت» والمؤتمر طرح مشروع السعودية 1994م المطور في نسخة ما بعد 2011م لقياس الاختيار والاختبار للأطراف السياسية وهكذا في ظل استحالة توافق الأطراف السياسية المتحاورة على الأقلمة.
وحين فشل عملاء السعودية في تمرير مشروع الدستور باعتباره الضامن لتحقيق الأقلمة التفكيكية، اختارت سبيل العدوان لتحقيق هذه الغاية الدنيئة بالقوة وهو ما يتجسد فعليا من خلال العدوان الغاشم الذي بدأ في 26 مارس 2015م تحت شعارات زائفة لا صلة لها بالنوايا الحقيقية المبيتة.
وبقدر ما مثل «هادي» والحوار الوطني المخرج من الأزمة، كما تصور الجميع، فقد بات “هادي والحوار” المدخل الأشد للأزمة وبالذات عندما أصبحت الأقلمة والدستور صلاحيات لهادي ولا علاقة لها بالحوار والمتحاورين.
خطط التدمير الناعمة
قوى العدوان بدأت التنفيذ العملي لمشروعها على الأرض اليمنية، ونجحت في تحويل ثورةُ 2011م إلى أزمة بين طرفي الحكم، وكلاهما من حلفائها، وكانت المبادرة الخليجية هي الحل لإنهاء ” أزمة الحليفين” ” وإعادة تقسيم السلطة بينهما، فكانت مبادرة ملغومة بامتياز أنتجها النظام السعودي.
وكانت قوى العدوان ترى أن عملياتها السياسية التي أطلقتها ستضمن لها تفتيت البلاد بتوافق اليمنيين، بل من خلال شرعنة ذلك في الدستور، ما يضمن لها السيطرة على مقدرات وثروات وجغرافية اليمن، دون أي خسائر .
قدمت مؤسسات الملياردير الأمريكي المتصهين ” جورج سورس ” الدعم اللوجستي لرعاية مؤتمر الحوار الوطني ، ورسمت خريطة اليمن الاتحادي والأقاليم في السفارة الأمريكية بصنعاء، وتكفل مشروع الدستور بتوفير الشرعية والقانونية لأي نزاعات مناطقية أو قبلية ، حيث جرت صياغة مشروع الدستور وكأن اليمن أرض لشعوب وأقوام متعددة .
فالمادة السادسة من مشروع الدستور ، أعطت الحق لأي ” محافظة أو إقليم ” بتقرير مصيره السياسي ” وفقا لوثيقة العهد الدولية التي صادقت عليها اليمن ”، كما نصت المادة الثانية على ضرورة اهتمام الدولة بـ ” اللغتين ، السقطرية والمهرية ” في مسعى لتكريس الوعي بأن أبناء محافظتي المهرة وسقطرى شعوب مختلفة لا تنتمي إلى اليمن وهذا يفسر ما يمارسونه حالياً من غزو واحتلال لهما.
الأمر لا يقتصر على خطورة تلك المادتين , فهناك الكثير من المواد التي تضمنها مشروع الدستور ووثيقة الضمانات في مخرجات الحوار .
لقد أظهر مكون أنصار الله إرادة حاسمة في رفض مشروع الأقاليم الستة، المشروع الذي خرج من عباءة القائمين على كتابة مُسودّة الدستور الجديد ، حيث رفض مكون أنصار الله في لجنة كتابة الدستور توقيع المُسودّة النهائية للدستور التي تنص على تقسيم اليمن إلى ستة أقاليم، بعد ارتكاب الفار هادي مخالفات وتجاوزات جسيمة استهلها بتعيين نفسه رئيساً للهيئة الوطنية للرقابة على مخرجات الحوار الوطني لتمرير الدستور وفقا لهواه ولرغبات النظام السعودي الذي أنتج المبادرة الخليجية، فانسحب ممثلو أنصار الله من الهيئة الوطنية للإشراف والرقابة على تنفيذ مخرجات الحوار التي شكَّلها الفار هادي في 24 أبريل 2014م احتجاجاً على التجاوزات والمخالفات الساعية لتمرير مُسودّة الدستور.
واعتبر ممثلو أنصار الله -في بيان صادر عنهم حينها- أن الهيئة تسعى لتمرير مخالفات وتجاوزات واضحة في عملية انقلاب صريحة على اتفاق السلم والشراكة الوطنية، الذي أكد على تصحيح الاختلالات في تشكيل وإنشاء الهيئة الوطنية بما يعيد لها الدور الحقيقي المنوط بها وفق مخرجات مؤتمر الحوار الوطني وبما يمكنها من القيام بمهامها بصورة سليمة .
ومن نقاط التجاوزات والمخالفات في أعمال الهيئة إقدامها على استلام مسودة الدستور قبل جاهزيتها، وتجاوزها مرجعيات العملية السياسية، حيث نصت على الستة الأقاليم في مخالفة صارخة لوثيقة السلم والشراكة وتحديداً بندها العاشر الذي نص على: “تعمل الهيئة الوطنية عبر الإشراف على لجنة صياغة الدستورّ- ضمن قضايا أخرى- على معالجة قضية شكل الدولة بطريقة تلتزم بمخرجات مؤتمر الحوار الوطني الشامل”، هذا بالإضافة إلى بعض الاختلالات الأخرى .
حينها حاول أحمد عوض بن مبارك كأمين عام لمؤتمر الحوار أن يذهب إلى هادي للتوقيع على الرؤية النهائية لمخرجات مؤتمر الحوار قبل التوافق عليها ومحاولة فرض واقع يمني لا يلبي طموحات أبناء اليمن ولا أهداف ثورة فبراير، حينها تحرك الشعب اليمني بقيادة أنصار الله وعملوا على إجهاض تلك المؤامرة التي تستهدف اليمن أرضا وإنسانا ووحدة.حيث تصاعد الحراك الشعبي الرافض لسياسات حكومة باسندوة وفشلها في إدارة البلاد وانتشار الفساد واختلال الوضع الأمني واغتيال كثير من الكوادر القيادية -مدنية وعسكرية- وعجزها عن الوفاء ببرنامجها وتعهداتها ما أدى إلى تزايد الأزمة الاقتصادية وفرض جرع اقتصادية قاتلة وغير مدروسة الأمر الذي أدى إلى احتشاد الجماهير في العاصمة صنعاء ومداخلها مطالبين بإلغاء الجرعة وإقالة الحكومة ومحاسبة الفاسدين .
قدمت حكومة باسندوة استقالتها، لتشهد البلاد حوارا بين المكونات السياسية، أفضى إلى التوقيع على اتفاق السلم والشراكة وتشكيل حكومة خالد بحاح لإدارة الدولة، على أن تستمر القوى السياسية في الحوار حول القضايا المختلف بشأنها ومنها شكل الدولة ودستورها ونظام الحكم .
أدركت القوى الخارجية المعادية للثورة وأدواتها في الداخل أن مشاريعها وخططها ستفشل في حال وصول أبناء اليمن إلى اتفاق وطني جامع شامل، فبادرت تلك القوى إلى افتعال الأزمات ومحاولة تعطيل الحوار الذي أوشك على الاستكمال برعاية ممثل الأمين العام للأمم المتحدة جمال بنعمر ، وبادرت حكومة بحاح إلى تقديم استقالتها وقدم هادي استقالته كمؤامرة لإرباك المشهد السياسي لإيجاد واقع فوضوي في الساحة اليمنية، ينهي اتفاق السِّلم والشراكة الذي أتت به ثورة الحادي والعشرين من سبتمبر والمُوقّع من كل الأطراف السياسية.
ثم بدأت دول الاستكبار العالمي وأدواتها في المنطقة -وفي مقدمتها النظام السعودي- بفرض عزلة سياسية على اليمن من خلال سحب السفارات من صنعاء ونقلها إلى عدن لتكتمل الصورة بتقديم هادي استقالته وهروبه وبعض أعضاء الحكومة المستقيلة إلى عدن وإعلان عدن عاصمة مؤقتة لليمن.
عندما أيقنت دول العدوان فشل مخططاتها في تفكيك اليمن بعد محاولاتها المستميتة من خلال البوابة السياسية، عمدت إلى تنفيذ سلسلة من الاغتيالات والتفجيرات التي استهدفت قيادات جماعة أنصار الله والسلم الأهلي والاجتماعي، لم تسلم منها حتى المساجد .
إعلان الحرب لتفكيك اليمن بالقوة
عندما فشل تحالف العدوان في مشاريعه التفكيكية عبر وسائله الناعمة، أعلن عدوانه على اليمن، فجر يوم الخميس 26 مارس 2015م، وكان الهدف هو تنفيذ مخطط قوى العدوان في فرض مشروع تقسيم اليمن بالقوة بعد أن فشلت محاولاته المستميتة في تمريره من خلال عملائه من مرتزقة الداخل .
وعلى مدى سنوات العدوان، عمل التحالف السعودي- الإماراتي على تشكيل قوات عسكرية بمسميات وتفرعات مناطقية، وأخرى سياسية خارجة عن سلطة الفار هادي، وبحسب تقرير صادر عن لجنة الخبراء التابعة للأمم المتحدة، فقد عملت دول العدوان على تأسيس دويلات داخل الدولة اليمنية.
حيث قامت أبوظبي بإنشاء ما يُسمى (المجلس الانتقالي الجنوبي) بنزعة انفصالية بحتة، أما عسكريا؛ فأوجدت قوات الحزام الأمني بعدن والنخبة الحضرمية في حضرموت والنخبة الشبوانية في شبوة والنخبة المهرية في المهرة والنخبة السقطرية في سقطرى وقوات المقاومة الجنوبية والمقاومة التهامية، ودعمت كتائب أبو العباس في تعز وسعت لإنشاء حزام أمني هناك .
فقد بلغ المخطط السعودي – الإماراتي في اليمن ذروته؛ حيث تحولت مؤشرات المخطط بإنشاء كيانات مسلحة ذات عقيدة انفصالية، تضمن نجاح مخططات دول العدوان في مشاريع تقسيمية تخدم المصالح الصهيوأمريكية العليا، تتقاسم فيه الإمارات والسعودية الغنائم عبر وكلائهما على الأرض .
وقامت السعودية والإمارات بعمليات تسليح وتجنيد واسعة في المحافظات الجنوبية، قاتلوا جميعهم ضد قوات الجيش واللجان الشعبية، ووصلت إلى الحدود “الشطرية” مع الشمال وتوقفت هناك دون تحرك.
كما أنشأت أبوظبي مليشيات محلية تصل إلى أكثر من 150 ألف مقاتل، إضافة إلى هيئات متعددة، تُطالب بالانفصال عن الشمال، أبرزها المجلس الانتقالي الجنوبي الذي تأسس في 2017م، بدعم من الإمارات، والذي تنضوي تحته مليشيات شبه عسكرية أبرزها الحزام الأمني في عدن الذي يصل عدد قواته إلى نحو 30 ألف جندي، في عدن وحدها.
وتواجدت قوات تابعة للإمارات مناظرة للحزام الأمني بنفس التسمية، في “الضالع ولحج وأبين” وبمسميات أخرى مثل النخبة في “شبوة وحضرموت”، بالإضافة إلى محاولاتها إنشاء قوات تابعة لدول العدوان في الساحل الغربي ومحاولة فصل المخا عن مدينة تعز .
وشكَّل سقوط مدينة عدن -بأيدي المليشيات المحسوبة على أبوظبي- حلقة من مخطط سعودي ـ إماراتي يؤسّس لجولات من الاقتتال الأهلي،ويستهدف إعادة البلاد إلى ما قبل 1990م (قبل الدخول في الوحدة).
وشهدت مدينتا عدن ولحج من خلال مليشيات ما يسمى «الحزام الأمني» الموالية للإمارات عمليات تهجير وترحيل واسعة لسكان المحافظات الشمالية، وهو ما اعتبره مراقبون أساليب تعكس رغبة أطراف سياسية وقوى إقليمية في تعميق الفجوة المجتمعية بين أبناء الجنوب والشمال وتمرير مشاريعها الصغيرة في تمزيق اليمن الموحد، كما لم يسلم المسافرون في الضالع ومارب وعدن من الانتهاكات والجرائم الجسيمة من قبل مليشيات الرياض وأبو ظبي.
وبقيادة حكيمة تمكنت صنعاء من الإطاحة بمشروع التقسيم وفرض معادلات استراتيجية جديدة، مكنتها من ذلك إنجازاتها الميدانية المتلاحقة في فرضة نهم ومحافظتي الجوف ومارب .وتمكن الجيش اليمني واللجان الشعبية من إحراز انتصارات استراتيجية هامة وواسعة، عملت على تقويض مخططات قوى العدوان التي كانت تُعدّها لليمن، ومنعت التحالف السعودي من إمكانية رسم أي خارطة لليمن وفق رغباته وأطماعه، فتمت استعادة نهم والجوف وأجزاء واسعة من مارب لتبقى المدينة في انتظار القرار السياسي لتحريرها من قوى العمالة والارتزاق لدول العدوان وهو ما جعل صنعاء – بحسب مراقبين – تفرض نفسها كصاحبة القرار الأول والأخير في تقرير مصير اليمن، بالتعاون مع المكونات الأخرى.
وعود قائد الثورة بتحرير كامل الأراضي اليمنية
الخطاب الأخير لقائد الثورة السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي بذكرى استشهاد الإمام زيد بن علي عليهما السلام، رسم الخطوطَ العريضةَ الواضحةَ، وخارطة الطريق الرئيسية، لمسار اليمن المقاوم، ومستقبله، بناء على ثوابت محسومة وغير خاضعة لأي مساومات أَو مناقشة، وحمل رسائل مهمةً للأعداء؛ تتضمن المضي نحو تحرير كامل أراضي الجمهورية اليمنية، والرفض القاطع والصريح لأي خيار ينطوي على وصاية جزئية أَو كلية من أي نوع على البلد، إلى جانب المضي في القيام بالدور الإقليمي الأوسع في مناهضة الهيمنة الأمريكية الإسرائيلية على المنطقة، وبالتالي فَـإنَّ أي محاولة من قبل الأعداء للالتفاف على هذه الثوابت محكومةٌ بالفشل مسبقًا.
الخطابُ جاء “ثورياً” بامتيَاز، وبصورة ظهر فيها موقف الشعب اليمني وقيادته اليوم أمام تحالف العدوان وقوى الهيمنة الخارجية، كامتداد عملي لموقف الإمام زيد بن علي وأصحابه في وجه الطغيان الأموي، وهو موقفٌ استثنائي تميزه عدة أمور، أبزرُها الثباتُ الكاملُ على المبدأ التحرّري، بشكل لا تبقى معه أي مساحة للتراجع أَو المساومة أَو إعادة التفكير مرة أُخرى.
قائدُ الثورة عبّر عن ذلك الامتداد بوضوح، إذ أكّـد على “حسم الخيارات والقرارات” المتعلقة بالمواجهة، وركّز على نقاط أربع، كمحاورَ رئيسية لهذه الخيارات والقرارات، مقدماً إياها كحتميات.
النقطة الأولى كانت “تحرير كامل البلد واستعادة كُـلّ المناطق التي احتلها تحالف العدوان”، وهي رسالة شديدة الوضوح موجهة للعدو في ما يتعلق بمساعيه الواضحة والمعلنة للحفاظ على وجوده في المناطق المحتلّة، ومحاولاته لشرعنة ذلك الاحتلال وفرضه كأمر واقع.
ولا يخفى ارتباط هذه الرسالة بالمطالب الرئيسية التي كان قائد الثورة نفسه قد أعلنها سابقًا، بخصوص “السلام” الفعلي والحقيقي، والتي تتضمن ضرورة خروج كافة القوات الأجنبية من المناطق والجزر اليمنية المحتلّة، وبالتالي فَـإنَّ الرسالة الأخيرة تعلن بوضوح أن هذا المطلب غير قابل للمساومة أَو التجزئة، بل يكاد هذا الإعلان أن يبرز ملامح خطة عملية معدة لدى القيادة بشأن تحرير المحافظات المحتلّة، وقد حرص القائد على أن يحدّد بعض مناطق التواجد العسكري الأجنبي بالاسم، في إشارة إلى أن جميع تحَرّكات العدوّ تحت الرصد والمتابعة المستمرة، وهو ما يرتبط بما كان قد أعلنه سابقًا ناطق أنصار الله، محمد عبد السلام، بوضوح، بحق القوات المسلحة في ضرب القوات البريطانية المتواجدة في المهرة.
وتتوجّـه هذه الرسالة أَيْـضاً إلى الداخل، كبشارة للشعب الذي بات يعرف جيِّدًا أن القيادة لا تطلق وعوداً فارغة، وكإنذار للمخدوعين الذين يعولون على التواجد الأجنبي، ويبنون عليه مواقفهم العدائية.
النقطة الثانية من الحتميات التي ركز عليها القائد في خطابه الثوري، كانت “ضمان حرية واستقلال البلد وعدم خضوعه لأي وصاية أجنبية”،وهي مرتبطة بالنقطة الأولى، لكنها تشيرُ بشكل رئيسي إلى المستقبل السياسي لليمن، وحديثُ قائد الثورة هنا لا يأتي من منطق/“التوقع” أَو إطلاق شعارات حماسية لحظية، ولكنه تأكيدٌ على أن امتلاك السيادة الكاملة والاستقلال التام هو أيضا أحد الثوابت الرئيسية التي لا يمكن تجاوزها أَو إزاحتها أَو الالتفاف عليها.
وهي رسالة أُخرى للعدو مفادُها أن أي محاولات للمساومة على السيادة والاستقلال، وأي “حلول” تنطوي على وصاية جزئية أَو كلية من أي نوع، محكومة بالفشل مسبقًا، وأن التحرّرَ الكامل غيرُ المنقوص، هدفٌ جوهري لمسار مواجهة العدوان لا تراجع عن تحقيقه، سواء على الطاولة، أَو بالقوة.
ترتبط النقطتان السابقتان بشكل واضح بمساعي دول العدوان ورعاتها المتواصلة للالتفاف على مطالب السلام الحقيقي، ومحاولة التحكم بمستقبل اليمن عن طريق فرض خطوط حمراء وضغوط من شأنها الإبقاء على التواجد الأجنبي والوصاية الخارجية، ضمن “حلولٍ” مزيَّفة،غرضُها تقييدُ خيارات صنعاء التحرّرية، إلا أن حديث قائد الثورة هنا يتجاوز بوضوح كُـلّ هذه المساعي ويؤكّـد أن حسابات العدوّ مازالت متأخرة للغاية، وستكلفه الكثير.
النقطة الحتمية الثالثة التي عبّر عنها القائد بقوله: “شعبُنا سيكون حُــرًّا عزيزًا وليس متسولًا عند آل سعود أَو آل نهيان”، هي بدورها مبنيةٌ على النقطتين السابقتين، وهي تقدم صورة مباشرة وواضحة عن انتهاء زمن تسلط الرياض وأبو ظبي على اليمن سياسيًّا واقتصاديًّا، وهذه الصورة تحمل رسائل مهمة بالنظر إلى أن الرياض وأبو ظبي، لا زالتا بالفعل تتصرفان وِفْـقاً على اعتقادهما بأنهما تستطيعان التحكم بمستقبل اليمن والإبقاء على نفوذهما فيه، حتى مع خسارة الحرب، سواء من خلال محاولات إعداد “طرف ثالث” يتبعهما، أَو من خلال تفريخ عدة أطراف جديدة من العملاء لتكون حاضرة في المستقبل السياسي؛ مِن أجلِ الإبقاء على النفوذ السعوديّ الإماراتي في البلد، ورهن مصالح اليمنيين وأمنهم بإرادَة وإملاءات الرياض وأبو ظبي.
إن الصورةَ المستقبلية الحتمية التي يقدمها قائد الثورة في هذه الجزئية، تتجاوزُ مساعيَ الرياض وأبو ظبي السياسية والاقتصادية ومخطّطاتهما البديلة، وتؤكّـد على أن الصورةَ القديمةَ لليمن الخاضع لنفوذ النظامين السعوديّ والإماراتي، لم يعد لها مكان، وأن محاولة الإبقاء على هذا النفوذ -تحت أي عنوان- مسألةٌ مرفوضةٌ بشكل قاطع، كما تؤكّـد أن اليمن يمتلك اليوم مسارًا معدًّا وواضحًا للوصول إلى الهدف المستقبلي المنشود، ولن يخضع لأي ضغوط في هذا المسار.
وتأتي النقطة الرابعة متسقة تماماً مع الحتميات السابقة، فاليمن المحرّر والمستقل الذي يمتلك سيادته التامة ولا يخضع سياسيًّا أَو اقتصاديا لنفوذ أنظمة الخليج “سيكون حاضرًا للتكامل مع أحرار الأُمَّــة في كُـلّ القضايا الكبرى”، وفي مقدمتها بالطبع القضية الفلسطينية، ومسار التحرّر من الهيمنة الغربية الصهيونية على بقية بلدان المنطقة، وهذا تأكيدٌ على أن تعزيزَ الدور الإقليمي لليمن هو أحد الأهداف الجوهرية لمسار مواجهة العدوان، وهو خيار غير خاضع للمساومة.
هكذا، -وبإيجازٍ شديدٍ- رسم قائد الثورة خارطةَ الطريق، والأهدافَ والثوابتَ الرئيسيةَ للمشروع التحرّري الذي يأتي مسار مواجهة العدوان في إطاره، ويلتزم بأدبياتِه في كُـلِّ المجالات، فالنقاطُ المذكورة ليست وعودًا فارغة، بل محدّداتٌ وموجِّهاتٌ تحكُمُ السلوكَ العملي في السياسة وفي الاقتصاد وفي الحرب على الواقع الراهن، وتدخُلُ بوضوح في كُـلِّ المِلفات التي يسعى العدو اليوم للتحكم بها ورهنها بإرادته ورغباته، بدءاً من مِلف محافظة مأرب، وُصُـولاً إلى مِلف علاقة اليمن المستقبلية بدول محور المقاومة.
ويمكن إجمال كُـل ما سبق في نقطة واحدة، هي أن اليمنَ اليوم هو مَن يفرِضُ الشروطَ، وأن الشعبَ اليمني ماضٍ في المسار التحرري الشامل، ولن تعيقه أي ضغوط أَو مناورات عن تحقيق أهداف هذا المسار.

قد يعجبك ايضا